مسافر للعنا
07-10-2003, 03:15 PM
هل كان صدام حسين ديكتاتورا عادلا !!!
كلنا يعرف أن الرئيس العراقي السابق حتى قبل احتلال العراق .. قد ادخل البلاد والعباد إلى حال من الدكتاتورية الفظة التي جعلت الشعب العراقي يكرهه حتى العظام.. ولكن الخوف الذي عشش في عقولهم قد جعل اكفهم تهترىء من التصفيق للرئيس القائد هلعا..
وكلنا يعرف أيضا .. ان مثالب الرئيس العراقي السابق .. تشابه مثالب زعماء العالم الثالث جميعا .. بما فيها طبعا مثالب رؤساء العرب .. ولكن تلك المثالب لا تظهر طالما ظل الزعيم يتمتع بما تمتع به صدام حسين من الهتاف والتصفيق والنفاق من قبل أبناء شعبه. ولا تظهر تلك المثالب إلا إذا قام الشعب أو جهة أجنبية أو الموت بالقضاء على ذلك الزعيم وتبديل نظامه .. ومن هنا تبدأ بالظهور ملايين من التهم التي توجه له بدءا من التطهير العرقي وانتهاء بالمقابر الجماعية .. وتسحب السكاكين لذبحه بعد موته . وينسى كل أولئك جزءا أو حتى بعضا من منافع ( الدكتاتورية ) التي تعتبر ( جنة ) بالنسبة ل (ديمقراطية) وجحيم الاحتلال ..
ولا نريد أن نفصل لماذا صدام حسين بالذات ؟ فقد فهم الجميع أن الحرب التي قامت في العراق ضد صدام حسين .. قد كانت حربا إسرائيلية بأيد أمريكية .. لتأمين وجود إسرائيل وأمنها لمائة سنة أخرى على الأقل .. ولم يكن صدام يمثل خطرا على أمريكا
نفسها .. بدءا من أكذوبة أسلحة الدمار الشامل .. وانتهاء بصلته بالقاعدة ..
ولكن الذي يؤلمنا حقا .. ويجعلنا ندور في حلقة مفرغه .. أن العرب جميعا ( يبتلعون) الكذبة الكبرى رغم معرفتهم أنها أكذوبة ..
فلم يكن صدام حسين سيئا بالقدر الذي صورته فيه وسائل الإعلام بعد احتلال العراق . ولم تكن صورته باهتة بالقدر الذي هي عليه اليوم .. فرغم دكتاتوريته واحتلاله الكويت وحربه مع إيران التي فرضت عليه فرضا .. فان صدام حسين قد ادخل العراق إلى العصر الجديد .. بعد أن كان العراق (نكرة ) لا يعرفه أحد ..
ونظرة سريعة إلى العراق قبل صدام حسين .. تجعلنا ننصف الرجل الذي ذهب حكمه بفعل التطورات السياسية والاقتصادية في هذا العالم ..
فالعراق قبل صدام حسين .. كان نفطه منهوبا من قبل الشركات الأجنبية .. وكان الفقر يعشش في حياة الشعب العراقي ولا يجد اللقمة .. وكان العراق مذبوحا تتقاذفه التيارات السياسية والعسكرية الداخلية التي كانت تجيز سحل الإنسان العراقي وربطه بمؤخرات السيارات لقتله أمام أنظار الجماهير و ( تصفيقها ) .. وكان العراق شيعا وأحزابا وعائلات حاكمة .. وشعبا يبلغ في ثلة منه الغنى حتى التخمة .. وفقرا مدقعا لباقي الشعب الذي كان يكدح في سبيل رغيف الخبز .. ولم يكن أحد في هذا العالم يعرف ( أين يقع العراق ؟ ) وجل ما يذكره البعض من التاريخ ان بغداد قد أحرقت ونهبت واحتلت زمن هولاكو .. وكان الجهل والمرض يعششان مثل خيوط العنكبوت في داخل الإنسان العراقي فلا علم ولا تعليم إلا بالقدر الذي يفهم فيه ذلك الإنسان (فك الخط) .. ومعظم العائلات المرفهة كانت ترسل أولادها لتحصيل العلم خارج العراق .. أما الشعب المسحوق فلم يكن له نصيب من التعليم ..
