azooze
11-09-2008, 08:27 PM
للسيخ نبيل العوضي
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه أما بعد:
أيها الأخوة والأخوات أسأل الله جل وعلا أن يجمعني بهذا المجلس وإياكم تحت ظله في يوم لا ظل فيه إلا ظله..
العظماء مهما بلغوا من عظمة فإنهم يرحلون، ورحيل العظماء مشاهد وعبر ودروس نستفيد منها، أول عظيم في هذه الأمة هو النبي عليه الصلاة والسلام وربما يحتاج الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام إلى مجالس ولكن نتكلم عن رحيل من بعده.. كيف رحلوا عن هذه الدينا وكيف تركوها.
أولهم أبو بكر رضي الله عنه، تقول ابنته الصديقة رضي الله عنه أنه مرض بعد أن اغتسل في ليلة باردة فأصيب بحمى وجلس في البيت أياما وهو مريض وأشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كلما ارتفع دين الإنسان وإيمانه كلما اشتد عليه البلاء.
أبو بكر جلس في البيت مريضا أيام يعوده الناس والصحابة رضي الله عنهم وكان أكثر الناس يزوره عثمان بن عفان رضي الله عنه ذلك الرجل الحيي وكانوا يقولون إن أبا بكر ما رضي أن يأتيه طبيب، قالوا له يا أبا بكر هلا جئت بالطبيب يأتي إليك ينظر ما بك، قال الطبيب قد رآني ـ أبو بكر يقول على فراش المرض ـ قال الطبيب قد رآني قالوا ماذا قال الطبيب، قال قال الطبيب إني فعال لما أريد، يقصد أبو بكر الله عز وجل هو الطبيب الذي رأى أبو بكر وقال إني فعال لما أريد، أي هذا قدر الله وهذه حكمة الله عز وجل، وكأن أبا بكر علم أن هذا المرض سيغادر به الدنيا وأنه سيكون مرضه الأخير.
ظل في فراشة مريضا أياما وأياما يزوره الناس ويعودونه.. مَن.. إنه أبو بكر الصديق.. صاحب النبي في الغار، إنه أبو بكر الذي جاء بماله كله بين يدي الرسول، قال وماذا تركت لأهلك يا أبا بكر قال تركت لهم الله ورسوله.
إنه أبو بكر أول من آمن بالنبي من الرجال، الذي حمى النبي بنفسه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأل الناس في الكوفة من أشجع الناس؟ قالوا أنت يا أمير المؤمنين، وعلي شجاع، قال بل أشجع الناس أبو بكر يوم جاء ودفع أشقى القوم وهو يقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله.
جاءت ساعة الرحيل وحانت لحظات الوداع، عائشة في آخر يوم جلست عند أبيها أبي بكر دمعت عيناها وهي تقول:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا
حشرجت يوما وضاق بها الصدر
قال: يا عائشة .. أبو بكر رد على عائشة رضي الله عنها قال: يا عائشة قولي خيرا من هذا .. قولي خيرا من هذا .. إيش أقول يا أبي .. قال قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}(ق:3) لأن أبا بكر عاش مع القرآن فأراد أن يموت على القرآن، تقول عائشة فأخذ يقرأ القرآن حتى بلغ قول الله جل وعلا {توفني مسلما وألحقني بالصالحين}(يوسف:101) استجاب الله دعاءه فقبض الله روح مَن؟ روح أبا بكر الصديق ليرحل عظيم عنه هذه الأمة.
عظيم بعده جاء وحانت ساعة الرحيل ليعلم كل من يسمعني أن هذه الدنيا لن تبقى لأحد، {إنك ميت وإنهم ميتون}(الجمعة:8).
العظيم الثاني الذي رحل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في اللحظات الأخيرة وكان يدعو آخر حياته أن لا يجعل الله موته على يد مسلم يشهد الشهادتين.
صلى بالناس صلاة الفجر وكان يقوم الليل ويوقظ أهله آخر الليل ويأمرهم بالصلاة ثم يقوم فيصلي الفجر وكان عمر رضي الله عنه يصلي الفجر بسورة يوسف أو النحل غالبا.. لم؟ حتى تطول الصلاة .. قرآن الفجر ويأتي الناس يدركون صلاة الفجر.
يقول الصحابة فصلى بنا صلاة الفجر وأخذ يقرأ ويبكي إذا قرأ قول الله جل وعلا {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}(يوسف:86) فاخترق القوم رجل رفع وجهه ذلك الخبيث أبو لؤلؤة المجوسي اخترق الصفوف وبيده خنجر ذو ذؤابتين خنجر مسموم سممه أياما طويلة، اخترق الصفوف والصحابة خشوع في الصلاة حتى وصل إلى الفاروق عمر فطعن أبا حفص طعنة على ظهره بخنجر مسموم ثم هرب من المسجد، ثم وهو يهرب أراد بعض الصحابة أن يمسك به طعن ثلاثة عشر رجل صحابيا مات منهم في ذلك اليوم سبعة رضي الله عنهم، فلما أدركه الصحابة ليمسكوه ـ الباقي يصلون ـ أدركه بعض الصحابة ليمسكوه طعن نفسه بالخنجر وانتحر.
