المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : << أغلى وأجــــــــلَّ هدية...>> من خواطري


رفيق الخيال
01-08-2007, 08:17 AM
" أغلـــــــــى هديــــــــــــة "
عزمتُ على أن أقدم أغلى وأجل هديه
ورحتُ أسأل كل خبير ذو فكر ودراية ورويه .
ما أثمن ما يمكن أن يقدمه المرء لمحبوبه كهدية؟
فأجابوني :- في مناك منيه ، فتروى ليس منا أيها الصاحب من يهوى المنية!
قلت :- ما كنت لأخشى ، فأجيبوني .أجيبوا إن لي روحاً أبيه.....

***************

فأجابوني :- تروى . كان للأصحاب من قبلك عزم وحميه.
ذهبوا وتلاشوا . لم يعد منهم عتيد ، سُلبوا النفس الزكية.
حسرات ذاقها الصحب ذوي الأصحاب يا هذا ، ولم تحفظ وصية .
قلت :- إن شأناً لهدية يورد الموت ، لشأن عظيم ماله دعوى الروية.
مطلب للنفس وحق لهواها ، أي درب نهجوا ، أي درب سلكوا ثم ما تلك الهدية؟.

***************

فأجابوني :- تلك ورود عطرات زكية . في رياض فاتنات ذات أوراق ندية.
خالدات حسنها الحسن . لا تفنى ، ولا تبلى ، ديمومة الإشراق صبحاً وعشية.
محفوفةٌ بسياج من الصلد ، وضباع ذات أفكاك ، وأنياب قوية.
ومخلوق عجيب الهيئة . مارد ضخم . يتوقد الشر من عينية ، وأشواك صلية.
إنه الموت والهلاك وتعجيل المنية ، فتروى .. تروى أي بنية.

***************

فعزمت ، وودعت هوى النفس ، وقبلت ، وأعظمت التحية.
وتجلدت كأني لم أكن في فراق هو عندي أعظم شأناً من شأن تلك المنية.
قال :- هون . قلت :- أما كنت تدعوني الهدية . قد عزمت مضياً . سأعود ما لذي النفس بقية.
سوف يعلم الكل مقدار هواك ، وتعلم أنك الأثمن والأغلى لدية.
ثم أسرجت خيلي ، وتوشحت سيفي ، وأبلغته مني الوصية.

***************

ومضيت أبحث الأرض التي تعبق بالشذوا ، وتسلب الروح الفتية.
وفي الدرب . حيث البيد القاحلة ، وأصوات الرياح العتية.
إذا بصوت هزيل ينادي . أي بنية ، تحركت يمنة ، ويسرة ، فإذا بشيخ يكاد يهلك ، وعن يمينه طفلة صبية.
قلت :- ما بال الشيخ ، وطفلته . أضياع درب ، وفقدان رعية؟.
فأجاب الشيخ:- ما دعيت من قبلك سالكاً للدرب هذا، وأجابني ، فجزيت الخير ووقيت شر الهدية.

***************

قلت:- الهدية! ، ألديك علم أيها الشيخ بأمر الهدية؟.
قال:- ما سلك الدرب أحد من قبل إلا وتحدث عنها دون أن يصغي إليه.
كلما حدثت أحدهم قال لي :- تنحى إنني عجلٌ ، وصاحب درب طويل ، وما شيءٌ لدية.
فأجيبه :- رحماك . ما أريد شيئاً . إنما شربة ماء ، وكسرة خبز تنقذ الصبية.
فيتولى ذاهباً دون رحمة أو شفقة على طفلتي ، مردداً تنحى ..تنحى عطلتني عن جلب الهدية.

***************

فكرت في أمر هذا الشيخ ، وقدرت ، وقلت في ذاتي . ما بقاءه دون حراك والصبية.
وعزمت أن أعطيه ، ما يكفيه ، وطفلته رغم طول رحلتي ، وحاجتي لما لديه.
فشكرني كثيراً ، ثم أعطاني خرجاً (كيس) صغير ، به مادة أشبه بالمادة الترابية.
قلت ما هذا أيها الشيخ الجليل ، فقال :- ما صادفتك المصاعب أطلقه ،فما يمس عيناً إلا وأغرقت في بحور سرمدية.
شكرت الشيخ ، وانطلقت أشق الدروب ، بعد أن فهمت أيها الأنسب من إشارات الصبية.