كانت وزارات العراق ميدانا لعائلات تحكمها .. فالتربية والتعليم تحكمها عائلة بموظفيها وكل ما فيها .. ووزارة الخارجية أطلق عليها وزارة عائلة الباجه جي .. والداخلية كانت مقرا لعشائر الدليم او غيرها .. حتى الأوقاف كانت تتقاذفها عائلات تستفيد من الوقف الإسلامي وتنهبه دون أن يستطيع أحد منعها .. وقس على ذلك باقي أجهزة الحكم واهمها الجيش الذي كان مقتصرا على ضباط تابعين لعشيرة دون الأخرى .. وإفرادا يمتون بصلة إلى عشيرة أخري.. ولم يكن مستغربا أن يكون السلاح الموزع في قطاعات الجيش مقتصرا على عشيرة دون الأخرى .. فسلاح الدبابات تحكمه عائلة او عشيرة واحدة .. وسلاح المدفعية عائلة أخري .. وسلاح الطيران الذي كان ضعيفا عائلة ثالثه .. ومجمل القول أن القوات المسلحة العراقية كانت قطعات مزاجية لرجال الحكم يقسمونها بينهم كيفما شاءوا .. وتلك أمور يعرفها شعب العراق حق المعرفة .. ولكن الحديث عنها في هذا الوقت جزءا من الماضي ..
وإذا كنا نعترف بملء أفواهنا أن صدام حسين قد جعل حكم العراق مزرعة لعائلته وبلدته .. وسلمهم افضل الوظائف وحكمهم في رقاب الشعب .. فان صدام لم يأت بجديد في ذلك الوقت .. ولكن الجديد الذي أتى به أن حكمه لم يقتصر على هذا الأمر بالذات .. فقد ادخل العراق إلى عصر التكنولوجيا الحديثة .. واهم ما فعله صدام حسين .. انه بدأ بتحرير الجيش من سلطة العائلات والعشائر .. وزوده بأفضل أنواع الأسلحة سواء من أمريكا أو غيرها .. والغى اقتصار استيراد السلاح على جهة معينه .. وعمم دخوله إلى طبقات الشعب كافة .. ثم قام بتحرير النفط العراقي من طمع الشركات الأجنبية .. وقام بالاستفادة من عائداته في تدعيم الجيش واقامة المشاريع العملاقة التي شهد لها العالم قاصيه ودانيه .. صحيح انه استفاد هو وعائلته من النفط .. ولكن هذا الأمر يدعوني للتساؤل .. أي من العائلات الحاكمة في الوطن العربي لم تستفد من النفط في بلادها ؟ دلوني على أي رئيس عربي لا يختزن رصيده في سويسرا أو خارج بلده بمئات الملايين من الدولارات من أموال النفط .. عندها فقط .. إذا ما ذكرتم اسما واحدا فأننا نسمي صدام لصا !! .
