احسـ العالم ـاس
01-09-2003, 10:37 PM
اغتيال 'خوميني العراق' , لطمة من ولمن
عملية اغتيال محكمة جرت بطريقة مرتبة ومنظمة , لماذا اغتيل الحكيم ؟ لماذا تمت عملية تصفيته بمثل هذه الطريقة ؟ هل يحتاج قتل مثله إلى سفك دماء أكثر من ثلاثمائة مصل من الشيعة ؟ لماذا تعمد قاتلوه توجيه حربتهم إلى أنصاره معه ؟ كل هذه الأسئلة من الصعب الإجابة عليها قبل تحديد الفاعل الحقيقي وراء اغتيال المرجع الشيعي الأشهر في العراق , وهذا بدوره يحتاج إلى سبر أغوار المعادلة العراقية برمتها وإلى تحديد الجهة الأكثر ارتياحا لمقتل 'خوميني العراق' ..
ويبدو هذا الأمر أيضا صعبا بالنظر إلى وجود أكثر من مستفيد من مقتل الرجل , في الوقت الذي نجد فيه أن عين المستفيد هو متضرر كذلك لغياب الحكيم !!
مقتضى الصدر وشيعته , مستفيدون أكثر من غيرهم من زوال رمز منافس لزعامة الصدر , فالحكيم كان شخصية فذة , كان عالما شيعيا مبرزا , وكان مناضلا فريدا في نظر الشيعة , سجنه صدام وعذبه , وعانى كثيرا من النفي بعيدا عن بلاده برغم الحفاوة البالغة في جمهورية إيران حاضنة الطائفة الشيعية في العالم , وكان شخصية شعبية له دور بارز في خدمة أتباعه , وخطيبا مفوها , ولم يكن كل هذا يرضي مقتضى الصدر الطامح لوراثة رمزية باقر الصدر 'الشهيد الشيعي المحبوب' الذي اتُهم صدام حسين بقتله , وكان مقتضى الصدر يعتبر الحكيم عقبة كأداء في طريق تزعمه للطائفة الشيعية .
والواقع أن الصراع الخفي بين الرجلين لم يكن لأجل كرسي الزعامة فقط وإنما كان يشاركه الطمع في أكبر مصدر مالي لدى آيات هذه الطائفة وهو خمس المال , وكان كل واحد له طريقته في الكسب الجماهيري , فالصدر يميل إلى تحريك الجماهير الشيعية على نحو ثوري , إذ إن حداثة سنة وقلة تجربته جعلته مفتونا بكاريزما زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله , الحكيم يميل إلى الأسلوب الهادئ ـ نسبيا ـ مع الولايات المتحدة الأمريكية والتفاوض التدريجي معها ، مما جعل الالتفاف الجماهيري يزيد نحو الأخير .
ومع كل ذلك , فتوجيه الاتهام إلى الصدر ربما احتاج إلى أدلة أكثر رسوخا , إذ الرجل يعي جيدا أن أصابع الاتهام داخل الصف الشيعي ستوجه إليه وقد يجر ذلك إلى حرب أهلية , ولن يقتل كذلك رمزية الحكيم ؛ بل بالعكس ستقوي 'المجلس الأعلى للثورة الإسلامية' الذي كان يترأسه الحكيم , وستدعم اتجاه الحركة التي دفع زعيمها حياته ثمنا لها , وستصنع منه 'شهيدا' تبكيه الطائفة التي يقوم دينها على 'النواح' !!
والولايات المتحدة كذلك مستفيدة من مقتله لتقليم أظافر الشيعة أولا بأول , غير أن استفادتها المحدودة تلك لا تبرر الخسارة الفادحة التي ستدفعها الولايات المتحدة ثمنا لمقتله.
