المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " الغروب .. " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )


فيصل الزوايدي
13-06-2008, 01:22 AM
الغـــروب ..

أَنا مَن هَدَّه الشوقُ إليَّ ، و أَخَذَه الـهمُّ بعيدًا بعيدًا عَني .. و أَلزَمَني زَمَني ما لا أُطيق ..
فَلَيْتَ أَنسى .. وكيفَ أنسى وذا فَحيحُ ذِكرى أَطلَقَت سُـمومَها فـي دِمائي فَلا تُـجدي مَعَها الأمصالُ و إِنْ جَرَّبتُها ..و ذا هُم أَحِبَّةٌ صَدَقوا ولَكِن رَحَلوا ، بِالـمَوتِ اعتَذَروا ، و ما تُـجدي ، عِنْدَ الرحيلِ ، الـمعاذيرُ..أُفيقُ و تُفيقُ مَعي الذكرى موجِعَةً كالقَهرِ أَو كَالـمَوتِ نَفسِهِ ، أَحسِرُ عَنـي لِـحافًا بَسيطًا كانَ ليُطرُدَ البردَ و الـخوفَ عنّي .. أسيرُ نَـحوَ الـمِرآةِ فلا أرى إلا وَجهَهُ بِفَيْضِ ابتِسامَتِهِ الغامِرَةِ و الشيبِ الذي جَلَّلَهُ وَقارًا .. كانت الشعراتُ البيضاءُ بَيارِقَ الرحيلِ يَومَ اِلتَمَعَت فـي رأسِهِ تُؤذِنُ بِوَداعٍ مَـحتومٍ .. أجابَنا لا أَدري جادًّا أَمْ عابِثًا يَوْمَ سَأَلْناهُ عَن ذَلِكَ اللونِ الـجديدِ : هِيَ الشمسُ لا تَـمَلُّ شُروقًا و غُروبًا .. كَم أَشرَقَت و كَم غَرُبَت .. أَنْتَزِعُني مِن أَمامِ الـمِرآةِ فَقَد وَمَضَ بَريقٌ فـي عَينيَّ .. أَسيرُ وَجِلا إلـى الـمغسَلِ فأَغسِلُ وَجهي عَجٍلا ، مُتَجَنِّبًا النظَرَ إلى الـمِرآةِ الـمُواجِهَةِ خِشيَةَ أَنْ أَجِدَهُ قبالتي لَكِن يَدي تَـجَمَّدَت على مِقبَضِ الـحَنَفِيَّةِ ، فَقَد كانَت يَدُهُ الـمَعروقَةُ هِيَ التي تُـحكِمُ إِغلاقَ الـمِقبَضَ بِـحِرصِهِ الشديدِ على الـماءِ ، أَقتَلِعُني بِعُنفٍ و أَتَـحَرَّكُ مُتَعَثِّرًا أو مُتَبَعثِرًا.. أُغادِرُ الـمَكانَ و أُسرِعُ إلى غُرفَتـي و لَكن يَبدو أَنَّني قَد تُـهتُ إِذْ وَجدتُني فِي غُرفَتِهِ هُوَ .. كانَت رائِحته الـمُمَيَّزَةُ ما تَزالُ عَطِرَةً في الـمَكانِ .. هذا مَضجَعُهُ و تِلكَ ثِيابُهُ وذاكَ مَكتَبُهُ .. ما زالَ دفتَرُهُ مَفتوحًا على الطاولةِ ،كما تركَهُ في تلك الليلةِ فَقَد كانَ يُسَجِّلُ كل يوم أحداثَ يَومِهِ.. ترددت في مسامعي شَكواه الدَّائمَةَ مِن الزمَنِ .. ما لـي مِنْ عَدُوٍّ غيره .. قالَ هذا لـي يومًا وقد كان يُرَدِّدُهُ دَوْمًا .. أَقرَأُ فـي الصفحةِ الـمفتوحةِ أَمامي :" إِنَّـما تقتُلُنا الـحَسرَةُ .. وما جَدوى أَنْ تُسجِّلَ هزيـمَتَكَ ؟" لا أَجرُؤُ على قولِ أي كلامٍ .. تَـمامًا مِثلَ ذلكَ اليومِ .. إِذَا يَهوي الأحبَّةُ إلى الترابِ فَما كَلامٌ يُسلّيني .. أُحاوِلُ الهربَ مِنَ الـحسرَةِ خِشيَةَ أَنْ يَـمضي الوقتُ ، لا أَبـحَثُ عَن ساعَةٍ و لا أحاولُ البَحثَ عَنها فانأ اعلم أنني لن أجد واحدة .. قَد كانَ يَكرَهُ الساعاتِ بُغضًا ، يَكرَهُ حَرَكَتها لا تَتَوَقَّفُ ولا تستَريحُ و لا تَعودُ مَرَّةً .. يَكرَهُ اِستِنـزافَها الـمريرَ لِلعُمرِ .. تَزيدُ لِيَنقُصَ ، هَكذا تَقولُ الأحجِيَةُ .. هل اِعتَقَدْتَ يَومًا أَنْ تَكونَ حَياتُكَ أُحجِيَةً ساذجَةً يَرويها الصبيانُ بِتَفَاخُرٍ ؟؟؟
أُحاوِلُ الفكاكَ مِن هذه الـمتاهةِ فَأُغادِرُ الـمكانَ نَـحوَ آخر .. إِذَا كانَ الزمانُ يَأْبـى الثبات فالأماكِنُ تَأبـى الـحَرَكَةَ .. أَسيرُ نَـحوَ غرفةِ نَومي مـرةً أخرى و أَنا أَتَوقَّعُ أَن أَجِدَها فـي مَكانِـها ، لا أَدري كَيفَ وَجدتُ نفسي في غُرفَةِ الـجلوسِ أُجيلُ البَصَرَ في أَشيائِها الـمُبَعثَرَةِ كأَحاسيسي ،الـمُشوَّشَةِ كَأََفكاري .. على صَدرِ الـحائطِ لَوحةٌ كبيرةٌ مَارَسَ الزمنُ نزواتِهِ العجيبةَ على إِطارِها الـمُذَهَّبِ فَأَحالَهُ باهِتًا .. كانتِ اللوحةُ صورةَ الفَقيدِ .. الـجاذبيةُ عنيفةٌ اِقتادَتْنـي إلـى تَأَمُّلِها بِشَغَفٍ كأنـي لا أَعرِفُ صاحبَها ..
أَقِفُ أمامَ صورَتِهِ و لَكِنّـي أَنظُرُ إليه بِإِشفاقٍ وَ حَسرَةٍ كَأَنـي أَعرِفُهُ .. أَتَأَمَّلُ عَيْنَيْهِ العَميقَتَيْنِ بِتِلكَ النظرَةِ الغائِمَةِ ... أَنظُر في الصورَةِ طَويلا و أَرحَلُ بَعيدًا بَعيدًا عَنّـي، إذ أَنسى العالـمَ مِن حَولـي و أَنسى كثيرًا مـما ظَنَنْتُ أَنـي لا أَنساه ..و لكننـي أعودُ بَغتَةً لأُفيقَ فَإذا بـالصورةِ لَـم تَكُن إلا صورَتـي أَنـا ..