***************

وفي ليل ذات يوم ، حيث بدأ الشراب يقل ، والطعام لا يتجاوز راح يديه.
افترشت الأرض ، وذكرت ربي ، ثم أغمضت عينية.
ولم أفق إلا ، وامرأة تقف على رأسي ، تطلب مني لطفلها الرضيع ما تبقى لديه.
خشيت أن أمنعها ، وقلت في ذاتي :- إن من ساق لها الرزق في تلك البقية.
قادر أن يسوق لي الرزق ، وإن كان في ظلمات ، وأعماق خفية.
فأعطيتها ما تبقى من شراب ، وطعام ، وهممت بالانصراف ، فناشدتني الروية.

***************

قلت ما بك أيتها المرأة الطيبة؟ ، وددت لو كان لدى المزيد لوهبتك واجزيت العطية.
قالت :- لست في حاجة ، الخير فيما بذلت ، ولكن خذ هذا ، فربما ينفعك أي بنية.
قلت ما هذا .. فقالت :- بعضٌ عجيب من لقاحات زهرية . ما إن تنثره على جسدك إلا وتختفي عن كل عين ، فتقيك بإذن الله كل أذىً ، وردية.
فشكرتها ، ونظرت لطفلها ، فإذا به مشرقاً ضحوك ، يتأملني تأمل المحب ، ويا لها من نظرة بريئة طفولية.
وكان ما أدهشني فيه أنه أشار بإحدى إصبعيه إليه . يدلني على الطريق . حيث ما أبحث عنه حيث أغلاها هدية.

***************

سرت وكلي أمل في الله كبير على نيل المراد ، وبلغت حيث إقصاء القضية..
وهنا تسمرت إعجاباً ، وما عادت تقوى حراكاً قدميه..
مشهدٌ يكاد لا يصدق . طرق ذات منحنيات ، وصخور وأوتادٌ عتية..
وصدى لفحيح ، وعواء ، وزفراتٌ شديدةُ البأسِ قوية..
ومضيت قدماً ، والخطوات ثكلى . تشكوني ألماً وتنذرني الردية..

***************

لم أعر سمعاً لخطواتي ، وفجاءة إذا بجمعٍ أشهى ما لديه الأصناف البشرية..
ضباعٌ شتى ، متمردةٌ.. عصيةٌ ، ووحشية..
تذكرتُ ما أهداني ذاك العجوز الطيب ، فألقيته ، فإذا بها تبحر في عالم الأحلام الوردية..
وهنا تقدمت ، وفؤادي يكاد يطير خشية دون أن يستأذنني في التحليق سوية..
فإذا بالمارد الضخم وقد توسط مقصد ذاتي ، لزفراته ريح ، وزوابع رملية..

***************

لم أدرك من شدة الموقف أمر ما كان من المرأة الطيبة الطاهرة النقية..
أجل .. تلك المادة العجيبة ، فحملتها ، ونثرتها على جسدي يسبقها أملٌ في رب البرية..
وحينما اقتربت من حارسنا الوحشي ، لم يشعر بأمري ، فتجاوزته دون رويه..
لأشهد ما أثلج قلبي ، وأسعد ذاتي ، وناظريه..
وما أن مددت يدي .إلا وانبلجت تلك الجموع تمنحني فرصة ذهبية..
فقطفت الزهرة الندية ، وعدت سريعاً لأقدمها لأجمل مخلوق على وجه البرية...

***************

وما إن تجاوزت المكان حتى أحسست بعودة ما فقدت لديه..
ولا تسألني كيف كان شعوري . حين استقبلني أخر ما ودع واستودع ناظريه..
فرحٌ وسرورٌ وبهجةٌ وشرودٌ ومعجمٌ من الأبجدية..
تساؤلاتٌ ونظراتٌ وغبطةٌ ووجومٌ وشحوبٌ وتناهيدٌ دجية..
وفضاءٌ من هوى نفسٍ يكاد يغرق ذاتي الحالمةِ النرجسية...