فالولايات المتحدة تدرك أن باغتياله في عملية يروح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح ستثبت أولا بما لا يدع مجالا لشك أن الولايات المتحدة الأمريكية التي يقتل ويجرح من جنودها ما لا يقل عن عشرة كل يوم عاجزة عن حفظ الأمن كذلك في أكثر من موقع مهم في العراق , فمن البعثات الديبلوماسية العربية والمؤسسات الدولية التي تضرر تواجدها كثيرا بتفجير السفارة الأردنية الذي أسفر عن مقتل وجرح العشرات , وتدمير مقر الأمم المتحدة بفندق القناة الذي أدى أيضا إلى عشرات القتلى والجرحى , إلى قتل رمز شهير للشيعة في أهم مكان مقدس للشيعة 'ضريح الإمام علي رضي الله عنه' في أهم مدينة بالنسبة للشيعة في العالم 'النجف الأشرف' في عملية دموية أعادت إلى الأذهان عملية تدمير مقر المارينز الأمريكي في لبنان في أوائل الثمانينات والتي نفذها شيعة لبنانيون وأسفرت عن مقتل وجرح عدد مقارب من الأمريكان . [ربما سيطيب لبعض المراقبين المقارنة بين العمليتين باعتبار أن الأمريكان أرادوا الثأر لقتلاهم بعد عقدين من الزمان , فأرادوا حرق قلوب الشيعة في هذا المكان بالذات ولهذا الرمز , أو ربما سيقول سيقرن آخرون بين العمليتين باعتبار أنهما ولدتا من رحم واحدة فيكون الشيعة هم الفاعل في الحالين.]
وثانيا أن الولايات المتحدة ستضع ذاتها ساعتئذ في خانة من يستهدف الشيعة في العراق من دون أن يكونون مقاومين لها , وبالتالي ستستعديهم ـ حال انكشاف أمرها ـ دون داع , وستوسع حينئذ دائرة المقاومة ضدها , وهي لم تستفق من ضربات المقاومة السنية الفتية التي جعلتها تترنح لا تألوا على شيء .
وثالثا ستثبت لـ'أصدقاءها' في العراق أن ليس لديها عزيز منهم حين تتعارض المصالح , فالحكيم ظل حتى مقتله على اتصال مع الأمريكيين , وتربطه علاقات بجهاز الـ'C.I.A' علاقات أثبتتها الأموال التي كانت تتلقاها المعارضة العراقية بما فيها 'المجلس الأعلى للثورة الإسلامية' في العراق الذي كان يترأسه المغدور في المنفى إبان حكم صدام حسين , وحينئذ ستستعدي الولايات المتحدة عليها حتى حلفاءها في العراق .
أما أهل السنة فمستفيدون من مقتله لإزاحة 'كاريزما' الرمز الشيعي الأبرز ؛ حيث لا رمز سنيا مبرزا في العراق , مستفيدون من جر قدم الشيعة للمقاومة وفق رؤية ـ ربما ـ تقول بأن هزيمة الولايات المتحدة بضربة قاضية في العراق أولى من إقامة حكم سني نقي في العراق .
لكنهم غير معنيين بقتله لأن ثبوت تورطهم سيستدعي مجازر بين الطرفين : السنة والشيعة هم في غنى عنها , ولا يعتقد أن أحدا من السنة سيفكر في استدعاء هذا البلاء , كما أن أيا من المجموعات الإسلامية في العراق لن تستحل وفق أفكارها المعلنة دماء بسطاء ومتعبدي الشيعة مع دماء الكبراء .
وثَم , فالجهة الفاعلة إلى الآن لا تبدو واضحة , غير أننا نستبعد ضلوع السنة في العراق في هذه العملية , وربما كانت الجهة الأولى هي الأقرب للقبول بضلوعها أكثر من غيرها بكثير بحكم العداوة المتأصلة بين الطرفين وماحصل بينهم من قتال في البصرة والنجف وكربلاء ومدينة الثورة ، كذلك سبق للصدر أن تجرأ وقتل الخوئي الإبن في جريمة هزت المجتمع الشيعي .
والأيام حبلى بالأحداث في العراق .. ومن يدري فلعل هذه العملية تعد تأريخا جديدا لعراق ما بعد صدام , فالحدث ليس هينا ,ويتوقع أن تداعياته ستكون على نفس درجة أهميته إن لم تتجاوزه بكثير ..
