بندر الزايدي
29-03-2007, 03:25 AM
حاملو الاوزار
مصيبة عظيمة أن يعين بعض الناس بعضاً على معصية الله تعالى، بفعل ما نهى عنه أو ترك ما أمر به، ولهذا فقد نهى سبحانه عن الفتنة، وعن الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وعن الإغواء واتباع الهوى. وفي المقابل أمر الله عزَّ وجلّ بكل ما هو خلاف ذلك، فأمر سبحانه بالتعاون على البر والتقوى، وبالدعوة إلى الله، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمر سبحانه بالنصيحة والإرشاد والتذكير. وان من أعظم المصائب على الإنسان أن يبتلى بنفر من شياطين الإنس أو الجن يزينون له الباطل حتى يستحسنه فيعتقده حقاً ويعمل به، فإن الإنسان إذا لم يأخذ حذره ممن يأمره بالمعصية، ويحضه عليها ويزينها له، فإنه سيقع في شرك الضلالة، ومستنقع الغواية، ما لم يجعل من ذاك وأمثاله عدواً يتحرز منه، فإن أولئك الأعداء لا يأتون إلى أهل الحق فيقولوا: لنغوينكم أجمعين! بل إنهم يزينون لهم الباطل بمعاونة من الشياطين التي تؤزهم لذلك أزا، فيقسمون للإنسان: إننا لك لمن الناصحين! ويزعمون أنهم يسعون إلى الإصلاح، وإنهم لكاذبون.
فما أحوجنا في هذا الزمان - الذي انتشرت فيه وسائل الشر وتنوعت قنواته وانحسر فيه الخير وقلّ المعينون عليه - أن نحيي هذه الشعيرة العظيمة وهي شعيرة التعاون على البر والتقوى؛ وأن ندعو إليها ونتواصى بها؛ حتى يظل مجتمعنا طاهراً من الفساد، وخالياً من الجرائم، فتكسد سوق المنكرات، وتخمد نار الشهوات.
يقول الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: (والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم"، ويجب الإعراض عن المتعدي، وترك النصرة له ورده عمّا هو عليه".
لذا فإن من أعظم البلايا أن يعيش بعض البشر كالبهائم، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، نسي أنه حامل رسالة يجب عليه أداؤها، ولهذا قال ابن خلدون في مقدمته كلاماً رائعاً، يقول: (الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والسكنّ وغير ذلك وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيأ لذلك التعاون، وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل به واتباع صلاح أخراه).
لذا فإن من انتكاس الفطر، أن يتعاون الناس على الإثم والعدوان ونشره بين المسلمين بشتى الطرق، فيتعاونوا على نشر المنكر عموماً، وإن شرّ المراتب في المنكر بعد ارتكابه المعاونة عليه والدعوة إليه، ثم الرضا ثم المداهنة ثم السكوت عن الإنكار.
والواجب على مثل هؤلاء أن ينجوا بأنفسهم من أن يصدق عليهم قول المولى جلّ وعلا: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون} (النحل: 25).
وهذه الأوزار تأتي من أمور عديدة منها مثلاً: كتابة مقالات أو قصص أو روايات أو قصائد تدعو مثلاً إلى اختلاط المرأة وتدعوها إلى السفور والتبرج، أو بكتابات تزين الموسيقى والغناء وتدعو إلى سماعها، وأنها تبعث الراحة في النفس، ويدخل ضمنها أيضاً كتابة الأشعار الغنائية التي ينظمها كاتبها بهدف غنائها، ومنها كذلك: الكتابات التي تطعن في الأئمة والعلماء من السلف والخلف وتدعو إلى نبذ علومهم.. فكل هذا من التعاون على الإثم والعدوان.
ومن ذلك أيضاً: إنشاء مواقع إلكترونية ينشر من خلالها ما يثير الشهوات من صور فاضحة أو مقاطع مخلة، ويقابلها مواقع تنشر الشبهات المضللة والفتاوى التي هي أبعد ما تكون من نور الوحي المطهر، وكلا هذين النوعين من المواقع هي دعوة للإثم والعدوان، وسيحمل أصحابها أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ما لم يتوبوا إلى الله، فكم من شاب ارتكب فاحشة، وكم من فتاة فقدت عفتها، وكم من شباب فقدوا حياتهم وقتلوا أنفساً بريئة والسبب دعاة السوء، الذين يثيرون الشهوات أو الشبهات بشتى الطرق والوسائل.
إن الإنسان يعجز عن حمل أوزار نفسه، فكيف به وقد أتى يوم القيامة يجر أوزاره وأوزار خلق كثير غيره: "ومن سن في الإسلام سنَّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً" رواه مسلم. لذا فإن الواجب على المسلم الفطن لا ينظر إلى هوان المعصية، بل ينظر إلى عظمة من عصى، فإن العبد إن جعل هذا هو منهجه في الحذر من فعل المعصية، صار أبعد ما يكون عن ارتكابها، فضلاً عن الدعوة إليها أو الرضا بها أو السكوت عنها.
ختاماً أقول: يخطىء البعض حين يظن أن العمل للدين والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، هو من شأن فئة خاصة من المسلمين، بل هو واجب عام على كل من شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وكذلك فإن هذا الواجب غير مؤقت بوقت، ولا محدداً بزمن أو مكان، وإنما هو وظيفة العمر كله، أطال الله أعمارنا على حسن العمل.
