عبدالله القرشي
10-06-2009, 11:10 PM
نريدها مناظرة لا منظرة !!
عندما تختلف قناعات البشر ، وتتقارع الآراء مع بعضها ، تأتي المناظرة كميدان يثبت فيه كل طرف صحة مبدئه .. وسداد توجهه ..
ميادينها تقبع في نواحٍ شتى .. تجدها في البيوت بين أفراد الأسر .. وفي العمل بين الزملاء .. وفي المناسبات بين المدعوين .. وفي الشوارع بين الناس ... إلا أن رسميتها في تلك النواحي فيها نظر !!
إن أكثر ما يسيء هذا المصطلح هو تقوقعه في نقاش بيزنطي لا يضفي على القضية ولا يخدمها ، بل يجعلها تنزوي إلى جدل عقيم ، ويجعل الشعرة تغوص في خلطة عجين .. فبهذا لا تعدو بأن تكون " منظرة " !!
ولكي تكون نتائج المناظرة مثمرة .. فعلى المناظر أن يجعل نصب عينيه أمور لا يحيد عنها ولا يميد تتلخص في قوله تعالى : { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } النحل 125 ..
ومن أشهر علماء الإسلام في المناظرة ، الإمام محمد بن إدريس الشافعي – رحمه الله – الذي قال عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم :
" ما رأيت الشافعي ناظر أحداً إلا رحمته ، ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبعٌ يأكلك ، وهو الذي علَّمَ الناس الحُجج " ..
ومن أمثلة مناظرات الإمام الشافعي التي لا يحتاج فهمها إلى تخصص في العلم ، مناظرته مع الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – الذي كان يرى أن تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً ، مع إيمانه بها ، واعترافه بتقصيره ، كافراً خارجاً من الإسلام تطلق منه زوجته ... إلخ .. بينما يرى بقية الأئمة – ومنهم الشافعي – رحمهم الله جميعاً أنه كافر كفراً أصغر ، لا يخرج به من المِلَّة ، ومرتكب لكبيرة من أعظم الكبائر ..
جاء في كتاب طبقات الشافعية :
قال الشافعي : يا أحمد ، أتقول : إنه يكفر ؟
قال أحمد : نعم .
قال الشافعي : إذا كان كافراً فبِمَ يُسلِم ؟
قال أحمد : يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
قال الشافعي : فالرجل مستديمٌ لهذا القول ، لم يتركه !
قال أحمد : يُسلِم بأن يُصلِّي .
قال الشافعي : صلاة الكافر لا تصح ، ولا يُحكَم له بالإسلام بها .
فسكت الإمام أحمد ..
ومن المناظرات المشهورة مناظرة جرت بين الإمامين الجليلين أبي حنيفة – رحمه الله – ومحمد الباقر – رحمه الله – الذي كان في مقام الوالد والأستاذ لأبي حنيفة ..
قال الشيخ محمد أبو زهرة – رحمه الله – في كتابه الإمام الصادق : كان أبو حنيفة قد اشتهر بكثرة القياس في الفقه ، حتى تناولته الألسن بالملام .
ولما زار أبو حنيفة الإمام الباقر قال محمد الباقر : أنت الذي حوَّلت دين جدي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه إلى القياس ؟!
قال أبو حنيفة : اجلس مكانك ... فإن لك عندي حرمةً كحرمة جدك صلى الله عليه وسلم في حياته على أصحابه .
فجلس ، ثم جثا أبو حنيفة بين يديه ، ثم قال : إني سائلك عن ثلاث كلمات ، فأجبني : الرجل أضعف أم المرأة ؟
قال الباقر : المرأة أضعف !
قال أبو حنيفة : كم سهم كلٍّ منهما في الميراث ؟
قال الباقر : للرجل سهمان ، وللمرأة سهم !
قال أبو حنيفة : هذا عِلمُ جدك ، ولو حوَّلت دين جدك ، لكان ينبغي في القياس أن يكون للرجل سهم ، وللمرأة سهمان ؛ لأن المرأة أضعف من الرجل !
ثم الصلاة أفضل أم الصوم ؟
قال الباقر : الصلاة أفضل !
قال أبو حنيفة : هذا قول جدك ، ولو حوَّلت قول جدك ، لكان أنَّ المرأة إذا طَهُرت من الحيض أمرتها أن تقضي الصلاة ولا تقضي الصوم !
ثم البول أنجس أم النطفة ؟
قال الإمام الباقر : البول أنجس !
قال أبو حنيفة : لو كنت حوَّلت دين جدك بالقياس ، لكنت أمرت أن يُغتسل من البول ، ويُتوضأ من النطفة ، ولكن معاذ الله أن أحوِّل دين جدك بالقياس !
فقام الإمام الباقر ، وعانقه ، وقبَّل وجهه !
