المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سير السلف الصالح


لـــذة التـــوبة
19-03-2007, 05:57 PM
أخواني في الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سنتعرض في هذا الموضوع إلى سير وتراجم لبعض سلفنا الصالح رحمهم الله جميعاً، والذي يجهله الكثير منا، وسنقف على بعض المواقف والعبر الهامة من حياتهم، لعلنا نتعلم منهم.

وفقنا الله جميعأً لما يحبه ويرضاه.

الموضوع من بحث و نشر اخ لنا في الله نسأل الله أن يرحم والديه و ينفعه بما علمه و أنقله للإستفادة و العبرة بارك الله فيكم

تحياتي انتظروني

][][ SiCK_LOvE ][][
19-03-2007, 06:02 PM
جزاك الله الف خير اخوي على هالموضوع ,,,

واذا تسمحلي انا بعد عندي مواضيع عن السلف الصالح راح احطها عندك


اخوكم : مـــــحـــــمـــــد

لـــذة التـــوبة
19-03-2007, 08:21 PM
حياك اخوي افرح اذا شاركتني في موضوعي سنبدا الان بـ


الإمام أحمد بن حنبل

اسمه ومولده :
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، أصله من البصرة ، ولد عام (164) هـ ، في بغداد وتوفي والده وهو صغير، فنشأ يتيماً، وتولَّت رعايته أمه .

وقفة : اليتيم قد يكون ناجـحـاً في حياته :

نشأ الإمام أحمد ــ رحمه الله ــ في طلب العلم، وبدأ في طلب الحديث وعمرهُ خمس عشرة سنة، ورحل للعلم وعمرهُ عشرون سنة، والـتقى بعدد من العلماء منهم : الشافعي في مكة ، ويحيى القطَّان ، ويزيد بن هارون في البصرة.

ورحل من العراق إلى اليمن مع يحيى بن مُعين ، فلمَّا وصلا إلى مكة وجدا عبد الرزاق الصنعاني أحد العلماء في اليمن، فقال يحيى بن معين يا إمام يا أحمد : نحنُ الآن وجدنا الإمام، ليس هناك ضرورة في أن نذهب إلى اليمن، فقال الإمام أحمد : أنا نويت أن أُسافر إلى اليمن، ثم رجع عبد الرزاق إلى اليمن ولَحِقـا به إلى اليمن، وبَقِيَ الإمام أحمد في اليمن عشرة أشهر، ثم رجع مشياً على الأقدام إلى العراق .


فلمَّا رجع رأوا عليه آثار التعب والسفر فقالوا له : ما الذي أصابك ؟ فقال الإمام أحمد : يهون هذا فيما استفدنا من عبد الرزاق.

مِنْ عُلوا الهمَّـة عند الإمام أحمد وهو صغير ، يقول : ربما أردتُ الذهاب مبكراً في طلب الحديث قبل صلاة الفجر، فتأخذ أمي بثوبي وتقول : حتى يؤذِّن المؤذِّن .

ثـناء العلمـاء على الإمـام أحمـد :

* قال عبد الرزاق شيخ الإمام أحمد : ما رأيت أحداً أفْـقَـه ولا أوْرع من أحمد.
* قالوا : إذا رأيتَ الرجل يحبُ الإمام أحمد فاعلم أنَّـه صاحب سنة .
* قال الشافعي وهو من شيوخ الإمام أحمد : خرجتُ من بغداد فما خلَّفتُ بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفْـقَـه من أحمد بن حنبل.
* قال يحيى بن معين : أراد الناس أن يكونوا مثـل أحمد بن حنبل ! لا والله ، ما نقوى على ما يقوى عليه أحمد ، ولا على طريقة أحمد .
* كان الإمام أحمد يحفظ (ألف ألف) حديث ، يعني (مليون) حديث. أي مجموع الروايات والأسانيد والطرق للأحاديث .
* مِنْ حِفْـظِ الإمام أحمد للحديث كان يقول لابنـه : اقرأ عليَّ الحديث وأُخبركُ بالسند، أو اقرأ عليَّ الإسناد لأخبرك بالحديث .

عِفَّـة الإمـام أحمـد :

* لمَّا رحل لطلب العلم لم يكن لديه مال ، فـكان يحمل البضائع على الجمال وعلى الحمير فيأخذ من هذا درهم ومن هذا درهم، فيعيش بهذه الدراهم، وفي الصباح يطلب العلم حتى يستغني عن سؤال الناس، (عِـفَّـة وطلب علم) .

كان الإمـام أحمد يكره الشُهرة والثناء :

* دخل عليه عمُّـهُ وكان الإمام أحمد حزين، فقال عمُّـهُ : ماذا بك ؟ فقال الإمام أحمد : طُوبى لِمَنْ أخْمَلَ الله ذكره، (يعني من لم يكن مشهوراً ، ولا يعلم به إلاَّ اللـه) .
* وقال أيضاً : أريدُ أنْ أكونَ في شِعْبِ مكـة حتى لا أُعْـرَفْ .
* وكان إذا أراد أنْ يمشي يكره أن يتبعه أحدٌ من الناس .

العمل بالعلم :

قال الإمام أحمد ما كتبتُ حديثـاً إلاَّ وقد عملتُ بـه, حتى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احْـتَـجَـمَ وأعطى الحجَّامَ أجره، فاحْـتَـجَـمَ الإمام أحمد وأعطى الحجَّام أجره.

أخلاق الإمـام أحمـد وآدابه :

* كان يحضر مجلس الإمام أحمد خمسة آلاف طالب ، (500) كانوا يكـتبون العلم، والبقية ينظرون إلى أدبه وأخلاقه وسَمْتِـهِ .
* قال يحيى بن معين : ما رأيتُ مثـل أحمد، صحبناه خمسين سنة فما افـتخر علينا بشيء ممَّا كان فيه من الخير.
* كان الإمام أحمد مائلاً إلى الفقـراء، وكان فيه حِلْمْ، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع، وكانت تعلوه السكينة والوقار.
* قال رجل للإمام أحمد : جزاك الله عن الإسلام خيراً، فقال الإمام أحمد : بل جزى الله الإسلام عني خيراً، مَنْ أنا ؟ وما أنا ؟
* كان الإمام أحمد شديد الحياء، وأكرم الناس، وأحسنهم عِشْرةً وأدباً، لمْ يُسمع عنه إلاَّ المُذاكرة للحديث، وذِكْر الصالحين، وكان عليه وقارٌ وسكينة، ولفْـظٌ حَسَنْ .

عبادة الإمـام أحمـد بن حنبل :

* كان يُصلِّي في اليوم والليلة (300) ركعـة، فلمَّا سُجِنَ وضُرِبْ أصْـبَحَ لا يستطيع أنْ يُصلِّي إلاَّ (150) ركعة فـقـط.
* كان يَـخْـتِمُ القرآن كُلَّ أُسبوع .
* قال أحدُهُمْ : كُنْتُ أعرفُ أحمد بن حنبل وهو غُـلام كان يُحيي الليل بالصلاة.
* كان مِنْ عِبادته وزُهده وخوفه، إذا ذَكَـرَ الموت خَـنَـقَـتْـهُ العَبْرة.
* كان يقول : الخوف يمنعني الطعام والشراب، وإذا ذكرتُ الموت هانَ عليَّ كُلُّ أمْـرِ الدنيا.
* كان يصوم الإثـنين والخميس والأيام البيض، فلمَّا رَجَعَ مِنْ السجن مُجْهَداً أَدْمَنَ الصيام حتى مات.
* حَجَّ على قَدَميـه مرتين.
* في مَرَضِ الموت بَالَ دَمَـاً كثيراً، فقال الطبيب المُشْرف عليه : هذا رجُـلٌ قد فَـتَّتَ الخوف قلبـه.


أخبـار منوعـة في سيـرته :

* قابل الإمام أحمد بن حنبل أحدْ أبناء الإمام الشافعي فقال الإمام أحمد لابن الشافعي : أبُوكَ مِنَ السِّـتة الذينَ أدْعُـوا لهم في السَّحَـرْ.

* قيل للإمام أحمد :
كَمْ يكْفي الرجل حتى يُـفْـتِي ؟ مئـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : مائـتين ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : ثـلاثمائـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : أربعمائـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : خمسمائـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : أَرْجُـوا .

حياته الزوجية :

تزوَّجَ وعُمْـرهُ أربعون سنة، يقول عن زوجـتـه : مكـثـنا عِشرينَ سنة ما اختلفنا في كلمةٍ واحدة.

الفتنة التي تعرَّضَ لها الإمـام أحمـد :

لمَّا دعا المأمون الناس إلى القول بخلق القرآن، أجابه أكثر العلماء والقضاة مُكْرهين، واستمر الإمام أحمد ونفرٌ قليل على حمل راية السنة، والدفاع عن معتقد أهل السنة والجماعة.

قال أبو جعفر الأنباري : لمَّا حُمِلَ الإمام أحمد بن حنبل إلى المأمون أُخْبِرتُ فعبرتُ الفُرات، فإذا هو جالس في الخان، فسلمتُ عليه، فقال : يا أبا جعفر تعنَّيْت ؟ فقلتُ : ليس هذا عناء.

وقلتُ له : يا هذا أنت اليوم رأس الناس، والناس يقتدون بكم، فو الله لئن أجبتَ ليُجيبُنَّ بإجابتك خلقٌ كثير من خلقِ الله تعالى، وإنْ أنتَ لم تُجِبْ ليمتنِعُنَّ خلقٌ مِنَ الناس كثير، ومع هذا فإنَّ الرجل إنْ لم يقتلك فإنَّك تموت، ولابدَّ مِنْ الموت ، فاتَّـقِ الله ولا تُجيبهم إلى شيء.

فجعل أحمد يبكي ويقول : ما شاء الله، ما شاء الله. ثم سار أحمد إلى المأمون فبلغه توعد الخليفة له بالقتل إنْ لم يُجبه إلى القول بخلقِ القرآن، فـتوجه الإمام أحمد بالدعاء إلى الله تعالى أنْ لا يجمع بـيـنه وبين الخليفة، فبينما هو في الطريق قبل وصوله إلى الخليفة إذ جاءه الخبر بموت المأمون، فَرُدَّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبِس، ثم تولَّى الخلافة المعتصم، فامتحن الإمام أحمد .

وكان مِنْ خبر المحنـة أنَّ المعتصم لمَّا قصد إحضار الإمام أحمد ازدحم الناس على بابه كيوم العيد، وبُسِطَ بمجلسه بساطاً، ونُصِبَ كرسيـاً جلس عليه، ثم قال : أحضروا أحمد بن حنبل، فأحضروه ، فلمَّا وقف بين يديه سَلَّمَ عليه، فقال له : يا أحمد تكلم ولا تَـخَـفْ، فقال الإمام أحمد : والله لقد دخلتُ عليك وما في قلبي مثـقال حـبَّـةٍ من الفزع، فقال له المعتصم : ما تقول في القرآن ؟

فقال : كلام الله قديم غير مخلوق ، قال الله تعالى : { وَإنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ } [التوبة : 6 ].

فقال له : عندك حجة غير هذا ؟ فقال : نعم ، قول الله تعالى : {الرَّحْمَنْ * عَلَّمَ القُرْآنْ }. [ الرحمن : 1 ، 2 ] ، ولم يقـل : الرحمن خلق القرآن ، وقوله تعالى : {يس * والقُـرْآنِ الْحَكِيم } [ يس : 1 ، 2 ] ، ولم يقـل : يس والقرآن المخلوق.
فقال المعتصم : احبسوه، فحُبِسَ وتفرَّقَ الناس.


فلمَّا كان مِنَ الغد جلس المعتصم مجلسه على كرسيه وقال : هاتوا أحمد بن حنبل، فاجتمع الناس، وسُمعت لهم ضجة في بغداد، فلمَّا جيء به وقف بين يديه والسيوف قد جُردت، والرماح قد ركزت، والأتراس قد نُصبت ، والسياط قد طرحت، فسأله المعتصم عمَّا يقول في القرآن ؟

قال : أقول : غير مخلوق .

وأحضر المعتصم له الفقهاء والقضاة فناظروه بحضرته في مدة ثلاثة أيام، وهو يناظرهم ويظهر عليهم بالحُجج القاطعة، ويقول : أنا رجـل عَلِمتُ علماً ولم أعلم فيه بهذا، أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به.

وكلما ناظروه وألزموه القول بخلق القرآن يقول لهم : كيف أقول ما لم يُقـل ؟ فقال المعتصم : قهرنا أحمد.

وكان من المتعصبين عليه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم ، وأحمد بن دُوَاد القاضي ، وبشر المريسي ، وكانوا معتزلة قالوا بخلق القرآن ، فقال ابن دُوَاد وبشر للخليفة : اقـتله حتى نستريح منه ، هذا كافر مُضِـل .

فقال : إني عاهدتُ الله ألا أقـتله بسيف ولا آمر بقـتله بسيف، فقالا له : اضربه بالسياط، فقال المعتصم له : وقرابتي من رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لأضربنَّك بالسياط أو تقول كما أقول، فلم يُرهبه ذلك، فقال المعتصم: أحضروا الجلادين، فقال المعتصم لواحد منهم : بكم سوطٍ تـقـتله ؟

قال : بعشرة، قال : خذه إليك، فأُخْرِجَ الإمام أحمد من أثوابه، وشُدَّ في يديه حبلان جديدان، ولمَّا جيء بالسياط فنظر إليها المعتصم قال : ائـتوني بغيرها، ثم قال للجلادين : تقدموا ، فلمَّا ضُرِبَ سوطاً.

قال : بسم الله، فلمَّا ضُرِبَ الثاني قال : لا حول ولا قوةً إلاَّ بالله، فلمَّا ضُرِبَ الثالث قال : القرآن كلام الله غير مخلوق، فلمَّا ضُرِبَ الرابع قال : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا } [ التوبة : 51 ] .

وجعل الرجل يتقدَّم إلى الإمام أحمد فيضربه سوطين، فيحرضه المعتصم على التشديد في الضرب، ثم يـتنحَّى، ثم يتقدَّم الآخر فيضربه سوطين، فلمَّا ضُرِبَ تسعة عشر سوطاً قام إليه المعتصم فقال له : يا أحمد علام تقتـل نفسك ؟ إني والله عليك لشفيق.