ثم حُمل عمر إلى غرفته إلى بيته وحانت ساعة الرحيل، رحيل عظيم من العظماء، حمل إلى البيت وجرحه ينزف، تعرفون ماذا يقول في آخر لحظاته !! يسأل عمر أصلى الناس الفجر؟ أصلى الناس الفجر؟ قالوا نعم يا أمير المؤمنين.. قال صلوا؟! قالوا نعم يا أمير المؤمنين .. قال لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم وُضع فدخل عليه مَن؟ ابن عباس قال أبشر يا أمير المؤمنين فما من عين تطرف إلا يدعون لك ويسألون لك الجنة .. كيف رد عمر وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة .. قال: غر بهذا غيري يا ابن عباس .. دخل الإمام علي رضي الله عنه وهو يقول لم لا يا أمير المؤمنين؟ إن كان إسلامك لعزا وهجرتك فتحا وحكمك عدلا، لم لا نقول هذا يا أمير المؤمنين.
بدأ عمر في آخر وقته صلى وجرحه ينزف صلاة الفجر صلاها بعد أن انتهت الصلاة صلاها وحده في غرفته، دخل الناس يزورونه ويودعونه، نادى ابنه عبد الله قال يا عبد الله اذهب إلى عائشة سلم عليها قل لها إن عمر يسلم عليك.. ما قال أمير المؤمنين قال قل لها عمر فإن اليوم لست أميركم خلاص أنا لست من أهل الدنيا .. قل لها عمر يسلم عليك ويستأذنك أن يدفن عند صاحبيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر .. يقول عبد الله ذهبت فإذا عائشة تبكي رضي الله عنها تبكي على عمر فأخبرتها بطلب عمر قالت والله كنت ادخر هذا المكان لنفسي أردت أن ادفن فيه لكني لا أرد أمير المؤمنين عمر لا أرده أبدا .. فرضيت عائشة .. فسر بهذا عمر ثم قال لابنه عبد الله في اللحظات الأخيرة قال يا بني ضع خدي على الأرض والصحابة حوله، قال ضع خدي على الأرض.. يقول عبد الله قلت أنا قلت ما يكون واعي هو الآن في السكرات .. قال يا بني ضع خدي على الأرض يقول ما رديت عليه في المرة الثانية .. فقال في المرة الثالثة يا بني ضع خدي على الأرض لا أم لك يقول فعلمت أنه يعني ما يقول، يقول فحملته ووضعته على الأرض فسالت دموعه وأخذ يبكي عمر ويقول: ويل لي وويل لأمي لإن لم يغفر لي ربي ..
إنه عمر المبشر بالجنة {الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}(المؤمنون:60) مبشر بالجنة ويقول هذا، ثم رحلت روحه ورحل عظيم.
عظيم ثالث.. مَن؟ عثمان بن عفان رضي الله عنه .. كيف رحل عن هذه الدنيا؟ ذلك الرجل الحيي الذي تستحي منه الملائكة .. ماذا فعل به آخر أيام حياته؟ قام عليه الثوار .. قام أهل النفاق أهل الشقاق قام الذين اندسوا في الإسلام زورا وكذبا يريدون قتل مَن؟ قتل عثمان بن عفان .. جاؤوا من كل بلاد من خارج المدينة .. ما يعرفوا يعني إيه إسلام .. جاهلون حمقى وأغلبهم مندسون منافقون أرادوا أن يقتلوا مَن؟ أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.. والنبي قد بشره .. عثمان يعلم هذا .. قال لما أراد أن يدخل على النبي قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه .. عثمان .. سوف تصيبه بلوى قبل أن يموت .. وعثمان بن عفان مبشر بهذه البلوى بالشهادة في سبيل الله.
جلس في البيت أرادوا قتله .. خرج إلى الناس .. حاصروه 40 يوما وهو في البيت يقرأ القرآن قال لهم: أيها الناس ألم تعلمون أن النبي قال من يجهز جيش العسرة وله الجنة؟ قالوا نعم نعلم .. قال أما تعلمون أني جهزت الجيش حتى ما تركت فيه عقالا ولا خطاما جهزت هذا الجيش كله .. أين تذهبون من هذا الحديث؟ والناس يعلمون هذا لكنه الشيطان الذي نزغ بين القلوب ورضي بالتحريف .. وجعل بأس هذه الأمة بينها .. وعمر لما قتل بدأت الفتنة في هذه الأمة لم تنته إلى اليوم .. وضع السيف عليها رفع السيف عليها على رؤوسها وصارت الفتنة في الأمة بين أهلها من مقتل عمر إلى اليوم وسوف يبقى الأمر إلى أن يشاء الله.
