برق الشمال
14-11-2003, 04:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين ..وبعد:
كان حلماَ أن تطأ قدماي أعتاب الجامعة.. كنت أتمنى تلك اللحظة التي أصبح فيها فتاة جامعية..
لأتمتع بهذا القدر الكبيرمن الاحترام الذي تحظى به فتاة الجامعة..
كان تديني ناقصا وتهاوني بالصلاة وغيرها من العبادات أمراَ عادياَ .. ومع ذلك فقد كنت راضية عن هذا القدر الضئيل من التدين ..
كنت أنظر ألى المتدينين نظرة دونية .. وأراهم أناسا رجعيين ومتأخرين .. ولذلك فأنهم يقفون موقف الرفض لكل ماهو جديد عصري ..
كنت أتشبث بالاَراء المتساهله التي أسمعها عرضا من شيوخ الفضائيات .. وأجعلها حجة لي فيما أنا عليه من خطأ أو منكر..
لقد سئمت منظومة الأوامر والنواهي التي كانت تقيدنا في المدرسة.. كنت أطمع في المزيد من الحرية والانطلاق..
في الجامعة سوف ألبس ما أشاء.. وأفعل ما أشاء.. لقد ضقت ذرعاَ بنصائح المدرسات وتحكماتهن
..لا تضعي العباءة على كتفيك.. لا تلبسي هذا النوع من العباءات.. إياك ولبس القصير.. أزيلي هذا الماكياج من وجهك..
على الإنسان أن يصبر حتى يصل إلى أهدافه.. نعم سأصبر.
كنت أذاكر كثيراَ وأنتظر اليوم الذي أتخلص فيه من هذه القيود.. أريد أن أصبح فتاة لها رأيها الخاص وتفكيرها الشخصي وإرادتها المستقلة..
نجحت في الثانوية.. وكانت درجاتي تؤهلني لدخول الجامعة.. أخيراَ تحقق الحلم الذي تمنيته مراراَ..
أخيراَ سيكون لي رأي ولن أعبأ باَراء الاَخرين..
بدأ العام الدراسي فبدأت أبحث عن صديقات يبادلنني نفس الشعور، ويهشن نفس الهموم التي أعيشها
صديقات يتّسمن باتفتح والعصرية.. ويتطلعن إلى الحرية التي أتطلع إليها..
تعرفت على بعض الصديقات وأقمت علاقة وطيدة .. كانت أحاديثنا تدور حول أمور تافهه تشير إلى تفاهتنا وسطحيتنا.. الموضة والأزياء.. أدوات التجميل ..
القنوات الفضائية .. الأفلام.. المسلسلات .. اَخر أغنيات الفيديو كليب.. الإشاعات.. الغيبة والنميمة ..
السخرية والإستهزاء.. وأمورأخرى كثيرة من هذا النوع ..
في البيت كان والدي مشغولاَ بتجارته.. وإخواني كل في طريقه.. لم أسمع منهم أبداَ كلمة نصح أو همسة عتاب ..
كنت أعيش في عالم اَخر اصطنعته لنفسي..ولا أريد الفكاك منه.. فأنا لا أفعل شيئا خطأ طالما أنه
في محيط الصديقات أو الزميلات ..
في ذات يوم.. بينما كنت أنتظر السائق عند بوابة الجامعة ..
أقبلت نحوي فتاة.. يبدو من شكلها أنها تنتمي إلى نفس الطراز الذي تنتمي إليه أمي وجدتي ..
فلباسها ساتر جداَ ولا يظهر منها شئ .. سلمت علىّ ومدت إليّ يدها المغطاة بالقفاز .. فمدتت لها يدي
ثم سحبتها بسرعة .. قلت لها: كأنك تريدين شيئاَ؟.
قالت: في الحقيقة ياأختاه عباءتك لفتت نظري فأحببت أن أسألك عن موديلها..فانتفشت وقلت لها بثقة:
فرنسي.. إنها أحدث شئ نزل في الأسواق حتى الاَن..
قالت: وهل تظنين أن مصممي هذه العباءة من الفرنسيين وغيرهم سوف يراعون الضوابط الشرعية لحجاب المرأة المسلمة؟
قلت لها: أية ضوابط تقصدين؟
قالت: ألا تعلمين أن للحجاب الشرعي شروطاَ منها:
استيعاب جميع البدن.. وألا يكون زينة في نفسه .. وأن يكون صفيقاَ لايشف.. وأن يكون فضفاضاَ غير ضيق ..وألا يشبه ملابس الرجال.. ولا يشبه ملابس الكافرات.. ولا يكون لباس شهرة .. وعباءتك كما ترين تخالف معظم هذه الشروط الشرعية .. فهي ملئية بالزركشة والزينة ..