كتب : أميـر سعيـد
منقول
عملية اغتيال محكمة جرت بطريقة مرتبة ومنظمة , لماذا اغتيل الحكيم ؟ لماذا تمت عملية تصفيته بمثل هذه الطريقة ؟ هل يحتاج قتل مثله إلى سفك دماء أكثر من ثلاثمائة مصل من الشيعة ؟ لماذا تعمد قاتلوه توجيه حربتهم إلى أنصاره معه ؟ كل هذه الأسئلة من الصعب الإجابة عليها قبل تحديد الفاعل الحقيقي وراء اغتيال المرجع الشيعي الأشهر في العراق , وهذا بدوره يحتاج إلى سبر أغوار المعادلة العراقية برمتها وإلى تحديد الجهة الأكثر ارتياحا لمقتل 'خوميني العراق' ..
ويبدو هذا الأمر أيضا صعبا بالنظر إلى وجود أكثر من مستفيد من مقتل الرجل , في الوقت الذي نجد فيه أن عين المستفيد هو متضرر كذلك لغياب الحكيم !!
مقتضى الصدر وشيعته , مستفيدون أكثر من غيرهم من زوال رمز منافس لزعامة الصدر , فالحكيم كان شخصية فذة , كان عالما شيعيا مبرزا , وكان مناضلا فريدا في نظر الشيعة , سجنه صدام وعذبه , وعانى كثيرا من النفي بعيدا عن بلاده برغم الحفاوة البالغة في جمهورية إيران حاضنة الطائفة الشيعية في العالم , وكان شخصية شعبية له دور بارز في خدمة أتباعه , وخطيبا مفوها , ولم يكن كل هذا يرضي مقتضى الصدر الطامح لوراثة رمزية باقر الصدر 'الشهيد الشيعي المحبوب' الذي اتُهم صدام حسين بقتله , وكان مقتضى الصدر يعتبر الحكيم عقبة كأداء في طريق تزعمه للطائفة الشيعية .
والواقع أن الصراع الخفي بين الرجلين لم يكن لأجل كرسي الزعامة فقط وإنما كان يشاركه الطمع في أكبر مصدر مالي لدى آيات هذه الطائفة وهو خمس المال , وكان كل واحد له طريقته في الكسب الجماهيري , فالصدر يميل إلى تحريك الجماهير الشيعية على نحو ثوري , إذ إن حداثة سنة وقلة تجربته جعلته مفتونا بكاريزما زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله , الحكيم يميل إلى الأسلوب الهادئ ـ نسبيا ـ مع الولايات المتحدة الأمريكية والتفاوض التدريجي معها ، مما جعل الالتفاف الجماهيري يزيد نحو الأخير .
ومع كل ذلك , فتوجيه الاتهام إلى الصدر ربما احتاج إلى أدلة أكثر رسوخا , إذ الرجل يعي جيدا أن أصابع الاتهام داخل الصف الشيعي ستوجه إليه وقد يجر ذلك إلى حرب أهلية , ولن يقتل كذلك رمزية الحكيم ؛ بل بالعكس ستقوي 'المجلس الأعلى للثورة الإسلامية' الذي كان يترأسه الحكيم , وستدعم اتجاه الحركة التي دفع زعيمها حياته ثمنا لها , وستصنع منه 'شهيدا' تبكيه الطائفة التي يقوم دينها على 'النواح' !!
والولايات المتحدة كذلك مستفيدة من مقتله لتقليم أظافر الشيعة أولا بأول , غير أن استفادتها المحدودة تلك لا تبرر الخسارة الفادحة التي ستدفعها الولايات المتحدة ثمنا لمقتله.