عثمان قال لهم: ألا تعلمون أن النبي قال من يحفر بئر روما وله الجنة!! قالوا نعم نعلم.. قال ألا تعلمون أني حفرتها .. قال اللهم الآن .. ماذا تريدون .. لماذا تريدون قتل عثمان بن عفان.
جاء الصحابة يريدون الدفاع عن عثمان بن عفان .. ما رضي .. قال علي والحسن والحسين وعمار وكثير من الصحابة قالوا نقاتلهم دونك يا أمير المؤمنين .. قال لا .. قال لا فإنكم إن قتلتم رجلا فقد قتلتم الناس جميعا .. أراد أن يحقن دماء الأمة بدمه .. إنما هو ضمن الجنة .. أُقتل ولا تقتل الأمة ولا ترتفع السيوف بعضها على بعض حتى إن علي أصر على القتال لكن ما رضي عثمان رضي الله عنه .. جاءه أبو هريرة شاهرا سلاحه وشباب الصحابة ومع هذا ما رضي .. تعرفون ما قال عثمان؟ انظروا ماذا قال لهم .. قال: أيها الناس ألست أميركم قالوا نعم قال أليست طاعتي واجبة قالوا نعم قال لهم إذن آمركم أن يلزم كل منكم بيته ولا تخرجوا ولا تقاتلوا!! فدى الأمة بأسرها بدمه الطاهرة..
إنه من؟! إنه عثمان الحيي ذو النورين رضي الله عنه.
وجاءت ساعة الرحيل وعثمان كان يقوم الليل بالقرآن ويحيي الليل بالقرآن يعيش مع القرآن اقتحموا عليه بابه فتح الباب، رجل فضرب زوجته لطمها، فقال عثمان ويحك قطع الله يديك ورجليك وأعمى عينيك وأدخلك النار.. لم تضرب المرأة؟ المرأة ما لها ذنب.. يقول الرجل فأخذتني رعدة فخرجت.. هذا الرجل رآه أحد التابعين في الشام يقول رأيته وقد قطعت يداه ورجلاه وهو أعمى البصر وهو يصرخ قبل موته ويقول يا ويلاه النار النار أصابتني دعوة عثمان.
أما الثاني فدخل الشقي دخل إلى عثمان، وعثمان يقرأ القرآن وزوجته عنده فمسك لحية عثمان فطعنه تسعة طعنات والدم يسيل على المصحف.. وقال الخبيث هذه التسع طعنات ثلاثة لله وستة لشيء في صدري.. وكذب كلها ليست لله عز وجل .. سال الدم على المصحف وأتت زوجته وقالت أقتلتموه وإنه ليحيي الليل بالقرآن {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}(الفرقان:64) ليلهم قيام ليلهم سجود ليلهم ركوع ومع هذا قتل عثمان ..
رحيل عظيم رابع إنه علي بن ابي طالب رضي الله عنه
إنه البطل الشجاع إنه علي وكفى به فخرا أخو النبي بعد الهجرة نام في فراشه، صهر النبي عليه الصلاة والسلام .. أعمامه مَن؟ عمه سيد الشهداء عند الله عز وجل أسد الله وأسد رسوله، أخوه جعفر الطيار الذي يطير في الجنة بجناحين، زوجته مَن؟ حب النبي وابنته وسيدة النساء الزهراء فاطمة رضي الله عنها، وابناه مَن؟ سيدا شباب أهل الجنة سبطا رسول الله عليه الصلاة والسلام..
علي أكرم بعلي برجل تقي نقي خفي يمشي في محرابه في الليل يقوم الليل أكثره ترك الدنيا وزهد بها يلبس الثياب ما رقع منها لا يصبر نفسه إلا بالتمر، صنعوا له بيتا ما رضي أن يدخله قال قصر الخبال هذا والله ما أدخله.