وهي ضيقة وشفافة كذالك..
وهي تشبه ملابس الكافرات ..لانها تظهر يديك وساعديك ..
قلت كفى كفى ..يكفي هذا ..انتم دائماً تأخذون الآراء المتشدده.. وهناك من العلماء من رخص في لبس مثل هذه العباءة..
قالت: القضيه يا أختاه ليست في قول فلان أو فلان فالحق لايعرف بالرجال.. وكل يؤخذ منه ويترك إلا رسول الله صى الله عليه وسلم.. وقد قال عليه الصلاة والسلام:(( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد.. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس,ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات لايدخلن الجنه ولايجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) (رواه مسلم)
وقد قال العلماء: إن التي تلبس مثل هذه العباءة التي تلبسينها تعتبر من الصنف الثاني الذي ذكر في هذا الحديث..
وقد قال عليه الصلاة والسلام:((أيما أمرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل)) (رواه ابن ماجه).
وهذا عطرك الجميل قد جذبني نحوك فكيف بالشباب والرجال؟.. أن الحجاب يأختاه عفة وطهارة وصيانة للمرأة من أعين لصوص الأعراض الطامعين فيما لايحل لهم..
الحجاب ياأختاه.. عند ذلك قاطعتها بشدة قائلة: خلاص خلاص.. انتهينا.. سأبحث هذه المسألة فيما بعد.. ثم ابتعدت عنها قليلاًَ..
لم أتأثر كثيراً بهذا الموقف .. فقد عددته من جملة المواقف التي كنت ألاقيها في مدرستي من المدرسات وبعض الطالبات أمثال تلك الفتاة ..
في إحدى جلساتي مع زميلاتي بجوار الكافيتريا .. كنا نتجاذب أحاديثنا المعتادة..
وقد توالت ضحكاتنا عالية.. ومن بالغ جرأتنا أننا وضعنا بجوارنا جهازاَ صغيراً للتسجيل ..
وأدرناه على أغنية صاخبة من أحب الأغنيات إلينا.. ويبدو في هذه المرة أن صوت المسجل
كان عالياً..
جاءت إلينا فتاة .. فألقت علينا السلام.. وطلبت منا تقصير صوت المسجل حتى تستطيع التحدث م
معنا.. فقمنا بتقصير الصوت ..
كانت فتاة جميلة جداً.. ولباسها يشير إلى ذوق رفيع..
ومع ذلك فليس فيه بهرجة أو تبرج.. ولكنه يمتاز بالدقة والجودة والتناسق بين الألوان..
كنت أنتظر حديث تلك الفتاة التي أعجبت بجمالها وملابسها جداً.. فبدأت ـ هي الأخرى تلومنا عن سماع الأغاني.. وتنصحنا بسماع القراًن ةالأشرطة المفيدة ..
تعجبت أن تحدثنا هذه الفتاة الجميلة العصرية عن هذه الأمور.. ولكني اًثرت هذه المرة أن أحتفظ
بهدوئي وأبحث في معلوماتي الدينية القيمة.. فقلت لها: إننا نستمع القراًن أحياناً ولكن هذا لايمنع أن نرفه عن أنفسنا بسماع شئ من الموسيقي والغناء..
قالت: هذا رأيك أنت.. ولا ينبغي أن تفرضي رأيك على الاًخرين.. فنحن نحب القرأن والغناء أيضاً..
قالت: لكي أثبت لكنّ صحة كلامي أريد أن تخبرني أي واحدة منكن: متى اًخر مرة بحثت عن إذاعة القراًن الكريم لتستمع إلى القراَن؟..
فسقط في أيدينا.. ولم تنطق إحدانا ببنت شفة.. ومع ذلك فقد كان صوت الكبر والغرور يتعالى داخلنا.. فقالت لها إحدانا: ليس لك أن تحاسبينا على مانفعل.. ونحن لسنا في كلية شرعية
حتى تأتيننا بهذه النصائح ..
قالت: وهل تعاليم الإسلام خاصة بمنسوبي الكليات الشرعية فقط.. والاًخرون يفعلون مايشاؤون؟
قلت: لا لا.. هي لم تقصد ذلك.. وإنما تقصد أن الغناء ليس محرماً..
وليس هناك دليل على تحريمه..
قالت: بل هناك أدلة كثيرة.. منها قوله تعالى: }ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن
سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً{ ( لقمان :6) قال ابن مسعود رضي الله عنه لهو الحديث هوالغناء .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم(( سيأتي زمان على أمتي يستحلون فيه الحر والحرير
والخمر والمعازف)) ( رواه البخاري) والمعازف هي الموسيقي والغناء..
ولما رأيت زميلاتي أننا لم نستطيع مجاراتها .. قالت إحداهن: اتركن الحديث مع هؤلاء الملتزمات..
ثم توجهت إليها قائلة: لقد قطعت علينا حديثنا.. وأرى أن نصيحتك قد انتهت ..فدعينا الاًن وانصرفي لشأنك..
فقالت: اًسفة لقطع حديثكن.. ولكن لاتنسين كذلك أن هذا العمل مخالف لأنظمة الجامعة..
ثم استأذنت وانصرفت.. لم أكن أحبّ أن تواجه هذه الفتاة الجميلة المنظمة بمثل هذا الأسلوب
الجاف الذي دل على ضعفنا أمام حججها القوية.. كنت أحب أن أظهر عليها في المناقشة واثبت لها رأيي في عدم حرمة الغناء.. ولكن كيف ذلك وهي تستدل بآيات وأحاديث في تحريم الغناء؟! انصرفت الفتاه.. فانطلقت يد احدى صاحباتي لترفع صوت الأغنيه كما كان وتوالت الضحكات مرة أخرى..
وفي أحد الأيام قابلتني هذه الفتاه في الكليه فجاءت وسلمت علي وأرادت ان تعتذر فبادرتها أنا بالاعتذار عما حدث من زميلتي واتضح من خلال الحوار انها تدرس في القسم الذي أدرس فيه.. فتعجبت من ذلك وقلت لها:لقد حسبتك تدرسين في إحدى الكليات الشرعيه..
قالت: ولماذا؟
قلت: لأن ثقافتك الشرعيه يبدو أنها عالية أفلا يؤثر ذلك على مستواك الدراسي؟!
قالت:أبداً فأنا أنظم وقتي وقد زادني التزامي تنظيماً ومعرفة لقيمة الوقت وأهميته.. وبالمناسبه فأنا أجيد الإنجليزيه وعلوم الحاسب الآلي, وهما من اهم الأمور في تخصصنا.. وأقوم بشرح بعض الدروس للطالبات فإذا احتجت شيئاً في ذلك فأنا على أتم الاستعداد.
عند ذلك نظرت إليها بإعجاب وإكبار.. واستصغرت نفسي.. إنها تعطي دروسا في الانجليزيه والحاسب الآلي..ونحن نجلس للضحك وسماع الغناء.. أهذه هي العصريه التي كنت أحلم بها؟!
أحسست أن هذه الفتاه تهتم بي بشكل خاص.. وتريد إقامة علاقة صداقة معي.. ولكن كيف أقيم معها علاقة وهي دائما تتكلم عن الحلال والحرام, وهذا يشعرني بأنني مازلت طالبة المتوسط أو الثانوي..دعك منها فإن هؤلاء متشددون ولايعرفون أن الزمن قد تغير وأن الانسان لابد من أن يواكب عصره الذي يعيش فيه.. كفى عن ترديد هذه الاسطوانه المشروخه.. عصرية.. مدنية.. تقدم.. ورقي.. ماهي مظاهر العصرية التي نعيش فيها سوى بنطال لاصق وتنورة مفتوحه وحذاء رجالي ووجه يشبه وجه البهلوانات.. أما هي فتدرس الانجليزيه وعلوم الحاسب الآلي إنها أكثر مني مدنيه.. وكذلك فهي ملتزمة بتعاليم دينها فقد جمعت بين الحسنيين.. ما هذا الذي أقول؟! هل تأثرت بهذه الفتاه إلى هذه الدرجه؟ أين رأيي المستقل؟ وتفكيري الخاص؟ وحريتي التي كنت أبحث عنها دائماً؟ لا لا ..لابد أن أتخلص من هذه الفتاه حتى لاتعكر علي حياتي..
كنت أتعمد بعد ذلك ألا أراها ولاتراني.. واذا رأيتها من بعيد سلكت طريقا آخر حتى لاتراني.. وظلت علاقتي كما هي بزميلاتي الأخريات.. غير أن صورة هذه الفتاة وثقتها بنفسها وثقافتها العاليه والمتنوعه وعصريتها الواضحه كانت لاتزال ترد على خاطري بين فترة وأخرى..
وحانت ساعة الحقيقه.. فقد مرضت مرضا شديداً أدخلت على إثره المستشفى وبقيت بها فترة طويلة..
كنت قد أشتقت إلى رؤية زميلاتي ..لمعرفة آخر أخبار الكليه والدروس التي فاتتني.. وبعد أسبوع جائتني إحداهن وأخبرتني بإعتذار الأخريات لعدم تمكنهن من الزياره فطلبت منها تصوير المحاضرات التي فاتتني فوعدتني بذلك..
كنت أنتظر تلك المحاضرات بفارغ الصبر ولكن أحدا من زميلاتي لم يأت لزيارتي بعد هذا الطلب!!
مافائدة الصداقه إذا لم يكن لها ثمار وقت الأزمات والشدة؟ أليس الصديق عند الضيق؟! وظللت أنتظر أسبوعاً آخر ولكن دون جدوى.. وبعد يومين.. أخبرت أن هناك فتاة تريد زيارتي.. فحسبت أنها إحدى زميلاتي أتت بالمحاضرات كما طلبت.. فطلبت من الممرضات إدخالها.. فدخلت تلك الفتاة التي ناقشتني في مسألة الحجاب عند باب الجامعة.. فتعجبت من زيارتها.. وكيف عرفت أنني مريضة في المستشفى..فلما خلعت نقابها وجلست بجواري عرفت أنها هي نفس الفتاة التي قدمت لنا النصيحه عند الكافيتريا.. وهي نفس الفتاة التي تدرس معي بنفس القسم.. وهي التي أعجبت بها إعجابا شديدا لجمالها وثقافتها ودقتها في اختيار ملابسها.. وشخصيتها القوية.. كدت لا أصدق أن هذه الفتاة العصرية تجلس أمامي وتلبس هذه العباءة الساترة فقلت لها:أنت أنت؟ قالت نعم.. لقد سألت زميلاتك عنك فأخبرنني عن مرضك فطلبت منهن اسم المستشفى ورقم الغرفة لأقوم بزيارتك فإن في زيارة المريض أجراً كبيراً..
قلت لها:في الحقيقة أنا لا اعرف كيف أشكرك على هذا الشعور النبيل وأريد أن أعتذر لك عن كل ماحصل مني..
قالت: لاعليك المهم أن تخرجي بالسلامه لأن الاختبارات على الابواب ثم أخرجت من حقيبتها مجموعة من الأوراق وقالت لي.. هذه مجموعة المحاضرات التي فاتتك وسوف تجدين في نهاية كل محاضرة ملخصاً لها.. كما انني سوف أقوم بزيارتك- ان شاء الله- بعد أسبوع لموافاتك بالمحاضرات الجديدة.
عند ذلك لم أتمالك نفسي من البكاء وتذكرت شدتي معها وصدي لها عند البوابة وعند الكافيتريا ومع ذلك فهي تعاملني بكل الود والمحبة والشفقه..
وتذكرت كذلك زميلاتي اللاتي بخلن علي بزيارة أو حتى بسؤال عبر الهاتف.. عند ذلك تهاوت كل أفكاري وتصوراتي عن الحرية والتقدم والعصرية..
لقد فهمت الآن أن الحرية ليست في التخلي عن القيم والتنصل للعادات والمبادئ الحميدة..
لقد فهمت الآن أن العصرية ليست في التنكر للدين والأخلاق والتشبث بأفكار وثقافات بعيدة كل البعد عن هويتنا وقيمنا.
لقد فهمت الآن أن الحرية في كبح جماح النفس وعدم الخضوع لرغباتها والاستسلام لنزغاتها.
لقد فهمت الآن أن الحرية في الإحساس بالآخرين ومساعدتهم والتخفيف من معاناتهم وآلامهم..
لقد فهمت الآن أن الإسلام قد كفل للمرأة حريتها وأعطاها من الحقوق مايكفل لها حياة كريمة في ظل تعاليمه الرشيدة.. قلت لها: أعترف الآن بالهزيمة وقد نويت مهذه اللحظة أن أغير حياتي وفق ماشرعه الله تعالى لأكون فتاة طيبة مثلك..
قالت وقد تهلل وجهها بابتسامة مشرقة: يا أختاه! ليس في علاقتنا غالب ومغلوب.. المهم أن نصل جميعا إلى بر الأمان والفوز الحقيقي والسعادة الدائمة..
قلت نعم .. هذا هو المهم..
(منقول من مجموعة كتب للفتاة الجامعيه, وهذه القصه هي كتاب في هذه المجموعة بعنوان: قصة فتاة جامعية)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
يارب العالمين ياهادي الظالين أهدي بنات المسلمين وردهم إليك ردا جميلا واحفظهن من التبرج والسفور والظلال واحفظهن من صائدي الأعراض انك سميع مجيب....
*وأخيرا وليس آخراً لاتنسونا من صالح دعواتكم يا اخواني الأفاضل أعضاء مجموعة الهدى...