ولله در الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله – ... الذي صال بمناظراته الأوساط النصرانية بثقة عالية .. ورتم قوي .. وسعة إطلاعه وعلمه بالأديان .. حتى أسلم على يديه الكثير والكثير من القساوسة والرعاة ..
وما دمعت عيناي إلا لمناظرة المؤمنين يوم القيامة لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار .. فهي أشد ضراوة من أي مناظرة ..
فيومئذٍ يقولون : ربنا ، إخواننا كانوا يصلون معنا ، ويصومون معنا ، ويحجون معنا ، فأدخلتهم النار !
فيقول تعالى : اذهبوا فأخرجوا مَنْ عرفتم ..
فيأتونهم ، فيعرفونهم بصورهم ؛ لأن النار لم تأكل صورهم .. فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ، ومنهم من أخذته إلى كعبيه ، فيخرجونهم .. ثم يشمل الله جل جلاله برحمته بإخراج ثلة مَنْ كان في قلبه وزن دينار من الإيمان .. ثم مَنْ كان في قلبه وزن نصف دينار .. حتى يخرج مَنْ كان في قلبه مثقال ذرة من خير .. فيقبض قبضة من النار أو قبضتين ، فهم أناس لم يعملوا لله خيراً قط قد احترقوا حتى صاروا حمماً .. فيأتي بهم إلى ماء يقال له : ماء الحياة .. فيصب عليهم .. فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل .. فيخرجون من أجسادهم مثل اللؤلؤ .. في أعناقهم الخاتم : عتقاء الله .. فيدخلهم الجنة ..
ونحن هنا الآن كثيراً ما نلتُّ .. ونحن نتناول بأقلامنا وألسنتنا أشياء محددة عبر وسائل إعلامنا دون أن نخلص إلى تقديم رغيف فكري مستوِ يلتهمه القارئ أو المشاهد ..
أشياء كثيرة بين الحين والحين نسقطها في حلبة الجدل .. ولا أقول النقاش .. فتحتد المواقف .. وتشتد العواطف .. وتنتهي إلى عملية إلهاء تستغرق الكثير من الصفحات .. وتستقطب الكثير من الأقلام ..
ونحن غداً سيقف كل منَّا موقف المناظر عن نفسه ، وذلك : { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } النحل111 ..
فهل أعددنا العدة لذلك .. وأحكمنا رباط السدة ؟! لا أعلم حالكم .. ولكني أعددت البقرة ، وآل عمران ، و{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } الملك 1 ،
ورجائي في رحمة ربي لتكون محجتي !
.
عندما تختلف قناعات البشر ، وتتقارع الآراء مع بعضها ، تأتي المناظرة كميدان يثبت فيه كل طرف صحة مبدئه .. وسداد توجهه ..
ميادينها تقبع في نواحٍ شتى .. تجدها في البيوت بين أفراد الأسر .. وفي العمل بين الزملاء .. وفي المناسبات بين المدعوين .. وفي الشوارع بين الناس ... إلا أن رسميتها في تلك النواحي فيها نظر !!
إن أكثر ما يسيء هذا المصطلح هو تقوقعه في نقاش بيزنطي لا يضفي على القضية ولا يخدمها ، بل يجعلها تنزوي إلى جدل عقيم ، ويجعل الشعرة تغوص في خلطة عجين .. فبهذا لا تعدو بأن تكون " منظرة " !!
ولكي تكون نتائج المناظرة مثمرة .. فعلى المناظر أن يجعل نصب عينيه أمور لا يحيد عنها ولا يميد تتلخص في قوله تعالى : { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } النحل 125 ..
ومن أشهر علماء الإسلام في المناظرة ، الإمام محمد بن إدريس الشافعي – رحمه الله – الذي قال عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم :
" ما رأيت الشافعي ناظر أحداً إلا رحمته ، ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبعٌ يأكلك ، وهو الذي علَّمَ الناس الحُجج " ..
ومن أمثلة مناظرات الإمام الشافعي التي لا يحتاج فهمها إلى تخصص في العلم ، مناظرته مع الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – الذي كان يرى أن تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً ، مع إيمانه بها ، واعترافه بتقصيره ، كافراً خارجاً من الإسلام تطلق منه زوجته ... إلخ .. بينما يرى بقية الأئمة – ومنهم الشافعي – رحمهم الله جميعاً أنه كافر كفراً أصغر ، لا يخرج به من المِلَّة ، ومرتكب لكبيرة من أعظم الكبائر ..
جاء في كتاب طبقات الشافعية :
قال الشافعي : يا أحمد ، أتقول : إنه يكفر ؟
قال أحمد : نعم .
قال الشافعي : إذا كان كافراً فبِمَ يُسلِم ؟
قال أحمد : يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
قال الشافعي : فالرجل مستديمٌ لهذا القول ، لم يتركه !
قال أحمد : يُسلِم بأن يُصلِّي .