علي .. جاءت ساعة الرحيل قاوم ودافع عن الإسلام وعن حمى الإسلام ولكن الخوارج من يرضيهم .. أناس سفهاء أحلام سماهم النبي كلاب أهل النار لم يرضوا عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب أبي الحسن ... لم يرضوا عنه حتى ادعوا أنه كافر، كفروا عليا.. كفروا معاوية.. كفروا عمرو بن العاص، كفروا أئمة المسلمين وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواعدوا في ذلك اليوم لقتل الأمير لقتل التقي الورع لقتل الإمام الزاهد الذي يقوم في الليل ويقول يا دينا غري غيري طلقتك ثلاثا .. جاؤوه في الكوفة عبد الرحمن بن ملجم واتفق مع رجلين على أن يعيناه على قتل الإمام .. فإذا بالإمام علي رضي الله عنه يقوم قبل الفجر يوقظ الناس في شهر رمضان سنة 40 من الهجرة يوقظ الناس لصلاة الفجر أيها الناس الصلاة حتى إن الإمام علي هدده أكثر من رجل بالموت فقال له رجل يا علي اتق الله فإنك ميت .. فرد عليه الإمام علي قال بل مقتول .. يعني أنا مبشر بالشهادة، أجل محدد وقضاء مقضي وقد خاب من افترى، جاءه رجل آخر قال هلا جعلت لك حراسا ـ يهددون الإمام علي ـ قال: ما من رجل إلا له ملكين يحرسانه فإذا نزل القدر ابتعدا عنه والأجل خير حارس، أي أنا لا أخاف لأن أجلي مكتوب ومحدود.. علي ما عنده حراس ما عنده جيش ولا جنود يخرج لوحده ويمشي لوحده، تربى عند النبي عليه الصلاة والسلام وهو يوقظ الناس لصلاة الفجر ثلاثة خبثاء ترصدوا له في ليلة من ليال رمضان ليلة جمعة.. وعلي يوقظ الناس حتى جاءه الخارجي الخبيث وإذا به يصل إلى الإمام علي وقد سن سيفه فرفع السيف فقال: الحكم لله لا لك ولأصحابك يا علي.. كلمة حق أراد بها باطل، نعم الحكم لله لكن تقولها للإمام علي، أعرف الناس بكتاب الله، الرجل الذي حكم بالقرآن وما قدم عليه شيئًا تقول له هذا الكلام، رفع السيف نظر له علي فضربه في المكان الذي أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام وابتلت لحيته بالدم، هرب الرجل بن ملجم حمل علي إلى غرفته إلى بيته، رأى أبناءه تجمعوا عنده ومسكوا عبد الرحمن بن ملجم .. تعرفون ماذا قال الإمام علي؟ .. قال أيها الناس أحسنوا إلى الرجل .. أي إذن الرجل الذي قتله أراد قتله وضرب الإمام علي .. قال أحسنوا إلى الرجل وأكرموا مثواه .. فإن أعش فأنا كفيله وإن أمت فألحقوه بي قصاصا النفس بالنفس ولا تقتلوا بي سواه إياكم أن تقتلوا رجلا آخر اقتلوا رجلا واحدا فقط إن الله لا يحب المعتدين.
ورحل الإمام علي عن هذه الدنيا {إنك ميت وإنهم ميتون}(الجمعة:8) كل الناس يموتون.. العظماء يرحلون عن هذه الدنيا بل ربما العظماء أسرع من غيرهم لأن الله عز وجل يحب لقاءهم..
انظر إلى العظماء بعد هؤلاء بلال بن رباح.. أول مؤذن في الإسلام .. كيف رحل .. قبل وفاته تبكي زوجته يقول لها لم تبكين؟ تقول له: أبكي عليك .. فقال لها لا تبكين بل قولي وافرحاه .. واطرباه .. قالت لم؟ قال غدا ألقى الأحبة محمد وصحبه.. {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}(المؤمنون:89).
عظيم آخر سعد بن الربيع في معركة أحد يصطبر يرسل النبي إليه السلام ويقول له كيف تجدك.. فماذا يقول وهو يرحل؟ قال: بلغ رسول الله مني السلام وقل له إني أجد رائحة الجنة .. الله أكبر .. وهو في الأرض قبل أن يموت يشم رائحة الجنة .. أي رحيل هذا؟!
وآخر بعدما طعن قال الله أكبر فزت ورب الكعبة.
وثالث، ابن المنكدر وهو يحتضر يقول.. والله يقول لصاحبه صفوان بن سليم: والله لو ترى ما أرى لقرت عينك ولسعدت .. يضحك وهو يموت.
وآخر يقرأ القرآن .. ورابعة وهي ساجدة .. وأخرى وهي قائمة .. وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة .. العظماء يختارهم الرب عز وعلا .. يعسلهم كيف يعسلهم؟ أن يوفقهم لعمل صالح ثم يقبضهم الرب عز وجل عليه ..
كل نفس ذائقة الموت لكن اختر لنفسك يا عبد الله على أي حال تريد أن تفارق هذه الدنيا لأن الميت إذا مات يبعث يوم القيامة على ما مات عليه إن مات على صلاة وقراءة قرآن وصيام وقرآن فخاتمته حسنة .. إن مات على غير ذلك تاركا للصلاة فاجرا يشرب الخمر يبعث يوم القيامة على ما مات عليه ..
العظماء يرحلون وغيرهم يرحلون الموت سواء الموت كما قيل لا يفرق بين صغير أو كبير بين مريض أو صحيح بين غني أو فقير بين كافر أو مؤمن الموت يأخذ الناس جميعا...كل نفس ذائقة الموت لكن {وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار دخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}(المؤمنون:89)
أيها الإخوة والأخوات هذا مصير العظماء فليختر كل منا لنفسه حياة عظيمة يرحل فيها من هذه الدنيا والناس تذكره بخير والناس تشهد له بخير الناس تترحم عليه الناس تدعو له وأنتم شهداء الله في هذه الأرض وجبت وجبت.. اسألوا الله أن يجمعنا مع الصالحين في جنته.