قال أحمد : فجعل عجيف ينخسني بقائمة سيفه وقال : تريد أنْ تغلب هؤلاء كلهم ؟ وجعل بعضهم يقول : ويلك ! الخليفة على رأسك قائم ، وقال بعضهم : يا أمير المؤمنين دمه في عنقي اقـتله، وجعلوا يقولون : يا أمير المؤمنين : إنه صائم وأنت في الشمس قائم، فقال لي : ويحك يا أحمد ما تقول ؟ فأقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه وسلم حتى أقول به.

ثم رجع الخليفة فجلس ثم قال للجلاد : تقدمَّ، وحَرَّضه على إيجاعه بالضرب.

قال الإمام أحمد : فذهب عقلي، فأفقت بعد ذلك، فإذا الأقياد قد أُطلِقت عنِّي، فأتوني بسويق فقالوا لي : اشرب وتـقيأ، فقلت : لستُ أُفطر، ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فحضرتُ صلاة الظهر، فـتقدَّم ابن سماعة فصلى، فلمَّا انفـتل من الصلاة قال لي : صليتَ والدمُ يسيل في ثوبك ، فقلت له : قد صلَّى عمر رضي الله عنه وجرحه يسيل دمـاً.

ولمَّا ولِّيَ الواثق بعد المعتصم، لم يتعرض للإمام أحمد بن حنبل في شيء إلاَّ أنَّـه بعث عليه يقول : لا تساكنِّي بأرضٍ، وقيل : أمره أنْ لا يخرج من بيتـه، فصار الإمام أحمد يختفي في الأماكن، ثم صار إلى منزله فاختـفى فيه عدة أشهر إلى أنْ مات الواثق.

وبعد ذلك تولَّى الخلافة المتوكل بعد الواثق، فقد خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد، وطعن عليهم فيما كانوا يقولونه من خلق القرآن، ونهى عن الجدال والمناظرة في الأداء، وعاقب عليه، وأمر بإظهار الرواية للحديث، فأظهر الله به السُـنَّـة، وأمات به البدعة، وكشف عن الخلق تلك الغُمَّـة، وأنار به تلك الظُلمة، وأطلق من كان اعـتُـقِـلَ بسبب القول بخلق القرآن، ورفع المحنـة عن الناس.

* قال أحد الجلادين بعد أن تاب : لقد ضربت الإمام أحمد (80) جلدة، لو ضربـتُها في فيل لسقـط.

فَرَحِمَ اللهُ هذا الإمام الجليل أحمد بن حنبل ، الذي ابتُـليَ بالضرَّاء فصبر ، وبالسرَّاء فشكر ، ووقف هذا الموقف الإيماني كأنـه جبلٌ شامخ ، تـتكسَّرُ عليه المِحَنْ ، وضَرَبَ لنا مثـلاً في الثبات علـى الحـق ...



منقول : أبو جهاد سلطان العمري

لـــذة التـــوبة
19-03-2007, 08:26 PM
تـــــــــــــــــابع

الإمام الشافعي

إسمه ونشأته

ابوعبد الله محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي.

هاجر أبوه من مكة الى غزة بفلسطين بحثا عن الرزق لكنه مات بعد ولادة محمد بمدة قصيرة فنشأ محمد يتيما فقيرا. وشافع بن السائب هو الذي ينتسب اليه الشافعي لقي النبي صلى الله عليه وسلم، واسر ابوه السائب يوم بدر في جملة من أسر وفدى نفسه ثم اسلم. ويلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.

اما امه فهي يمانية من الازد وقيل من قبيلة الاسد وهي قبيلة عربية لكنها ليست قرشية، قيل ان ولادة الشافعي كانت في عسقلان وقيل بمنى لكن الاصح ان ولادته كانت في غزة عام 150 هجرية وهو نفس العام الذي توفى فيه ابو حنيفة.

ولما بلغ سنتين قررت امه العودة وابنها الى مكة لاسباب عديدة منها حتى لايضيع نسبه، ولكي ينشأ على ما ينشأ عليه اقرانه، فأتم حفظ القران وعمره سبع سنين.

عرف الشافعي بشجو صوته في القراءة ، قال ابن نصر : كنا اذا اردنا ان نبكي قال بعضنا لبعض : قوموا الى هذا الفتى المطلبي يقرأ القران، فاذا أتيناه (يصلي في الحرم) استفتح القران حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فاذا راى ذلك امسك من القراءة. ولحق بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة. وكانت هذيل افصح العرب، ولقد كانت لهذه الملازمة اثر في فصاحته وبلاغة ما يكتب، وقدلفتت هذه البراعة انصار معاصريه من العلماء بعد ان شب وكبر، حتى الاصمعي وهو من ائمة اللغة المعدودين يقول : (صححت اشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس) وبلغ من اجتهاده في طلب العلم ان اجازه شيخه مسلم بن خالد الزنجي بالفتيا وهو لا يزال صغير .

علمه ومشايخه

حفظ الشافعي وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريبا كتاب الموطأ للامام مالك ورحلت به امه الى المدينة ليتلقى العلم عند الامام مالك. ولازم الشافعي الامام مالك ست عشرة سنة حتى توفى الامام مالك (179 هجرية) وبنفس الوقت تعلم على يد ابراهيم بن سعد الانصاري، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم.

وبعد وفاة الامام مالك (179 هجرية) سافر الشافعي الى نجران واليا عليها ورغم عدالته فقد وشى البعض به الى الخليفة هارون الرشيدفتم استدعائه الى دار الخلافة سنة (184هجرية ) وهناك دافع عن موقفه بحجة دامغة وظهر للخليفة براءة الشافعي مما نسب اليه واطلق سراحه.

واثناء وجوده في بغداد أتصل بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ ابي حنيفة وقرأ كتبه وتعرف على علم اهل الرأي ثم عاد بعدها الى مكة واقام فيها نحوا من تسع سنوات لينشر مذهبه من خلال حلقات العلم التي يزدحم فيها طلبة العلم في الحرم المكي ومن خلال لقاءه بالعلماء اثناء مواسم الحج . وتتلمذ عليه في هذه الفترة الامام احمد بن حنبل .

ثم عاد مرة اخرى الى بغداد سنة (195 هجرية)، وكان له بها مجلس علم يحضره العلماء ويقصده الطلاب من كل مكان. مكث الشافعي سنتين في بغداد ألف خلالها كتابه (الرسالة) ونشر فيها مذهبه القديم ولازمه خلال هذه الفترة اربعة من كبار اصحابه وهم احمد بن حنبل، وابو ثور، والزعفراني، والكرابيسي. ثم عاد الامام الشافعي الى مكة ومكث بها فترة قصيرة غادرها بعد ذلك الى بغداد سنة (198هجرية) وأقام في بغداد فترة قصيرة ثم غادر بغداد الى مصر.

منهجه

قدم مصر سنة (199 هجرية) تسبقه شهرته وكان في صحبته تلاميذه الربيع بن سليمان المرادي، وعبدالله بن الزبير الحميدي، فنزل بالفسطاط ضيفا على عبد الله بن عبد الحكم وكان من اصحاب مالك. ثم بدأ بالقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص فمال اليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيرا من اتباع الامامين ابي حنيفة ومالك. وبقي في مصر خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم. وفي مصر وضع الشافعي مذهبه الجديد وهو الاحكام والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق، وصنف في مصر كتبه الخالدة التي رواها عنه تلاميذه.

وتطرق احمد تمام في كتابه (الشافعي ملامح وآثار) كيفية ظهور شخصية الشافعي ومنهجه في الفقه. هذا المنهج الذي هو مزيج من فقه الحجاز وفقه العراق، هذا المنهج الذي انضجه عقل متوهج، عالم بالقران والسنة، بصير بالعربية وادابها خبير باحوال الناس وقضاياهم، قوي الرأي والقياس.

فلو عدنا الى القرن الثاني الميلادي لوجدنا انه ظهر في هذا القرن مدرستين اساسيتين في الفقه الاسلامي هما مدرسة الراي، ومدرسة الحديث، نشأت المدرسة الاولى في العراق وهي امتداد لفقه عبدالله بن مسعود الذي اقام هناك، وحمل اصحابه علمه وقاموا بنشره. وكان ابن مسعود متأثرا بمنهج عمر بن الخطاب في الاخذ بالرأي والبحث في علل الاحكام حين لا يوجد نص من كتاب الله او سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن أشهر تلامذة ابن مسعود الذين أخذوا عنه : علقمة بن قيس النخعي، والاسود بن يزيد النخعي، ومسروق بن الاجدع الهمداني، وشريح القاضي، وهؤلاء كانوا من ابرز فقهاء القرن الاول الهجري.

ثم تزعم مدرسة الرأي بعدهم ابراهيم بن يزيد النخعي فقيه العراق بلا منازع وعلى يديه تتلمذ حماد بن سليمان، وخلفه في درسه، وكان اماما مجتهدا وكانت له بالكوفة حلقة عظيمة يؤمها طلاب العلم وكان بينهم ابو حنيفة النعمان الذي فاق أقرانه وانتهت اليه رئاسة الفقه، وتقلد زعامة مدرسة الرأي من بعد شيخه، والتف حوله الراغبون في تعلم الفقه وبرز منهم تلاميذ بررة على رأسهم ابو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، وزفر والحسن بن زياد وغيرهم، وعلى يد هؤلاء تبلورت طريقة مدرسة الرأي واستقر امرها ووضح منهجها.

وأما مدرسة الحديث فقد نشأت بالحجاز وهي امتداد لمدرسة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعائشة وغيرهم من فقهاء الصحابة الذين أقاموا بمكة والمدينة، وكان يمثلها عددكبير من كبار الائمة منهم سعد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وابن شهاب الزهري، والليث بن سعد، ومالك بن انس. وتمتاز تلك المدرسة بالوقوف عند نصوص الكتاب والسنة، فان لم تجد التمست اثار الصحابة، ولم تلجئهم مستجدات الحوادث التي كانت قليلة في الحجاز الى التوسع في الاستنباط بخلاف ما كان عليه الحال في العراق.

وجاء الشافعي والجدل مشتعل بين المدرستين فأخذ موقفا وسطا، وحسم الجدل الفقهي القائم بينهما بما تيسر له من الجمع بين المدرستين بعد ان تلقى العلم وتتلمذ على كبار اعلامهما مثل مالك بن انس من مدرسة الحديث ومحمد بن الحسن الشيباني من مدرسة الرأي.

دون الشافعي الاصول التي اعتمد عليها في فقهه، والقواعد التي التزمها في اجتهاده في رسالته الاصولية "الرسالة " وطبق هذه الاصول في فقهه، وكانت اصولا عملية لا نظرية، ويظهر هذا واضحا في كتابه "الام" الذي يذكر فيه الشافعي الحكم مع دليله، ثم يبين وجه الاستدلال بالدليل وقواعد الاجتهاد واصول الاستنباط التي اتبعت في استنباطه، فهو يرجع اولا الى القران وما ظهر له منه، الا اذا قام دليل على وجوب صرفه عن ظاهره، ثم الى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى الخبر الواحد الذي ينفرد راو واحد بروايته، وهو ثقة في دينه، معروف بالصدق، مشهور بالضبط. وهو يعد السنة مع القران في منزلة واحدة، فلا يمكن النظر في القران دون النظر في السنة التي تشرحه وتبينه، فالقران يأتي بالاحكام العامة والقواعد الكلية، والسنة هي التي تفسر ذلك، فهي التي تخصص عموم القران او تقيد مطلقه، او تبين مجمله.

ولم يشترط الشافعي في الاحتجاج بالسنة غير اتصال سند الحديث وصحته ، فاذا كان كذلك صح عنده وكان حجة عنده، ولم يشترط في قبول الحديث عدم مخالفته لعمل اهل المدينة مثلما اشترط الامام مالك، او ان يكون الحديث مشهورا ولم يعمل راويه بخلافه. ووقف الشافعي حياته على الدفاع عن السنة، واقامة الدليل على صحة الاحتجاج بالخبر الواحد، وكان هذا الدفاع سببا في علو قدر الشافعي عند اهل الحديث حتى سموه (ناصر السنة).

ولعل الذي جعل الشافعي يأخذ بالحديث اكثر من أبي حنيفة حتى انه يقبل خبر الواحد متى توافرت فيه الشروط، انه كان حافظا للحديث بصيرا بعلله، لا يقبل منه الا ما ثبت عنده، وربما صح عنده من الاحاديث ما لم يصح عند أبي حنيفة واصحابه. وبعد الرجوع الى القران والسنة يأتي الاجماع ان لم يعلم له مخالف، ثم القياس شريطة ان يكون له اصل من الكتاب والسنة، ولم يتوسع فيه مثلما توسع الامام أبو حنيفة.

بعض أقوال الإمام الشافعي

قوله في الأسماء والصفات

في جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي من رواية أبي طالب العشاري ما نصه قال وقد سئل عن صفات الله عز وجل وما ينبغي أن يؤمن به فقال : "لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم امته لا يسع احد من خلق الله عز وجل قامت لديه الحجة ان القران نزل به وصحيح عنده قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه العدل خلافه فان خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله عز وجل فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لان علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالدراية والفكر، ونحو ذلك اخبار الله عز وجل انه سميع وأن له يدين بقوله عز وجل : [ بل يداه مبسوطتان ] وأن له يمينا بقوله عز وجل : [ والسموات مطويات بيمينه ] وأن له وجها بقوله عز وجل : [ كل شيء هالك الا وجهه ] وقوله : [ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ] وأن له قدما بقوله صلى الله عليه وسلم : (حتى يضع الرب عز وجل فيها قدمه ) يعني جهنم . وقوله صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله عز وجل : ( أنه لقي الله عز وجل وهو يضحك اليه ) وأنه يهبط كل ليلة الى السماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وأنه ليس بأعور لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذ ذكر الدجال فقال انه أعور وان ربكم ليس بأعور وأن المؤمنين يرون ربهم عز وجل يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر ) وأن له أصبعا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من قلب الا هو بين أصبعين من أصايع الرحمن عز وجل )، وأن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم لا يدرك حقه ذلك بالذكر والدراية ويكفر بجهلها أحد الا بعد انتهاء الخبر اليه وان كان الوارد بذلك خبرا يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع "وجبت الدينونة" على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كمن عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن نثبت هذه الصفات وننفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال : بليس كمثله شيء وهو السميع البصير ] ……….."

