ابو بندر الثقفي
06-11-2003, 10:24 PM
الزكاة لغة هي :
البركة والطهارة والنماء والصلاح. وسميت الزكاة لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه, وتقيه الآفات, كما قال ابن تيمية: نفس المتصدق تزكو, وماله يزكو, يَطْهُر ويزيد في المعنى.
والزكاة شرعا هي :
حصة مقدرة من المال فرضها الله عز وجل للمستحقين الذين سماهم في كتابه الكريم, أو هي مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة, ويطلق لفظ الزكاة على نفس الحصة المخرجة من المال المزكى. والزكاة الشرعية قد تسمى في لغة القرآن والسنة صدقة كما قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم) (التوبة 103) وفي الحديث الصحيح قال صلى اللّه عليه وسلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: (أعْلِمْهُم أن اللّه افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.) أخرجه الجماعة.
حكم الزكاة :
هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة, وعمود من أعمدة الدين التي لا يقوم إلا بها, يُقاتَلُ مانعها, ويكفر جاحدها, فرضت في العام الثاني من الهجرة, ولقد وردت في كتاب الله عز وجل في مواطن مختلفة منها قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) (البقرة 43) وقوله تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) (المعارج 24/25).
حكمة مشروعيتها :
أنها تُصلح أحوال المجتمع ماديًا ومعنويًا فيصبح جسدًا واحدًا, وتطهر النفوس من الشح والبخل, وهي صمام أمان في النظام الاقتصادي الإسلامي ومدعاة لاستقراره واستمراره, وهي عبادة مالية, وهي أيضا سبب لنيل رحمة الله تعالى, قال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة) (الأعراف 165), وشرط لاستحقاق نصره سبحانه, قال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز, الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) (الحج 40, 41), وشرط لأخوة الدين, قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (التوبة 11).
وهي صفة من صفات المجتمع المؤمن, قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (التوبة 71), وهي من صفات عُمّار بيوت الله, قال تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) (التوبة 18), وصفة من صفات المؤمنين الذين يرثون الفردوس, قال تعالى: (والذين هم للزكاة فاعلون) (المؤمنون 4).
مكانة الزكاة :
وبينت السنة مكانة الزكاة فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأنّ محمدًا رسول الله, ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.) أخرجه البخاري ومسلم, وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والنصح لكل مسلم.) أخرجه البخاري ومسلم, وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمدًا رسول الله , وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا, وصوم رمضان.) أخرجه البخاري ومسلم.
حكم منع الزكاة والترهيب من منعها :
من أنكر وجوب الزكاة خرج عن الإسلام ويستتاب, فإن لم يتب قتل كفرا, إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام, فإنه يعذر لجهله بأحكامه ويبين له حكم الزكاة حتى يلتزمه, أما من امتنع عن أدائها مع اعتقاده وجوبها فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الإسلام, وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرا ويعزره ولو امتنع قوم عن أدائها مع اعتقادهم وجوبها وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون عليها حتى يعطوها .
ودليل ذلك ما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أبو بكر, وكفر من كفر من العرب, فقال عمر: (كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى؟ فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة, فإن الزكاة حق المال, والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار, فأُحْميَ عليها في نار جهنم, فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره, كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقْضَى بين العباد, فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مُثِّلَ له يوم القيامة شُجاعا أَقْرع حتى يُطَوّقَ به عنقه.) ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) (آل عمران 180), حديث صحيح, رواه النسائي وابن خزيمة وابن ماجة واللفظ له.
وعن علي رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا وموكلَه, وشاهدَه, وكاتبَه, والواشمةَ, والمستوشمةَ, ومانع الصدقة, والمُحَلِّلَ, والمُحَلَّلَ له.) حديث حسن رواه أحمد والنسائي.