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه أما بعد:
أيها الأخوة والأخوات أسأل الله جل وعلا أن يجمعني بهذا المجلس وإياكم تحت ظله في يوم لا ظل فيه إلا ظله..
العظماء مهما بلغوا من عظمة فإنهم يرحلون، ورحيل العظماء مشاهد وعبر ودروس نستفيد منها، أول عظيم في هذه الأمة هو النبي عليه الصلاة والسلام وربما يحتاج الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام إلى مجالس ولكن نتكلم عن رحيل من بعده.. كيف رحلوا عن هذه الدينا وكيف تركوها.
أولهم أبو بكر رضي الله عنه، تقول ابنته الصديقة رضي الله عنه أنه مرض بعد أن اغتسل في ليلة باردة فأصيب بحمى وجلس في البيت أياما وهو مريض وأشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كلما ارتفع دين الإنسان وإيمانه كلما اشتد عليه البلاء.
أبو بكر جلس في البيت مريضا أيام يعوده الناس والصحابة رضي الله عنهم وكان أكثر الناس يزوره عثمان بن عفان رضي الله عنه ذلك الرجل الحيي وكانوا يقولون إن أبا بكر ما رضي أن يأتيه طبيب، قالوا له يا أبا بكر هلا جئت بالطبيب يأتي إليك ينظر ما بك، قال الطبيب قد رآني ـ أبو بكر يقول على فراش المرض ـ قال الطبيب قد رآني قالوا ماذا قال الطبيب، قال قال الطبيب إني فعال لما أريد، يقصد أبو بكر الله عز وجل هو الطبيب الذي رأى أبو بكر وقال إني فعال لما أريد، أي هذا قدر الله وهذه حكمة الله عز وجل، وكأن أبا بكر علم أن هذا المرض سيغادر به الدنيا وأنه سيكون مرضه الأخير.
ظل في فراشة مريضا أياما وأياما يزوره الناس ويعودونه.. مَن.. إنه أبو بكر الصديق.. صاحب النبي في الغار، إنه أبو بكر الذي جاء بماله كله بين يدي الرسول، قال وماذا تركت لأهلك يا أبا بكر قال تركت لهم الله ورسوله.
إنه أبو بكر أول من آمن بالنبي من الرجال، الذي حمى النبي بنفسه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأل الناس في الكوفة من أشجع الناس؟ قالوا أنت يا أمير المؤمنين، وعلي شجاع، قال بل أشجع الناس أبو بكر يوم جاء ودفع أشقى القوم وهو يقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله.
جاءت ساعة الرحيل وحانت لحظات الوداع، عائشة في آخر يوم جلست عند أبيها أبي بكر دمعت عيناها وهي تقول:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا
حشرجت يوما وضاق بها الصدر
قال: يا عائشة .. أبو بكر رد على عائشة رضي الله عنها قال: يا عائشة قولي خيرا من هذا .. قولي خيرا من هذا .. إيش أقول يا أبي .. قال قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}(ق:3) لأن أبا بكر عاش مع القرآن فأراد أن يموت على القرآن، تقول عائشة فأخذ يقرأ القرآن حتى بلغ قول الله جل وعلا {توفني مسلما وألحقني بالصالحين}(يوسف:101) استجاب الله دعاءه فقبض الله روح مَن؟ روح أبا بكر الصديق ليرحل عظيم عنه هذه الأمة.
عظيم بعده جاء وحانت ساعة الرحيل ليعلم كل من يسمعني أن هذه الدنيا لن تبقى لأحد، {إنك ميت وإنهم ميتون}(الجمعة:8).
العظيم الثاني الذي رحل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في اللحظات الأخيرة وكان يدعو آخر حياته أن لا يجعل الله موته على يد مسلم يشهد الشهادتين.
صلى بالناس صلاة الفجر وكان يقوم الليل ويوقظ أهله آخر الليل ويأمرهم بالصلاة ثم يقوم فيصلي الفجر وكان عمر رضي الله عنه يصلي الفجر بسورة يوسف أو النحل غالبا.. لم؟ حتى تطول الصلاة .. قرآن الفجر ويأتي الناس يدركون صلاة الفجر.
يقول الصحابة فصلى بنا صلاة الفجر وأخذ يقرأ ويبكي إذا قرأ قول الله جل وعلا {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}(يوسف:86) فاخترق القوم رجل رفع وجهه ذلك الخبيث أبو لؤلؤة المجوسي اخترق الصفوف وبيده خنجر ذو ذؤابتين خنجر مسموم سممه أياما طويلة، اخترق الصفوف والصحابة خشوع في الصلاة حتى وصل إلى الفاروق عمر فطعن أبا حفص طعنة على ظهره بخنجر مسموم ثم هرب من المسجد، ثم وهو يهرب أراد بعض الصحابة أن يمسك به طعن ثلاثة عشر رجل صحابيا مات منهم في ذلك اليوم سبعة رضي الله عنهم، فلما أدركه الصحابة ليمسكوه ـ الباقي يصلون ـ أدركه بعض الصحابة ليمسكوه طعن نفسه بالخنجر وانتحر.
