إنسان بسيط
06-06-2009, 11:09 AM
صحيفة الوطن السعودية
السبت 13 جمادى الآخرة 1430 ـ 6 يونيو 2009 العدد 3172 ـ السنة التاسعة
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?id=11953&issueno=3172
قُبلة على جبين "حمود بن طوعان"
محمد الرطيان
(1)
طوال الشهر الماضي كانت "حايل" نجمة المدن، والسبب شيبها وشبابها الذين يتسابقون إلى المجد والشجاعة والكرم والشرف والمروءة. كانوا يسطرون الحكايات التي سيحفظها تاريخ الأخلاق، ويتباهى بها المستقبل. من الفتى "النماصي" – ورفاقه – الذي رمى بنفسه إلى الخطر لينقذ امرأة من الغرق، إلى الشيخ الجليل "ابن طوعان" الذي تنازل عن قاتل ابنه.
(2)
"النماصي" أنصفته " الصورة واللقطة التي خلّدت ما حدث، ونحن في زمن الأشياء
المُصورة.. والصورة الجيدة تكفي عن ألف كلمة بليغة. لهذا سأكتفي بالحديث هنا عن الشيخ "ابن طوعان الشمري".. وسأقول لكم ما لا تعرفونه عنه، وما لم يروه الإعلام:
"ابن طوعان" – يا سادة يا كرام – تشاجر ولده مع ابن الجيران وقام الأخير بقتله وعندما توافد المعزون إلى داره ردهم، وقال: لن يكون هناك عزاء إلى أن أخرج جاري وابنه من السجن، ما حدث حدث ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكنني لن أسمح بتكرار المصيبة في بيت جاري. وهكذا قام بالتنازل عن حقه في القصاص وأخرج جاره من السجن، وأمره بأن يفتح أبواب بيته، وعندما أطمأن عليه، قال: الآن.. أهلاً بالمعزين!
وما لا يعرفه الإعلام أنه قبل ابنه هذا فقد قبل فترة أبنا ً آخر قُتل في أحد شوارع "حائل" وحدثت هذه الفاجعة في يوم كان هنالك فرح لأحد أقاربه، فتماسك وحمل جثة ابنه إلى المستشفى ولم يخبر أحدا ً من عائلته أو أقاربه بما حدث وذلك لكي لا يُعكر عليهم حفلهم وفرحهم.. وعندما انتهى الحفل وانتصف الليل أخذ زوجته إلى زاوية وأمسك بيديها وقال لها : قولي لا إله إلا الله.. نظر إلى عينيها وقال: أحسن الله عزاءك بابنك عبدالرحمن!
بعدها بيومين فتح باب منزله وإذا بامرأة تقف على الباب.. قالت: أنت ابن طوعان؟ قال: نعم.. قالت بصوت مرتجف: والله إن البطن التي حملته لم – ولن – تحمل غيره.. هو ابني الوحيد يا ابن طوعان.. وأضافت : أنا أم قاتل ابنك!
هل تظنون أن "ابن طوعان" انتظر حتى يتوافد على منزله الشيوخ والوجهاء والأمراء؟.. هل تظنون أنه طمع بدية؟.. هل تظنون أنه فعل كما يفعل المتاجرون بدماء موتاهم وطالب بالملايين؟.. لا والله.. هدأ من روعها، واكتفى بخمس كلمات:
"آمنت بالله.. أبشري بولدك يا ابنتي"!
(3)
عندما تدعون الله ليرزقكم بالجيرة الطيبة.. قولوا :
يا رب ارزقني جارا بصفات وأخلاق "حمود بن طوعان".