شروط الزكاة :
فرضت الزكاة في المال ووضعت لها شروط بتوافرها يكون المال محلا لوجوب الزكاة, وهذه الشروط شرعت للتيسير على صاحب المال, فيخرج المزكي زكاة ماله طيبة بها نفسه, فتتحقق الأهداف السامية التي ترمي إليها فريضة الزكاة, وهذه الشروط هي:
الملك التام
النماء حقيقة أو تقديرا
بلوغ النصاب
الزيادة عن الحاجات الأصلية
حولان الحول
منع الثِّنَى في الزكاة
== فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز في حكم تارك الزكاة :
ما حكم تارك الزكاة؟ وهل هناك فرق بين من تركها جحودا أو بخلا أو تهاونا؟
الجواب: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وبعد: ففي حكم تارك الزكاة تفصيل.. فإن كان تركها جحدا لوجوبها مع توافر شروط وجوبها عليه كفر بذلك إجماعا ولو زكى ما دام جاحدا لوجوبها. أما إن تركها بخلا أو تكاسلا فإنه يعتبر بذلك فاسقا، قد ارتكب كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وهو تحت مشيئة الله إن مات على ذلك لقول الله - سبحانه -: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقد دل القرآن الكريم والسنة المطهرة المتواترة على أن تارك الزكاة يعذب يوم القيامة بأمواله التي ترك زكاتها، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وهذا الوعيد في حق من ليس جاحدا لوجوبها، قال الله - سبحانه - في سورة التوبة: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ودلت الأحاديث الصحيحة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، على ما دل عليه القرآن الكريم في حق من لم يزك الذهب والفضة.
كما دلت على تعذيب من لم يزك ما عنده من بهيمة الأنعام - الإبل والبقر والغنم - وأنه يعذب بها نفسها يوم القيامة.
وحكم من ترك زكاة العملة الورقية وعروض التجارة حكم من ترك زكاة الذهب والفضة، لأنها حلت محلها وقامت مقامها.
أما الجاحدون لوجوب الزكاة فإن حكمهم حكم الكفرة، ويحشرون معهم إلى النار، وعذابهم فيها مستمر أبد الأباد كسائر الكفرة، لقول الله - عز وجل - في حقهم وأمثالهم في سورة البقرة: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ وقال في سورة المائدة: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ والأدلة في ذلك كثيرة من الكتاب والسنة.
فتوى رقم : 28723
عنوان الفتوى : أقوال العلماء في زكاة السلفة
تاريخ الفتوى : 15 ذو الحجة 1423
الســؤال
لدي سؤالين السؤال الأول: هل تزكي على سلفة بقيت عندك أكثر من سنة قيمتها 5000 دينار ووصلت السنة وصرفت منها جزءا وما زالت فوق النصاب؟
السؤال الثاني:- بخصوص زكاة المال
يوجد في حسابي 8000 دينار في شهر 1/ 2002 وكنت في دورة تدريبية في الخارج وتحصلت على مبلغ 6000 دينار فكم في شهر 1/ 2003 يجب أن نخرج الزكاة ويوجد بعض المال عند الأصدقاء فهل أضيفه إلى المبلغ وأعطي عنه الزكاة أفيدوني؟ وبارك الله فيكم....
الفتــوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما ما يتعلق بسؤالك الأول، فإذا كنت قد قمت بتسديد بعض أقساط هذه السلفة فبلغ نصاباً أو أكثر وبقي عندك هذا القدر من السلفة حتى حال عليه الحول فإنه تجب عليك زكاته؛ لأنك أصبحت تملكه. وأما إن كانت هذه السلفة بأكملها مازالت ديناً عليك لم تسدد من أقساطها شيئًا، فقد اختلف أهل العلم في وجوب الزكاة في ذلك على قولين:
القول الأول: عدم وجوب الزكاة فيها، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، فنصوا على أن الدَّين الذي يستغرق نصاب الزكاة أو ينقصه يمنع وجوب الزكاة.
قال الكاساني في شروط وجوب الزكاة: (ومنها: أن لا يكون عليه دين مطالب به من جهة العباد عندنا، فإن كان فإنه يمنع وجوب الزكاة بقدره حالاً كان أو مؤجلاً).
وقال العدوي في حاشيته: (وأما لو كان عليه دين فيسقط زكاة العين سواء كان الدين عيناً أو عرضاً، حالاً أو مؤجلاً لعدم تمام الملك).
وقال في المغني: (الدَّين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة، رواية واحدة. وهي الأثمان، وعروض التجارة). ويعني بالأثمان: الذهب والفضة، وفي معنى ذلك ما بأيدينا من أموال نقدية.
القول الثاني: وجوب الزكاة فيها، وإلى هذا ذهب الشافعي في الجديد، قال في المنهاج: (ولا يمنع الدَّين وجوبها).
وقد لخص ابن رشد سبب اختلافهم في بداية المجتهد بما حاصله: (أن السبب في اختلافهم: هل الزكاة عبادة أو حق مرتب في المال للمساكين ؟
فمن رأى أنها حق لهم قال: لا زكاة في مال من عليه الدَّين، لأن هذا المال في الحقيقة مال صاحب الدَّين لا الذي المال بيده.
ومن قال هي عبادة قال: تجب على من بيده مال سواء كان عليه دين أو لم يكن؛ لأن وجود المال هو شرط التكليف بإخراج الزكاة.
وأيضاً فإنه تعارض هنالك حقان: حق الله، وحق الآدمي، وحق الله أحق أن يقضى).
والقول الثاني أرجح لعدة وجوه معتبرة:
الوجه الأول: أن ملكية المدين ضعيفة وناقصة، لتسلط الدائن المستحق على دينه ومطالبته به. الوجه الثالث: أن رب الدَّين مأمور بتزكيته؛ لأنه ماله وهو مالكه وصاحبه، فلو زكاه المدين لوجبت فيه الزكاة مرتين؛ وهو ازدواج ممنوع في الشرع.
الوجه الثاني: أن الزكاة إنما وجبت مواساة لذوي الحاجات، والمدين محتاج إلى قضاء دينه، كحاجة الفقير أو أشد؛ لأن عدم قضاء الدين قد يعرضه للحبس.
ومن هذا تعلم أنه لا تجب زكاة على القدر الذي لم تسدده من هذه السلفة، أما ما قمت بسداده وبلغ نصاباً وحال عليه الحول فتجب فيه الزكاة.
- وأما ما يتعلق بسؤالك الثاني:
فحساب زكاة مالك يكون بإخراج 2.5% من الثمانية آلاف دينار؛ إذا كانت تبلغ نصاباً بنفسها أو بما ينضم إليها من جنسها وحال عليها الحول، فتخرج 200 دينار. ولمعرفة النصاب راجع الفتوى رقم: 2055.
وأما الستة آلاف فإذا حال عليها الحول من يوم امتلاكها فتخرج 2.5% فتخرج 150 ديناراً، ولك أن تخرج زكاتها مع زكاة الثمانية آلاف من غير أن تنتظر انقضاء حولها.
وأما ما لك من ديون فإذا حال عليه الحول من يوم امتلاكك له، فتخرج 2.5% ، وكذلك في كل حول يمر عليها إذا كانت على أملياء أوفياء. ولك أن تضيف هذه الديون إلى ما لديك من رصيد، فتزكيها معه، بشرط ألا يترتب على ذلك تأخير زكاة هذه الديون بعد تمام حولها.
وأما إن كانت هذه الديون على مماطلين أو معسرين فتزكيها إذا قبضتها لسنة واحدة.
والله أعلم.
المفتـــي : مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
البركة والطهارة والنماء والصلاح. وسميت الزكاة لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه, وتقيه الآفات, كما قال ابن تيمية: نفس المتصدق تزكو, وماله يزكو, يَطْهُر ويزيد في المعنى.
والزكاة شرعا هي :
حصة مقدرة من المال فرضها الله عز وجل للمستحقين الذين سماهم في كتابه الكريم, أو هي مقدار مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة, ويطلق لفظ الزكاة على نفس الحصة المخرجة من المال المزكى. والزكاة الشرعية قد تسمى في لغة القرآن والسنة صدقة كما قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم) (التوبة 103) وفي الحديث الصحيح قال صلى اللّه عليه وسلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: (أعْلِمْهُم أن اللّه افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.) أخرجه الجماعة.
حكم الزكاة :
هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة, وعمود من أعمدة الدين التي لا يقوم إلا بها, يُقاتَلُ مانعها, ويكفر جاحدها, فرضت في العام الثاني من الهجرة, ولقد وردت في كتاب الله عز وجل في مواطن مختلفة منها قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) (البقرة 43) وقوله تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) (المعارج 24/25).
حكمة مشروعيتها :
أنها تُصلح أحوال المجتمع ماديًا ومعنويًا فيصبح جسدًا واحدًا, وتطهر النفوس من الشح والبخل, وهي صمام أمان في النظام الاقتصادي الإسلامي ومدعاة لاستقراره واستمراره, وهي عبادة مالية, وهي أيضا سبب لنيل رحمة الله تعالى, قال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة) (الأعراف 165), وشرط لاستحقاق نصره سبحانه, قال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز, الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) (الحج 40, 41), وشرط لأخوة الدين, قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (التوبة 11).
وهي صفة من صفات المجتمع المؤمن, قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (التوبة 71), وهي من صفات عُمّار بيوت الله, قال تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) (التوبة 18), وصفة من صفات المؤمنين الذين يرثون الفردوس, قال تعالى: (والذين هم للزكاة فاعلون) (المؤمنون 4).
مكانة الزكاة :
وبينت السنة مكانة الزكاة فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأنّ محمدًا رسول الله, ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.) أخرجه البخاري ومسلم, وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والنصح لكل مسلم.) أخرجه البخاري ومسلم, وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمدًا رسول الله , وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا, وصوم رمضان.) أخرجه البخاري ومسلم.