وقام الرئيس العراقي السابق بتنظيم الإدارة في الوزارات والدوائر بعد أن كانت متخلفة تحكمها العائلات .. وادخل فيها سبل التكنولوجيا الحديثة .. وادخل الصناعات المتقدمة والبحث العلمي إلى صفوف الشعب العراقي .. ألغى رسوم الجامعات وجعل التعليم مجانيا .. ثم جعل التعليم من بعد ذلك إجباريا .. ثم عمم النشر للكتاب ولم يقتصر ذلك على شعب العراق .. بل بدأت دوائر الثقافة في العراق تبحث عن المبدعين العرب لطبع نتاجهم .. ثم قام بطبع الموروثات الثقافية لكبار علماء العهود الماضية .. وحافظ على الفلكلور العربي والعراقي معا .. واحياه من بعد موت .. وبلغت الفنون في عهده مبلغا لم يكن من قبل .. وأهم ما قام به الرئيس العراقي السابق أنه فتح المجال أمام العلماء للإبداع .. ليس في أسلحة الدمار الشامل كما تدعي أوساط الإمبريالية الحديثة .. ولكن في مجالات أخرى تتعلق بالبحث والتطوير للقوات المسلحة والدوائر المدنية وأجهزة الكمبيوتر الحديثة والذرة والعلوم الطبية وتحسين التربة والزراعة وإدخال المحاريث والأدوات الحديثة التي تمكن من زيادة الإنتاج .. ولأول مرة في تاريخ العراق تصدر البضائع العراقية على مختلف أنواعها إلى الدول العربية والأجنبية .. وقام بمسح شامل لبغداد جديدة تهدم فيها البيوت الطينية ويستبدلها الناس بعمارات شاهقة لتحسين سكن الإنسان العراقي .. مع تعويض مرتفع للعائلات التي فقدت منازلها الطينية للبدء بحياة جديدة .. أقام الفنادق الضخمة والمصانع الحديثة واعطى من لا يملكون المال مالا لكي ترتفع وتيرة أعمالهم .. زود القرى البعيدة بالماء والكهرباء بعد ان كان ذلك حلما .. أكثر من كل ذلك أعطى الأمن والامان للمواطن فلم يكن في العراق لصا واحدا يستطيع او يجهر بسرقة موروث اثري او بيت لمواطن او غير ذلك .. قام بمحاسبة المرتشين والسراق وعلقهم على المشانق أمام بصر الناس واعينهم .. ولأول مرة أيضا .. يعرف العالم جميعا أن العالم العراقي له عقل مميز في كافة مجالات الحياة . ولم يكن ذلك هو الهين في الأمر .. فقد فتح العراق أمام الإنسان العربي سواء كان عاملا أو عالما .. ومهره الراتب الذي يستحقه .. وكان مرتب الإنسان العربي الذي يعمل في العراق أعلى من مرتب الإنسان العراقي الذي يعمل في نفس المجال .. وربما كانت خبرة العراقي اكثر.. وقد وصل الأمر أن يكون في العراق مواطنين من العرب اكثر من سكان المدينة العراقية .. ولم يكن العربي يحتاج إلى تأشيرة لدخول العراق .. كان العراق مفتوحة أبوابه لاستقبال كل عربي يريد أن يعيش بكرامة .. والرئيس العراقي هو الوحيد الذي أعطى الأكراد حكما ذاتيا في وقت كان المنادين بوجوب تصفيتهم وتصفية جيوبهم في شمال العراق كثر . حتى من بعض الدول العربية . أما فلسطين فكانت هاجسا له .. وعكس ما يقوله الذين يحملون السكاكين لذبح نظامه المذبوح .. فان صدام قدم ما يستطيعه .. ولم يقدم أي زعيم عربي لقضية فلسطين غير الكلمات .. أما العراق .. فكان يقدم من قوت أبنائه لكي يدعم أبناء الشعب الفلسطيني ويجعل الحياة هينة أو بعض هينة عليهم .
ويحفظ له التاريخ رغم كل القسوة التي أحيطت به بعد سقوط حكمه .. انه قام بصهر الشعب العراقي ضمن بوتقة الوحدة الوطنية .. وتلك عملية صعبة في العراق لا يستطيعها إلا من امتلك ناصية القوة .. والدليل على ذلك واضح أمامنا .. فقد انقسم العراق بعد الاحتلال إلى بضع ومائتين من الأحزاب التي ترغب كلها في الجلوس على كراسي الحكم لاكمال ما لم يكمله صدام من دكتاتورية لم يستطيع تنفيذها حتى يوم زواله ..
هذا بعض مما فعله صدام للعراق وما فعله فيه .. وككل حاكم في هذا العالم .. فان صدام قد ارتكب أخطاء فادحة كانت قاتلة لحكمه .. فاجتياحه الكويت كان خاطئا بل كان جريمة .. وحربه مع إيران كانت خاطئة رغم فرضها عليه وتشجيعه من قبل أمريكا .. وكما كانت الحرب الأخيرة ضد العراق حربا إسرائيلية بأيد أمريكية .. فان حرب صدام مع إيران كانت حربا أمريكية بأيد عراقية .. مما نهب ثروات العراق وجعلها تنساب من أيدي العراقيين إلى جيوب الشركات التي تصنع الأسلحة في أمريكا وغيرها ..
أما قساوة الحكم وبتره لسبل المعارضة فقد كانت احدى المثالب المميتة .. وكأي نظام شمولي لم نزل نحن العرب نرتفع في ( افيائه) .. فان الكثير من الدول العربية تتبع هذا الأسلوب في الحكم .. ولا يغرنك ما نسمعه من تشدق بسبل الديمقراطية وحرية الكلمة والعيش الرغيد.. فان كل ذلك سوف ينكشف عندما تسقط تلك الأنظمة ويتبارى المتبارون بذكر المثالب و ( المقالب ) التي كان يفتعلها الحاكم ..
بعد كل ذلك .. فاننا بذكر مثالب ومحاسن الرئيس العراقي لم يكن تأييدا له ولنظام حكمه ..فلم نمدحه يوما وانما كنا مع الشعب العراقي ضد الحصار والقهر والموت القسري .. ومن يرى وضع العراق الحالي يترحم على أيام صدام حسين ..
فرغم أن أجهزة الإعلام وخاصة الأمريكية منها تتجاهل ما يجري في العراق من انفلات أمنى .. فان التسريب الإعلامي على ما يجري يصل بنا إلى حدود القهر ..
فبعد الاحتلال .. تشكلت عصابات تحمل السلاح الثقيل والخفيف معا .. وبحجة الانتقام من أساليب النظام السابق أصبحت السرقات واجتياح البيوت وسيارات المواطنين والمتاحف بل وحتى المقابر .. أمرا من السهولة بمكان تحت نظر قوات التحالف .. بحيث لا يضمن العراقي أن يخرج من بيته بعد السادسة مساء لزيارة جاره .. ولا تأمن المرأة العراقية على نفسها أن تسير بين البيوت متجهة إلى حيث تريد .. ولا يأمن سائق سيارة أن يذهب بها إلى عمله أو إلى وجهة سيره .. ففي الطريق سوف تصادفه عصابة مسلحة لسلب سيارته وانزاله منها وتهديده بالقتل إن لم يفعل.
وبعد كل ذلك أيضا .. نحن نتساءل .. هل كان الرئيس العراقي دكتاتورا عادلا .. نحن نعرف ان العراقيين سوف يغضبون لهذا الأمر .. ولكن العراق بكل ما يحويه من ملل ونحل لا تفيده ديمقراطية الغرب التي ستفرض عليه فرضا .. فأمريكا نفسها خاضت حربا أهلية ومئات الآلاف من الضحايا قبل ان ترسخ فيها الديمقراطية .. فهل يحتمل العراق أن تفرض عليه ديمقراطية لا يمكن تطبيقها إلا بعد عشرات السنين هذا إن سار الشعب العراقي على طريق الديمقراطية الصحيح .
ولا أريد أن أكون متشائما فاقول : ان العراق قد انتهى أمره الى الفوضى .. ولكني أقول .. أن العراق أمامه سنوات طويلة من الاحتلال .. وأمامه مجازر ومذابح لم يستطع إيقافها غير الرئيس العراقي السابق .. فالعراق أيها السادة ليس بحاجة إلى الديمقراطية .. انه بحاجة إلى دكتاتور عادل يقوم بفرض ما يريده أو يريده الشعب سيان .. وصدقوني .. أن مئات الوجوه التي نراها يوميا على الشاشات التلفزيونية تتباكى على شعب العراق وتريد أن تساهم في إنجاح تجربته الجديدة .. سوف يكونون أول المصفقين لنظام دكتاتوري آخر .. يأتي إلى العراق مصحوبا بدبابة أمريكية .
.
.
منقول
http://www.kuwaityes.com/ram/sadam-Dj.ram
كلنا يعرف أن الرئيس العراقي السابق حتى قبل احتلال العراق .. قد ادخل البلاد والعباد إلى حال من الدكتاتورية الفظة التي جعلت الشعب العراقي يكرهه حتى العظام.. ولكن الخوف الذي عشش في عقولهم قد جعل اكفهم تهترىء من التصفيق للرئيس القائد هلعا..
وكلنا يعرف أيضا .. ان مثالب الرئيس العراقي السابق .. تشابه مثالب زعماء العالم الثالث جميعا .. بما فيها طبعا مثالب رؤساء العرب .. ولكن تلك المثالب لا تظهر طالما ظل الزعيم يتمتع بما تمتع به صدام حسين من الهتاف والتصفيق والنفاق من قبل أبناء شعبه. ولا تظهر تلك المثالب إلا إذا قام الشعب أو جهة أجنبية أو الموت بالقضاء على ذلك الزعيم وتبديل نظامه .. ومن هنا تبدأ بالظهور ملايين من التهم التي توجه له بدءا من التطهير العرقي وانتهاء بالمقابر الجماعية .. وتسحب السكاكين لذبحه بعد موته . وينسى كل أولئك جزءا أو حتى بعضا من منافع ( الدكتاتورية ) التي تعتبر ( جنة ) بالنسبة ل (ديمقراطية) وجحيم الاحتلال ..
ولا نريد أن نفصل لماذا صدام حسين بالذات ؟ فقد فهم الجميع أن الحرب التي قامت في العراق ضد صدام حسين .. قد كانت حربا إسرائيلية بأيد أمريكية .. لتأمين وجود إسرائيل وأمنها لمائة سنة أخرى على الأقل .. ولم يكن صدام يمثل خطرا على أمريكا
نفسها .. بدءا من أكذوبة أسلحة الدمار الشامل .. وانتهاء بصلته بالقاعدة ..
ولكن الذي يؤلمنا حقا .. ويجعلنا ندور في حلقة مفرغه .. أن العرب جميعا ( يبتلعون) الكذبة الكبرى رغم معرفتهم أنها أكذوبة ..
فلم يكن صدام حسين سيئا بالقدر الذي صورته فيه وسائل الإعلام بعد احتلال العراق . ولم تكن صورته باهتة بالقدر الذي هي عليه اليوم .. فرغم دكتاتوريته واحتلاله الكويت وحربه مع إيران التي فرضت عليه فرضا .. فان صدام حسين قد ادخل العراق إلى العصر الجديد .. بعد أن كان العراق (نكرة ) لا يعرفه أحد ..
ونظرة سريعة إلى العراق قبل صدام حسين .. تجعلنا ننصف الرجل الذي ذهب حكمه بفعل التطورات السياسية والاقتصادية في هذا العالم ..
فالعراق قبل صدام حسين .. كان نفطه منهوبا من قبل الشركات الأجنبية .. وكان الفقر يعشش في حياة الشعب العراقي ولا يجد اللقمة .. وكان العراق مذبوحا تتقاذفه التيارات السياسية والعسكرية الداخلية التي كانت تجيز سحل الإنسان العراقي وربطه بمؤخرات السيارات لقتله أمام أنظار الجماهير و ( تصفيقها ) .. وكان العراق شيعا وأحزابا وعائلات حاكمة .. وشعبا يبلغ في ثلة منه الغنى حتى التخمة .. وفقرا مدقعا لباقي الشعب الذي كان يكدح في سبيل رغيف الخبز .. ولم يكن أحد في هذا العالم يعرف ( أين يقع العراق ؟ ) وجل ما يذكره البعض من التاريخ ان بغداد قد أحرقت ونهبت واحتلت زمن هولاكو .. وكان الجهل والمرض يعششان مثل خيوط العنكبوت في داخل الإنسان العراقي فلا علم ولا تعليم إلا بالقدر الذي يفهم فيه ذلك الإنسان (فك الخط) .. ومعظم العائلات المرفهة كانت ترسل أولادها لتحصيل العلم خارج العراق .. أما الشعب المسحوق فلم يكن له نصيب من التعليم ..
كانت وزارات العراق ميدانا لعائلات تحكمها .. فالتربية والتعليم تحكمها عائلة بموظفيها وكل ما فيها .. ووزارة الخارجية أطلق عليها وزارة عائلة الباجه جي .. والداخلية كانت مقرا لعشائر الدليم او غيرها .. حتى الأوقاف كانت تتقاذفها عائلات تستفيد من الوقف الإسلامي وتنهبه دون أن يستطيع أحد منعها .. وقس على ذلك باقي أجهزة الحكم واهمها الجيش الذي كان مقتصرا على ضباط تابعين لعشيرة دون الأخرى .. وإفرادا يمتون بصلة إلى عشيرة أخري.. ولم يكن مستغربا أن يكون السلاح الموزع في قطاعات الجيش مقتصرا على عشيرة دون الأخرى .. فسلاح الدبابات تحكمه عائلة او عشيرة واحدة .. وسلاح المدفعية عائلة أخري .. وسلاح الطيران الذي كان ضعيفا عائلة ثالثه .. ومجمل القول أن القوات المسلحة العراقية كانت قطعات مزاجية لرجال الحكم يقسمونها بينهم كيفما شاءوا .. وتلك أمور يعرفها شعب العراق حق المعرفة .. ولكن الحديث عنها في هذا الوقت جزءا من الماضي ..
وإذا كنا نعترف بملء أفواهنا أن صدام حسين قد جعل حكم العراق مزرعة لعائلته وبلدته .. وسلمهم افضل الوظائف وحكمهم في رقاب الشعب .. فان صدام لم يأت بجديد في ذلك الوقت .. ولكن الجديد الذي أتى به أن حكمه لم يقتصر على هذا الأمر بالذات .. فقد ادخل العراق إلى عصر التكنولوجيا الحديثة .. واهم ما فعله صدام حسين .. انه بدأ بتحرير الجيش من سلطة العائلات والعشائر .. وزوده بأفضل أنواع الأسلحة سواء من أمريكا أو غيرها .. والغى اقتصار استيراد السلاح على جهة معينه .. وعمم دخوله إلى طبقات الشعب كافة .. ثم قام بتحرير النفط العراقي من طمع الشركات الأجنبية .. وقام بالاستفادة من عائداته في تدعيم الجيش واقامة المشاريع العملاقة التي شهد لها العالم قاصيه ودانيه .. صحيح انه استفاد هو وعائلته من النفط .. ولكن هذا الأمر يدعوني للتساؤل .. أي من العائلات الحاكمة في الوطن العربي لم تستفد من النفط في بلادها ؟ دلوني على أي رئيس عربي لا يختزن رصيده في سويسرا أو خارج بلده بمئات الملايين من الدولارات من أموال النفط .. عندها فقط .. إذا ما ذكرتم اسما واحدا فأننا نسمي صدام لصا !! .
وقام الرئيس العراقي السابق بتنظيم الإدارة في الوزارات والدوائر بعد أن كانت متخلفة تحكمها العائلات .. وادخل فيها سبل التكنولوجيا الحديثة .. وادخل الصناعات المتقدمة والبحث العلمي إلى صفوف الشعب العراقي .. ألغى رسوم الجامعات وجعل التعليم مجانيا .. ثم جعل التعليم من بعد ذلك إجباريا .. ثم عمم النشر للكتاب ولم يقتصر ذلك على شعب العراق .. بل بدأت دوائر الثقافة في العراق تبحث عن المبدعين العرب لطبع نتاجهم .. ثم قام بطبع الموروثات الثقافية لكبار علماء العهود الماضية .. وحافظ على الفلكلور العربي والعراقي معا .. واحياه من بعد موت .. وبلغت الفنون في عهده مبلغا لم يكن من قبل .. وأهم ما قام به الرئيس العراقي السابق أنه فتح المجال أمام العلماء للإبداع .. ليس في أسلحة الدمار الشامل كما تدعي أوساط الإمبريالية الحديثة .. ولكن في مجالات أخرى تتعلق بالبحث والتطوير للقوات المسلحة والدوائر المدنية وأجهزة الكمبيوتر الحديثة والذرة والعلوم الطبية وتحسين التربة والزراعة وإدخال المحاريث والأدوات الحديثة التي تمكن من زيادة الإنتاج .. ولأول مرة في تاريخ العراق تصدر البضائع العراقية على مختلف أنواعها إلى الدول العربية والأجنبية .. وقام بمسح شامل لبغداد جديدة تهدم فيها البيوت الطينية ويستبدلها الناس بعمارات شاهقة لتحسين سكن الإنسان العراقي .. مع تعويض مرتفع للعائلات التي فقدت منازلها الطينية للبدء بحياة جديدة .. أقام الفنادق الضخمة والمصانع الحديثة واعطى من لا يملكون المال مالا لكي ترتفع وتيرة أعمالهم .. زود القرى البعيدة بالماء والكهرباء بعد ان كان ذلك حلما .. أكثر من كل ذلك أعطى الأمن والامان للمواطن فلم يكن في العراق لصا واحدا يستطيع او يجهر بسرقة موروث اثري او بيت لمواطن او غير ذلك .. قام بمحاسبة المرتشين والسراق وعلقهم على المشانق أمام بصر الناس واعينهم .. ولأول مرة أيضا .. يعرف العالم جميعا أن العالم العراقي له عقل مميز في كافة مجالات الحياة . ولم يكن ذلك هو الهين في الأمر .. فقد فتح العراق أمام الإنسان العربي سواء كان عاملا أو عالما .. ومهره الراتب الذي يستحقه .. وكان مرتب الإنسان العربي الذي يعمل في العراق أعلى من مرتب الإنسان العراقي الذي يعمل في نفس المجال .. وربما كانت خبرة العراقي اكثر.. وقد وصل الأمر أن يكون في العراق مواطنين من العرب اكثر من سكان المدينة العراقية .. ولم يكن العربي يحتاج إلى تأشيرة لدخول العراق .. كان العراق مفتوحة أبوابه لاستقبال كل عربي يريد أن يعيش بكرامة .. والرئيس العراقي هو الوحيد الذي أعطى الأكراد حكما ذاتيا في وقت كان المنادين بوجوب تصفيتهم وتصفية جيوبهم في شمال العراق كثر . حتى من بعض الدول العربية . أما فلسطين فكانت هاجسا له .. وعكس ما يقوله الذين يحملون السكاكين لذبح نظامه المذبوح .. فان صدام قدم ما يستطيعه .. ولم يقدم أي زعيم عربي لقضية فلسطين غير الكلمات .. أما العراق .. فكان يقدم من قوت أبنائه لكي يدعم أبناء الشعب الفلسطيني ويجعل الحياة هينة أو بعض هينة عليهم .
ويحفظ له التاريخ رغم كل القسوة التي أحيطت به بعد سقوط حكمه .. انه قام بصهر الشعب العراقي ضمن بوتقة الوحدة الوطنية .. وتلك عملية صعبة في العراق لا يستطيعها إلا من امتلك ناصية القوة .. والدليل على ذلك واضح أمامنا .. فقد انقسم العراق بعد الاحتلال إلى بضع ومائتين من الأحزاب التي ترغب كلها في الجلوس على كراسي الحكم لاكمال ما لم يكمله صدام من دكتاتورية لم يستطيع تنفيذها حتى يوم زواله ..
هذا بعض مما فعله صدام للعراق وما فعله فيه .. وككل حاكم في هذا العالم .. فان صدام قد ارتكب أخطاء فادحة كانت قاتلة لحكمه .. فاجتياحه الكويت كان خاطئا بل كان جريمة .. وحربه مع إيران كانت خاطئة رغم فرضها عليه وتشجيعه من قبل أمريكا .. وكما كانت الحرب الأخيرة ضد العراق حربا إسرائيلية بأيد أمريكية .. فان حرب صدام مع إيران كانت حربا أمريكية بأيد عراقية .. مما نهب ثروات العراق وجعلها تنساب من أيدي العراقيين إلى جيوب الشركات التي تصنع الأسلحة في أمريكا وغيرها ..
أما قساوة الحكم وبتره لسبل المعارضة فقد كانت احدى المثالب المميتة .. وكأي نظام شمولي لم نزل نحن العرب نرتفع في ( افيائه) .. فان الكثير من الدول العربية تتبع هذا الأسلوب في الحكم .. ولا يغرنك ما نسمعه من تشدق بسبل الديمقراطية وحرية الكلمة والعيش الرغيد.. فان كل ذلك سوف ينكشف عندما تسقط تلك الأنظمة ويتبارى المتبارون بذكر المثالب و ( المقالب ) التي كان يفتعلها الحاكم ..
بعد كل ذلك .. فاننا بذكر مثالب ومحاسن الرئيس العراقي لم يكن تأييدا له ولنظام حكمه ..فلم نمدحه يوما وانما كنا مع الشعب العراقي ضد الحصار والقهر والموت القسري .. ومن يرى وضع العراق الحالي يترحم على أيام صدام حسين ..
فرغم أن أجهزة الإعلام وخاصة الأمريكية منها تتجاهل ما يجري في العراق من انفلات أمنى .. فان التسريب الإعلامي على ما يجري يصل بنا إلى حدود القهر ..
فبعد الاحتلال .. تشكلت عصابات تحمل السلاح الثقيل والخفيف معا .. وبحجة الانتقام من أساليب النظام السابق أصبحت السرقات واجتياح البيوت وسيارات المواطنين والمتاحف بل وحتى المقابر .. أمرا من السهولة بمكان تحت نظر قوات التحالف .. بحيث لا يضمن العراقي أن يخرج من بيته بعد السادسة مساء لزيارة جاره .. ولا تأمن المرأة العراقية على نفسها أن تسير بين البيوت متجهة إلى حيث تريد .. ولا يأمن سائق سيارة أن يذهب بها إلى عمله أو إلى وجهة سيره .. ففي الطريق سوف تصادفه عصابة مسلحة لسلب سيارته وانزاله منها وتهديده بالقتل إن لم يفعل.
وبعد كل ذلك أيضا .. نحن نتساءل .. هل كان الرئيس العراقي دكتاتورا عادلا .. نحن نعرف ان العراقيين سوف يغضبون لهذا الأمر .. ولكن العراق بكل ما يحويه من ملل ونحل لا تفيده ديمقراطية الغرب التي ستفرض عليه فرضا .. فأمريكا نفسها خاضت حربا أهلية ومئات الآلاف من الضحايا قبل ان ترسخ فيها الديمقراطية .. فهل يحتمل العراق أن تفرض عليه ديمقراطية لا يمكن تطبيقها إلا بعد عشرات السنين هذا إن سار الشعب العراقي على طريق الديمقراطية الصحيح .
ولا أريد أن أكون متشائما فاقول : ان العراق قد انتهى أمره الى الفوضى .. ولكني أقول .. أن العراق أمامه سنوات طويلة من الاحتلال .. وأمامه مجازر ومذابح لم يستطع إيقافها غير الرئيس العراقي السابق .. فالعراق أيها السادة ليس بحاجة إلى الديمقراطية .. انه بحاجة إلى دكتاتور عادل يقوم بفرض ما يريده أو يريده الشعب سيان .. وصدقوني .. أن مئات الوجوه التي نراها يوميا على الشاشات التلفزيونية تتباكى على شعب العراق وتريد أن تساهم في إنجاح تجربته الجديدة .. سوف يكونون أول المصفقين لنظام دكتاتوري آخر .. يأتي إلى العراق مصحوبا بدبابة أمريكية .
.
.
منقول
http://www.kuwaityes.com/ram/sadam-Dj.ram