فالولايات المتحدة تدرك أن باغتياله في عملية يروح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح ستثبت أولا بما لا يدع مجالا لشك أن الولايات المتحدة الأمريكية التي يقتل ويجرح من جنودها ما لا يقل عن عشرة كل يوم عاجزة عن حفظ الأمن كذلك في أكثر من موقع مهم في العراق , فمن البعثات الديبلوماسية العربية والمؤسسات الدولية التي تضرر تواجدها كثيرا بتفجير السفارة الأردنية الذي أسفر عن مقتل وجرح العشرات , وتدمير مقر الأمم المتحدة بفندق القناة الذي أدى أيضا إلى عشرات القتلى والجرحى , إلى قتل رمز شهير للشيعة في أهم مكان مقدس للشيعة 'ضريح الإمام علي رضي الله عنه' في أهم مدينة بالنسبة للشيعة في العالم 'النجف الأشرف' في عملية دموية أعادت إلى الأذهان عملية تدمير مقر المارينز الأمريكي في لبنان في أوائل الثمانينات والتي نفذها شيعة لبنانيون وأسفرت عن مقتل وجرح عدد مقارب من الأمريكان . [ربما سيطيب لبعض المراقبين المقارنة بين العمليتين باعتبار أن الأمريكان أرادوا الثأر لقتلاهم بعد عقدين من الزمان , فأرادوا حرق قلوب الشيعة في هذا المكان بالذات ولهذا الرمز , أو ربما سيقول سيقرن آخرون بين العمليتين باعتبار أنهما ولدتا من رحم واحدة فيكون الشيعة هم الفاعل في الحالين.]
وثانيا أن الولايات المتحدة ستضع ذاتها ساعتئذ في خانة من يستهدف الشيعة في العراق من دون أن يكونون مقاومين لها , وبالتالي ستستعديهم ـ حال انكشاف أمرها ـ دون داع , وستوسع حينئذ دائرة المقاومة ضدها , وهي لم تستفق من ضربات المقاومة السنية الفتية التي جعلتها تترنح لا تألوا على شيء .
وثالثا ستثبت لـ'أصدقاءها' في العراق أن ليس لديها عزيز منهم حين تتعارض المصالح , فالحكيم ظل حتى مقتله على اتصال مع الأمريكيين , وتربطه علاقات بجهاز الـ'C.I.A' علاقات أثبتتها الأموال التي كانت تتلقاها المعارضة العراقية بما فيها 'المجلس الأعلى للثورة الإسلامية' في العراق الذي كان يترأسه المغدور في المنفى إبان حكم صدام حسين , وحينئذ ستستعدي الولايات المتحدة عليها حتى حلفاءها في العراق .
أما أهل السنة فمستفيدون من مقتله لإزاحة 'كاريزما' الرمز الشيعي الأبرز ؛ حيث لا رمز سنيا مبرزا في العراق , مستفيدون من جر قدم الشيعة للمقاومة وفق رؤية ـ ربما ـ تقول بأن هزيمة الولايات المتحدة بضربة قاضية في العراق أولى من إقامة حكم سني نقي في العراق .
لكنهم غير معنيين بقتله لأن ثبوت تورطهم سيستدعي مجازر بين الطرفين : السنة والشيعة هم في غنى عنها , ولا يعتقد أن أحدا من السنة سيفكر في استدعاء هذا البلاء , كما أن أيا من المجموعات الإسلامية في العراق لن تستحل وفق أفكارها المعلنة دماء بسطاء ومتعبدي الشيعة مع دماء الكبراء .
وثَم , فالجهة الفاعلة إلى الآن لا تبدو واضحة , غير أننا نستبعد ضلوع السنة في العراق في هذه العملية , وربما كانت الجهة الأولى هي الأقرب للقبول بضلوعها أكثر من غيرها بكثير بحكم العداوة المتأصلة بين الطرفين وماحصل بينهم من قتال في البصرة والنجف وكربلاء ومدينة الثورة ، كذلك سبق للصدر أن تجرأ وقتل الخوئي الإبن في جريمة هزت المجتمع الشيعي .
والأيام حبلى بالأحداث في العراق .. ومن يدري فلعل هذه العملية تعد تأريخا جديدا لعراق ما بعد صدام , فالحدث ليس هينا ,ويتوقع أن تداعياته ستكون على نفس درجة أهميته إن لم تتجاوزه بكثير ..
كتب : أميـر سعيـد
منقول