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين ..وبعد:
كان حلماَ أن تطأ قدماي أعتاب الجامعة.. كنت أتمنى تلك اللحظة التي أصبح فيها فتاة جامعية..
لأتمتع بهذا القدر الكبيرمن الاحترام الذي تحظى به فتاة الجامعة..
كان تديني ناقصا وتهاوني بالصلاة وغيرها من العبادات أمراَ عادياَ .. ومع ذلك فقد كنت راضية عن هذا القدر الضئيل من التدين ..
كنت أنظر ألى المتدينين نظرة دونية .. وأراهم أناسا رجعيين ومتأخرين .. ولذلك فأنهم يقفون موقف الرفض لكل ماهو جديد عصري ..
كنت أتشبث بالاَراء المتساهله التي أسمعها عرضا من شيوخ الفضائيات .. وأجعلها حجة لي فيما أنا عليه من خطأ أو منكر..
لقد سئمت منظومة الأوامر والنواهي التي كانت تقيدنا في المدرسة.. كنت أطمع في المزيد من الحرية والانطلاق..
في الجامعة سوف ألبس ما أشاء.. وأفعل ما أشاء.. لقد ضقت ذرعاَ بنصائح المدرسات وتحكماتهن
..لا تضعي العباءة على كتفيك.. لا تلبسي هذا النوع من العباءات.. إياك ولبس القصير.. أزيلي هذا الماكياج من وجهك..
على الإنسان أن يصبر حتى يصل إلى أهدافه.. نعم سأصبر.
كنت أذاكر كثيراَ وأنتظر اليوم الذي أتخلص فيه من هذه القيود.. أريد أن أصبح فتاة لها رأيها الخاص وتفكيرها الشخصي وإرادتها المستقلة..
نجحت في الثانوية.. وكانت درجاتي تؤهلني لدخول الجامعة.. أخيراَ تحقق الحلم الذي تمنيته مراراَ..
أخيراَ سيكون لي رأي ولن أعبأ باَراء الاَخرين..
بدأ العام الدراسي فبدأت أبحث عن صديقات يبادلنني نفس الشعور، ويهشن نفس الهموم التي أعيشها
صديقات يتّسمن باتفتح والعصرية.. ويتطلعن إلى الحرية التي أتطلع إليها..
تعرفت على بعض الصديقات وأقمت علاقة وطيدة .. كانت أحاديثنا تدور حول أمور تافهه تشير إلى تفاهتنا وسطحيتنا.. الموضة والأزياء.. أدوات التجميل ..
القنوات الفضائية .. الأفلام.. المسلسلات .. اَخر أغنيات الفيديو كليب.. الإشاعات.. الغيبة والنميمة ..
السخرية والإستهزاء.. وأمورأخرى كثيرة من هذا النوع ..
في البيت كان والدي مشغولاَ بتجارته.. وإخواني كل في طريقه.. لم أسمع منهم أبداَ كلمة نصح أو همسة عتاب ..
كنت أعيش في عالم اَخر اصطنعته لنفسي..ولا أريد الفكاك منه.. فأنا لا أفعل شيئا خطأ طالما أنه
في محيط الصديقات أو الزميلات ..
في ذات يوم.. بينما كنت أنتظر السائق عند بوابة الجامعة ..
أقبلت نحوي فتاة.. يبدو من شكلها أنها تنتمي إلى نفس الطراز الذي تنتمي إليه أمي وجدتي ..
فلباسها ساتر جداَ ولا يظهر منها شئ .. سلمت علىّ ومدت إليّ يدها المغطاة بالقفاز .. فمدتت لها يدي
ثم سحبتها بسرعة .. قلت لها: كأنك تريدين شيئاَ؟.
قالت: في الحقيقة ياأختاه عباءتك لفتت نظري فأحببت أن أسألك عن موديلها..فانتفشت وقلت لها بثقة:
فرنسي.. إنها أحدث شئ نزل في الأسواق حتى الاَن..
قالت: وهل تظنين أن مصممي هذه العباءة من الفرنسيين وغيرهم سوف يراعون الضوابط الشرعية لحجاب المرأة المسلمة؟
قلت لها: أية ضوابط تقصدين؟
قالت: ألا تعلمين أن للحجاب الشرعي شروطاَ منها:
استيعاب جميع البدن.. وألا يكون زينة في نفسه .. وأن يكون صفيقاَ لايشف.. وأن يكون فضفاضاَ غير ضيق ..وألا يشبه ملابس الرجال.. ولا يشبه ملابس الكافرات.. ولا يكون لباس شهرة .. وعباءتك كما ترين تخالف معظم هذه الشروط الشرعية .. فهي ملئية بالزركشة والزينة ..