قال الشافعي : صلاة الكافر لا تصح ، ولا يُحكَم له بالإسلام بها .
فسكت الإمام أحمد ..
ومن المناظرات المشهورة مناظرة جرت بين الإمامين الجليلين أبي حنيفة – رحمه الله – ومحمد الباقر – رحمه الله – الذي كان في مقام الوالد والأستاذ لأبي حنيفة ..
قال الشيخ محمد أبو زهرة – رحمه الله – في كتابه الإمام الصادق : كان أبو حنيفة قد اشتهر بكثرة القياس في الفقه ، حتى تناولته الألسن بالملام .
ولما زار أبو حنيفة الإمام الباقر قال محمد الباقر : أنت الذي حوَّلت دين جدي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه إلى القياس ؟!
قال أبو حنيفة : اجلس مكانك ... فإن لك عندي حرمةً كحرمة جدك صلى الله عليه وسلم في حياته على أصحابه .
فجلس ، ثم جثا أبو حنيفة بين يديه ، ثم قال : إني سائلك عن ثلاث كلمات ، فأجبني : الرجل أضعف أم المرأة ؟
قال الباقر : المرأة أضعف !
قال أبو حنيفة : كم سهم كلٍّ منهما في الميراث ؟
قال الباقر : للرجل سهمان ، وللمرأة سهم !
قال أبو حنيفة : هذا عِلمُ جدك ، ولو حوَّلت دين جدك ، لكان ينبغي في القياس أن يكون للرجل سهم ، وللمرأة سهمان ؛ لأن المرأة أضعف من الرجل !
ثم الصلاة أفضل أم الصوم ؟
قال الباقر : الصلاة أفضل !
قال أبو حنيفة : هذا قول جدك ، ولو حوَّلت قول جدك ، لكان أنَّ المرأة إذا طَهُرت من الحيض أمرتها أن تقضي الصلاة ولا تقضي الصوم !
ثم البول أنجس أم النطفة ؟
قال الإمام الباقر : البول أنجس !
قال أبو حنيفة : لو كنت حوَّلت دين جدك بالقياس ، لكنت أمرت أن يُغتسل من البول ، ويُتوضأ من النطفة ، ولكن معاذ الله أن أحوِّل دين جدك بالقياس !
فقام الإمام الباقر ، وعانقه ، وقبَّل وجهه !
ولله در الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله – ... الذي صال بمناظراته الأوساط النصرانية بثقة عالية .. ورتم قوي .. وسعة إطلاعه وعلمه بالأديان .. حتى أسلم على يديه الكثير والكثير من القساوسة والرعاة ..
وما دمعت عيناي إلا لمناظرة المؤمنين يوم القيامة لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار .. فهي أشد ضراوة من أي مناظرة ..
فيومئذٍ يقولون : ربنا ، إخواننا كانوا يصلون معنا ، ويصومون معنا ، ويحجون معنا ، فأدخلتهم النار !
فيقول تعالى : اذهبوا فأخرجوا مَنْ عرفتم ..
فيأتونهم ، فيعرفونهم بصورهم ؛ لأن النار لم تأكل صورهم .. فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ، ومنهم من أخذته إلى كعبيه ، فيخرجونهم .. ثم يشمل الله جل جلاله برحمته بإخراج ثلة مَنْ كان في قلبه وزن دينار من الإيمان .. ثم مَنْ كان في قلبه وزن نصف دينار .. حتى يخرج مَنْ كان في قلبه مثقال ذرة من خير .. فيقبض قبضة من النار أو قبضتين ، فهم أناس لم يعملوا لله خيراً قط قد احترقوا حتى صاروا حمماً .. فيأتي بهم إلى ماء يقال له : ماء الحياة .. فيصب عليهم .. فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل .. فيخرجون من أجسادهم مثل اللؤلؤ .. في أعناقهم الخاتم : عتقاء الله .. فيدخلهم الجنة ..
ونحن هنا الآن كثيراً ما نلتُّ .. ونحن نتناول بأقلامنا وألسنتنا أشياء محددة عبر وسائل إعلامنا دون أن نخلص إلى تقديم رغيف فكري مستوِ يلتهمه القارئ أو المشاهد ..
أشياء كثيرة بين الحين والحين نسقطها في حلبة الجدل .. ولا أقول النقاش .. فتحتد المواقف .. وتشتد العواطف .. وتنتهي إلى عملية إلهاء تستغرق الكثير من الصفحات .. وتستقطب الكثير من الأقلام ..
ونحن غداً سيقف كل منَّا موقف المناظر عن نفسه ، وذلك : { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } النحل111 ..
فهل أعددنا العدة لذلك .. وأحكمنا رباط السدة ؟! لا أعلم حالكم .. ولكني أعددت البقرة ، وآل عمران ، و{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } الملك 1 ،
ورجائي في رحمة ربي لتكون محجتي !
.