فيصــــل الــــــزوايــــدي

!!" الـ غ ـلآ "!!
13-06-2008, 03:04 AM
رائعة جداً جداً


لكــن وجودك أروع منها بـ كثير !


شكراً لك أخي



لآ عدمنـا وجودك

:101:

ابتسـ ألم ـامة
13-06-2008, 08:38 PM
http://www.alraidiah.net/up/ar/alm1.gif


:101: هلا وغلا :101:




اسلوب رائع في طرح الواقع



صورة معكوسة



بدأت بالنهاية المكتوبة على كل إنسان




أبدعت وتميزت




يعطيك العافية





دمتم بحفظ الباري

:101: وعلى الخير بإذن الله نلتقي :101:

http://www.alraidiah.net/up/ar/alm2.gif
كلمــات مـن ذهـب
نصيحة

قال الشعبي لأصحابه
لاتقدموا على أمر تخافون أن تقصروا دونه
ولا تعدوا أحداً عدة لا تستطيعون إنجازها
ولا تحدثوا من الناس من تخافون تكذيبه
ولاتسألوا أحداً تخافون منعه

الجوووري
16-06-2008, 02:09 AM
هلا وغلا


‘ـ قصة رائعة ـ‘


كاتب مميز

شكراً لك


:101:

أبو رائد
16-06-2008, 03:21 PM
فيصل الزوايدي

تسلم والله على هذه القصة

والله يعطيك العافية على الطرح الرائع

فتى الرائدية
23-06-2008, 01:00 AM
مشكووووووووووووووور ع القصة

طليفيح
23-06-2008, 06:20 AM
الله يعطيك العافيه

على القصه الرئعه

فيصل الزوايدي
23-06-2008, 02:01 PM
رائعة جداً جداً


لكــن وجودك أروع منها بـ كثير !


شكراً لك أخي



لآ عدمنـا وجودك

:101:

أخت الغلا أسعدني رأيك في القصة و اسعدتني ايضا مشاعرك العفوية الراقية فشكرا لرقيّك
دمت في الخير
مع الود

فيصل الزوايدي
23-06-2008, 02:04 PM
http://www.alraidiah.net/up/ar/alm1.gif


:101: هلا وغلا :101:




اسلوب رائع في طرح الواقع



صورة معكوسة



بدأت بالنهاية المكتوبة على كل إنسان




أبدعت وتميزت




يعطيك العافية





دمتم بحفظ الباري

:101: وعلى الخير بإذن الله نلتقي :101:

http://www.alraidiah.net/up/ar/alm2.gif
كلمــات مـن ذهـب
نصيحة

قال الشعبي لأصحابه
لاتقدموا على أمر تخافون أن تقصروا دونه
ولا تعدوا أحداً عدة لا تستطيعون إنجازها
ولا تحدثوا من الناس من تخافون تكذيبه
ولاتسألوا أحداً تخافون منعه


أخت ابتسـ ألم ـامة أعتز برأيك في القصة و تفاعلك الراقي معها و انا ممتن لدعمك الباذخ و لمشاعرك العفوية
دمت في الخير
مع الود

فيصل الزوايدي
23-06-2008, 02:05 PM
هلا وغلا


‘ـ قصة رائعة ـ‘


كاتب مميز

شكراً لك


:101:

أخت الجوووري أعتز برأيك كثيرا و يسعدني اعجابك بكتابتي
دمت في الخير
مع الود

فيصل الزوايدي
23-06-2008, 02:07 PM
فيصل الزوايدي

تسلم والله على هذه القصة

والله يعطيك العافية على الطرح الرائع

أخي أبو رائد شكرا للتفاعل الراقي و للدعم الاخوي الباذخ
دمت في الخير
مع الود

فيصل الزوايدي
23-06-2008, 02:10 PM
مشكووووووووووووووور ع القصة

أخي فتى النهضه أسعدني مرورك و تفاعلك
دمت في الخير
مع الود

فيصل الزوايدي
23-06-2008, 02:13 PM
الله يعطيك العافيه

على القصه الرئعه

الاخ طليفيح أسعدني تفاعلك و اعجابك بالقصة و انا ممتن لثنائك
دمت في الخير
مع الود