وهي ضيقة وشفافة كذالك..
وهي تشبه ملابس الكافرات ..لانها تظهر يديك وساعديك ..
قلت كفى كفى ..يكفي هذا ..انتم دائماً تأخذون الآراء المتشدده.. وهناك من العلماء من رخص في لبس مثل هذه العباءة..
قالت: القضيه يا أختاه ليست في قول فلان أو فلان فالحق لايعرف بالرجال.. وكل يؤخذ منه ويترك إلا رسول الله صى الله عليه وسلم.. وقد قال عليه الصلاة والسلام:(( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد.. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس,ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات لايدخلن الجنه ولايجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) (رواه مسلم)
وقد قال العلماء: إن التي تلبس مثل هذه العباءة التي تلبسينها تعتبر من الصنف الثاني الذي ذكر في هذا الحديث..
وقد قال عليه الصلاة والسلام:((أيما أمرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل)) (رواه ابن ماجه).
وهذا عطرك الجميل قد جذبني نحوك فكيف بالشباب والرجال؟.. أن الحجاب يأختاه عفة وطهارة وصيانة للمرأة من أعين لصوص الأعراض الطامعين فيما لايحل لهم..
الحجاب ياأختاه.. عند ذلك قاطعتها بشدة قائلة: خلاص خلاص.. انتهينا.. سأبحث هذه المسألة فيما بعد.. ثم ابتعدت عنها قليلاًَ..
لم أتأثر كثيراً بهذا الموقف .. فقد عددته من جملة المواقف التي كنت ألاقيها في مدرستي من المدرسات وبعض الطالبات أمثال تلك الفتاة ..
في إحدى جلساتي مع زميلاتي بجوار الكافيتريا .. كنا نتجاذب أحاديثنا المعتادة..
وقد توالت ضحكاتنا عالية.. ومن بالغ جرأتنا أننا وضعنا بجوارنا جهازاَ صغيراً للتسجيل ..
وأدرناه على أغنية صاخبة من أحب الأغنيات إلينا.. ويبدو في هذه المرة أن صوت المسجل
كان عالياً..
جاءت إلينا فتاة .. فألقت علينا السلام.. وطلبت منا تقصير صوت المسجل حتى تستطيع التحدث م
معنا.. فقمنا بتقصير الصوت ..
كانت فتاة جميلة جداً.. ولباسها يشير إلى ذوق رفيع..
ومع ذلك فليس فيه بهرجة أو تبرج.. ولكنه يمتاز بالدقة والجودة والتناسق بين الألوان..
كنت أنتظر حديث تلك الفتاة التي أعجبت بجمالها وملابسها جداً.. فبدأت ـ هي الأخرى تلومنا عن سماع الأغاني.. وتنصحنا بسماع القراًن ةالأشرطة المفيدة ..
تعجبت أن تحدثنا هذه الفتاة الجميلة العصرية عن هذه الأمور.. ولكني اًثرت هذه المرة أن أحتفظ
بهدوئي وأبحث في معلوماتي الدينية القيمة.. فقلت لها: إننا نستمع القراًن أحياناً ولكن هذا لايمنع أن نرفه عن أنفسنا بسماع شئ من الموسيقي والغناء..
قالت: هذا رأيك أنت.. ولا ينبغي أن تفرضي رأيك على الاًخرين.. فنحن نحب القرأن والغناء أيضاً..
قالت: لكي أثبت لكنّ صحة كلامي أريد أن تخبرني أي واحدة منكن: متى اًخر مرة بحثت عن إذاعة القراًن الكريم لتستمع إلى القراَن؟..
فسقط في أيدينا.. ولم تنطق إحدانا ببنت شفة.. ومع ذلك فقد كان صوت الكبر والغرور يتعالى داخلنا.. فقالت لها إحدانا: ليس لك أن تحاسبينا على مانفعل.. ونحن لسنا في كلية شرعية
حتى تأتيننا بهذه النصائح ..
قالت: وهل تعاليم الإسلام خاصة بمنسوبي الكليات الشرعية فقط.. والاًخرون يفعلون مايشاؤون؟
قلت: لا لا.. هي لم تقصد ذلك.. وإنما تقصد أن الغناء ليس محرماً..
وليس هناك دليل على تحريمه..
قالت: بل هناك أدلة كثيرة.. منها قوله تعالى: }ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن
سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً{ ( لقمان :6) قال ابن مسعود رضي الله عنه لهو الحديث هوالغناء .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم(( سيأتي زمان على أمتي يستحلون فيه الحر والحرير
والخمر والمعازف)) ( رواه البخاري) والمعازف هي الموسيقي والغناء..
ولما رأيت زميلاتي أننا لم نستطيع مجاراتها .. قالت إحداهن: اتركن الحديث مع هؤلاء الملتزمات..
ثم توجهت إليها قائلة: لقد قطعت علينا حديثنا.. وأرى أن نصيحتك قد انتهت ..فدعينا الاًن وانصرفي لشأنك..
فقالت: اًسفة لقطع حديثكن.. ولكن لاتنسين كذلك أن هذا العمل مخالف لأنظمة الجامعة..
ثم استأذنت وانصرفت.. لم أكن أحبّ أن تواجه هذه الفتاة الجميلة المنظمة بمثل هذا الأسلوب
الجاف الذي دل على ضعفنا أمام حججها القوية.. كنت أحب أن أظهر عليها في المناقشة واثبت لها رأيي في عدم حرمة الغناء.. ولكن كيف ذلك وهي تستدل بآيات وأحاديث في تحريم الغناء؟! انصرفت الفتاه.. فانطلقت يد احدى صاحباتي لترفع صوت الأغنيه كما كان وتوالت الضحكات مرة أخرى..
وفي أحد الأيام قابلتني هذه الفتاه في الكليه فجاءت وسلمت علي وأرادت ان تعتذر فبادرتها أنا بالاعتذار عما حدث من زميلتي واتضح من خلال الحوار انها تدرس في القسم الذي أدرس فيه.. فتعجبت من ذلك وقلت لها:لقد حسبتك تدرسين في إحدى الكليات الشرعيه..
قالت: ولماذا؟
قلت: لأن ثقافتك الشرعيه يبدو أنها عالية أفلا يؤثر ذلك على مستواك الدراسي؟!
قالت:أبداً فأنا أنظم وقتي وقد زادني التزامي تنظيماً ومعرفة لقيمة الوقت وأهميته.. وبالمناسبه فأنا أجيد الإنجليزيه وعلوم الحاسب الآلي, وهما من اهم الأمور في تخصصنا.. وأقوم بشرح بعض الدروس للطالبات فإذا احتجت شيئاً في ذلك فأنا على أتم الاستعداد.
عند ذلك نظرت إليها بإعجاب وإكبار.. واستصغرت نفسي.. إنها تعطي دروسا في الانجليزيه والحاسب الآلي..ونحن نجلس للضحك وسماع الغناء.. أهذه هي العصريه التي كنت أحلم بها؟!
أحسست أن هذه الفتاه تهتم بي بشكل خاص.. وتريد إقامة علاقة صداقة معي.. ولكن كيف أقيم معها علاقة وهي دائما تتكلم عن الحلال والحرام, وهذا يشعرني بأنني مازلت طالبة المتوسط أو الثانوي..دعك منها فإن هؤلاء متشددون ولايعرفون أن الزمن قد تغير وأن الانسان لابد من أن يواكب عصره الذي يعيش فيه.. كفى عن ترديد هذه الاسطوانه المشروخه.. عصرية.. مدنية.. تقدم.. ورقي.. ماهي مظاهر العصرية التي نعيش فيها سوى بنطال لاصق وتنورة مفتوحه وحذاء رجالي ووجه يشبه وجه البهلوانات.. أما هي فتدرس الانجليزيه وعلوم الحاسب الآلي إنها أكثر مني مدنيه.. وكذلك فهي ملتزمة بتعاليم دينها فقد جمعت بين الحسنيين.. ما هذا الذي أقول؟! هل تأثرت بهذه الفتاه إلى هذه الدرجه؟ أين رأيي المستقل؟ وتفكيري الخاص؟ وحريتي التي كنت أبحث عنها دائماً؟ لا لا ..لابد أن أتخلص من هذه الفتاه حتى لاتعكر علي حياتي..
كنت أتعمد بعد ذلك ألا أراها ولاتراني.. واذا رأيتها من بعيد سلكت طريقا آخر حتى لاتراني.. وظلت علاقتي كما هي بزميلاتي الأخريات.. غير أن صورة هذه الفتاة وثقتها بنفسها وثقافتها العاليه والمتنوعه وعصريتها الواضحه كانت لاتزال ترد على خاطري بين فترة وأخرى..
وحانت ساعة الحقيقه.. فقد مرضت مرضا شديداً أدخلت على إثره المستشفى وبقيت بها فترة طويلة..
كنت قد أشتقت إلى رؤية زميلاتي ..لمعرفة آخر أخبار الكليه والدروس التي فاتتني.. وبعد أسبوع جائتني إحداهن وأخبرتني بإعتذار الأخريات لعدم تمكنهن من الزياره فطلبت منها تصوير المحاضرات التي فاتتني فوعدتني بذلك..