قوله في خلق القرآن

وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال الشافعي : "من قال القران مخلوق فهو كافر " .

قوله في القدر

وأورد البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي قال : "ان مشيئة العباد هي الى الله تعالى ولا يشاؤن الا ان يشاء الله رب العالمين فان الناس لم يخلقوا اعمالهم وهي خلق من خلق الله تعالى أفعال العباد وان القدر خيره وشره من الله عز وجل وان عذاب القبر حق ومساءلة أهل القبور حق والبعث حق والحساب حق والجنة والنار حق وغير مما جاءت به السنن ".

قوله في الإيمان

وأخرج ابن عبد البر عن الربيع قال : سمعت الشافعي يقول " الايمان قول وعمل واعتقاد بالقلب ألا ترى قول الله عز وجل : [وما كان الله ليضيع ايمانكم ] يعني صلاتكم الى بيت المقدس فسمى الصلاة ايمانا وهي قول وعمل وعقد ". كما واخرج البيهقي عن ابي محمد الزبيري قال : قال رجل للشافعي : أي الاعمال عند الله افضل ؟ قال الشافعي : " ما لا يقبل عملا الا به " قال وما ذاك ؟ قال : " الايمان بالله الذي لا اله الا هو أعلى الاعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا " قال الرجل : ألا تخبرني عن الايمان قول وعمل أو قول بلا عمل ؟ قال الشافعي : " الايمان عمل لله والقول بعض ذلك العمل " قال الرجل : صف لي ذلك حتى أفهمه.

قال الشافعي : "ان للايمان حالات ودرجات وطبقات فمنها التام المنتهي تمامه والناقص البين نقصانه والراجح الزائد رجحانه " قال الرجل : وان الايمان لا يتم وينقص ويزيد ؟ قال الشافعي : " نعم " قال الرجل : وما الدليل على ذلك ؟ قال الشافعي : " ان الله جل ذكره فرض الايمان على جوارح بني ادم فقسمه فيها وفرقه عليها فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى فمنها : قلبه الذي يعقل به ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر الا عن رأيه وأمره ومنها : عيناه اللتان ينظر بهما وأذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي ألباه من قبله ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه.

فرض على القلب غير ما فرض على اللسان وفرض على السمع غير ما فرض على العينين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه . فأما فرض الله على القلب من الايمان : فالاقرار والمعرفة والعقد والرضى والتسليم بأن الله لا اله الا هو وحده لا شريك له لم يتخذ صاجبة ولا ولدا وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله والاقرار بما جاء من عند الله من نبي او كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله [الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا ] وقال : [ ألا بذكر الله تطمئن القلوب ] وقال : [ من الذين قالوا امنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ] وقال : [ وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ] فذلك ما فرض الله على القلب من ايمان وهو عمله وهو رأس الايمان.

وفرض الله على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقر به فقال في ذلك : [ قولوا امنا بالله ] وقال : [ وقولوا للناس حسنا ] فذلك ما فرض الله على اللسان من القول والتعبير عن القلب وهو عمله والفرض عليه من الايمان.

وفرض الله على السمع ان يتنزه عن الاستماع الى ما حرم الله وان يغض عن ما نهى الله عنه فقال في ذلك : [وقد نزل عليكم في الكتاب أن اذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا مثلهم ] ثم استثنى موضع النسيان فقال جل وعز :[واما ينسينك الشيطان ] أى : فقعدت معهم [فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ] وقال : [ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الالباب ] وقال : [ قد أفلح المؤمنون الذين هم قي صلاتهم خاشعون ] الى قوله : [ والذين هم للزكاة فاعلون ] وقال : [ واذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ] وقال : [ واذا مروا باللغو مروا كراما ] فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له وهو عمله وهو من الايمان .

وفرض على العينين ألا ينظر بهما ما حرم الله وأن يغضهما عما نهاه عنه فقال تبارك وتعالى في ذلك : [قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ] الايتين : ان ينظر احدهم الى فرج أخيه ويحفظ فرجه من أن ينظراليه. وقال : كل شيْ من حفظ الفرج في كتاب الله فهو من الزنا الا هذه الاية فانها من النظر . فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر وهو عملهما وهو من الايمان .

ثم أخبر عما فرض على القلب والسمع والبصر في اية واحدة فقال سبحانه وتعالى في ذلك : [ ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا ]

قال : يعني وفرض على الفرج : أن لا يهتكه بما حرم الله عليه : [ والذين هم لفروجهم حافظون ] وقال : [ وما كنتم تسترون ان يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا جلودكم ] الاية يعني بالجلود : الفرج والافخاذ فذلك ما فرض الله على الفروج من حفظهما عما لا يحل له وهو عملهما .

وفرض على اليدين ألا يبطش بهما الى ما حرم الله تعالى وأن يبطش بهما الى ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلوات فقال في ذلك : [ياأيها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق ] الى اخر الاية وقال :[فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد واما فداء ] لآن الضرب والحرب وصلة الرحم والصدقة من علاجها .

وفرض على الرجلين ألآ يمشي بهما الى ما حرم الله جل ذكره فقال فى ذلك : [ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا ] .

وفرض على الوجه السجود لله بالليل والنهار ومواقيت الصلاة فقال في ذلك : [ يا ايها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ] وقال :[وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ] يعني المساجد : ما يسجدعليه ابن ادم في صلاته من الجبهة وغيرها .

قال : فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح وسمى الطهور والصلوات ايمانا في كتابه وذلك حين صرف الله تعالى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة الى بيت المقدس وأمره بالصلاة الى الكعبة وكان المسلمون قد صلوا الى بيت المقدس ستة عشر شهرا فقالوا يارسول الله أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها الى بيت المقدس ما حالها وحالنا ؟ فانزل الله تعالى : [ وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤف رحيم ] فسمى الصلاة ابمانا فمن لقي الله حافظا لصلواته حافظا لجوارحه مؤديا بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها - لقي الله مستكمل الايمان من اهل الجنة ومن كان لشيء منها تاركا متعمدا مما أمر الله به – لقي الله ناقص الايمان " .

قال عرفت نقصانه وتمامه فمن اين جاءت زيادته ؟ قال الشافعي : " قال الله جل ذكره : [ واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه ايمانا فأما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون ] وقال : [ انهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى ] .

قال الشافعي : ولو كان هذا الايمان كله واحدا لا نقصان فيه ولا زيادة - لم يكن لاحد فيه فضل واستوى الناس وبطل التفضيل ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله (في الجنة ) وبالنقصان من الايمان دخل المفرطون النار .

قال الشافعي : ان الله جل وعز سابق بين عباده كما سوبق بين الخيل يوم الرهان ثم انهم على درجاتهم من سبق عليه فجعل كل امرىء على درجة سبقه لا ينقصه فيه حقه ولا يقدم مسبوق على سابق ولا مفضول على فاضل وبذلك فضل اول هذه الامة على اخرها ولو لم يكن لمن سبق الى الايمان فضل على من أبطأ عنه – للحق اخر هذه الامة بأولها .

شعر الإمام

بعد هذا العرض الموجز لاصول مذهب الامام الشافعي وعقيدته ، نتطرق الى شعره . فقد عرف الامام الشافعي كامام من أئمة الفقه الاربعة ، لكن الكثيرين لا يعرفون أنه كان شاعرا .

لقد كان الشافعي فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب عاش فترة من صباه في بني هذيل فكان لذلك اثر واضحا على فصاحته وتضلعه في اللغة والادب والنحو، اضافة الى دراسته المتواصله واطلاعه الواسع حتى اصبح يرجع اليه في اللغة والنحو .فكما مر بنا سابقا فقد قال الاصمعي صححت اشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس. وقال احمد بن حنبل : كان الشافعي من افصح الناس، وكان مالك تعجبه قراءته لانه كان فصيحا. وقال احمد بن حنبل : ما مس أحد محبرة ولا قلما الا وللشافعي في عنقه منة. وقال ايوب بن سويد : خذوا عن الشافع اللغة.

ويعتبر معظم شعر الامام الشافعي في شعر التأمل ، والسمات الغالبة على هذا الشعر هي (التجريد والتعميم وضغط التعبير ) وهي سمات كلاسيكية، اذ ان مادتها فكرية في المقام الاول، وتجلياتها الفنية هي المقابلات والمفارقات التي تجعل من الكلام ما يشبه الامثال السائرة او الحكم التي يتداولها الناس ومن ذلك :

ما حك جلدك مثل ظفرك *** فتول انت جميع امرك

ما طار طير وارتفع *** الا كما طار وقع

نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت اظنها لا تفرج

وقال ايضا :

اذا رمت ان تحيا سليما من الردى *** ودينك موفور وعرضك صن
فلا ينطق منك اللسان بسؤة *** فكلك سؤات وللناس ألسن
وعيناك ان ابدت اليك معائبا *** فدعها وقل ياعين للناس اعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** ودافع ولكن بالتي هي أحسن

وقال ايضا :

الدهر يومان ذا أمن وذا خطر *** والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف *** وتستقر بأقـصى قـاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها *** وليس يكسف الا الشمس والقمر

واذا كان شعر التأمل ينزع الى التجريد والتعميم ، فليس معنى ذلك انه خال تماما من الصور والتشبيهات الكلاسيكية ، ولكنها تشبيهات عامة لاتنم عن تجربة شعرية خاصة ، فشعر التأمل ينفر من الصور الشعرية ذات الدلالة الفردية ، ويفضل الصور التي يستجيب لها الجميع .فالشافعي يقدم لنا اقوالا نصفها اليوم بأنها تقريرية .
في أدناه صورا من أشعار الامام الشافعي :

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل *** تجود وتعفو منة وتكرمــا
اما قوله في الزهد قوله :

عليك بتقوى الله ان كنت غافلا *** يأتيك بالارزاق من جيث لاتدري
فكيف تخاف الفقر والله رازقا *** فقد رزق الطير والحوت في البحر
ومن ظن ان الرزق يأتي بقوة *** مـا أكـل الـعصفـور مـن النسـر
نزول عـن الدنـيا فـأنك لا تدري *** أذا جن ليل هل تعش الى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

وعن مكارم الاخلاق قوله :

لما عفوت ولم احقد على أحد *** أرحت نفسي من هم العداوات
اني أحيي عدوي عند رؤيتـه *** لادفع الشــر عـني بـالتحيــات
وأظهر البشر للانسان أبغضه *** كما ان قد حشى قلبي محبات
الناس داء وداء الناس قربهم *** وفي اعتـزالـهم قطـع المـودات

ومن مناجاته رحمة الله قوله :

بموقف ذلي دون عزتك العظمى *** بمخفي سـر لا أحيط به علما
باطراق رأسـي باعترافي بذلتي *** بمد يدي استمطر الجود والرحمى
بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها *** لعزتها يستغرق النثر والنظما
أذقنا شراب الانس يا من اذا سقى *** محبا شرابا لا يضام ولا يظما

وفي ختام هذه الوقفات من سيرة الامام الشافعي نتطرق الى تواضعه وورعه وعبادته فان الشافعي مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق وتشهد له بذلك دروسه ومعاشرته لاقرانه وتلاميذه وللناس. كما ان العلماء من اهل الفقه والاصول والحديث واللغة اتفقوا على امانة الشافعي وعدالته وزهده وورعه وتقواه وعلو قدره ، وكان مع جلالته في العلم مناظرا حسن المناظرة، امينا لها طالبا للحق لا يبغي صيتا وشهرة حتى اثرت عنه هذه الكلمة : "ماناظرت احدا الا ولم أبال يبين الله الحق على لسانه او لساني" . وبلغ من اكبار احمد بن حنبل لشيخه الشافعي أنه قال حين سأله ابنه عبد الله : أي رجل كان الشافعي ، فأني رأيتك تكثر الدعاء له ؟ قال : "كان الشافعي كالشمس للنهار وكالعافية للناس ، فانظر هل لهذين من خلف او عنهما من عوض" .

وكان الشافعي رحمه الله فقيه النفس، موفور العقل، صحيح النظر والتفكر، عابدا ذاكرا. وكان رحمه الله محبا للعلم حتى انه قال : "طلب العلم افضل من صلاة التطوع" ومع ذلك روى عنه الربيع بن سليمان تلميذه أنه كان يحي الليل صلاة الى ان مات رحمه الله، وكان يختم في كل ليلة ختمة.

وروى الذهبي في السير عن الربيع بن سليمان قال : كان الشافعي قد جزأ الليل ، فثلثه الاول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام. وقال الذهبي افعاله الثلاثة بالنية، والحق ما قاله الذهبي، فان النيات صنعة العلماء، والعلم اذا أثمر العمل وضع صاحبه على طريق النجاة، وما أحوج امتنا اليوم الى العلماء العاملين الصادقين العابدين الذين تفزع اليهم الامة في الازمات وما اكثرها ولا حول ولا قوة الا بالله .

وظل الامام الشافعي في مصر ولم يغادرها يلقي دروسه ويحيط به تلامذته حتى لقي ربه في (30 رجب 204 هجرية) ومن اروع ما رثي به من الشعر قصيدة لمحمد بن دريد يقول في مطلعها :

ألم تر اثار أبن ادريس بعده *** دلائلها في المشـكلات لوامع

وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على أشرف الخلق سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين ،وحسبنا الله ونعم الوكيل ،نعم المولى ونعم النصير .

المراجع :احمد تمام ـ الشافعي ملامح واثار في ذكرى وفاته .

د.محمد عبد الرحمن الخميس ـ اعتقاد ائمة السلف اهل الحديث .
محمد خميس ـ الامام الشافعي …….شاعرا .
موسوعة المورد الحديثة .
الهيئة المصرية للكتاب ـ ديوان الامام الشافعي.
طريق الاسلام ـ قيام الشافعي .

منقول : الدكتور صباح قاسم الامامي - موقع صيد الفوائد

لـــذة التـــوبة
19-03-2007, 08:29 PM
تــــــــــــابع

لإمام مالك بن أنس

اسمه ونسبه :

مالك بن أنس بن مالك بن عامر بن عمرو بن الحارث إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة، وينتهي نسبه إلى قبيلة يمنية وهي ذو أصبح .


مولده ونشأته وصفاته :

ولد سنة ثلاث وتسعين للهجرة ـ على الصحيح ـ في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فرأى آثار الصحابة وتتلمذ على يد تلاميذ الصحابة .

كانت أسرته أسرة علم ، فطلب العلم صغيرا .



طلبه للعلم :

ـ قال لأمه أنه يريد أن يذهب ليطلب العلم فألبسته أحسن الثياب وعممته ثم قالت اذهب فاكتب الآن .

ـ جلس إلى ابن هرمز نحو من سبع أو ثمان سنين .

ـ قال مالك سمعت ابن هرمز يقول : ينبغي للعالم أن يورث جلساؤه قول لا أدري .

ـ درس على يد ابن شهاب الزهري عالم الحديث والتابعي الجليل .

ـ سئل مالك هل سمعت عن مالك بن دينار : قال رأيته يحدث والناس قيام يكتبون فكرهت أن أكتب حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا قائم .

ـ قال الإمام مالك كما في طبقات المالكية : حج أيوب السختياني حجتين فلم أكتب عنه الحديث ، فلم حج حجته الأخيرة جلس في فناء زمزم فكان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يبكي فكتبت عنه .

ـ درس الإمام مالك على يد ربيعة الرأي من فقهاء المدينة السبعة .



تدريسه ونشره للعلم :

ـ لم يجلس للتعليم إلا بعد أن شهد له سبعون من أهل العلم أنه أهل للفتوى .

ـ علم العلم في المسجد فلم يرى عليه غير ضحكة أو اثنتين في خمسين سنة ثم في آخر حياته درس في بيته لمرضه .

ـ ولك أن ترى درس للإمام مالك لتراه : أبيض الثياب يغتسل ويتطيب ويجلس في مجلس عليه الوقار .

ـ وقد سئل عن مسألة افتراضيه فلم يجب قال السائل : لم تجب قال الإمام مالك : لو سألت عما ينفعك أجبتك .

ـ جاءه رجل من المغرب في مسألة فقال قل للذي أرسلك لا أعلم قال من يعلم قال الذي علمه الله .

ـ ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة سنة 99 ـ 101 فأعجب به مالك ، ثم كان من بعده ولاة غيروا وبدلوا.

ـ سنة 130 هـ دخل أبو حمزة المدينة واستباحها فأثر هذا على الإمام مالك لكنه لم يخرج على ولاة الأمر ولم يقف في صف الناس الذين كان يعتقد الإمام أنه يصدق فيهم قوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " . فلم يسع في فتنة ولم يداهن ولاة الأمر بل وعظه ونصحه للولاة محفوظ .



ابتلاؤه في ذات الله :

سنة 146 هـ في عهد أبي جعفر المنصور ابتلي وضرب فثبت .


ورعه وزهده وعبادته :

كان الإمام مالك يقول : لا خير فيمن يرى نفسه في حال لا يراه الناس أهلا لها .

وكان إذا سئل كثيرا ما يقول لا أدري .


تعظيمه للسنة :

كان كغيره من الأئمة يعظم السنة ويقول إن صح الحديث فهو مذهبي .

وكان يقول قل ليلة إلا وأنا أرى فيها النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا ، فمن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا كيف يكون مع سنته صلى الله عليه وسلم في اليقظة .

ثناء العلماء عليه :

ـ قال عن نفسه : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك .

ـ قال الشافعي : إذا جاء الحديث فمالك النجم .

ـ قال البخاري : أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر .



وفاته :

توفي سنة تسع وسبعين ومائة للهجرة ودفن بالبقيع وهو ابن خمس وثمانين سنة .


أصول مذهبه :

الكتاب ـ السنة ـ الإجماع ـ القياس ـ الاستحسان ـ الاستصحاب ـ المصالح المرسلة ـ الذرائع ـ العادات والعرف .

انتشار مذهبه :

مصر والسودان وبلاد المغرب والأندلس .

منقول : موقع الفقة الإسلامي

لـــذة التـــوبة
20-03-2007, 02:29 PM
االإمام الزاهد: الحسن البصري


عظيم أن يولد الإنسان في بيت تقى وصلاح ، وأعظم منه أن يكون البيت بيت علم وهداية ، فما بالك أخي القارئ لو كان البيت بيـًتا قرآنيـًا ، فيه القرآن تلي وقرأ ،وعلى أصحابه تنزل ، وما بالك لو كان البيت لإحدى أمهات المؤمنين ؟ هكذا ولد صاحب هذه الترجمة ، فقد كان مولده في بيت أم سلمة رضي الله عنها ، إذ كانت أمه مولاة لها ، وزاده قدر الله ميزة أخرى ، فلم يكن بيت أم سلمة رضي الله عنها مولده فحسب ، بل لقد كان حجرها غطاءه ، وصدرها سقاءه ، فأدفته بصدرها ، وأرضعته لبنها ، وشاء الله أن يدر

له منها لبنـًا ، فكان لبنـًا مباركـًا ، غدى به ذرب اللسان ، قوي الحجة والبيان ، إن تحدث فجدير لأن يسمع له ، وإن سئل فجدير بأن يجيب ، إن وعظ علا صوته ، وجرى دمعه ، وبدا إخلاصه ، فيظهر على الناس الأثر ، يسبق فعله كلامه ، كما يسبق ضوء الفجر وهج الشمس .

أمور كثيرة هي التي منَّ الله عليه بها فرفع بين الناس ، وإن لم يكن ذا نسب رفيع ، لكنه رفعه علمه وفضله وتقاه ، طلب الحكام منه النصيحة فنصحهم ، والعظة فوعظهم ، وأعطوه أجرًا فرده وزجرهم ، فهو لا يريد من البشر أجرًا إنما كان شعاره " إن أجري إلا على الله "(هود/9) ، فنعم الأجر هو ، ونعم الرجل كان ، أتدري من هو صاحب هذه الترجمة ؟ إنه حليف الخوف والحزن ، أليف الهم والشجن ، إنه الحسن ،وما أدراك ما الحسن ؟‍ إنه الحسن البصري .

نسبه :

هو أبو سعيد ، الحسن بن أبي الحسن بن يسار ، كان أبوه مولى لزيد بن ثابت الأنصاري ، وكان يسار من سبي حسان ، سكن المدينة ، وأعتق وتزوج في خلافة عمر رضي الله عنه بأم الحسن وأسمها خيرة، كانت مولاة لأم المؤمنين أم سلمة المخزومية .

نشأته :

ولد الحسن رحمه الله لسنتين بقيتا من خلافه عمر رضي الله عنه وذهب به إلى عمر فحنكه ، ولما علمت أم المؤمنين أم سلمة بالخبر أرسلت رسولاً ليحمل إليها الحسن ، وأمه لتقضي نفاسها في بيت أم سلمة رضي الله عنها ، فلما وقعت عينها على الحسن وقع حبه في قلبها ، فقد كان الوليد الصغير قسيمـًا وسيمـًا ، بهي الطلعة ، تام الخلقة ، يملأ عين مجتليه ، ويأسر فؤاد رائيه ، ويسر عين ناظريه ، وسمته أم المؤمنين رضي الله عنها بالحسن ، ولم تكن البشرى لتقتصر على بيت أم سلمة رضي الله عنها فحسب ؛ بل عمت الفرحة دار الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه ، فهو مولى أبيه .

وكان كرم الله على الحسن أن نشأ في بيت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، وكانت أمه تتركه عند أم المؤمنين ، وتذهب لقضاء حوائجها ، فكان الحسن إذا بكى ألقمته أم المؤمنين ثديها ، فيدر عليه لبنـًا بأمر الله ، على الرغم من كبر سنها فضلا عن أنه لم يكن لها ولد وقتها ، فكانت أم سلمة رضي الله عنها أمـًا للحسن من جهتين : الأولى كونها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي أم له وللمؤمنين ، والثانية كونها أمـًا له من الرضاعة .

ولم يكن الحسن رضي الله عنه قاصرًا في نشأته على بيت أم سلمة رضي الله عنها فحسب ؛ بل كان يدور على بيوت أمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ ، وكان هذا داعيـًا لأن يتخلق الغلام الصغير بأخلاق أصحاب البيوت ، وكان هو يحدث عن نفسه ، ويخبر بأنه كان يصول ويجول في داخل بيوتهنَّ رضي الله عنهنَّ حتى أنه كان ينال سقوف بيوتهنَّ بيديه وهو يقفز فيها قفزًا .

زهده :

عاش الحسن رضي الله عنه دنياه غير آبه بها ، غير مكترث لها ، لا يشغله زخرفها ولا يغويه مالها ، فكان نعم العبد الصالح ، حليف الخوف والحزن ، أليف الهم والشجن، عديم النوم والوسن، فقيهـًا زاهدًا، مشمرًا عابدًا، وفي هذا يقول : إن المؤمن يصبح حزينـًا ويمسي حزينـًا وينقلب باليقين في الحزن، ويكفيه ما يكفي العنيزة، الكف من التمر والشربة من الماء، وقال عنه إبراهيم بن عيسى اليشكري : ما رأيت أحدًا أطول حزنـًا من الحسن، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة، وقال عنه علقمة بن مرثد : انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين ، فمنهم الحسن .

ولقد شهد له أهل البصرة بذلك، حدث خالد بن صفوان، وكان من فصحاء العرب، فقال لقيت مسلمة بن عبد الملك فقال لي : أخبرني عن حسن البصرة ، فقال خالد : أنا خيرٌ من يخبرك عنه بعلم، فأنا جاره في بيته وجليسه في مجلسه وأعلم أهل البصرة به، إنه امرؤٌ سريرته كعلانيته ، وقوله كفعله، إذا أمر بمعروف كان أعمل الناس به ، وإذا نهى عن منكر كان أترك الناس له، ولقد رأيته مستغنيـًا عن الناس زاهدًا بما في أيديهم، ورأيت الناس محتاجين إليه طالبين ما عنده، فقال مسلمة : حسبك يا خالد حسبك ‍‍ كيف يضل قوم فيهم مثل هذا ؟‍‍!!

الحسن والحكام :

لما كان الحسن رضي الله عنه قد طلّق الدنيا برمتها ، وقد رخصت في عينه، فقد هان عنده كل شيء، فلم يكن يعبأ بحاكم ظالم، ولا أمير غاشم، و لا ذي سلطة متكبر، بل ما كان يخشى في الله لومة لائم، ومن ذلك أن الحجاج كان قد بنى لنفسه قصرًا في " واسط " فلما فرغ منه نادى في الناس أن يخرجوا للفرجة عليه، وللدعاء له، فخرج الحسن، ولكن لا للدعاء، بل انتهازًا للفرصة حتى يذكر الناس بالله ويعظ الحجاج بالآخرة، فكان مما قال : ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه، وأن أهل الأرض غروه، ولما حذره أحد السامعين من بطش الحجاج رد عليه الحسن قائـلاً : لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيننه للناس ولا يكتمونه، وفي اليوم التالي وجه الحجاج إلى الحسن بعض شرطه ثم أمر بالسيف والنطع( البساط من الجلد يوضع تحت المحكوم عليه بقطع الرأس)، فلما جاء الحسن أقبل على الحجاج وعليه عزة المسلم، وجلال المسلم، ووقار الداعية إلى الله، وأخذ يحرك شفتيه يدندن بكلام ويتمتم ببعض الحروف، فلما رآه الحجاج هابه أشد الهيبة، وما زال يقربه حتى أجلسه على فراشه، وأخذ يسأله في أمور الدين، ثم قال له : أنت سيد العلماء يا أبا سعيد، ثم طيبه وودعه، فتعجب الناس من صنيع الحجاج فقالوا : يا أبا سعيد ماذا قلت حتى فعل الحجاج ما فعل؟ وقد كان أحضر السيف والنطع، فقال الحسن : لقد قلت : يا ولي نعمتي وملاذي عند كربتي ، اجعل نقمته بردًا وسلامـًا علي كما جعلت النار بردًا وسلامـًا على إبراهيم .
وكتب إلى عمر بن عبد العزيز لما ولي كتابـًا جاء فيه : إن الدنيا دار مخيـفة ، إنما أهبط آدم من الجنة إليها عقوبة ، واعلم أن صرعتها ليست كالصرعة، من أكرمها يهن، ولها في كل حين قتيل، فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جرحه يصبر على شدة الدواء خيفة طول البلاء .

ودعاه يومـًا ابن هبيرة ،وكان يزيد بن عبد الملك قد ولي ابن هبيرة العراق وخراسان، وكان مع الحسن الشعبي، فسألهما ابن هبيرة في كتب تصل إليه من أمير المؤمنين فيها ما يغضب الله ؛فتكلم الشعبي فتلطف في الكلام، فلما تكلم الحسن زأر كالأسد ،وانطلق كالسهم ،وانقض كالسيف ، قائلاً : يا ابن هبيرة :خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، واعلم أن الله يمنعك من يزيد، وأن يزيد لا يمنعك من الله، يا ابن هبيرة إنه يوشك أن ينزل بك ملك غليظ شديد لا يعصي الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك هذا، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، حيث لا تجد هناك يزيد، وإنما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد، يا ابن هبيرة، إنك إن تك مع الله وفي طاعته، يكفك بائقة ( أذى ) يزيد، واعلم يا ابن هبيرة أنه لا طاعة لمخلوقٍ كائنـًا من كان في معصية الخالق .

