مســاعد
09-04-2004, 07:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
فلقد فُجع كل مسلم غيور ، واقشعر جلدُه ، وأحزَنَ قلبه ، ما تناقلته وسائل الإعلام من أحداث تفجيرات أليمة تحدث في البلدان الإسلامية ، بالأمس في الرباط وقبلها في الرياض ، وما هذه إلا أعمال إجرامية بشعة لا تدل إلا على جهل في الدين وبُعد عن منهج سلف الأمة الربانيين .
وسأغض الطرف – بسبب ضيق المكان وقطع الطريق على رؤساء الجهل والضلالة – عن الحديث عن أحكام معاملة أهل الذمة ، وقتل المستضعفين والمستأمنين ، ووجوب طاعة أولي الأمر وحرمة الخروج عليهم ، وسأكتفي بالحديث عما هو أعظم ألا وهو : " قتل المسلم " .
لقد كرم الله تعالى عباده المؤمنين ، ورفع شأنهم ، وحرم دماءهم فقال عز وجل : (( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً )) [ النساء : 93 ] .
فقد جعل الله عقوبة قاتل المؤمن في هذه الآية الخلود في النار ، وغضب الجبار ، و اللعنة والعذاب العظيم . فأي هذه هانت على أولئك حتى يقترفوا هذه الجرائم البشعة .
قال ابن كثير رحمه الله : " هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله ".
فإذا كان هذا جزاء من قتل مسلماً واحداً فكيف يكون جزاء من قتل عشرات المسلمين ؟! وما ذنب أولئك المقتولين ؟! أذنبهم أنهم كانوا حراساً أو موظفين أو مارّين أو قاطنين ؟!
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتَل ، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتل " .
وأين أولئك من وصية النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين في حجة الوداع وهو يقول : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ، فأعادها مرارا ، ثم رفع رأسه فقال : اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت " قال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب . رواه البخاري
فهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما ما يفعله أولئك ، فهل هو من الذلة على المؤمنين ؟ أقتل المؤمن أهون من قتل الذباب ؟ لا والله فالمؤمن أعز من ذلك وأغلى ، ودمه أثمن من ذلك وأعلى .
قال عليه الصلاة والسلام : " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم " ( رواه النسائي وصححه الألباني رحمه الله ) فهذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ينبؤنا بأن زوال الدنيا بأموالها وأهلها وكنوزها ... الخ أهون عند الله تعالى من قتل المسلم .
ورحم الله ابن عمر القائل : " لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من قتل المسلم " .
فوالله لو قتل أولئك ألف ألف كافر لما شفع لهم ذلك في جواز قتل المسلم ، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " ( رواه النسائي وصححه الألباني ) فكيف بمن يصوب سلاحه إلى أخيه المسلم الآمن الغافل !!
قال عليه الصلاة والسلام : " لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبهم الله جميعاً على وجوههم في النار " ( رواه الطبراني في المعجم الصغير وصححه الألباني في صحيح الترغيب ) .
وانظر أخي إلى هذه اللفتة العظيمة في قوله تعالى : (( ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئا )) [ النساء : 92 ] .
فالمؤمن الذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، واستشعر قلبه الإيمان ، ورضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ، لا يُقدم على قتل أخيه المسلم وإن فعل ذلك فإنما يكون من قبيل الخطأ .
روى مسلم في صحيحه عن أسامة رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحُرَقات من جهينة فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقال لا إله إلا الله وقتلته "! قال : قلت يا رسول الله ، إنما قالها خوفا من السلاح ، قال : " أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟ " وفي رواية : " يا أسامة كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة".
وبوب ابن حبان رحمه الله تعالى على هذا الحديث فقال : باب الزجر عن قتل المسلم الحربي إذا قال لا إله إلا الله .
ألم يطرق هذا الحديث مسامع أولئك ؟ ألم يرقق قلوبهم ؟ أم أنهم يعلمون ماذا سيفعلون بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ ألم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم قول لا إله إلا الله عاصماً للناس في دمائهم وأموالهم بقوله : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " ( قال الشيخ ناصر في السلسلة : حديث متواتر ) .
فقول لا إله إلا الله تعصم المسلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعصمه عند أولئك ، وكيف لا والفرق بين الرحمة والجريمة شاسع .
قال عليه الصلاة والسلام : " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء " متفق عليه .
واعلم أخي أن قتل المسلم من كبائر الذنوب قال عليه الصلاة والسلام : " اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق " متفق عليه.
والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، فالمسلم لا يضحي بأخيه بل يضحي لأجله ، ولا يتخلى عنه بل يكون في حاجته .
ألا يخشى أولئك سؤال الله عز وجل يوم القيامة ليس بينهم وبينه حجاب يحجبهم ولا ترجمان يترجم لهم : ما الذي حملك على قتل أخيك المسلم ؟
أي جواب سيشفع لأولئك عند الله عز وجل ؟ روى ابن ماجه في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : لما رَجَعَتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرةُ البحر قال : " ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟" قال فتية منهم : بلى يا رسول الله . بينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء ، فمرت بفتى منهم ، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها ، فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي ، وجمع الأولين والآخرين ، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون ، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا . قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدقت صدقت كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم " ( حسنه الألباني ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : " يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دما، فيقول: يا رب ! سل هذا فيم قتلني ؟ حتى يدنيه من العرش " ( صحيح الجامع ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً " ( صحيح الترغيب ) .
ولهذه النصوص ولآية سورة النساء كان ابن عباس يرى أن لا توبة لقاتل المؤمن عمداً .
ففي البخاري عن ابن جبير قال : اختلف فيها أهل الكوفة . فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها . فقال : نزلت هذه الآية : (( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم )) .
وهي آخر ما نزل وما نسخها شيء . وسئل ابن عباس عمن قتل مؤمنا متعمدا ثم تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى قال : ويحه وأنى له الهدى سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : " يجيء القاتل والمقتول يوم القيامة متعلق برأس صاحبه يقول : رب سل هذا لم قتلني ؟ "والله لقد أنزلها الله عز وجل على نبيكم ثم ما نسخها بعدما أنزلها . ( صحيح ابن ماجه ) .
وانظر أخي إلى أولئك الذين يتبعون سنن الخوارج في القتل وسفك الدماء وتكفير الناس ، هل فيهم علماء ؟! هل فيهم طلاب علم ؟! هل فيهم من شهد له العلماء بالفضل والعلم ؟! هل فيهم من أثنى عليه العلماء خيراً ؟!
ورحم الله ابن عباس رحمة واسعة ، لما بعثه علي - رضي الله عنه - لمحاججة الخوارج قالوا له : ما الذي جاء بك يا ابن عباس ؟ فقال : جئتكم من عند أصحاب رسول الله ، وليس فيكم منهم أحد ، ومن عند ابن عم رسول الله وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله .
فنحن نحمد الله تعالى ونعتز ونفتخر أننا تلاميذ شيوخ الإسلام في هذا القرن وسائرون على منهجهم السلفي ، فرحم الله شيوخنا وأئمتنا ابن باز والألباني وابن عثيمين ... رحمة واسعة طيبة ، وليس فيكم منهم أحد ، ولا أثنى واحد منهم عليكم خيراً .
وأخيراً :
فهذه دعوة إيمانية جادة ، من قلب ناصح مشفق ، لامس نطفاً من العلم الصافي القائم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وفهم السلف الصالح .
إلى أولئك الذين يظنون أن مثل هذه الجرائم تزيد الإسلام قوة ورفعة وعزة ، أن يتقوا الله عز وجل ، فوالله إن هذه الجرائم لمن أكبر الكبائر ، وما هي من الجهاد في شيء ، إنما هي حماقات يفرح بها الشيطان ، ويصفق لها الغلمان ، ولا تزيد الناس إلا بعداً عن الإسلام .
فتوبة إلى الله عز وجل صادقة من مثل هذه الأعمال ، قال تعالى : " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا )) [ الفرقان : 68 – 71 ].
ولكم في الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً أسوة في التوبة والاستغفار .
قال تعالى واصفا عباده المؤمنين الذين يحبهم ويحبونه : (( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )) .
" يعني أنهم يعاملون المؤمنين بالذلة واللين وخفض الجناح ويعاملون الكافرين بالعزة والشدة عليهم والغلظة لهم " .
فكيف تستوي معاملة المسلمين بمعاملة الكافرين ؟! وقال تعالى واصفاً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أشداء على الكفار رحماء بينهم )) وما يحدث من سفك دماء المسلمين ليس من الرحمة في شيء البته .
اللهم سلّم بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومهبط الوحي ، وبلد التوحيد وأرض العقيدة الصافية ، ومنبع العلم والعلماء .