وإذا حدث العكس – لا سمح الله – وابتلاك الله بجار مشغول بالمتر الذي أخذته بالخطأ من منزله.. مشغول بكابينة الهاتف المشبوكة بينكما على جدار.. مشغول برفع الجدار بينك وبينه.. فقل في وجهه: "يا عل ما جيرتك جيرة حمود بن طوعان"
هذا هو – يا سادة يا كرام – حمود بن طوعان.. رجل حفظ وصايا نبيه عليه السلام عن الجار وطبقها على الأرض.. رجل أعاد شيئاً من أخلاق العرب بكرمه وحلمه وتسامحه وأنفته.. ألا يستحق مثل هذا الرجل أن نحتفي به، ونقبل جبينه، ونقول له: شكرا؟
(4)
من لا يشكر الناس لا يشكر الله :
ورغم أن "ابن طوعان" رفض كل محاولات الآخرين لتعويضه ومنحه مبلغا من المال.. إلا أن هنالك رجلاً رغم بعده عنّا (أعاده الله سالما معافى) كان يُتابع كل ما يحدث في البلد، ويعرف التفاصيل وأحوال الناس.. علم حفظه الله بحكاية ابن طوعان وأصر على أن يكافئه ويشكره على صنيعه.. هذا الرجل هو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله وألبسه لباس الصحة والعافية. فألف ألف شكر يا أبا خالد وحفظك الرحمن.. كنت وما زلت صاحب الكف النديّة التي تُعطي قبل أن تُسأل.
من لا يشكر الناس لا يشكر الله : حاول رجل الأعمال المعروف الدكتور ناصر الرشيد أن يكافئ ابن طوعان على صنيعه ولكن – ابن طوعان – رفض كعادته.. فهو يردد أنه يفعلها لوجه الله. ولأن الشيخ ناصر الرشيد كان صادقا ومصرا على أن يفعل شيئاً لهذا الرجل، أمر ببناء مسجد على حسابه لابن طوعان.
هذا هو مجتمعنا ببعض صوره النبيلة العظيمة. كل يوم في كتاباتنا نبحث عن عيوبه ونضعها تحت المجهر.. هذا اليوم أردت أن أحتفي به وأتغنى برجالاته الكرام الذين يجعلونك تردد: الدنيا ما تزال بألف خير. حفظ الله كل الطيبين والطيبات في بلادي.
السبت 13 جمادى الآخرة 1430 ـ 6 يونيو 2009 العدد 3172 ـ السنة التاسعة
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?id=11953&issueno=3172
قُبلة على جبين "حمود بن طوعان"
محمد الرطيان
(1)
طوال الشهر الماضي كانت "حايل" نجمة المدن، والسبب شيبها وشبابها الذين يتسابقون إلى المجد والشجاعة والكرم والشرف والمروءة. كانوا يسطرون الحكايات التي سيحفظها تاريخ الأخلاق، ويتباهى بها المستقبل. من الفتى "النماصي" – ورفاقه – الذي رمى بنفسه إلى الخطر لينقذ امرأة من الغرق، إلى الشيخ الجليل "ابن طوعان" الذي تنازل عن قاتل ابنه.
(2)
"النماصي" أنصفته " الصورة واللقطة التي خلّدت ما حدث، ونحن في زمن الأشياء
المُصورة.. والصورة الجيدة تكفي عن ألف كلمة بليغة. لهذا سأكتفي بالحديث هنا عن الشيخ "ابن طوعان الشمري".. وسأقول لكم ما لا تعرفونه عنه، وما لم يروه الإعلام:
"ابن طوعان" – يا سادة يا كرام – تشاجر ولده مع ابن الجيران وقام الأخير بقتله وعندما توافد المعزون إلى داره ردهم، وقال: لن يكون هناك عزاء إلى أن أخرج جاري وابنه من السجن، ما حدث حدث ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكنني لن أسمح بتكرار المصيبة في بيت جاري. وهكذا قام بالتنازل عن حقه في القصاص وأخرج جاره من السجن، وأمره بأن يفتح أبواب بيته، وعندما أطمأن عليه، قال: الآن.. أهلاً بالمعزين!