مصيبة عظيمة أن يعين بعض الناس بعضاً على معصية الله تعالى، بفعل ما نهى عنه أو ترك ما أمر به، ولهذا فقد نهى سبحانه عن الفتنة، وعن الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وعن الإغواء واتباع الهوى. وفي المقابل أمر الله عزَّ وجلّ بكل ما هو خلاف ذلك، فأمر سبحانه بالتعاون على البر والتقوى، وبالدعوة إلى الله، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمر سبحانه بالنصيحة والإرشاد والتذكير. وان من أعظم المصائب على الإنسان أن يبتلى بنفر من شياطين الإنس أو الجن يزينون له الباطل حتى يستحسنه فيعتقده حقاً ويعمل به، فإن الإنسان إذا لم يأخذ حذره ممن يأمره بالمعصية، ويحضه عليها ويزينها له، فإنه سيقع في شرك الضلالة، ومستنقع الغواية، ما لم يجعل من ذاك وأمثاله عدواً يتحرز منه، فإن أولئك الأعداء لا يأتون إلى أهل الحق فيقولوا: لنغوينكم أجمعين! بل إنهم يزينون لهم الباطل بمعاونة من الشياطين التي تؤزهم لذلك أزا، فيقسمون للإنسان: إننا لك لمن الناصحين! ويزعمون أنهم يسعون إلى الإصلاح، وإنهم لكاذبون.
فما أحوجنا في هذا الزمان - الذي انتشرت فيه وسائل الشر وتنوعت قنواته وانحسر فيه الخير وقلّ المعينون عليه - أن نحيي هذه الشعيرة العظيمة وهي شعيرة التعاون على البر والتقوى؛ وأن ندعو إليها ونتواصى بها؛ حتى يظل مجتمعنا طاهراً من الفساد، وخالياً من الجرائم، فتكسد سوق المنكرات، وتخمد نار الشهوات.
يقول الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: (والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم"، ويجب الإعراض عن المتعدي، وترك النصرة له ورده عمّا هو عليه".
لذا فإن من أعظم البلايا أن يعيش بعض البشر كالبهائم، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، نسي أنه حامل رسالة يجب عليه أداؤها، ولهذا قال ابن خلدون في مقدمته كلاماً رائعاً، يقول: (الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والسكنّ وغير ذلك وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيأ لذلك التعاون، وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل به واتباع صلاح أخراه).
لذا فإن من انتكاس الفطر، أن يتعاون الناس على الإثم والعدوان ونشره بين المسلمين بشتى الطرق، فيتعاونوا على نشر المنكر عموماً، وإن شرّ المراتب في المنكر بعد ارتكابه المعاونة عليه والدعوة إليه، ثم الرضا ثم المداهنة ثم السكوت عن الإنكار.
والواجب على مثل هؤلاء أن ينجوا بأنفسهم من أن يصدق عليهم قول المولى جلّ وعلا: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون} (النحل: 25).
وهذه الأوزار تأتي من أمور عديدة منها مثلاً: كتابة مقالات أو قصص أو روايات أو قصائد تدعو مثلاً إلى اختلاط المرأة وتدعوها إلى السفور والتبرج، أو بكتابات تزين الموسيقى والغناء وتدعو إلى سماعها، وأنها تبعث الراحة في النفس، ويدخل ضمنها أيضاً كتابة الأشعار الغنائية التي ينظمها كاتبها بهدف غنائها، ومنها كذلك: الكتابات التي تطعن في الأئمة والعلماء من السلف والخلف وتدعو إلى نبذ علومهم.. فكل هذا من التعاون على الإثم والعدوان.
ومن ذلك أيضاً: إنشاء مواقع إلكترونية ينشر من خلالها ما يثير الشهوات من صور فاضحة أو مقاطع مخلة، ويقابلها مواقع تنشر الشبهات المضللة والفتاوى التي هي أبعد ما تكون من نور الوحي المطهر، وكلا هذين النوعين من المواقع هي دعوة للإثم والعدوان، وسيحمل أصحابها أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ما لم يتوبوا إلى الله، فكم من شاب ارتكب فاحشة، وكم من فتاة فقدت عفتها، وكم من شباب فقدوا حياتهم وقتلوا أنفساً بريئة والسبب دعاة السوء، الذين يثيرون الشهوات أو الشبهات بشتى الطرق والوسائل.
إن الإنسان يعجز عن حمل أوزار نفسه، فكيف به وقد أتى يوم القيامة يجر أوزاره وأوزار خلق كثير غيره: "ومن سن في الإسلام سنَّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً" رواه مسلم. لذا فإن الواجب على المسلم الفطن لا ينظر إلى هوان المعصية، بل ينظر إلى عظمة من عصى، فإن العبد إن جعل هذا هو منهجه في الحذر من فعل المعصية، صار أبعد ما يكون عن ارتكابها، فضلاً عن الدعوة إليها أو الرضا بها أو السكوت عنها.
ختاماً أقول: يخطىء البعض حين يظن أن العمل للدين والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، هو من شأن فئة خاصة من المسلمين، بل هو واجب عام على كل من شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وكذلك فإن هذا الواجب غير مؤقت بوقت، ولا محدداً بزمن أو مكان، وإنما هو وظيفة العمر كله، أطال الله أعمارنا على حسن العمل.