مكانته العلمية وأسبابها :

كان رضي الله عنه جامعـًا، عالمـًا ، فقيهـًا ، ثقة ، حجة مأمونـًا فصيحـًا، ويعد الحسن رضي الله عنه سيد أهل زمانه علمـًا وعملاً، وأشدهم فصاحة وبيانـًا، وقد برع ـ رحمه الله ـ في الوعظ والتفسير براعة لا تفاق، حتى كان فارس الميدان، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها :

- نشأته في بيت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، فقد رضع من ثديها، كما رضع منها علمـًا وفقهـًا .
- قربه من بيوت أمهات المؤمنين ، فكان ذلك داعيـًا لأن يتعلم منهنَّ .
- لزومه حلقة ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ، فقد أخذ عنه الفقه والحديث والتفسير والقراءات واللغة .
- ولعه بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فقد راعه فيه صلابته في الدين وإحسانه في العبادة، وزهده في الدنيا، وقوته في الفصاحة والبيان .

من روى عنهم :

وقد روى الحسن رضي الله عنه عن عدد كبير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هؤلاء :عمران بن حصين ، والمغيرة ، وعبد الرحمن بن سمرة ، والنعمان بن بشير ، وجابر ، وابن عباس ، وابن سريع ، وأنس ، كما رأى عثمان وطلحة، وكان يحدث هو فيقول أنه أدرك سبعين بدريـًا .

ما قيل فيه :

قال أبو بردة : ما رأيت أحدًا أشبه بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم منه
وقال أبو قتادة : ما رأيت أحدًا أشبه رأيـًا بعمر منه .
وقال قتادة : ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد من العلماء إلا وجدت له فضلاً عليه ، وما جالست فقيهـًا قط إلا رأيت فضل الحسن .
وقال الأشعث : ما لقيت أحدًا بعد الحسن إلا صغر في عيني .
وقال عطاء : ذاك إمام ضخم يقتدى به .

من كلامه رضي الله عنه :

كان الحسن رضي الله عنه يتكلم بالحكمة ، قال أبو جعفر الباكر : إن كلامه أشبه بكلام الأنبياء، وقال حماد بن زيد : سمعت أيوب يقول : كان الحسن يتكلم بكلام كأنه الدر، وكان من كلامه :

- ابن آدم : إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك.

- فضح الموت الدنيا ، فلم يترك فيها لذي لب فرحـًا.

- ضحك المؤمن غفلة من قلبه .

- إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة ورجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة، يقول أحدهم‏:‏ إني لحسن الظن بالله، وأرجو رحمة الله، وكذب، لو أحسن الظن بالله لأحسن العمل لله، ولو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة، يوشك من دخل المفازة من غير زاد ولا ماء أن يهلك‏.‏

- قال‏:‏ حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور، وأقذعوا هذه الأنفس فإنها تنزع إلى شر غاية‏.‏

- عاد الحسن عليلاً فوجده قد شفي من علته، فقال‏:‏ أيها الرجل إن الله قد ذكرك فاذكره، وقد أقالك فاشكره، ثم قال الحسن‏:‏ إنما المرض ضربة سوط من ملك كريم، فأما أن يكون العليل بعد المرض فرساً جواداً، وإما أن يكون حماراً عثوراً معقوراً‏.‏

- كتب الحسن إلى فرقد‏:‏ أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله، والعمل بما علمك الله، والاستعداد لما وعد الله مما لا حيلة لأحد في دفعه، ولا ينفع الندم عند نزوله، فاحسر عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الجاهلين، وشمر الساق، فإن الدنيا ميدان مسابقة، والغاية الجنة أو النار، فإن لي ولك من الله مقاماً يسألني وإياك فيه عن الحقير والدقيق، والجليل والخافي، ولا آمن أن يكون فيما يسألني وإياك عنه وساوس الصدور، ولحظ العيون، وإصغاء الأسماع، وما أعجز عنه‏.‏

- قال الحسن‏:‏ يا عبد الأعلى ‏!‏ أما يبيع أحدكم الثوب لأخيه فينقص درهمين أو ثلاثة‏؟‏ قلت‏:‏ لا والله ‏!‏ ولا دانق واحد، فقال الحسن‏:‏ إن هذه الأخلاق فما بقي من المروءة إذا ‏؟‏‏.‏

- وروي ابن أبي الدنيا، عن حمزة الأعمى، قال‏:‏ ذهبت بي أمي إلى الحسن فقالت‏:‏ يا أبا سعيد ‏!‏ ابني هذا قد أحببت أن يلزمك فلعل الله أن ينفعه بك، قال‏:‏ فكنت اختلف إليه، فقال لي يوماً‏:‏ يا بني، أدم الحزن على خير الآخرة لعله أن يوصلك إليه، واِبك في ساعات الليل والنهار في الخلوة لعل مولاك أن يطلع عليك فيرحم عبرتك فتكون من الفائزين‏.‏

- قال‏:‏ من علامات المسلم‏:‏ قوة دين، وحزم في لين، وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحبس في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة، وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف وصبر في شدة، لا ترديه رغبته، ولا يبدره لسانه، ولا يسبقه بصره، ولا يغلبه فرجه، ولا يميل به هواه، ولا يفضحه لسانه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نيته‏.‏ كذا ذكر هذه الألفاظ عنه‏.

- وقال :‏ يا ابن آدم ‏!‏ إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يدي الله عز وجل‏.‏

- وقال‏:‏ يا بني إذا جاءك الشيطان من قبل الشك والريب فاغلبه باليقين والنصيحة، وإذا جاءك من قبل الكسل والسآمة فاغلبه بذكر القبر والقيامة، وإذا جاءك من قبل الرغبة والرهبة فأخبره أن الدنيا مفارقة متروكة‏.‏

- وقال‏:‏ باليقين طلبت الجنة، وباليقين هربت من النار، وباليقين أديت الفرائض على أكمل وجهها، وباليقين أصبر على الحق، وفي معافاة الله خير كثير، قد والله رأيناهم يتعاونون في العافية، فإذا نزل البلاء تفارقوا‏.‏

- وقال‏:‏ الناس في العافية سواء، فإذا نزل البلاء تبين عنده الرجال‏.‏

- وكان يقول‏:‏ ابن آدم ‏!‏ إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تصيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان ذلك شغلك في طاعة نفسك، وأحب العباد إلى الله من كان هكذا‏.‏

- وقال‏:‏ ثلاثة لا تحرم عليك غيبتهم‏:‏ المجاهر بالفسق، والإمام الجائر، والمبتدع‏.‏

- وقال له رجل‏:‏ إن قوماً يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلاً، فقال‏:‏ هون عليك يا هذا، فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت، وأطمعتها في النجاة من النار فطمعت، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم، فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم‏؟‏

- وقال الحسن‏:‏ اعتبروا الناس بأعمالهم ودعوا أقوالهم فإن الله عز وجل لم يدع قولاً إلا جعل عليه دليلاً من عمل يصدقه أو يكذبه، فإن سمعت قولاً حسناً فرويداً بصاحبه، فإن وافق قول عملاً فنعم ونعمت عين أخته وأخيه، وإذا خالف قول عملاً فماذا يشبه عليك منه، أم ماذا يخفي عليك منه‏؟‏ إياك وإياه، لا يخدعنك كما خدع ابن آدم، إن لك قولاً وعملاً، فعملك أحق بك من قولك، وإن لك سريرة وعلانية، فسريرتك أحق بك من علانيتك، وإن لك عاجلة وعاقبة، فعاقبتك أحق بك من عاجلتك‏.‏

- وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 2‏]‏ قال‏:‏ لا تلقى المؤمن إلا يلوم نفسه، ما أردت بكلمة كذا، ما أردت بأكلة كذا، ما أردت بمجلس كذا، وأما الفاجر فيمضي قدماً قدماً لا يلوم نفسه‏.

- وقال‏:‏ تصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعد، وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت، فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم، إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم، وإنما يصبر على هذا الحق من عرف فضله وعاقبته‏.‏

- وقال‏:‏ لا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته‏.‏

- قال‏:‏ المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على أقوام أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة‏.‏

- إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله عز وجل، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه، وفي جوارحه كلها‏.‏

- قال‏:‏ المؤمن في الدنيا كالغريب لا ينافس في غِيرها ولا يجزع من ذلها، للناس حال وله حال، الناس منه في راحة ، ونفسه منه في شغل‏.‏

- وقال‏:‏ أدركت صدر هذه الأمة وخيارها وطال عمري فيهم، فوالله إنهم كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم لله عليكم، أدركتهم عاملين بكتاب ربهم، متبعين سنة نبيهم، ما طوى أحدهم ثوباً، و لا جعل بينه و بين الأرض شيئاً، و لا أمر أهله بصنع طعام، كان أحدهم يدخل منزله فإن قُرب إليه شيء أكل وإلا سكت فلا يتكلم في ذلك‏.‏

- وقال‏:‏ إن المنافق إذا صلى صلى رياء أو حياء من الناس أو خوفاً، وإذا صلى صلى فقرأهم الدنيا، وإن فاتته الصلاة لم يندم عليها ولم يحزنه فواتها‏.‏

- وسئل الحسن عن النفاق فقال‏:‏ هو اختلاف السر والعلانية والمدخل والمخرج، وقال‏:‏ ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق - يعني‏:‏ النفاق - وحلف الحسن‏:‏ ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق‏.‏



وفاته رضي الله عنه :

في العام العاشر بعد المائة الأولى وفي غرة رجب ليلة الجمعة وافقت المنية الحسن رضي الله عنه ،فلما شاع الخبر بين الناس ارتجت البصرة كلها رجـًا لموته رضي الله عنه ، فغسل وكفن ، وصلى عليه في الجامع الذي قضى عمره فيه ؛داعيـًا ومعلمـًا وواعظـًا ، ثم تبع الناس جنازته بعد صلاة الجمعة ، فاشتغل الناس في دفنه ولم تقم صلاة العصر في البصرة لانشغال الناس بدفنه .

منقول بتصرف

لـــذة التـــوبة
20-03-2007, 02:33 PM
الإمام أبو حنيفة

اسمه ونسبه :

الإمام فقيه الملة عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي الكوفي مولى بنيتيم الله بن ثعلبة يقال إنه من أبناء الفرس .

في سير أعلام النبلاء 6 / 394 :
قال عمر بن حماد بن أبي حنيفة أما زوطي فإنه من أهل كابل وولد ثابت عن الإسلام وكان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبه فأعتق فولاؤه لهم ثم لبني قفل قال وكان أبو حنيفة خزازا ودكانه معروف في دار عمرو ابن حريث

وقال النضر بن محمد المروزي عن يحيى بن النضر قال كان والد أبي حنيفة من نسا

وروى سليمان بن الربيع عن الحارث بن إدريس قال أبو حنيفة أصله من ترمذ
6 / 395 :
وروى أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول عن أبيه عن جده قال ثابت والد أبي حنيفة من أهل الأنبار .

مولده ونشأته وصفاته :

ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة .
وعن حماد بن أبي حنيفة قال كان أبي جميلا تعلوه سمرة حسن .
عاش سبعين سنة منها اثنين وخمسون سنة في العصر الأموي وثمان عشرة سنة في العصر العباسي .

نشأ النعمان تاجرا ً مثل أبوه وجده لكننا لسنا أمام تاجر مثل كل التجار تاجر أمين صادق يحن على الفقراء .

ـ جاءته امرأة بثوب من حرير تبيعه فقال كم ثمنه ؟ قالت : مائة، قال : هو خير من ذلك بكم تقولين ؟ فزادت مائة ، قال : هو خير من ذلك حتى قالت أربعمائة ، قال : هو خير من ذلك ، قالت : تهزأ بي ؟ قال : هاتي رجلا ً يقومه فجاءت برجل فاشتراه أبو حنيفة بخمسمائة.

ـ امرأة عجوز قالت له : إني ضعيفة وإنها أمانة فبعني هذا الثوب بما يقوم عليك قال خذيه بأربعة دراهم فلما تعجبت المرأة قال لا تستغربي إني اشتريت ثوبين فبعت أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم فبقي هذا الثوب على أربعة دراهم.

طلبه للعلم :

ـ قال الشعبي لأبي حنيفة إلى من تختلف ؟ قال أبو حنيفة : السوق ، فقال الشعبي : لم أعنى الاختلاف إلى السوق، وإنما عنيت الاختلاف إلى العلماء، فقال : أن قليل، قال الشعبي : لا تفعل وعليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء فإني أرى فيك يقظة وحركة. قال أبو حنيفة فوقع في قلبي فتركت الاختلاف إلى السوق وأخذت العلم فنفعني الله به.

ـ يقال أن امرأة جاءته فسألته فدلها على حماد بن أبي سليمان فقال لها اسأليه ثم أخبريني إذا رجعتي، فأعجب بعلم حماد وجلس ليتعلم على يديه.

ـ لازم حماد بن أبي سليمان ثمان عشرة سنة ومات حماد وهو في سن الأربعين أي أنه بدأ في سن الثانية والعشرين.

في سير أعلام النبلاء : 6 / 396 :
فإن الإمام أبا حنيفة طلب الحديث وأكثر منه في سنة مئة وبعدها.
في سير أعلام النبلاء 6 / 399 : عن الشافعي قال قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة قال نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.

موقفه في زمان الفتن :

ـ طلب منه ابن هبيرة أن يكون قاضي فرفض فضربه فرفض.
ـ سنة احدى وعشرين ومائة خرج زيد بن علي زين العابدين على هشام بن عبد الملك.
ـ ثم عصفت الفتن بالعراق سنة ثلاثين ومائة ففر إلى مكة واستقر بها عدة سنوات حتى تمكن بنو العباس، وكان أثناء وجوده بمكة يدرس الفقه والحديث.
ـ كان المنصور يبني بغداد وأراد أن يكون أبو حنيفة قاضيا له فرفض فحلف عليه أن يعمل معه فعمل في اعداد اللبن للبناء.
ـ جاءه رجل وقال أمير المؤمنين يأمر أحدنا بضرب عنق الآخر أفيطيعه ؟ قال أبو حنيفة : أمير المؤمنين يأمر بالحق أو بالباطل ؟ قال بالحق قال فأنفذ الحق ولا تسأل ثم التفت أبو حنيفة إلى من حوله وقال هذا أراد أن يوثقني فربطته.
ـ في تاريخ بغداد : أن الخليفة أصر عليه أن يلي القضاء، فقال له اتق الله ولا ترع أمانتك إلا من يخاف الله، والله ما أنا بمأمون الرضا فكيف أكون مأمون الغضب .. ولو خيرتني بين الغرق في الفرات وبين القضاء لاخترت الغرق، فقال له الخليفة كذبت أنت تصلح، فقال قد حكمت على نفسك كيف يحل لك أن تولي قاضيا ً على رعيتك وهو كذاب ؟ ! .
ـ حبسه المنصور ومات بالحبس سنة خمسين ومائة للهجرة ، وقيل بل خرج ثم مات ببغداد .