ثم حُمل عمر إلى غرفته إلى بيته وحانت ساعة الرحيل، رحيل عظيم من العظماء، حمل إلى البيت وجرحه ينزف، تعرفون ماذا يقول في آخر لحظاته !! يسأل عمر أصلى الناس الفجر؟ أصلى الناس الفجر؟ قالوا نعم يا أمير المؤمنين.. قال صلوا؟! قالوا نعم يا أمير المؤمنين .. قال لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم وُضع فدخل عليه مَن؟ ابن عباس قال أبشر يا أمير المؤمنين فما من عين تطرف إلا يدعون لك ويسألون لك الجنة .. كيف رد عمر وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة .. قال: غر بهذا غيري يا ابن عباس .. دخل الإمام علي رضي الله عنه وهو يقول لم لا يا أمير المؤمنين؟ إن كان إسلامك لعزا وهجرتك فتحا وحكمك عدلا، لم لا نقول هذا يا أمير المؤمنين.
بدأ عمر في آخر وقته صلى وجرحه ينزف صلاة الفجر صلاها بعد أن انتهت الصلاة صلاها وحده في غرفته، دخل الناس يزورونه ويودعونه، نادى ابنه عبد الله قال يا عبد الله اذهب إلى عائشة سلم عليها قل لها إن عمر يسلم عليك.. ما قال أمير المؤمنين قال قل لها عمر فإن اليوم لست أميركم خلاص أنا لست من أهل الدنيا .. قل لها عمر يسلم عليك ويستأذنك أن يدفن عند صاحبيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر .. يقول عبد الله ذهبت فإذا عائشة تبكي رضي الله عنها تبكي على عمر فأخبرتها بطلب عمر قالت والله كنت ادخر هذا المكان لنفسي أردت أن ادفن فيه لكني لا أرد أمير المؤمنين عمر لا أرده أبدا .. فرضيت عائشة .. فسر بهذا عمر ثم قال لابنه عبد الله في اللحظات الأخيرة قال يا بني ضع خدي على الأرض والصحابة حوله، قال ضع خدي على الأرض.. يقول عبد الله قلت أنا قلت ما يكون واعي هو الآن في السكرات .. قال يا بني ضع خدي على الأرض يقول ما رديت عليه في المرة الثانية .. فقال في المرة الثالثة يا بني ضع خدي على الأرض لا أم لك يقول فعلمت أنه يعني ما يقول، يقول فحملته ووضعته على الأرض فسالت دموعه وأخذ يبكي عمر ويقول: ويل لي وويل لأمي لإن لم يغفر لي ربي ..
إنه عمر المبشر بالجنة {الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}(المؤمنون:60) مبشر بالجنة ويقول هذا، ثم رحلت روحه ورحل عظيم.
عظيم ثالث.. مَن؟ عثمان بن عفان رضي الله عنه .. كيف رحل عن هذه الدنيا؟ ذلك الرجل الحيي الذي تستحي منه الملائكة .. ماذا فعل به آخر أيام حياته؟ قام عليه الثوار .. قام أهل النفاق أهل الشقاق قام الذين اندسوا في الإسلام زورا وكذبا يريدون قتل مَن؟ قتل عثمان بن عفان .. جاؤوا من كل بلاد من خارج المدينة .. ما يعرفوا يعني إيه إسلام .. جاهلون حمقى وأغلبهم مندسون منافقون أرادوا أن يقتلوا مَن؟ أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.. والنبي قد بشره .. عثمان يعلم هذا .. قال لما أراد أن يدخل على النبي قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه .. عثمان .. سوف تصيبه بلوى قبل أن يموت .. وعثمان بن عفان مبشر بهذه البلوى بالشهادة في سبيل الله.
جلس في البيت أرادوا قتله .. خرج إلى الناس .. حاصروه 40 يوما وهو في البيت يقرأ القرآن قال لهم: أيها الناس ألم تعلمون أن النبي قال من يجهز جيش العسرة وله الجنة؟ قالوا نعم نعلم .. قال أما تعلمون أني جهزت الجيش حتى ما تركت فيه عقالا ولا خطاما جهزت هذا الجيش كله .. أين تذهبون من هذا الحديث؟ والناس يعلمون هذا لكنه الشيطان الذي نزغ بين القلوب ورضي بالتحريف .. وجعل بأس هذه الأمة بينها .. وعمر لما قتل بدأت الفتنة في هذه الأمة لم تنته إلى اليوم .. وضع السيف عليها رفع السيف عليها على رؤوسها وصارت الفتنة في الأمة بين أهلها من مقتل عمر إلى اليوم وسوف يبقى الأمر إلى أن يشاء الله.