وما لا يعرفه الإعلام أنه قبل ابنه هذا فقد قبل فترة أبنا ً آخر قُتل في أحد شوارع "حائل" وحدثت هذه الفاجعة في يوم كان هنالك فرح لأحد أقاربه، فتماسك وحمل جثة ابنه إلى المستشفى ولم يخبر أحدا ً من عائلته أو أقاربه بما حدث وذلك لكي لا يُعكر عليهم حفلهم وفرحهم.. وعندما انتهى الحفل وانتصف الليل أخذ زوجته إلى زاوية وأمسك بيديها وقال لها : قولي لا إله إلا الله.. نظر إلى عينيها وقال: أحسن الله عزاءك بابنك عبدالرحمن!
بعدها بيومين فتح باب منزله وإذا بامرأة تقف على الباب.. قالت: أنت ابن طوعان؟ قال: نعم.. قالت بصوت مرتجف: والله إن البطن التي حملته لم – ولن – تحمل غيره.. هو ابني الوحيد يا ابن طوعان.. وأضافت : أنا أم قاتل ابنك!
هل تظنون أن "ابن طوعان" انتظر حتى يتوافد على منزله الشيوخ والوجهاء والأمراء؟.. هل تظنون أنه طمع بدية؟.. هل تظنون أنه فعل كما يفعل المتاجرون بدماء موتاهم وطالب بالملايين؟.. لا والله.. هدأ من روعها، واكتفى بخمس كلمات:
"آمنت بالله.. أبشري بولدك يا ابنتي"!
(3)
عندما تدعون الله ليرزقكم بالجيرة الطيبة.. قولوا :
يا رب ارزقني جارا بصفات وأخلاق "حمود بن طوعان".
وإذا حدث العكس – لا سمح الله – وابتلاك الله بجار مشغول بالمتر الذي أخذته بالخطأ من منزله.. مشغول بكابينة الهاتف المشبوكة بينكما على جدار.. مشغول برفع الجدار بينك وبينه.. فقل في وجهه: "يا عل ما جيرتك جيرة حمود بن طوعان"
هذا هو – يا سادة يا كرام – حمود بن طوعان.. رجل حفظ وصايا نبيه عليه السلام عن الجار وطبقها على الأرض.. رجل أعاد شيئاً من أخلاق العرب بكرمه وحلمه وتسامحه وأنفته.. ألا يستحق مثل هذا الرجل أن نحتفي به، ونقبل جبينه، ونقول له: شكرا؟
(4)
من لا يشكر الناس لا يشكر الله :
ورغم أن "ابن طوعان" رفض كل محاولات الآخرين لتعويضه ومنحه مبلغا من المال.. إلا أن هنالك رجلاً رغم بعده عنّا (أعاده الله سالما معافى) كان يُتابع كل ما يحدث في البلد، ويعرف التفاصيل وأحوال الناس.. علم حفظه الله بحكاية ابن طوعان وأصر على أن يكافئه ويشكره على صنيعه.. هذا الرجل هو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله وألبسه لباس الصحة والعافية. فألف ألف شكر يا أبا خالد وحفظك الرحمن.. كنت وما زلت صاحب الكف النديّة التي تُعطي قبل أن تُسأل.
من لا يشكر الناس لا يشكر الله : حاول رجل الأعمال المعروف الدكتور ناصر الرشيد أن يكافئ ابن طوعان على صنيعه ولكن – ابن طوعان – رفض كعادته.. فهو يردد أنه يفعلها لوجه الله. ولأن الشيخ ناصر الرشيد كان صادقا ومصرا على أن يفعل شيئاً لهذا الرجل، أمر ببناء مسجد على حسابه لابن طوعان.
هذا هو مجتمعنا ببعض صوره النبيلة العظيمة. كل يوم في كتاباتنا نبحث عن عيوبه ونضعها تحت المجهر.. هذا اليوم أردت أن أحتفي به وأتغنى برجالاته الكرام الذين يجعلونك تردد: الدنيا ما تزال بألف خير. حفظ الله كل الطيبين والطيبات في بلادي.