ورعه وزهده وعبادته :

ـ كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.
ـ وعن أسد بن عمرو أن أبا حنيفة رحمه الله صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة .
ـ وروى بشر بن الوليد عن القاضي أبي يوسف قال بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلا يقول لآخر هذا أبو حنيفة لا ينام الليل فقال أبو حنفية والله لا يتحدث عني بما لم أفعل فكان يحيى الليل صلاة وتضرعا ودعاء .
ـ وقد روي من وجهين أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة .
ـ جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها .

في سير اعلام النبلاء 6 / 401 :

- قال مسعر بن كدام رأيت أبا حنيفة قرأ القرآن في ركعة .
- عن محمد بن الحسن عن القاسم بن ينعقد أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر القمر 46 ويبكي ويتضرع إلى الفجر .
- وقد روي وجه أن الإمام أبا حنيفة مرة على أن يلي القضاء فلم يجب .

تعظيمه للسنة :

روى نوح الجامع عن أبي حنيفة أنه قال ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس فتكون وما جاء عن الصحابة اخترنا وما كان ذلك فهم رجال ونحن رجال.


ابتلاؤه في ذات الله :

في سير أعلام النبلاء 6 / 401 ـ 402 : قال إسحاق بن إبراهيم الزهري عن بشر بن الوليد قال طلب المنصور أبا حنيفة فأراده على القضاء وصله ليلين فأبى وصله إني لا أفعل فقال الربيع الحاجب ترى أمير المؤمنين يحلف وأنت تحلف قال أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني فأمر به إلى السجن فمات فيه ببغداد وقيل دفعه أبو جعفر إلى صاحب شرطته حميد الطوسي فقال يا شيخ إن أمير المؤمنين يدفع إلي الرجل فيقول لي اقتله أو اقطعه أو اضربه ولا أعلم بقصته فماذا أفعل فقال هل يأمرك أمير المؤمنين بأمر قد وجب أو بأمر لم يجب قال بل بما قد وجب قال فبادر إلى الواجب.


ـ لقد دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع فقال أترغب عما نحن فيه فقال لا أصلح قال كذبت قال فقد حكم أمير المؤمنين علي أني لا أصلح فإن كنت كاذبا فلا أصلح وإن كنت صادقا فقد أخبرتكم أني لا أصلح فحبسه وروى نحوها إسماعيل بن أبي أوليس عن الربيع الحاجب وفيها قال أبو حنيفة والله ما أنا بمأمون الرضى فكيف أكون مأمون الغضب فلا أصلح لذلك قال المنصور كذبت بل تصلح فقال كيف يحل أن تولي من يكذب.

وقيل إن أبا حنيفة ولي له فقضى قضية واحدة وبقي يومين ثم اشتكى ستة أيام وتوفي، وقال الفقيه أبو عبد الله الصيمري لم يقبل العهد بالقضاء فضرب وحبس ومات في السجن.

ثناء العلماء عليه :

وعن ابن المبارك قال ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة . سير أعلام النبلاء 6 / 400 .
وعن أبي معاوية الضرير قال حب أبي حنيفة من السنة.

وقال يحيى بن سعيد القطان لا نكذب الله ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة وقد أخذنا بأكثر أقواله.

وقال علي بن عاصم لو وزن علم الإمام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه لرجح عليهم.

وقال حفص بن غياث كلام أبي حنيفة في الفقه أدق من الشعر لا يعيبه إلا جاهل.

وروي عن الأعمش أنه سئل عن مسألة فقال إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت الخزاز وأظنه بورك له في علمه.

وقال جرير قال لي مغيرة جالس أبا حنيفة تفقه فإن إبراهيم النخعي لو كان حيا لجالسه.

وقال ابن المبارك أبو حنيفة أفقه الناس .

وقال الشافعي الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة .

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 6 / 403 : الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام وهذا أمر لا شك فيه وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل وسيرته تحتمل أن تفرد في مجلدين رضي الله عنه ورحمه .

وفاته :

توفي في سنة خمسين وله سبعون سنة وعليه قبة عظيمة ومشهد فاخر ببغداد والله أعلم .

يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء 6 / 392 :
وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك .

أصول مذهب أبي حنيفة :

الكتاب ـ السنة ـ فتوى الصحابي ـ الإجماع ـ القياس ـ الاستحسان ـ العرف ـ الحيل الشرعية .

انتشار مذهبه :

انتشر مذهبه في العراق ثم الشام ثم دخل مصر في ظل حرب الفاطميين له ثم تركيا ثم من العراق شرقا ً إلى الصين .

منقول : موقع الفقه الإسلامي

رمزي حسن
21-03-2007, 07:31 AM
شكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا


~*¤ô§ô¤*~ سبحان الله ~*¤ô§ô¤*~

~*¤ô§ô¤*~ الحمد لله ~*¤ô§ô¤*~

~*¤ô§ô¤*~ لا إله إلا الله ~*¤ô§ô¤*~

~*¤ô§ô¤*~ الله أكبر ~*¤ô§ô¤*~

~*¤ô§ô¤*~ سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ~*¤ô§ô¤*~

لـــذة التـــوبة
21-03-2007, 04:35 PM
شكرا لمرورك اخوي رمزي حسن

سوف اضيف الجديد قريبا

ولكن اريد التفاعل مع الموضوع

الجوووري
22-03-2007, 04:46 AM
جزاك الله خير يالحجاج


وماشاء الله عليك جهودك واضحه بالقسـم


الف شكر لـك ..


ولي عودهـ للمشاركهـ بإذنه تعالى ..


:101:

بندر الزايدي
22-03-2007, 06:03 AM
الله اكبر اخوي حجاج
كم هدى الله اناس بهذه القصص والسير وكم ثبتت من اناس على طريق الحق
لذلك يقول احد السلف القصص جند من جنود الله يثبت الله بها اوليائه وقال الشاعر :
اولئك آبائي فجئني بمثلهم اذا جمعتنا يا جرير المجامع
اعطيك العافيه اخوي الحجاج على اختيارك لهذ الموضوع والله ينفع به

لـــذة التـــوبة
23-03-2007, 12:50 PM
شكر على المداخله المميزه اخوي الزائر

عمر ابن عبد العزيز


نسبه -رضي الله عنه -
للنسب و السلالة الأصيلة تأثير كبير في تكوين الرجال ، وأصالة النسب تنتج آثارها الناضجة الطيبة إذا استقامت على أمر الإسلام ونهجه ، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه جد عمر بن عبد العزيز لأمه رضي الله عنهم ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي زوج ابنه عاصما من الفتاة الهلالية التي أبت غش اللبن في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد ورث عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عن جده ابن الخطاب كثيراً من شمائله من إيثار الحق ومناصرة العدل ، والعفة و الورع و التقوى والجرأة في الحق .

وأبوه هو عبد العزيز بن مروان رضي الله عنه والي مصر المتوفى في جمادى الأولى سنة 86 هـ و عمه الخليفة عبد الملك بن مروان رضي الله عنه أحد كبار فقهاء المدينة المتوفى في شوال سنة 86 هـ ، وجده من أبيه مروان بن الحكم رضي الله عنه (64 - 65هـ ) شيخ بني أمية وقريب عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.

وعمر بن عبد العزيز من أبناء عمومة الصحابي الجليل كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ( 41 - 60 هـ ) مؤسس الدولة الأموية و جدته أم أمه فتاة من بني هلال التي أبت غش اللبن في عهد عمر بن الخطاب ؛ لأن الله يراها ، وهي زوجة عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ، وابنتها أم عاصم زوجة عبد العزيز بن مروان و أم عمر بن عبد العزيز هي أم عاصم رضي الله عنهم .
فعمر بن عبد العزيز قبل استخلافه أمير و ابن أمير ، ومن سلالة الأتقياء الطاهرين ، فصار الدم الطاهر الكريم و الجوهر النقي الأصل الطيب متمثلاً كله في عمر(6) : ) ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم ( (7).

وترجمته رضي الله عنه هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو حفص القرشي الأموي أمير المؤمنين (8) .

مولده _ رضي الله عنه _
رأى رجل في المنام ليلة ولد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أو ليلة ولي الخلافة أن مناديا بين السماء و الأرض ينادي : أتاكم اللين والدين و إظهار العمل الصالح في المصلين فنزل فكتب في الأرض ع.م.ر(9).
ولد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه 63 هـ ، وهي السنة التي ماتت فيها ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (10).
ويقال : كان مولده في سنة 61 هـ ، وهي السنة التي قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنه بمصر ، وقيل سنة 63 هـ وقيل سنة 59 هـ ، فالله أعلم(11).
ولد عمر بحلوان ، قرية في مصر ، و أبوه عبد العزيز بن مروان أمير عليها ، وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ، وكان بوجه عمر شجه ، ضربته دابة في جبهته - وهو غلام - فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول : إن كنت أشج بني أمية إنك لسعيد ، أخرجه بن عساكر .وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلا ، فصدق ظن أبيه فيه ، فكان هو عمر بن عبد العزيزرضي الله عنه (12).


تربيته - رضي الله عنه -
منذ نعومة أظفار عمر حرص والده عبد العزيز رضي الله عنهعلى أن ينشأ ولده على الصلاح والاستقامة فأختار له البيئة الخصبة التي سيترعرع فيها فكانت هي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يعيش بعض من بقي من الصحابة رضي الله عنهم.

عندما أراد عبد العزيز بن الحكم إخراج ابنه عمررضي الله عنه معه إلى مصر من الشام وهو حديث السن طلب عمر منه أن يرسله إلى المدينة رغبة في العلم والأدب ، فأرسله أبوه إلى المدينة ومعه الخدام ، فقعد مع مشايخ قريش و فقهائها فتأدب بآدابهم ، وتجنب شبابهم ومازال ذلك دأبه حتى أشتهر ذكره وذاع صيته (13).

كان عمر تابعياً جليلاً حيث قال فيه أحمد بن حنبل رضي الله عنه : ( لا أدرى قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز ).

بكى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو غلام صغير فبلغ ذلك أمه فأرسلت إليه وسألته عن ما يبكيه فقال ذكرت الموت ، فبكت أمه ، هذه هي بوادر التقوى والخوف من الله عند عمر ، ثم إن عمر قد جمع القرآن الكريم وهو صغير ، وكان صالح بن كيسان رضي الله عنه يؤدبه حيث قال عنه : ما خبرت أحدا الله أعظم في صدر من هذا الغلام وحدث أن عمر قد تأخر عن صلاة الجماعة يوماً ، فقال له صالح بن كيسان : ما شغلك ؟ فقال : كانت مرجلتي تسكن شعري ، فقال له : قدمت ذلك على الصلاة ؟ فكتب إلى أبيه وهو والي على مصر يعلمه بذلك ، فبعث أبوه إليه رسولاً فلم يكلمه حتى حلق رأسه (14).

وكان قبل الخلافة على قدم الصلاح أيضا ، إلا أنه كان يبالغ في التنعم ، فكان الذين يعيبونه من حساده لا يعيبونه إلا في الإفراط في التنعم والاختيال في المشية (15).

ولكن هذا تغير عند توليه ولاية المدينة ثم ظهر ذلك جليا عند توليه أمانة الخلافة على بلاد المسلمين .

زواجه
مات والد عمر بن عبد العزيز فأخذه عمه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان وجعله كمنزلة أبنائه حتى زوجه بابنته فاطمة التي قال فيها الشاعر :
بنت الخليفة والخليفة جدها أخت الخلائف والخليفة زوجها
حيث لا يعرف امرأةٌ بهذه الصفة إلى يومنا هذا سواها(16). ، ولفاطمة ابنة عبد الملك مواقف رائعة مع زوجها عمر بن عبد العزيز فهي مثال للمرأة المسلمة والزوجة الصالحة
وقدوة مضيئة لمن أراد أن يقتدي بسيدة فاضلة (17).


توليه إمرة المدينة المنورة
توفي عم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عبد الملك بن مروان رضي الله عنه فحزن عمر حزنا شديداً عليه لأنه كان له بمنزلة الأب و اليد الحانية التي غمرته بالمحبة و السرور ، فتولى الوليد بن عبد الملك رضي الله عنه الخلافة و كانت دار الخلافة آن ذاك بدمشق ، فعامل الوليد عمر بن عبد العزيز بما كان أبوه يعامله به وولاه إمرة المدينة و مكة و الطائف من سنة 86 هـ إلى سنة 93 هـ ، فأقام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه للناس الحج سنة 89 هـ و 90 هـ ، وفي فترة ولايته بنى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ووسعه بأمر من الوليد ، فدخل فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلموقد كان في هذه المدة من أحسن الناس معاشرة ، كان إذا وقع أمر مشكل جمع فقهاء المدينة ، وقد عين عشرةً منهم رضي الله عنهم ، ولا يقطع أمراً بدونهم ، وكان لا يخرج عن قول سعيد بن المسيب رضي الله عنه ، وقد كان سعيد لا يأتي أحداً من الخلفاء ، وكان يأتي على عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة ، وقد قال الصحابي الجليل خادم صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله عنه: ما صليت وراء إمام أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى - يعني عمر بن عبد العزيز - قالوا : كان يتم السجود ويخفف القيام و القعود(18).

