سيرين بركات
30-10-2007, 02:37 PM
http://hajisqssu.jeeran.com/v25.gif
من خلاله يمكن أن نفهم بشكل أفضل العصر الذي نعيش فيه
الطعام مصطلح يتعدى ما نضع في أفواهنا
http://www.alriyadh.com/2007/10/30/img/301056.jpg
القهوة
أ. د. رشود بن عبدالله الشقراوي
الشعور بفقدان الحيلة أمام العجز عن الاحتفاظ بالتراث التغذوي لأمة من الأمم مشكلة عالمية وليست محلية. فقد نشرت مجلة التايمز Times في عددها الخاص بصيف 2007م مقالاً بعنوان "شركات الأطعمة التي تربطنا جميعاً The Food Chains that Link Us All". يتحدث عن هذه المشكلة.
والمقال يؤكد أن الكتابة عن الأطعمة كأطعمة فقط لم يعد يفي بالمطلوب، فالطعام مصطلح يتعدى ما نضع في أفواهنا بكثير، فهو يعتبر مرآة من مرايا تقلبات الاقتصاد العالمي، كما يعكس الأنماط المتغيرة للتجارة والتحالفات الاقتصادية السياسية، ويحدد قيم الناس وأوضاعهم في مجتمعاتهم وكذلك صحتهم. والمقولة السابقة التي مفادها: "قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت" يجب أن توسع لتشمل: "قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت وأين تعيش وما موقفك من القضايا السياسية ومن هم جيرانك وكيف يعمل اقتصادك وما تاريخ بلدك وعلاقاته الخارجية وحال البيئة فيه". فمن خلال الطعام يمكن أن نفهم بشكل أفضل العصر الذي نعيش فيه.
في الماضي، يقول المقال، كانت الأطعمة محدودة بنطاق مناطق جغرافية صغيرة حددتها المواد التي تنتجها المنطقة وتراث تلك المنطقة. فعندما تقوم الحروب تتغير الأطعمة، فقد دخل قصب السكر إلى أوروبا مع العرب،
ودخل الصينيون اليابان فدخل فول الصويا إلى غذاء اليابانيين. كما تركت الهجرات أثرها أيضاً، فعندما هاجر اليهود من البرتغال إلى جنوب غرب فرنسا جاءوا بالشكولاتة معهم، وجلب الأفارقة الذين هُجِّروا كعبيد الباميا والقلي إلى جزر البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية. ويبدو أنه كلما تزوج أحد الملوك الفرنسيين بأميرة غير فرنسية دخل المطبخ الفرنسي معها عدد من المكونات والوصفات الغريبة على الفرنسيين.
أما اليوم فقد أصبحت الأطعمة سلع عالمية، والدليل ظهور شركات الأطعمة (السريعة) في كل ركن من المعمورة، وسرعة انتقال المكونات الغريبة للأطعمة عبر الحدود والمحيطات. ولذلك ندر أن نجد اليوم مطبخاً لم يتأثر بمكونات دخلت عليه من مطبخ آخر، فمنذ القرن التاسع عشر بدأ التسارع في امتزاج تراث الأطعمة الشعبية بتطور وسائل الاتصال وسرعتها. أما اليوم فتجارة الأطعمة سريعة وعالمية،
ولم تعد الأطعمة تعكس المصدر الذي تأتي منه ولا الحقبة التي أنتج فيها. لم يعد بمقدور الإنسان أن يعرف من الطعام الذي يتناوله المكان الذي هو فيه ولا الوقت من السنة الذي يمر به. فعلى مدار السنة تعبر مطارات العالم وموانئه خضراوات وفواكه وأسماك طازجة من أقصى المعمورة إلى أقصاها. وأصبحت خيارات ما يوضع في الفم غير محدودة أكثر من أي وقت مضى. ولكن كل هذا على حساب طمس هوية الشعوب.
وعلى الرغم من كل هذا التطور لم تؤدِ العولمة في مجال انتشار الأطعمة إلى المساواة. وظلت الأطعمة مرتبطة بالمراتب الاجتماعية، فالفقراء يأكلون غالباً النشويات والدهون بينما البروتينات حكر على الأغنياء، وهو أمر يمكن ملاحظته حتى في الفرق بين وجبات الدرجة الأولى والسياحية في الرحلات الجوية! كما لم تؤدِ العولمة إلى استمرار رواج التصنيع الغذائي فهناك عودة قوية للخضراوات والفواكه العضوية واللحوم والدواجن التي تربى في مراعي ومزارع مفتوحة. وبالمقابل دخلت التقنية الحديثة مجال الأطعمة فانتشرت الأطعمة المعدلة وراثياً، وابتدأ مع ذلك صراع قوي ضدها لما تسببه من تغيير في بنية الأطعمة.
وباختصار ينتهي المقال إلى القول أن أي تغيير في توفر الأطعمة أو ندرتها أو في تقنية زراعتها يسبب تغييراً في المجتمع، فقد كنا ولا نزال نمثل ما نأكله.