عثمان قال لهم: ألا تعلمون أن النبي قال من يحفر بئر روما وله الجنة!! قالوا نعم نعلم.. قال ألا تعلمون أني حفرتها .. قال اللهم الآن .. ماذا تريدون .. لماذا تريدون قتل عثمان بن عفان.
جاء الصحابة يريدون الدفاع عن عثمان بن عفان .. ما رضي .. قال علي والحسن والحسين وعمار وكثير من الصحابة قالوا نقاتلهم دونك يا أمير المؤمنين .. قال لا .. قال لا فإنكم إن قتلتم رجلا فقد قتلتم الناس جميعا .. أراد أن يحقن دماء الأمة بدمه .. إنما هو ضمن الجنة .. أُقتل ولا تقتل الأمة ولا ترتفع السيوف بعضها على بعض حتى إن علي أصر على القتال لكن ما رضي عثمان رضي الله عنه .. جاءه أبو هريرة شاهرا سلاحه وشباب الصحابة ومع هذا ما رضي .. تعرفون ما قال عثمان؟ انظروا ماذا قال لهم .. قال: أيها الناس ألست أميركم قالوا نعم قال أليست طاعتي واجبة قالوا نعم قال لهم إذن آمركم أن يلزم كل منكم بيته ولا تخرجوا ولا تقاتلوا!! فدى الأمة بأسرها بدمه الطاهرة..
إنه من؟! إنه عثمان الحيي ذو النورين رضي الله عنه.
وجاءت ساعة الرحيل وعثمان كان يقوم الليل بالقرآن ويحيي الليل بالقرآن يعيش مع القرآن اقتحموا عليه بابه فتح الباب، رجل فضرب زوجته لطمها، فقال عثمان ويحك قطع الله يديك ورجليك وأعمى عينيك وأدخلك النار.. لم تضرب المرأة؟ المرأة ما لها ذنب.. يقول الرجل فأخذتني رعدة فخرجت.. هذا الرجل رآه أحد التابعين في الشام يقول رأيته وقد قطعت يداه ورجلاه وهو أعمى البصر وهو يصرخ قبل موته ويقول يا ويلاه النار النار أصابتني دعوة عثمان.
أما الثاني فدخل الشقي دخل إلى عثمان، وعثمان يقرأ القرآن وزوجته عنده فمسك لحية عثمان فطعنه تسعة طعنات والدم يسيل على المصحف.. وقال الخبيث هذه التسع طعنات ثلاثة لله وستة لشيء في صدري.. وكذب كلها ليست لله عز وجل .. سال الدم على المصحف وأتت زوجته وقالت أقتلتموه وإنه ليحيي الليل بالقرآن {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}(الفرقان:64) ليلهم قيام ليلهم سجود ليلهم ركوع ومع هذا قتل عثمان ..
رحيل عظيم رابع إنه علي بن ابي طالب رضي الله عنه
إنه البطل الشجاع إنه علي وكفى به فخرا أخو النبي بعد الهجرة نام في فراشه، صهر النبي عليه الصلاة والسلام .. أعمامه مَن؟ عمه سيد الشهداء عند الله عز وجل أسد الله وأسد رسوله، أخوه جعفر الطيار الذي يطير في الجنة بجناحين، زوجته مَن؟ حب النبي وابنته وسيدة النساء الزهراء فاطمة رضي الله عنها، وابناه مَن؟ سيدا شباب أهل الجنة سبطا رسول الله عليه الصلاة والسلام..
علي أكرم بعلي برجل تقي نقي خفي يمشي في محرابه في الليل يقوم الليل أكثره ترك الدنيا وزهد بها يلبس الثياب ما رقع منها لا يصبر نفسه إلا بالتمر، صنعوا له بيتا ما رضي أن يدخله قال قصر الخبال هذا والله ما أدخله.
علي .. جاءت ساعة الرحيل قاوم ودافع عن الإسلام وعن حمى الإسلام ولكن الخوارج من يرضيهم .. أناس سفهاء أحلام سماهم النبي كلاب أهل النار لم يرضوا عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب أبي الحسن ... لم يرضوا عنه حتى ادعوا أنه كافر، كفروا عليا.. كفروا معاوية.. كفروا عمرو بن العاص، كفروا أئمة المسلمين وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواعدوا في ذلك اليوم لقتل الأمير لقتل التقي الورع لقتل الإمام الزاهد الذي يقوم في الليل ويقول يا دينا غري غيري طلقتك ثلاثا .. جاؤوه في الكوفة عبد الرحمن بن ملجم واتفق مع رجلين على أن يعيناه على قتل الإمام .. فإذا بالإمام علي رضي الله عنه يقوم قبل الفجر يوقظ الناس في شهر رمضان سنة 40 من الهجرة يوقظ الناس لصلاة الفجر أيها الناس الصلاة حتى إن الإمام علي هدده أكثر من رجل بالموت فقال له رجل يا علي اتق الله فإنك ميت .. فرد عليه الإمام علي قال بل مقتول .. يعني أنا مبشر بالشهادة، أجل محدد وقضاء مقضي وقد خاب من افترى، جاءه رجل آخر قال هلا جعلت لك حراسا ـ يهددون الإمام علي ـ قال: ما من رجل إلا له ملكين يحرسانه فإذا نزل القدر ابتعدا عنه والأجل خير حارس، أي أنا لا أخاف لأن أجلي مكتوب ومحدود.. علي ما عنده حراس ما عنده جيش ولا جنود يخرج لوحده ويمشي لوحده، تربى عند النبي عليه الصلاة والسلام وهو يوقظ الناس لصلاة الفجر ثلاثة خبثاء ترصدوا له في ليلة من ليال رمضان ليلة جمعة.. وعلي يوقظ الناس حتى جاءه الخارجي الخبيث وإذا به يصل إلى الإمام علي وقد سن سيفه فرفع السيف فقال: الحكم لله لا لك ولأصحابك يا علي.. كلمة حق أراد بها باطل، نعم الحكم لله لكن تقولها للإمام علي، أعرف الناس بكتاب الله، الرجل الذي حكم بالقرآن وما قدم عليه شيئًا تقول له هذا الكلام، رفع السيف نظر له علي فضربه في المكان الذي أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام وابتلت لحيته بالدم، هرب الرجل بن ملجم حمل علي إلى غرفته إلى بيته، رأى أبناءه تجمعوا عنده ومسكوا عبد الرحمن بن ملجم .. تعرفون ماذا قال الإمام علي؟ .. قال أيها الناس أحسنوا إلى الرجل .. أي إذن الرجل الذي قتله أراد قتله وضرب الإمام علي .. قال أحسنوا إلى الرجل وأكرموا مثواه .. فإن أعش فأنا كفيله وإن أمت فألحقوه بي قصاصا النفس بالنفس ولا تقتلوا بي سواه إياكم أن تقتلوا رجلا آخر اقتلوا رجلا واحدا فقط إن الله لا يحب المعتدين.
ورحل الإمام علي عن هذه الدنيا {إنك ميت وإنهم ميتون}(الجمعة:8) كل الناس يموتون.. العظماء يرحلون عن هذه الدنيا بل ربما العظماء أسرع من غيرهم لأن الله عز وجل يحب لقاءهم..
انظر إلى العظماء بعد هؤلاء بلال بن رباح.. أول مؤذن في الإسلام .. كيف رحل .. قبل وفاته تبكي زوجته يقول لها لم تبكين؟ تقول له: أبكي عليك .. فقال لها لا تبكين بل قولي وافرحاه .. واطرباه .. قالت لم؟ قال غدا ألقى الأحبة محمد وصحبه.. {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}(المؤمنون:89).
عظيم آخر سعد بن الربيع في معركة أحد يصطبر يرسل النبي إليه السلام ويقول له كيف تجدك.. فماذا يقول وهو يرحل؟ قال: بلغ رسول الله مني السلام وقل له إني أجد رائحة الجنة .. الله أكبر .. وهو في الأرض قبل أن يموت يشم رائحة الجنة .. أي رحيل هذا؟!
وآخر بعدما طعن قال الله أكبر فزت ورب الكعبة.
وثالث، ابن المنكدر وهو يحتضر يقول.. والله يقول لصاحبه صفوان بن سليم: والله لو ترى ما أرى لقرت عينك ولسعدت .. يضحك وهو يموت.
وآخر يقرأ القرآن .. ورابعة وهي ساجدة .. وأخرى وهي قائمة .. وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة .. العظماء يختارهم الرب عز وعلا .. يعسلهم كيف يعسلهم؟ أن يوفقهم لعمل صالح ثم يقبضهم الرب عز وجل عليه ..
كل نفس ذائقة الموت لكن اختر لنفسك يا عبد الله على أي حال تريد أن تفارق هذه الدنيا لأن الميت إذا مات يبعث يوم القيامة على ما مات عليه إن مات على صلاة وقراءة قرآن وصيام وقرآن فخاتمته حسنة .. إن مات على غير ذلك تاركا للصلاة فاجرا يشرب الخمر يبعث يوم القيامة على ما مات عليه ..
العظماء يرحلون وغيرهم يرحلون الموت سواء الموت كما قيل لا يفرق بين صغير أو كبير بين مريض أو صحيح بين غني أو فقير بين كافر أو مؤمن الموت يأخذ الناس جميعا...كل نفس ذائقة الموت لكن {وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار دخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}(المؤمنون:89)
أيها الإخوة والأخوات هذا مصير العظماء فليختر كل منا لنفسه حياة عظيمة يرحل فيها من هذه الدنيا والناس تذكره بخير والناس تشهد له بخير الناس تترحم عليه الناس تدعو له وأنتم شهداء الله في هذه الأرض وجبت وجبت.. اسألوا الله أن يجمعنا مع الصالحين في جنته.