وقد أثنى عليه من عاصره في المدينة من علماء و تابعين و فقهاء و غيرهم لما لمسو في عمر من إخلاص وتفاني لخدمة دين الله وحمل لأمانة الولاية على أتم وجه (19).
قال أحد الناس : رأيته في المدينة وهو أحسن الناس لباساً ومن أطيب الناس ريحاً ومن أخيل الناس مشيته ، ثم رأيته بعد ذلك يمشي مشية الرهبان (20).

وقال الإمام مالك رضي الله عنه : لما عزل عمر بن عبد العزيز عن المدينة - يعني سنة 93 هـ - وخرج منها ألتفت إليها و بكى ، وقال لمولاه مزاحم : نخشى ممن نكون ممن نفت المدينة - يعني أن المدينة تنفث خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد - فنزل بمكان قريب منها يقال له السويداء،ثم قدم دمشق على بني عمه (21).

بوادر توليه أمانة الخلافة
مات الوليد بن عبد الملك سنة 96 هـ ، وبويع بالخلافة لسليمان رضي الله عنه ، وتولى عمر بن عبد العزيز بنفسه أخذ البيعة لسليمان ، فضم سليمان إليه عمر مستشاراً ينصحه ويشير عليه ، و ولاه على المدينة مرةً ثانية ، وكانت تجارب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في ولاية المدينة ، وقربه من الخلفاء ، ناصحاً أو مستشاراً ، مفيدة في مراقبة الأوضاع عن كثب ، وفي الإعداد للخلافة ، وقيامة بعد استخلافه بحركته الإصلاحية الكبرى في جميع البلاد الإسلامية .

وكان لعمر مع سليمان مواقف نصح و ارشاد و تذكير بشدة الحساب يوم القيامة و في نفس الوقت كان سليمان يقدر عمر ويحرص على ملازمته له أشد الملازمة ، إلا أن هذا التقدير لم يصل إلا حد التفكير بأن يعهد لخلافته من بعده ، وإنما كان تفكيره في توليه أحد أولاده ، لولا اقتراح رجاء بن حيوة الذي كان وزير صدق للأمويين (22).

خلافة عمر بن عبد العزيز
في عام 99 هـ مرض سليمان بن عبد الملك فكتب الخلافة لبعض بنيه وهو غلام صغير ، فقال له رجاء بن حيوة : ما تصنع يا أمير المؤمنين ! إنما يحفظ الخليفة في قبرة أن يستخلف على المسلمين الرجل الصالح ، فاستخار سليمان الله ، ثم دعا رجاء بن حيوة فقال له : ماذا ترى في داوود بن سليمان ؟ فقال : هو غائب عنك في القسطنطينية و أنت لا تدري أحي هو أو ميت ! فقال له سليمان : فمن ترى ؟ قال : رأيك يا أمير المؤمنين - وهو يريد أن ينظر من يذكر - . فقال سليمان : كيف ترى عمر بن عبد العزيز ؟ قال : أعلمه و الله خيراً فاضلاً مسلماً ، فقال سليمان : هو و الله على ذلك ، والله لئن وليته ولم أول أحدا سواه لتكونن فتنة ، فكتب :

(( بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتابٌ من عبد الله سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز ، إني قد وليتك الخلافة من بعدي ، ومن بعده يزيد بن عبد الملك ، فاسمعوا له وأطيعوا ، و اتقوا الله ولا تختلفوا فيُطمع فيكم )) فدخلوا على سليمان و سمعوه وبايعوه رجلاً رجلاً ثم خرج بالكتاب مختوماً في يد رجاء بن حيوة (23) .

قال رجاء : فلما تفرقوا جاءني عمر بن عبد العزيز فقال : أخشى أن يكون هذا أسند إلي شيئاً من هذا الأمر ، فأنشدك الله وحرمتي و مودتي إلا أعلمتني إن كان ذلك حتى استعفيه الآن قبل أن تأتي حال لا أقدر فيها على ما أقدر عليه ! قال رجاء : لا و الله ما أنا بمخبرك حرفاً ؛ قال : فذهب عمر غضبان (24).

خرج رجاء بن حيوة بعد أن قبض الله سليمان ونادى كعب بن جابر العبسي صاحب شرطته وجمع أهل بيت سليمان في مسجد دابق فاجتمعوا ، فقال : بايعوا ، فقالوا : قد بايعنا مرة ، قال : وأخرى هذا عهد أمير المؤمنين فبايعوا ، فلما أحكم رجاء بن حيوة الأمر قال : قوموا إلى صاحبكم فقد مات ، قالوا : إنا لله و إنا إليه راجعون ، و قرأ الكتاب عليهم (25).

تغيرت وجوه بني مروان ، ونهض الناس إلى عمر بن عبد العزيز وهو في مؤخر المسجد، ولم تحمله رجلاه فأصعدوه على المنبر ، فسكت حيناً ، فقال رجاء بن حيوة : ألا تقوموا إلى أمير المؤمنين فتبايعوه ، فنهض القوم فبايعوه فخطب الناس خطبةً بليغة (26).

فحمد الله و أثنى عليه ثم قال :
(( أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن ، ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، ألا و أني لست بفارضٍ و لكني منفذ ، و لست بمبتدع ، ولكني متبع ، ولست بخير من أحدكم ، ولكني أثقلكم حملاً ، وإن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم ، ألا لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق )) (27).

ثم نزل ، فأخذوا في جهاز سليمان فصلى عمر بن عبد العزيز عليه ودفن بدابق ، ثم أتي بمراكب الخلافة وهي تنشر في الأرض رجة فقال : ما هذا ؟ فقيل : مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين قربت إليك لتركبها ! فقال : ما لي ولها ، نحوها عني قربوا إلى بغلتي ، فقربت إليه بغلته فركبها وانصرف مع الناس ثم مالوا به إلى دار الخلافة فأبى النزول بها قائلاً : لا أنزل إلا في منزلي ، وهكذا نجد أن مخايل الورع و الدين و التقشف و الصيانة و النزاهة ، من أول حركة بدت منه،حيث أعرض عن ركوب مراكب الخلافة ، وهي الخيول الحسان و الجياد المعدة لها وسكن منزله رغبةً عن منزل الخلافة (28).

إصلاحاته - رضي الله عنه -
صارت بلاد المسلمين تحت خلافة عمر بن عبد العزيز ، ورأى عمر أن ما آل إليه هو تكليف عظيم من الله وليس بتشريف ، فباع الدنيا برضا الله وسار في الناس سيرة الراعي الصالح والخليفة العادل فبدأ بنفسه وأهل بيته فصادر ما في حوزتهم وضمه لبيت المال باعتباره مالاً للمسلمين و ولى الولايات لمن رأى فيهم الصلاح والخير و رد المظالم لأصحابها، فكان يسعد بسعادة الرعية وهذا ما وضعه نصب عينية .

قال عمر بن عبد العزيز : إن لي نفساً تواقة ، لقد رأيتني وأنا بالمدينة غلام من الغلمان ، ثم تاقت نفسي إلى العلم ، إلى العربية و الشعر ، فأصبت منه حاجتي، وما كنت أريد ، ثم تاقت نفسي في السلطان ، فاستعملت على المدينة .

ثم تاقت وأنا في السلطان ، إلى اللبس و العيش و الطيب ، فما علمت أن أحداً من أهل بيتي ، ولا غيرهم ، كان مثل ما كنت فيه .

ثم تاقت نفي إلى الآخرة والعمل بالعدل ، فأنا أرجو ما تاقت إليه نفسي من أمر آخرتي ، فلست بالذي أهلك آخرتي بدنياهم (29).

قالت فاطمة زوجة عمر بن عبد العزيز : دخلت يوماً عليه وهو جالس في مصلاه واضعً خده على يده ودموعه تسيل على خديه ، فقلت : مالك ؟ فقال : ويحك يا فاطمة ، قد وليت من هذه الأمة ما وليت ، فتفكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهود ، و اليتيم المكسور ، والأرملة الوحيدة و المظلوم المقهور ، والغريب و الأسير ، والشيخ الكبير ، وذي العيال الكثير والمال القليل ، وأشباههم في أقطار الأرض و أطراف البلاد ، فعلمت أن ربي عز وجل سيسألني عنهم يوم القيامة ، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم فخشيت أن لا يثبت لي حجة عند خصومته فرحمت نفسي فبكيت (1).

وأصلح كثيراً من الأرض الزراعية ، وحفر الآبار ، وعمر الطرق ، وأعد الخزانات لأبناء السبيل ، و أقام المساجد ولكنه لم يعتن بزخرفتها و هندستها، أما الأرض المغتصبة والتي لا سجل لها فقد أعلن عمر عودتها إلى بيت مال المسلمين . فقد تمكن بإصلاحاته التي عمل بها طول مدة خلافته أن يقضي على الفقر و الحاجة ، ولم يعد لهما وجود ، ولم يبق من يأخذ من أموال الزكاة (30).

وفاته - رضي الله عنه -
قيل لعمر بن عبد العزيزرضي الله عنه ، لو أتيت المدينة فإن مت دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : والله لأن يعذبني الله بكل عذاب إلا النار أحب إلي من أن يعلم الله مني أني أراني لذلك الموضع أهلاً ، قيل أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه توفي بالسم ، حيث سقاه بنو أمية لأنه شدد عليهم و انتزع من أيديهم كثيراً مما اغتصبوه وكان قد أهمل التحرز فسقوه السم ، فقيل له ألا تتداوى ؟ فقال : قد علمت الساعة التي سقيت فيها ، ولو كان شفائي أن أمسح شحمت أذني أو أوتي بطيب فأرفعه إلى أنفي ما فعلت ، ولما أحتضر عمر بن عبد العزيز قال : أخرجوا عني ، فقعدوا له على الباب فسمعوه يقول : مرحباً بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس ولا جان ، ثم قال : ) تلك الدار الآخرة ((31) ثم هدأ الصوت ، فدخلوا فوجدوه قد قبض ، رضي الله عنه وجاء نعيه إلى سيد التابعين الحسن البصري رضي الله عنه فقال : مات خير الناس(32).

ودخل أحدهم على عمر يعوده فإذا عليه قميص وسخ فقيل لفاطمة بنت عبد الملك زوج عمر بن عبد العزيز ،اغسلي قميص أمير المؤمنين ،قالت : نفعل إن شاء الله ، ثم عاد فإذا القميص على حاله فقال : يا فاطمة ألم آمركم أن تغسلوا قميص أمير المؤمنين ؟ فإن الناس يعودونه ، فقالت : والله ما له قميصٌ غيره (33).

توفي عمر بن عبد العزيز بدير سمعان من أرض حمص بسوريا حالياً يوم الجمعة وله 39 سنة ، وكانت خلافته سنتين و خمسة أشهر وخمسة و أياماً ، و عندما دفن وسوي بالتراب عليه إذ سقط رق من السماء مكتوبٌ فيه : بسم الله الرحمن الرحيم: أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار (34).

قال أحدهم : رأيت الذئاب ترعى مع الغنم في البادية في خلافة عمر بن عبد العزيز ، فقلت : سبحان الله ذئب في غنم لا يضرها ! فقال الراعي : إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس ، وقال مالك بن دينار : لما ولي عمر بن عبد العزيز قالت رعاء الشاء : من هذا الصالح الذي قام على الناس خليفة ؟ عدله كف الذئاب عن شائناً (35).

ودخل رجل على ملك الروم فرآه حزيناً فقال : ما شأن الملك ؟فقال : وما تدري ما حدث ؟ قال : ما حدث ؟ قال : مات الرجل الصالح ، قال من ، قال : عمر بن عبد العزيز ، ثم قال ملك الروم : لأحسب أنه لو كان أحد يحييى الموتى بعد عيسى بن مريم ، لأحياهم عمر بن عبد العزيز ، ثم قال : إني لست أعجب من الراهب أن أغلق بابه ورفض الدنيا ، وترهب وتعبد ، ولكن أعجب ممن كانت الدنيا تحت قدميه فرفضها وترهب (37).

وهكذا كان عمر رضوان الله عليه نجيب الأمة ، ومجدد دينها ، ومصلح زمانها على رأس المائة الأول من الهجرة، كما ألمح النبي و انطبق عليه في قوله : ) إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ( وهو أيضا من التابعين وخير القرون القرن الثاني بعد النبي ومن فقهاء التابعين رحم الله عمر بن عبد العزيز و جزاه عن الإسلام والمسلمين خير جزاء أنه نعم المولى و نعم المجيب(38).

الخاتمة
إن عمر بن عبد العزيز أعاد الثقة للأمة بأنها تستطيع أن تعود لمنبعها الصافي متى أرادت ذلك ، فرغم الفوضى و الفساد والأخطار و الذي كانت تهدد بلاد الإسلام - وما أشبه الليلة بالبارحة - إلا أن بريق الأمل وشعاعه أقوى من كل ذلك فتى ظهر معدن الإخلاص جليا حباً لله ورسوله ولهذا الدين العظيم الذي أكرم الله به الإنسانية . . .
كذلك فإن سيرة عمر مثال راق من تاريخنا المجيد فتفانيه و زهده و تقواه وخوفه يزرع في النفس السكينة و يحسسنا بروعة هذا الدين و أهله . . .
ولا أبلغ من كلام أحمد بن حنبل حينما قال :
(( إذا رأيت الرجل يحب عمر ويذكر محاسنه وينشرها فأعلم أن من وراء ذلك خيراً إن شاء الله )) وهذه دعوة للجميع . . . لغرس شمائل هذه الشخصية و تقديمها للمجتمع بصورتها البراقة الناصعة دون ما زيف أو تضليل و تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية منها و ذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة و الفعالة في هذا العصر .
ونخرج من بحثنا بأن ما قام به عمر بن عبد العزيز يعود إن أخلص المرء في نيته و سار على نهج سيرته العطرة مهما تغير الزمن و تبدلت أحوال الأمة.
رحم الله عمر بن عبد العزيز وجزاه عن الإسلام كل خير و أسكنه فسيح جناته و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

لـــذة التـــوبة
24-03-2007, 03:36 PM
الإمام مسلم

إسمه ومولده

هو الإمام الكبير الحافظ الحجة : أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري (من بني قشير قبيلة من العرب معروفة) النيسابوري، صاحب الصحيح قيل : إنه ولد سنة أربع ومائتين .

سماعه للحديث وعلمه

أول سماعه للحديث في سنة ثمان عشرة من يحيى بن يحيى التميمي، وحج في سنة عشرين وهو أمرد، فسمع بمكة القعنبي، فهو أكبر شيخ له، وسمع بالكوفة من أحمد بن يونس وجماعه، وأسرع إلى وطنه ثم أرتحل بعد أعوام قبل الثلاثين، وأكثر عن علي بن الجعد، لكنه ماروى عنه في الصحيح شيئا وسمع بالعراق والحرميين ومصر.

شيوخه

من شيوخه : أحمد بن حنبل واحمد بن منيع وإسحاق بن راهوية وسعيد بن منصور وعبد الله الدارمي وعلي بن خشرم وعثمان بن أبي شيبة وقتيبة بن سعيد ومحمد بن يحيى العدني وأبي بكر بن أبي شيبة وغيرهم وعدتهم : مئتان عشرون رجلاً، أخرج عنهم في الصحيح، ومن أعظم شيوخه البخاري.

قال : الدار قطني : لولا البخاري ماراح مسلم ولا جاء .

الراوون عنه

أبو عيسى الترمذي في جامعه وصالح جزرة وعبدالرحمن ابن أبي حاتم وأبو بكر بن خزيمة وأبو العباس السرَّاج ويحيى بن محمد بن صاعد والحافظ أبو عوانة وغيرهم .

أقوال العلماء فيه

قال عبدالرحمن بن أبي حاتم : كان مسلم ثقة من الحفاظ، كتبت عنه بالري وسئل أبي عنه، فقال : صدوق.

قال أبو قريش الحافظ : سمعت محمد بن بشار يقول : حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى.

قال أبو عبدالله محمد بن يعقوب بن الأخرم الحافظ : إنما أخرجت نيسابور ثلاثة رجال : محمد بن يحيى، ومسلم بن الحجاج، وإبراهيم بن أبي طالب.

وقال الحاكم : سمعت أبا الفضل محمد بن إبراهيم سمعت أحمد بن سلمة يقول : رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح، على مشايخ عصرهما.

وقال : الحاكم : سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : رأيت شيخا حسن الوجه والثياب، عليه رداء حسن ، وعمامة قد أرخاها بين كتفيه ، فقيل : هذا مسلم. فتقدم أصحاب السلطان، فقالوا قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج إمام المسلمين، فقدموه في الجامع، فكبر وصلى بالناس.



تاليف الصحيح، وأقوال العلماء فيه

قال أحمد بن سلمة : كنت مع مسلم في تاليف صحيحه خمس عشرة سنة. قال : وهوإثنا عشر ألف حديث. قال الذهبي : يعني بالمكرر.

وقال الحافظ ابن مندة رحمه الله : سمعت أبا علي النيسابوري الحافظ يقول : ماتحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم.

وقال الحافظ بن كثير رحمه الله : صاحب ـ الصحيح ـ الذي هو تلو صحيح البخاري عند أكثر العلماء، وذهبت المغاربة وأبو علي النيسابوري من المشارقة إلى تفضيل صحيح مسلم على صحيح البخاري. فإن أرادوا تقديمه عليه في كونه ليس فيه شئ من التعليقات إلا القليل، وإنه يسوق الأحاديث بتمامها في موضع واحد ولا يقطعها كتقطيع البخاري لها في الأبواب، فهذا القدر لا يوازي قوة أسانيد البخاري واختياره في الصحيح لها ما أورده في جامعه معاصرة الراوي لشيخه وسماعه منه.

وقال النووي رحمه الله : اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز : الصحيحان : البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف، ظاهره وغامضة، وقد صح أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث.

وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري، هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير، وأهل الإتقان ، والحذق والغوص على أسرار الحديث.

مصنفات الإمام مسلم الأخرى :

أكثر الإمام مسلم من التأليف، وهذه بعض تأليفاته المطبوعة :

1 ـ الأسامي والكنى
2 ـ التمييز
3 ـ الجامع
4 ـ الطبقات
5 ـ المنفردات والوحدان
6 ـ رجال عروة بن الزبير وجماعة من التابعين وغيرهم.

وفاته:

قال أحمد بن سلمة : وعقد لمسلم مجلس للمذاكرة، فذُكر له حديث لم يعرفه فانصرف إلى منزله وأوقد السَّراج، وقال لمن في الدار : لا يدخل أحد منكم، فقيل له : أهديث لنا سله من تمر، فقال : قدموها فقدموها إليه، فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرةً، فأصبح وقد فني التمر، ووجد الحديث.

قال الذهبي : رواها أبو عبد الله الحاكم ثم قال : زادني الثقة من أصحابنا : أنه منها مات.

وكان ذلك في شهر رجب سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور عن بضع وخمسين سنة .

فرحمه الله تعالى رحمه واسعة ، وجعل الفردوس الأعلى مثواه آمين.

منقول : موقع الأثري

لـــذة التـــوبة
26-03-2007, 09:49 PM
زين العابدين
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب


اسمه:

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، السيد الإمام الهاشمي العلوي المدني، أبو الحسين، ويقال أبو الحسن، ويقال أبو محمد، ويقال أبو عبد الله، أمُّه أم ولد اسمها سلامة بنت ملك الفرس يَزْدَجِرْد وقيل غزالة.

مولده:
ولد سنة ثمان وثلاثين تقريبًا.

شيوخه:

روى عن أبيه الحسين الشهيد، وعن صفية أم المؤمنين، وعن أبي هريرة، وعائشة، وأبي رافع وعمه الحسن وابن عباس وأم سلمة والمسور بن مخرمة وزينب بنت أبي سلمة وغيرهم.

الرواة عنه: حدث عنه أولاده أبو جعفر الباقر محمد وعمر وزيد وعبد الله، والزهري وعمرو بن دينار، وزيد بن أسلم، ويحبى بن سعيد، وأبو الزناد، وحبيب بن أبي ثايب وهشام بن عروة وأبو الزبير المكي والأعرج وأبو حازم وخلق كثير.

ثناء العلماء عليه:

قال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا كثير الحديث عالما رفيعًا ورعًا.

قال زيد بن أسلم: ما رأيت فيهم مثل علي بن الحسين (يعني أهل البيت).

قال الزهري : ما رأيت قرشيّا أفضل من علي بن الحسين.

وقال: ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين، وما رأيت أحدًا كان أفقه منه ولكنه كان قليل الحديث.

قال نافع بن جبير: كان علي بن الحسين رجلا له فضل في الدين.

قال سعيد بن المسيب: ما رأيت أورع منه.

قال مالك: لم يكن في أهل البيت مثله.

قال حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد: سمعت على بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته يقول: يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام فما برح حبكم حتى صار علينا عارًا.

قال العجلي: مدني تابعي ثقة.

قال أبو نعيم: زين العابدين ومنار القانتين، كان عابدًا وفيّا وجوادًا حفيّا.

قال ابن حجر: ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور.

من أحواله وأقواله:

عن هشام بن عروة قال: كان علي بن الحسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع ولا يَقْرَعُها، وكان يجالس أسلم مولى عمر فقيل له: تدع قريشًا وتجالس عبد بني عدي، فقال: إنما يجلس الرجل حيث ينتفع.

قال عبد الرحمن بن أدرك: كان علي بن الحسين يدخل المسجد فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم، فقال له نافع بن جبير. غفر الله لك أنت سيد الناس تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد، فقال علي بن الحسين: العلم يُبتغى ويُؤتى ويُطلب من حيث كان.

عن يحيى بن سعيد عن علي بن الحسين قال: يا أهل العراق أحبونا حبّ الإسلام ولا تحبونا حبّ الأصنام، فما زال حبكم حتى صار علينا شينًا.
قلت: ردّ على الشيعة الغلاة الذين يحبون الذوات بغلو إلى أن أوصلوهم لدرجة أعلى من النبيين والملائكة المقربين، فهذا زين العابدين رحمه الله يقول أحبونا حبّ الإسلام. أي: على قدر تحصيلهم من شعائر الإسلام وهذا هو الحب في الله الذي هو أوثق عرى الإسلام.

قال جويرية ابن أسماء: ما أكل علي بن الحسين بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما قط.

قال المقبري: بعث المختار بن أبي عبيد إلى علي بن الحسين بمائة ألف فكره أن يقبلها، وخاف أن يردها، فاحتبسها عنده حتى قتل المختار، فبعث يُخبر عبد الملك وقال: ابعث من يقبضها، فأرسل إليه عبد الملك: يا ابن العم خذها قد طيبتها لك، فقبلها.

عن أبي نوح الأنصاري قال: وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله النار. فما رفع رأسه حتى طفئت فقيل له في ذلك فقال: ألهتني عنها النار الأخرى.

روى ابن عساكر بسنده إلى مالك قال: أحرم علي بن الحسين فلما أراد أن يلبي قالها فأغمى عليه وسقط من ناقته فهشم، ولقد بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات وكان يسمى زين العابدين لعبادته.

عن أبي حمزة الثمالي: أن علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الربّ.

وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثرًا مما كان ينقل الجُرب بالليل إلى منازل الأرامل.

وقال شيبة بن نعامة: لما مات عليٌّ وجدوه يعول مئة أهل بيت.

قال الذهبي: لهذا كان يُبخّل، فإنه ينفق سرّا ويظن أهله أنه يجمع الدراهم. حدث علي بن الحسين بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : "من أعتق نسمة مؤمنة أعتق الله كل عضوٍ منه بعضو منه من النار حتى فرجه بفرجه" {متفق عليه} فأعتق علي غلامًا أعطاه فيه عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم.

عن عمرو بن دينار قال: دخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه فجعل محمد يبكي فقال: ما شأنك؟ قال: علي دين، قال: وكم هو؟ قال: بضعة عشر ألف دينار، قال: فهي عليَّ.

قال علي بن الحسين: إني لأستحيي من الله أن أرى الأخ من إخواني فأسأل الله له الجنة وأبخل عليه بالدنيا، فإذا كان غدًا قيل لي: لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وأبخل.

قال أبو حازم، ما رأيت هاشميّا أفقه من علي بن الحسين سمعته وقد سئل: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال: بمنزلتهما منه الساعة.
قلت: حتى يخسأ الشيعة المتنقصين للشيخين فهذا واحد ممن يتشيعون له يضعهما مكانتهما التي أنزلهما الله إياها.

عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي بن الحسين قال: جاء رجل إلى أبي فقال: أخبرني عن أبي بكر؟ قال: عن الصديق تسأل؟ قال: وتسميه الصديق؟ قال: ثكلتك أمك، قد سماه صديقًا من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار، فمن لم يسمه صديقًا فلا صدّق الله قوله، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما فما كان من أمر ففي عنقي.

عن علي بن الحسين قال: إن الجسد إذا لم يمرض أَشِرَ (تكبر) ولا خير في جسد يأشر.

وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوائح العيون علانيتي، وتقبّح في خفيات العيون سريرتي، اللهم كلما أسأتُ أحسنتَ إليّ فإذا عدت فعد علي، وكان من دعائه: اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني.

عن الزهري: سألت علي بن الحسين عن القرآن فقال: كتاب الله وكلامه.
قلت: فكلامه سبحانه صفة من صفاته، وصفاته غير مخلوقه. لا كما قالت الشيعة والمعتزلة: القرآن مخلوق، وكذبوا.

وجاءه رجل فقال: جئتك في حاجة وما جئت حاجّا ولا معتمرًا، قال: وما هي؟ قال: جئت أسألك متى يبعث عليّ؟ قال: يبعث والله يوم القيامة ثم تُهمّه نفسه.
قلت: هذا أيضا تكذيب للشيعة الذين يؤمنون بعودة علي لأنه في ظنهم في السحاب لم يمت، وهي من العقائد الفاسدة التي أدخلها عليهم ابن سبأ اليهودي المفسد للدين.

عن أبي يعقوب المدني قال: كان بين حسن بن حسن وبين ابن عمه علي بن الحسين شيءٌ فما ترك حسن شيئًا إلا قاله وعليّ ساكت، فذهب حسن فلما كان في الليل أتاه عليٌّ فخرج فقال عليّ: يا ابن عمي إن كنتَ صادقًا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبًا فغفر الله لك السلام عليك، قال: فالتزمه حسن وبكى حتى رثى له.

عن أبي جعفر محمد بن علي قال: إنا لنصلي خلفهم يعني بني أميَّة من غير تقية وأشهد علي أبي أنه كان يصلي خلفهم من غير تقية.
قلت: هذا أيضا تكذيب للشيعة الكذبة الذين يؤمنون بالتقية، ويكذبون على آل البيت في قول أبي جعفر المكذوب عليه: التقية ديني ودين آبائي؛ والتقية هي إظهار غير الباطن.

قال علي بن الحسين: والله ما قُتل عثمان رحمه الله على وجه الحق.

وكان رحمه الله يلبِس في الصيف ثوبين ممشقين من ثياب مصر ويتلو قوله تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق {الأعراف:32}.

وفاته: توفى رحمه الله سنة أربع وتسعين.

والله من وراء القصد.

كتبه الشيخ / مجدي عرفات

منقول : مجلة التوحيد - العدد 20 - 1-10-2003

بستان الحضر
19-04-2007, 07:36 PM
مشكووووووووووور علي المعلومه

أبو رائد
01-05-2007, 08:48 AM
الله يجزاك خير

وسلمت على هذه المعلومات الطيبة

عسوووووووووووله
02-05-2007, 07:41 AM
ماشاء الله تبارك الله سير راااائعه للسلف الصالح


يعطيك الف عافيه اخوي لـــذة التـــوبة

omayman
11-09-2009, 12:49 AM
انهم نجوم اضائت لنا الطريق
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

اوتار الحزن
11-09-2009, 09:57 AM
جزآك الله خيـر

بوركــــــــت

وافي2009
11-09-2009, 10:53 PM
شكرا الله يعطيك العافية

فاصله
11-09-2009, 11:55 PM
جوزيت خيراً