وفي ضوء هذا كله لا زلت أنتظر التأثير (الذي أجزم أن يكون جزء منه على الأقل إيجابياً) لغلاء أسعار الأرز في بلادنا، حيث أرجو أن يخف استهلاك الناس للأرز ويتجهون إلى الحبوب التي كان استهلاكها سائداً في بلادنا قبل عصور الاستيراد. كان الناس يأكلون القمح الكامل والدخن والذرة الصفراء والذرة البيضاء، وهي حبوب أفضل في القيمة الغذائية من الأرز الذي يأتينا مقشوراً قد ذهبت معظم فوائده الغذائية.
http://hajisqssu.jeeran.com/v25.gif
من خلاله يمكن أن نفهم بشكل أفضل العصر الذي نعيش فيه
الطعام مصطلح يتعدى ما نضع في أفواهنا
http://www.alriyadh.com/2007/10/30/img/301056.jpg
القهوة
أ. د. رشود بن عبدالله الشقراوي
الشعور بفقدان الحيلة أمام العجز عن الاحتفاظ بالتراث التغذوي لأمة من الأمم مشكلة عالمية وليست محلية. فقد نشرت مجلة التايمز Times في عددها الخاص بصيف 2007م مقالاً بعنوان "شركات الأطعمة التي تربطنا جميعاً The Food Chains that Link Us All". يتحدث عن هذه المشكلة.
والمقال يؤكد أن الكتابة عن الأطعمة كأطعمة فقط لم يعد يفي بالمطلوب، فالطعام مصطلح يتعدى ما نضع في أفواهنا بكثير، فهو يعتبر مرآة من مرايا تقلبات الاقتصاد العالمي، كما يعكس الأنماط المتغيرة للتجارة والتحالفات الاقتصادية السياسية، ويحدد قيم الناس وأوضاعهم في مجتمعاتهم وكذلك صحتهم. والمقولة السابقة التي مفادها: "قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت" يجب أن توسع لتشمل: "قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت وأين تعيش وما موقفك من القضايا السياسية ومن هم جيرانك وكيف يعمل اقتصادك وما تاريخ بلدك وعلاقاته الخارجية وحال البيئة فيه". فمن خلال الطعام يمكن أن نفهم بشكل أفضل العصر الذي نعيش فيه.
في الماضي، يقول المقال، كانت الأطعمة محدودة بنطاق مناطق جغرافية صغيرة حددتها المواد التي تنتجها المنطقة وتراث تلك المنطقة. فعندما تقوم الحروب تتغير الأطعمة، فقد دخل قصب السكر إلى أوروبا مع العرب،
ودخل الصينيون اليابان فدخل فول الصويا إلى غذاء اليابانيين. كما تركت الهجرات أثرها أيضاً، فعندما هاجر اليهود من البرتغال إلى جنوب غرب فرنسا جاءوا بالشكولاتة معهم، وجلب الأفارقة الذين هُجِّروا كعبيد الباميا والقلي إلى جزر البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية. ويبدو أنه كلما تزوج أحد الملوك الفرنسيين بأميرة غير فرنسية دخل المطبخ الفرنسي معها عدد من المكونات والوصفات الغريبة على الفرنسيين.
أما اليوم فقد أصبحت الأطعمة سلع عالمية، والدليل ظهور شركات الأطعمة (السريعة) في كل ركن من المعمورة، وسرعة انتقال المكونات الغريبة للأطعمة عبر الحدود والمحيطات. ولذلك ندر أن نجد اليوم مطبخاً لم يتأثر بمكونات دخلت عليه من مطبخ آخر، فمنذ القرن التاسع عشر بدأ التسارع في امتزاج تراث الأطعمة الشعبية بتطور وسائل الاتصال وسرعتها. أما اليوم فتجارة الأطعمة سريعة وعالمية،
ولم تعد الأطعمة تعكس المصدر الذي تأتي منه ولا الحقبة التي أنتج فيها. لم يعد بمقدور الإنسان أن يعرف من الطعام الذي يتناوله المكان الذي هو فيه ولا الوقت من السنة الذي يمر به. فعلى مدار السنة تعبر مطارات العالم وموانئه خضراوات وفواكه وأسماك طازجة من أقصى المعمورة إلى أقصاها. وأصبحت خيارات ما يوضع في الفم غير محدودة أكثر من أي وقت مضى. ولكن كل هذا على حساب طمس هوية الشعوب.
وعلى الرغم من كل هذا التطور لم تؤدِ العولمة في مجال انتشار الأطعمة إلى المساواة. وظلت الأطعمة مرتبطة بالمراتب الاجتماعية، فالفقراء يأكلون غالباً النشويات والدهون بينما البروتينات حكر على الأغنياء، وهو أمر يمكن ملاحظته حتى في الفرق بين وجبات الدرجة الأولى والسياحية في الرحلات الجوية! كما لم تؤدِ العولمة إلى استمرار رواج التصنيع الغذائي فهناك عودة قوية للخضراوات والفواكه العضوية واللحوم والدواجن التي تربى في مراعي ومزارع مفتوحة. وبالمقابل دخلت التقنية الحديثة مجال الأطعمة فانتشرت الأطعمة المعدلة وراثياً، وابتدأ مع ذلك صراع قوي ضدها لما تسببه من تغيير في بنية الأطعمة.
وباختصار ينتهي المقال إلى القول أن أي تغيير في توفر الأطعمة أو ندرتها أو في تقنية زراعتها يسبب تغييراً في المجتمع، فقد كنا ولا نزال نمثل ما نأكله.
وفي ضوء هذا كله لا زلت أنتظر التأثير (الذي أجزم أن يكون جزء منه على الأقل إيجابياً) لغلاء أسعار الأرز في بلادنا، حيث أرجو أن يخف استهلاك الناس للأرز ويتجهون إلى الحبوب التي كان استهلاكها سائداً في بلادنا قبل عصور الاستيراد. كان الناس يأكلون القمح الكامل والدخن والذرة الصفراء والذرة البيضاء، وهي حبوب أفضل في القيمة الغذائية من الأرز الذي يأتينا مقشوراً قد ذهبت معظم فوائده الغذائية.
http://hajisqssu.jeeran.com/v25.gif