كنت أنتظر تلك المحاضرات بفارغ الصبر ولكن أحدا من زميلاتي لم يأت لزيارتي بعد هذا الطلب!!
مافائدة الصداقه إذا لم يكن لها ثمار وقت الأزمات والشدة؟ أليس الصديق عند الضيق؟! وظللت أنتظر أسبوعاً آخر ولكن دون جدوى.. وبعد يومين.. أخبرت أن هناك فتاة تريد زيارتي.. فحسبت أنها إحدى زميلاتي أتت بالمحاضرات كما طلبت.. فطلبت من الممرضات إدخالها.. فدخلت تلك الفتاة التي ناقشتني في مسألة الحجاب عند باب الجامعة.. فتعجبت من زيارتها.. وكيف عرفت أنني مريضة في المستشفى..فلما خلعت نقابها وجلست بجواري عرفت أنها هي نفس الفتاة التي قدمت لنا النصيحه عند الكافيتريا.. وهي نفس الفتاة التي تدرس معي بنفس القسم.. وهي التي أعجبت بها إعجابا شديدا لجمالها وثقافتها ودقتها في اختيار ملابسها.. وشخصيتها القوية.. كدت لا أصدق أن هذه الفتاة العصرية تجلس أمامي وتلبس هذه العباءة الساترة فقلت لها:أنت أنت؟ قالت نعم.. لقد سألت زميلاتك عنك فأخبرنني عن مرضك فطلبت منهن اسم المستشفى ورقم الغرفة لأقوم بزيارتك فإن في زيارة المريض أجراً كبيراً..
قلت لها:في الحقيقة أنا لا اعرف كيف أشكرك على هذا الشعور النبيل وأريد أن أعتذر لك عن كل ماحصل مني..
قالت: لاعليك المهم أن تخرجي بالسلامه لأن الاختبارات على الابواب ثم أخرجت من حقيبتها مجموعة من الأوراق وقالت لي.. هذه مجموعة المحاضرات التي فاتتك وسوف تجدين في نهاية كل محاضرة ملخصاً لها.. كما انني سوف أقوم بزيارتك- ان شاء الله- بعد أسبوع لموافاتك بالمحاضرات الجديدة.
عند ذلك لم أتمالك نفسي من البكاء وتذكرت شدتي معها وصدي لها عند البوابة وعند الكافيتريا ومع ذلك فهي تعاملني بكل الود والمحبة والشفقه..
وتذكرت كذلك زميلاتي اللاتي بخلن علي بزيارة أو حتى بسؤال عبر الهاتف.. عند ذلك تهاوت كل أفكاري وتصوراتي عن الحرية والتقدم والعصرية..
لقد فهمت الآن أن الحرية ليست في التخلي عن القيم والتنصل للعادات والمبادئ الحميدة..
لقد فهمت الآن أن العصرية ليست في التنكر للدين والأخلاق والتشبث بأفكار وثقافات بعيدة كل البعد عن هويتنا وقيمنا.
لقد فهمت الآن أن الحرية في كبح جماح النفس وعدم الخضوع لرغباتها والاستسلام لنزغاتها.
لقد فهمت الآن أن الحرية في الإحساس بالآخرين ومساعدتهم والتخفيف من معاناتهم وآلامهم..
لقد فهمت الآن أن الإسلام قد كفل للمرأة حريتها وأعطاها من الحقوق مايكفل لها حياة كريمة في ظل تعاليمه الرشيدة.. قلت لها: أعترف الآن بالهزيمة وقد نويت مهذه اللحظة أن أغير حياتي وفق ماشرعه الله تعالى لأكون فتاة طيبة مثلك..
قالت وقد تهلل وجهها بابتسامة مشرقة: يا أختاه! ليس في علاقتنا غالب ومغلوب.. المهم أن نصل جميعا إلى بر الأمان والفوز الحقيقي والسعادة الدائمة..
قلت نعم .. هذا هو المهم..
(منقول من مجموعة كتب للفتاة الجامعيه, وهذه القصه هي كتاب في هذه المجموعة بعنوان: قصة فتاة جامعية)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
يارب العالمين ياهادي الظالين أهدي بنات المسلمين وردهم إليك ردا جميلا واحفظهن من التبرج والسفور والظلال واحفظهن من صائدي الأعراض انك سميع مجيب....
*وأخيرا وليس آخراً لاتنسونا من صالح دعواتكم يا اخواني الأفاضل أعضاء مجموعة الهدى...