حكم منع الزكاة والترهيب من منعها :
من أنكر وجوب الزكاة خرج عن الإسلام ويستتاب, فإن لم يتب قتل كفرا, إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام, فإنه يعذر لجهله بأحكامه ويبين له حكم الزكاة حتى يلتزمه, أما من امتنع عن أدائها مع اعتقاده وجوبها فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الإسلام, وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرا ويعزره ولو امتنع قوم عن أدائها مع اعتقادهم وجوبها وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون عليها حتى يعطوها .
ودليل ذلك ما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أبو بكر, وكفر من كفر من العرب, فقال عمر: (كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى؟ فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة, فإن الزكاة حق المال, والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار, فأُحْميَ عليها في نار جهنم, فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره, كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقْضَى بين العباد, فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مُثِّلَ له يوم القيامة شُجاعا أَقْرع حتى يُطَوّقَ به عنقه.) ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) (آل عمران 180), حديث صحيح, رواه النسائي وابن خزيمة وابن ماجة واللفظ له.
وعن علي رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا وموكلَه, وشاهدَه, وكاتبَه, والواشمةَ, والمستوشمةَ, ومانع الصدقة, والمُحَلِّلَ, والمُحَلَّلَ له.) حديث حسن رواه أحمد والنسائي.
شروط الزكاة :
فرضت الزكاة في المال ووضعت لها شروط بتوافرها يكون المال محلا لوجوب الزكاة, وهذه الشروط شرعت للتيسير على صاحب المال, فيخرج المزكي زكاة ماله طيبة بها نفسه, فتتحقق الأهداف السامية التي ترمي إليها فريضة الزكاة, وهذه الشروط هي:
الملك التام
النماء حقيقة أو تقديرا
بلوغ النصاب
الزيادة عن الحاجات الأصلية
حولان الحول
منع الثِّنَى في الزكاة
== فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز في حكم تارك الزكاة :
ما حكم تارك الزكاة؟ وهل هناك فرق بين من تركها جحودا أو بخلا أو تهاونا؟
الجواب: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وبعد: ففي حكم تارك الزكاة تفصيل.. فإن كان تركها جحدا لوجوبها مع توافر شروط وجوبها عليه كفر بذلك إجماعا ولو زكى ما دام جاحدا لوجوبها. أما إن تركها بخلا أو تكاسلا فإنه يعتبر بذلك فاسقا، قد ارتكب كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وهو تحت مشيئة الله إن مات على ذلك لقول الله - سبحانه -: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقد دل القرآن الكريم والسنة المطهرة المتواترة على أن تارك الزكاة يعذب يوم القيامة بأمواله التي ترك زكاتها، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وهذا الوعيد في حق من ليس جاحدا لوجوبها، قال الله - سبحانه - في سورة التوبة: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ودلت الأحاديث الصحيحة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، على ما دل عليه القرآن الكريم في حق من لم يزك الذهب والفضة.
كما دلت على تعذيب من لم يزك ما عنده من بهيمة الأنعام - الإبل والبقر والغنم - وأنه يعذب بها نفسها يوم القيامة.
وحكم من ترك زكاة العملة الورقية وعروض التجارة حكم من ترك زكاة الذهب والفضة، لأنها حلت محلها وقامت مقامها.
أما الجاحدون لوجوب الزكاة فإن حكمهم حكم الكفرة، ويحشرون معهم إلى النار، وعذابهم فيها مستمر أبد الأباد كسائر الكفرة، لقول الله - عز وجل - في حقهم وأمثالهم في سورة البقرة: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ وقال في سورة المائدة: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ والأدلة في ذلك كثيرة من الكتاب والسنة.
فتوى رقم : 28723
عنوان الفتوى : أقوال العلماء في زكاة السلفة
تاريخ الفتوى : 15 ذو الحجة 1423
الســؤال
لدي سؤالين السؤال الأول: هل تزكي على سلفة بقيت عندك أكثر من سنة قيمتها 5000 دينار ووصلت السنة وصرفت منها جزءا وما زالت فوق النصاب؟
السؤال الثاني:- بخصوص زكاة المال
يوجد في حسابي 8000 دينار في شهر 1/ 2002 وكنت في دورة تدريبية في الخارج وتحصلت على مبلغ 6000 دينار فكم في شهر 1/ 2003 يجب أن نخرج الزكاة ويوجد بعض المال عند الأصدقاء فهل أضيفه إلى المبلغ وأعطي عنه الزكاة أفيدوني؟ وبارك الله فيكم....
الفتــوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما ما يتعلق بسؤالك الأول، فإذا كنت قد قمت بتسديد بعض أقساط هذه السلفة فبلغ نصاباً أو أكثر وبقي عندك هذا القدر من السلفة حتى حال عليه الحول فإنه تجب عليك زكاته؛ لأنك أصبحت تملكه. وأما إن كانت هذه السلفة بأكملها مازالت ديناً عليك لم تسدد من أقساطها شيئًا، فقد اختلف أهل العلم في وجوب الزكاة في ذلك على قولين:
القول الأول: عدم وجوب الزكاة فيها، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، فنصوا على أن الدَّين الذي يستغرق نصاب الزكاة أو ينقصه يمنع وجوب الزكاة.
قال الكاساني في شروط وجوب الزكاة: (ومنها: أن لا يكون عليه دين مطالب به من جهة العباد عندنا، فإن كان فإنه يمنع وجوب الزكاة بقدره حالاً كان أو مؤجلاً).
وقال العدوي في حاشيته: (وأما لو كان عليه دين فيسقط زكاة العين سواء كان الدين عيناً أو عرضاً، حالاً أو مؤجلاً لعدم تمام الملك).
وقال في المغني: (الدَّين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة، رواية واحدة. وهي الأثمان، وعروض التجارة). ويعني بالأثمان: الذهب والفضة، وفي معنى ذلك ما بأيدينا من أموال نقدية.
القول الثاني: وجوب الزكاة فيها، وإلى هذا ذهب الشافعي في الجديد، قال في المنهاج: (ولا يمنع الدَّين وجوبها).
وقد لخص ابن رشد سبب اختلافهم في بداية المجتهد بما حاصله: (أن السبب في اختلافهم: هل الزكاة عبادة أو حق مرتب في المال للمساكين ؟
فمن رأى أنها حق لهم قال: لا زكاة في مال من عليه الدَّين، لأن هذا المال في الحقيقة مال صاحب الدَّين لا الذي المال بيده.
ومن قال هي عبادة قال: تجب على من بيده مال سواء كان عليه دين أو لم يكن؛ لأن وجود المال هو شرط التكليف بإخراج الزكاة.
وأيضاً فإنه تعارض هنالك حقان: حق الله، وحق الآدمي، وحق الله أحق أن يقضى).
والقول الثاني أرجح لعدة وجوه معتبرة:
الوجه الأول: أن ملكية المدين ضعيفة وناقصة، لتسلط الدائن المستحق على دينه ومطالبته به. الوجه الثالث: أن رب الدَّين مأمور بتزكيته؛ لأنه ماله وهو مالكه وصاحبه، فلو زكاه المدين لوجبت فيه الزكاة مرتين؛ وهو ازدواج ممنوع في الشرع.
الوجه الثاني: أن الزكاة إنما وجبت مواساة لذوي الحاجات، والمدين محتاج إلى قضاء دينه، كحاجة الفقير أو أشد؛ لأن عدم قضاء الدين قد يعرضه للحبس.
ومن هذا تعلم أنه لا تجب زكاة على القدر الذي لم تسدده من هذه السلفة، أما ما قمت بسداده وبلغ نصاباً وحال عليه الحول فتجب فيه الزكاة.
- وأما ما يتعلق بسؤالك الثاني:
فحساب زكاة مالك يكون بإخراج 2.5% من الثمانية آلاف دينار؛ إذا كانت تبلغ نصاباً بنفسها أو بما ينضم إليها من جنسها وحال عليها الحول، فتخرج 200 دينار. ولمعرفة النصاب راجع الفتوى رقم: 2055.
وأما الستة آلاف فإذا حال عليها الحول من يوم امتلاكها فتخرج 2.5% فتخرج 150 ديناراً، ولك أن تخرج زكاتها مع زكاة الثمانية آلاف من غير أن تنتظر انقضاء حولها.
وأما ما لك من ديون فإذا حال عليه الحول من يوم امتلاكك له، فتخرج 2.5% ، وكذلك في كل حول يمر عليها إذا كانت على أملياء أوفياء. ولك أن تضيف هذه الديون إلى ما لديك من رصيد، فتزكيها معه، بشرط ألا يترتب على ذلك تأخير زكاة هذه الديون بعد تمام حولها.
وأما إن كانت هذه الديون على مماطلين أو معسرين فتزكيها إذا قبضتها لسنة واحدة.
والله أعلم.
المفتـــي : مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه