أبو رائد
31-10-2003, 02:56 PM
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي , الأموي القرشي. أبو عبد الله وأبو عمرو, أمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس. من كبار رجال الإسلام الذين اعتز بهم عند ظهوره. ولد بمكة وأسلم بعد البعثة بقليل. كان غنيا, شريفا في الجاهلية, ومن أعظم أعماله تجهيزه جيش العسرة في السنة التاسعة للهجرة, وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد غزا فيه ( تبوك ) . هو أحد العشرة المبشرين بالجنة. تولى الخلافة بعد اغتيال عمر بن الخطاب فهو ثالث الخلفاء الراشدين, وفي اختياره للخلافة قصة تعرف بقصة الشورى نعرضها باختصار كما رواها الطبري وابن الأثير, وهي أنه لما طعن عمر بن الخطاب دعا ستة أشخاص من الصحابة وهم: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ليختاروا من بينهم خليفة. وعلم العباس بالأمر فقال لابن أخيه علي لا تدخل معهم, فقال: إني أكره الخلاف, قال: إذن ترى ما تكره, وذهب المدعوون إلى لقاء عمر إلا طلحة بن عبيد الله فقد كان في سفر, فلما اجتمعوا عند عمر قال لهم: تشاوروا فيما بينكم واختاروا للخلافة واحدا منكم, ودعا المقداد بن الأسود وقال له: إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم, وأحضر معهم عبد الله بن عمر ليكون مشاورا وليس له شيء من الأمر, وقم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا واحدا منهم وأبى السادس اختياره فاضرب رأسه بالسيف, وان اتفق أربعة فرضوا رجلا وأبى اثنان فاضرب رأسيهما بالسيف, فإن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروه, فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فليكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف فخرجوا من عند عمر, وتلقى العباس عليا فقال له علي: عدلت عنا ( أي خرجت منا الخلافة ) , فقال العباس وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان, وقال عمر: كونوا مع الأكثر, فإن رضي رجلان رجلا, ورجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف فسعد بن أبي وقاص لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن, وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون, فيوليها عبد الرحمن عثمان, أو يوليها عثمان عبد الرحمن, فلو كان الآخران معي لم ينفعاني ما دام الرجحان للثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن, فقال له عمه العباس: لم أرفعك في شيء إلا رجعت إلي مستأخرا بما أكره, أشرت عليك عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسأله فيمن هذا الأمر فأبيت, وأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل الأمر فأبيت, وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى ألا تدخل معهم فأبيت. احفظ عني واحدة ,كلما عرض عليك القوم فقل: لا ,إلا أن يولوك, واحذر هؤلاء الرهط, فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا به غيرنا. فلما مات عمر وأخرجت جنازته تصدى علي وعثمان ,أيهما يصلي عليه , فقال عبد الرحمن بن عوف لهما: كلاكما يحب الإمرة, لستما من هذا في شيء, فليصل عليه صهيب, فقد استخلفه عمر بعد طعنه ليصلي بالناس حتى يجتمعوا على إمام , فصلى عليه صهيب, فلما دفن عمر جمع المقداد أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة وكانوا خمسة ومعهم عبد الله بن عمر وطلحة بن عبيد الله غائب, فتنافس القوم في الأمر وكثر بينهم الكلام, فقال عبد الرحمن بن عوف أيكم يخرج نفسه منها على أن يوليها أفضلكم؟ فلم يجبه أحد فقال: أنا أخلع نفسي منها, فقال عثمان أنا أول من رضي وقال القوم قد رضينا, فقال أعطوني مواثيقكم على أن ترضوا من أختار لكم, وعلي ميثاق الله ألا أخص ذا رحم لرحمه, ولا آلو المسلمين, فأخذ منهم ميثاقا وأعطاهم مثله ,وخلا بعلي بن أبي طالب وقال له: أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر فمن كنت ترى من هؤلاء الرهط أحق به؟ قال: عثمان, وخلا بعثمان وسأله ما سأل عليا, فقال: علي, ثم خلا بكل من الزبير وسعد بن أبي وقاص, فكلمهما بمثل ما كلم به عليا وعثمان, فقالا: عثمان. ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يشاورهم, ولا يخلو برجل إلا أشار عليه بعثمان, حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل بها الأجل - وهي ثلاثة أيام كان عمر حددها لهم - دعا عبد الرحمن أهل الشورى ودعا الناس إلى المسجد, ونادى عليا فقال له: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. ونادى عثمان فقال له مثل ما قال لعلي, قال عثمان: نعم, فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان فقال: اللهم اسمع واشهد, اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان ,فبايعه, فقال علي: ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك , فقال عبد الرحمن: يا علي لا تجعل على نفسك سبيلا, فإني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان. وازدحم الناس يبايعون عثمان وتلكأ علي ,فقال عبد الرحمن: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بمن عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما فرجع علي يشق الناس حتى بايع وهو يقول (خدعة وأيما خدعة) . ويقول الطبري: أن سبب قول علي (خدعة) أن عمرو بن العاص كان قد لقي عليا في ليالي الشورى ,فقال له: إن عبد الرحمن رجل مجتهد, وأنه متى أعطيته العزيمة كان أزهد له فيك, ولكن الجهد والطاقة فإنه أرغب له فيك. قال: ثم لقي عثمان فقال له: إن عبد الرحمن رجل مجتهد وليس والله يبايعك إلا بالعزيمة فأقبل, فلذلك قال علي لما سأله عبد الرحمن هل يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين, من بعده ,أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي ,آخذا بنصيحة عمرو بن العاص وأجاب عثمان على نفس السؤال بقوله: نعم دون تردد آخذا بنصيحة عمرو بن العاص ونرى أن عمرا نصح عليا بغير ما نصح به عثمان, وقد أخذ كل منهما بنصيحته, وكان خدعة من عمرو رددها علي بعد مبايعة عثمان, وشعر بها بعد أن وقع في حبالتها. كان عهد عثمان عهد فتوحات ففي عهده فتحت أرمينية وأذربيجان وإفريقية وبدأ غزو الروم برا وبحرا , وفتحت جزيرة قبرص, وفي سنة 27هـ أرسل حملة بحرية لغزو سواحل الأندلس ,وهو أول من فكر في فتح القسطنطينية واقتحام أوربا عن طريق إسبانيا للوصول إليها, وكان أمره بغزو سواحل إسبانيا لهذه الغاية. يرجع إليه الفضل في إزالة الخلاف في قراءة القرآن بجمعه صحفه التي كانت محفوظة عند حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين, زوج النبي صلى الله عليه وسلم ونسخها في مصحف واحد بمعرفة زيد بن ثابت وآخرين من الصحابة الحافظين للقرآن, وأمر بإحراق ما سواه. اتهموه بتولية أصحابه وأقربائه مناصب الدولة ,من ذلك توليته عبد الله بن عامر بن كريز ابن عمته على البصرة بدلا من أبي موسى الأشعري, وتوليته الوليد بن عقبة أخاه لأمه على الكوفة بعد عزله سعد بن أبي وقاص وعزله عمرو بن العاص عن مصر وتولية عبد الله بن سعد بن أبي سرح مكانه, وكان عبد الله أخاه من الرضاع ,وقد أخذ عمرو بن العاص يؤلب الناس على عثمان, وعظم على أهل مصر عزله, وأخذ يحرضهم على ذلك محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة, فاستنفروا نحوا من ستمائة رجل وتوجهوا إلى المدينة وسألوه أن يعزل ابن أبي سرح وتولية محمد بن أبي بكر فأجابهم إلى ذلك, فلما رجعوا إذا هم براكب فأخذوه وفتشوه فوجدوا معه كتابا إلى ابن أبي سرح على لسان عثمان يأمره بقتل محمد بن أبي بكر وجماعته, فرجعوا إلى المدينة وداروا بالكتاب على الصحابة فلام الناس عثمان, ولما عرض الكتاب على عثمان أنكره وأقسم أن لا علم له به وثبت أنه مزور, وأن مروان بن الحكم كاتب عثمان وحامل ختمه, زوره على لسانه ,فهاج المصريون وحاصروا عثمان في داره وطلبوا إليه أن يتخلى عن الخلافة فلما أبى دخلوا عليه وقتلوه ونهبوا داره وعدلوا إلى بيت المال فأخذوا ما فيه, وكان عثمان وهو محصور قد أرسل إلى معاوية بن أبي سفيان يستنجده فأرسل حبيبا بن مسلمة الفهري على رأس جيش , وفي رواية أنه أمره أن يبطئ السير إلى المدينة وقبل أن يصل إليها بلغه مقتل عثمان فقفل راجعا إلى دمشق وبمقتل عثمان انعطفت مسيرة التاريخ الإسلامي إلى عهد بدأت فيه الفتن ونشبت فيه الثورات وانقضى عهد الطبقة الأولى في الإسلام وهي كما يقول الجاحظ ( عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وست سنوات من عهد عثمان رضي الله عنه, ففي هذا العهد - كما يقول - كان المسلمون على التوحيد الصحيح المخلص مع الألفة واجتماع الكلمة على الكتاب والسنة, وليس هناك عمل قبيح ولا بدعة فاحشة ولا نزع يد من طاعة ولا حسد ولا غل ولا تأول, حتى الذي كان من قتل عثمان وما انتهك منه ) . قتل عثمان في شهر ذي الحجة في يوم جمعة, بعد حصار دام شهرين, وكان عمره 82 عاما.