***************

بحثتُ هنا وهُناك .. يقتاتُني الأسى ، وتذبحُني النظرات الشقية..
أين وجودي ، وكياني ، وعلو شأني ، وأغلى ما لديه؟!!...
أما من مجيب يؤنس وحشتي ، وينقضُ مُهجتي ، ويصغي إليه..
أجيبوني .. أكاد أصرع ما شأن روحي ، وغلى مقلتيه..
يتفرق الجمع ويخلوا المكان ، ويبقى مُدركٌ لما كان يخشاه عليه...

****************

نعم أيها الشيخ الجليل .. ما شأن نبضي ، وأنفاسي الطاهرة الزكية؟!..
أنت من سيجيبني .. رُحماك .ما عُدت أقوى على الأمر احتمالاً وروية..
أمكروهٌ أصاب ، وهلاك أباد ، وفناءٌ حل بالروضة البهية؟!..
يرد الشيخ الجليل:- لهان الأمر عليك ، وعليَّ أي بنيه..
ماذا أيها الشيخ الجليل :- لهان الأمر !!، أترى فيما ذكرتُ هواناً عليه...

****************

ما الأمر إذاً؟! لقد أذكيت ، وأثريت لهيباً عاصفاً يجتاحُ أعماقي الخفية..
يردُ الشيخ الجليل :- هون عليك هون .. أتبصر تلك الصبية..
نعم .. أيها الشيخ الجليل . ما أشبهها بغالي لدية..
تلك الصبية .. نتاجُ قلة صبر ، وانعدامُ وفاءٍ ، ورحيلٌ للإنسانية..
أدركتُ الأمر أيها الشيخ ..أدركتُ الأمر ، يا لي ما آلت إليه ، وآل إليه....

*****************

ما أسعد من هلك ، وما عاد ليجرع ألف موتٍ ومنيه..
ما أسعد من هلك ، وما عاد ليجرع ألف موتٍ ومنيه..
ولم أدرك الأمر إلا وأنا بين أحضان لها الطُهر والنقاءُ والحُسن سجية..
القلبُ أمي تنوحُ باكيةً أشهدها تارةً ، وتارة تشهدني ، فمغشيٍ ، ومغشية..
تشكو عدم حراكي ، وموت جسدي إلا من يدِ اليمنى حيثُ بقايا لأشلاء أغلى هدية...

************************

<< أبووسام >>

10 / 11 / 1427هـ

*********

مليسا
12-08-2007, 04:09 AM
رفيق الخيال

خاطرة رائعة وشعور غريب ،

فيه روعة فيه إبداع .

ماننحرم

مليـ نبض القلوب ـسا

رفيق الخيال
15-08-2007, 05:09 AM
مليسا..

ربيع ٌ بين الفصول ، وبَردٌ حين الهطول..
فمرحباً بقامة الأدب ، وخدن البلاغة..
لا عدمناكِ وطيب الحضور وسنا المرور ..
وافر شكري ، وعظيم تقديري ، وأجلَّ مودتي..

شوق الغلا
17-08-2007, 12:53 AM
عزيزي ..

قرأت حروفك ثم ذهبت ..

فاجبرتني حروفك على العودة بقوه ..

كُل حرف من الحروف دُرر..

لا اعلم اقف عند كُل حرف..

أم احملها معي اينما ذهبت ..

دمت لنا يالغلا..

رفيق الخيال
24-08-2007, 09:34 PM
ندا الورود // شوق الغلا..

بورك فيك ، ونفح فيك..

خيالٌ جامح ، ونفسٌ عبق ، وبيانٌ ساحرٌ ماله حدودٌ أو مدا..

خبأت كلماتك في أعماق قلبي ، وحقٌ مشروع لي إقتناء الجميل النادر ، ما وهب لذاتي..

مودتي ، وعظيم تقديري...