اللهم احفظ جزيرة العرب من كل مكروه ، وبارك اللهم في علمائها ودعاتها ، وسلمها من أطماع الكافرين وحقد الحاقدين وعبث المفسدين . اللهم آمين .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
فلقد فُجع كل مسلم غيور ، واقشعر جلدُه ، وأحزَنَ قلبه ، ما تناقلته وسائل الإعلام من أحداث تفجيرات أليمة تحدث في البلدان الإسلامية ، بالأمس في الرباط وقبلها في الرياض ، وما هذه إلا أعمال إجرامية بشعة لا تدل إلا على جهل في الدين وبُعد عن منهج سلف الأمة الربانيين .
وسأغض الطرف – بسبب ضيق المكان وقطع الطريق على رؤساء الجهل والضلالة – عن الحديث عن أحكام معاملة أهل الذمة ، وقتل المستضعفين والمستأمنين ، ووجوب طاعة أولي الأمر وحرمة الخروج عليهم ، وسأكتفي بالحديث عما هو أعظم ألا وهو : " قتل المسلم " .
لقد كرم الله تعالى عباده المؤمنين ، ورفع شأنهم ، وحرم دماءهم فقال عز وجل : (( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً )) [ النساء : 93 ] .
فقد جعل الله عقوبة قاتل المؤمن في هذه الآية الخلود في النار ، وغضب الجبار ، و اللعنة والعذاب العظيم . فأي هذه هانت على أولئك حتى يقترفوا هذه الجرائم البشعة .
قال ابن كثير رحمه الله : " هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله ".
فإذا كان هذا جزاء من قتل مسلماً واحداً فكيف يكون جزاء من قتل عشرات المسلمين ؟! وما ذنب أولئك المقتولين ؟! أذنبهم أنهم كانوا حراساً أو موظفين أو مارّين أو قاطنين ؟!
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتَل ، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتل " .
وأين أولئك من وصية النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين في حجة الوداع وهو يقول : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ، فأعادها مرارا ، ثم رفع رأسه فقال : اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت " قال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب . رواه البخاري
فهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما ما يفعله أولئك ، فهل هو من الذلة على المؤمنين ؟ أقتل المؤمن أهون من قتل الذباب ؟ لا والله فالمؤمن أعز من ذلك وأغلى ، ودمه أثمن من ذلك وأعلى .
قال عليه الصلاة والسلام : " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم " ( رواه النسائي وصححه الألباني رحمه الله ) فهذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ينبؤنا بأن زوال الدنيا بأموالها وأهلها وكنوزها ... الخ أهون عند الله تعالى من قتل المسلم .
ورحم الله ابن عمر القائل : " لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من قتل المسلم " .
فوالله لو قتل أولئك ألف ألف كافر لما شفع لهم ذلك في جواز قتل المسلم ، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " ( رواه النسائي وصححه الألباني ) فكيف بمن يصوب سلاحه إلى أخيه المسلم الآمن الغافل !!
قال عليه الصلاة والسلام : " لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبهم الله جميعاً على وجوههم في النار " ( رواه الطبراني في المعجم الصغير وصححه الألباني في صحيح الترغيب ) .
وانظر أخي إلى هذه اللفتة العظيمة في قوله تعالى : (( ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئا )) [ النساء : 92 ] .
فالمؤمن الذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، واستشعر قلبه الإيمان ، ورضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ، لا يُقدم على قتل أخيه المسلم وإن فعل ذلك فإنما يكون من قبيل الخطأ .
روى مسلم في صحيحه عن أسامة رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحُرَقات من جهينة فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقال لا إله إلا الله وقتلته "! قال : قلت يا رسول الله ، إنما قالها خوفا من السلاح ، قال : " أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟ " وفي رواية : " يا أسامة كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة".
وبوب ابن حبان رحمه الله تعالى على هذا الحديث فقال : باب الزجر عن قتل المسلم الحربي إذا قال لا إله إلا الله .
ألم يطرق هذا الحديث مسامع أولئك ؟ ألم يرقق قلوبهم ؟ أم أنهم يعلمون ماذا سيفعلون بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ ألم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم قول لا إله إلا الله عاصماً للناس في دمائهم وأموالهم بقوله : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " ( قال الشيخ ناصر في السلسلة : حديث متواتر ) .
فقول لا إله إلا الله تعصم المسلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعصمه عند أولئك ، وكيف لا والفرق بين الرحمة والجريمة شاسع .
قال عليه الصلاة والسلام : " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء " متفق عليه .
واعلم أخي أن قتل المسلم من كبائر الذنوب قال عليه الصلاة والسلام : " اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق " متفق عليه.
والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، فالمسلم لا يضحي بأخيه بل يضحي لأجله ، ولا يتخلى عنه بل يكون في حاجته .
ألا يخشى أولئك سؤال الله عز وجل يوم القيامة ليس بينهم وبينه حجاب يحجبهم ولا ترجمان يترجم لهم : ما الذي حملك على قتل أخيك المسلم ؟
أي جواب سيشفع لأولئك عند الله عز وجل ؟ روى ابن ماجه في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : لما رَجَعَتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرةُ البحر قال : " ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟" قال فتية منهم : بلى يا رسول الله . بينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء ، فمرت بفتى منهم ، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها ، فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي ، وجمع الأولين والآخرين ، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون ، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا . قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدقت صدقت كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم " ( حسنه الألباني ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : " يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دما، فيقول: يا رب ! سل هذا فيم قتلني ؟ حتى يدنيه من العرش " ( صحيح الجامع ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً " ( صحيح الترغيب ) .
ولهذه النصوص ولآية سورة النساء كان ابن عباس يرى أن لا توبة لقاتل المؤمن عمداً .
ففي البخاري عن ابن جبير قال : اختلف فيها أهل الكوفة . فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها . فقال : نزلت هذه الآية : (( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم )) .
وهي آخر ما نزل وما نسخها شيء . وسئل ابن عباس عمن قتل مؤمنا متعمدا ثم تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى قال : ويحه وأنى له الهدى سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : " يجيء القاتل والمقتول يوم القيامة متعلق برأس صاحبه يقول : رب سل هذا لم قتلني ؟ "والله لقد أنزلها الله عز وجل على نبيكم ثم ما نسخها بعدما أنزلها . ( صحيح ابن ماجه ) .
وانظر أخي إلى أولئك الذين يتبعون سنن الخوارج في القتل وسفك الدماء وتكفير الناس ، هل فيهم علماء ؟! هل فيهم طلاب علم ؟! هل فيهم من شهد له العلماء بالفضل والعلم ؟! هل فيهم من أثنى عليه العلماء خيراً ؟!
ورحم الله ابن عباس رحمة واسعة ، لما بعثه علي - رضي الله عنه - لمحاججة الخوارج قالوا له : ما الذي جاء بك يا ابن عباس ؟ فقال : جئتكم من عند أصحاب رسول الله ، وليس فيكم منهم أحد ، ومن عند ابن عم رسول الله وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله .
فنحن نحمد الله تعالى ونعتز ونفتخر أننا تلاميذ شيوخ الإسلام في هذا القرن وسائرون على منهجهم السلفي ، فرحم الله شيوخنا وأئمتنا ابن باز والألباني وابن عثيمين ... رحمة واسعة طيبة ، وليس فيكم منهم أحد ، ولا أثنى واحد منهم عليكم خيراً .
وأخيراً :
فهذه دعوة إيمانية جادة ، من قلب ناصح مشفق ، لامس نطفاً من العلم الصافي القائم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وفهم السلف الصالح .
إلى أولئك الذين يظنون أن مثل هذه الجرائم تزيد الإسلام قوة ورفعة وعزة ، أن يتقوا الله عز وجل ، فوالله إن هذه الجرائم لمن أكبر الكبائر ، وما هي من الجهاد في شيء ، إنما هي حماقات يفرح بها الشيطان ، ويصفق لها الغلمان ، ولا تزيد الناس إلا بعداً عن الإسلام .
فتوبة إلى الله عز وجل صادقة من مثل هذه الأعمال ، قال تعالى : " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا )) [ الفرقان : 68 – 71 ].
ولكم في الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً أسوة في التوبة والاستغفار .
قال تعالى واصفا عباده المؤمنين الذين يحبهم ويحبونه : (( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )) .
" يعني أنهم يعاملون المؤمنين بالذلة واللين وخفض الجناح ويعاملون الكافرين بالعزة والشدة عليهم والغلظة لهم " .
فكيف تستوي معاملة المسلمين بمعاملة الكافرين ؟! وقال تعالى واصفاً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أشداء على الكفار رحماء بينهم )) وما يحدث من سفك دماء المسلمين ليس من الرحمة في شيء البته .
اللهم سلّم بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومهبط الوحي ، وبلد التوحيد وأرض العقيدة الصافية ، ومنبع العلم والعلماء .
اللهم احفظ جزيرة العرب من كل مكروه ، وبارك اللهم في علمائها ودعاتها ، وسلمها من أطماع الكافرين وحقد الحاقدين وعبث المفسدين . اللهم آمين .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .