إنسان بسيط
16-06-2009, 11:38 AM
http://www.alwatan.com.sa/news/newsdetail.asp?issueno=3182&id=106438
صحيفة الوطن السعودية
الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1430 ـ 16 يونيو 2009 العدد 3182 ـ السنة التاسعة
--------------------------------------------------------------------------------
آل زلفة يكشف أسباب حملة سليمان باشا وحصار أبها
صورة نادرة لسليمان باشا
أبها: محمد آل عطيف، نادية الفواز
أوضح عضو مجلس الشورى سابقاً المؤرخ الدكتور محمد آل زلفة في محاضرته التي ألقاها مساء أمس في نادي أبها الأدبي؛ أن مدينة أبها تعرضت لكثير من الحصارات والأهوال لعل آخرها قصفها بالطائرات في عام 1962 إثر ثورة اليمن، مشيرا إلى محطة تاريخية مهمة في تاريخ هذه المدينة تعود إلى النصف الأول من شهر ذي القعدة عام 1329 حين شهدت أبها أطول حصار في تاريخها دام عشرة أشهر وعدة أيام.
وعن أسباب هذا الحصار ذكر آل زلفة أن عام 1908 شكل منعطفا هاما في تاريخ الدولة العثمانية، فقد تم الانقلاب الدستوري على السلطان عبدالحميد من قبل جمعية الاتحاد والترقي، وكان لهذا الحدث أثره البالغ على تطورات الأحداث في معظم أنحاء الإمبراطورية العثمانية، وعلى ولاياتها في المشرق العربي، وعلى مناطق نفوذها في الجزيرة العربية على وجه الخصوص، وتزامن مع قيام هذا الانقلاب تطورات في كل من عسير والحجاز واليمن، فعسير التي يتميز موقعها الجغرافي كحد فاصل بين ولايتي اليمن في الجنوب والحجاز في الشمال كانت لواء مستقلاً منذ أن أطيح بحكومته المستقلة في عام 1288هـ، إلا أنها شهدت الكثير من الثورات لم يشهد لها مثيل في أي من الولايتين المتاخمتين، وربما العديد من الولايات الأخرى، وبذلت الدولة العثمانية جهودا مضنية في التعامل مع هذه الثورات، التي كانت أسباب بعضها عدم معرفة العثمانيين طريقة التعامل مع طبيعة أحوال وأوضاع السكان هناك المعروفين بشغفهم بحب الحرية والرفض المطلق لأي نوع من أنواع التسلط أو الرضوخ لإرادة الأجنبي، ولعل خير من شخص الطريقة المثلى في التعامل مع الإنسان العربي – بحسب آل زلفة -، خاصة في الجزيرة العربية هو أحد الضباط العثمانيين الذي شارك في حملة إسقاط إمارة عسير عام 1288هـ وشارك في قمع الثورات التي واجهوها هناك، وكتب كتابا مفصلا عن حرب سقوط إمارة عسير وضم اليمن وهو اللواء أحمد راشد باشا، حيث كتب رأيه في أسباب تعدد الثورات في هذا الإقليم بقوله "إن إدارة العنصر العربي له وضع خاص يختلف عن إدارة العناصر الأخرى من البشر، لأن العربي يملك حساسية فائقة، فإذا كان ضمن حلقة إدارية سيئة رفض الطاعة وجنح إلى التمرد والعصيان، وإذا لقي الإدارة الحسنة والقول اللين أقبل راضيا ومرتضيا ومتعاونا".
وتابع آل زلفة قائلا: "هذا الشعور بالإحباط لدى العسيريين وعدم الثقة في الحكومة العثمانية وإدارتها في عسير وعجزها حتى عن تحقيق الحد الأدنى من الأمن للمواطنين، جعلتهم فريسة سهلة لما كان الإدريسي يروجه لنفسه من أنه القادر على القيام بكل ما فشلت الدولة العثمانية في القيام به، وزاد من انجذاب الناس لدعوته بأنه سيطبق حكم الشريعة فيما اختلف الناس فيه، وادعى أن الدولة العثمانية لم تكن دولة تطبق الشريعة وخاصة بعد قيام الانقلاب والعمل بالدستور الذي أشاع في أوساط الناس أنه عمل يتنافى مع روح الشريعة، وادعى لنفسه الكثير من الكرامات وأنه في درجة المهدي المنتظر، واستخدم وسائل استغل فيها عقول القوم المعروفين ببساطتهم"، وهو ما جعل الدولة – كما يقول آل زلفة - تستشعر خطورة دعوة الإدريسي وأثرها على خلق روح ثورة عارمة تكاد تعم كل الإقليم، ومن أجل هذا بدأت الدولة وهي في حالة مضطربة في البحث عن رجل من رجالاتها يملك قدرات ومؤهلات ومعرفة بأحوال هذه المنطقة ومعرفة باللغة العربية ليتولى الأمر فيها ويتولى إلى جانب وظيفة المتصرف قائداً للقوات العسكرية فيها للتصدي للثورة التي أشعل الإدريسي أوارها، حيث وجدت الدولة ضالتها في سليمان شفيق كمالي باشا.
وبين آل زلفة أن تكليف سليمان باشا بتولي مهام منصبه متصرفاً لعسير لم يكن بداية معرفته بالعرب وبلادهم وثقافتهم ولغتهم، بل علاقته بالعرب والعربية تعود إلى قبل ذلك الزمن بكثير، حيث يقول عن نفسه في مذكراته عن فترة حكمه في عسير التي نشرت لأول مرة في 36 حلقة في صحيفة الأهرام عام 1924 وبعد 47 سنة نشرتها مجلة العرب لصاحبها الشيخ حمد الجاسر في عام 1971، ثم صدرت بعد ذلك في عدة إصدارات منها إصدار نادي أبها الأدبي تحقيق محمد أحمد العقيلي، "على أثر إعلان الحكومة العثمانية النظام الدستوري عهد إلي قيادة منطقة إسكدار في الأستانة، ثم لما حدثت ثورة 13 أبريل المعلومة (أي ثورة الانقلاب الدستوري) وقع عليّ الاختيار لأكون متصرفاً في لواء عسير وقائداً لجنوده. وقد كانت لي صلة وود قلبي مع الشعب العربي من حداثة سني، لأن والدي المرحوم علي كمالي باشا كان والياً على طرابلس الغرب، وبنغازي أيام فتوتي ثم تولى إمارة الحج الشامي - وكنت ضابطاً في مقتبل العٌمر – فصحبته من دمشق إلى مكة المكرمة من طريق البر ووجدت ضابطاً في اليمن برتبة قائد (أ) بين سنتي 1893 و1895 – فهذه الأواصر ربطتني بالشعب العربي وجعلتني أفهم لغته. وكان السبب في اختياري لهذا المنصب في عسير وقوفي كثيراً أو قليلاً على أحوال البلاد العربية وأهلها ورغبتي الشخصية في العمل ببلاد العرب".
ينحدر سليمان شفيق من عائلة سويله مز أوغلي المشهورة في مدينة أرضروم التركية، ولد في سنة 1864، تولى متصرفية عسير وقيادة الجيش فيه من سنة 1908 – 1912، ثم انتقل من عسير إلى سوريا والياً، وفي سنة 1913 تولى ولاية البصرة وقيادة الفيلق العثماني المرابط فيها وأوكل إليه أمر استعادة الأحساء من الملك عبدالعزيز إلا أنه اقترح على دولته الدخول في مفاوضات مع الملك عبدالعزيز بدلاً من الدخول في حرب معه، وتم الصلح بين الملك عبدالعزيز والدولة العثمانية على يد سليمان باشا. بعد الحرب العالمية الأولى أسندت إليه وزارة الحربية عام 1919 وواجه الثورة الكمالية (ثورة مصطفى كمال) لأن سليمان باشا كان من المعارضين لإلغاء الخلافة فصدر بحقه و150 من رفاقه حكم الإعدام فاضطر إلى الهرب ووفد على الملك عبدالعزيز يرافقه ابنه تورجت وكان مهندس لاسلكي فأرسله الملك عبدالعزيز لإنشاء أول برقية في أبها، وظل سليمان باشا في الطائف لبعض الوقت ثم انتقل منها إلى القاهرة حيث تفرغ لكتابة مذكراته عن عسير ونشرها في صحيفةة الأهرام. ولم يرجع إلى تركيا إلا بعد شموله بالعفو العام الصادر بحق رجالات الدولة العثمانية وذلك في سنة 1941، وأمضى بقية عمره في إسطنبول حيث توفي في 13 فبراير 1946.
وكشف آل زلفة أنه أثناء وجوده في إسطنبول في مايو الماضي حصل على مذكرات سليمان باشا عن وقائع الانقلاب العثماني الصادرة في إسطنبول عام 2004 ونشرت بإشراف ابنته التي تبلغ من العمر حوالي 93 عاما. وقال "في هذه المذكرات معلومات إضافية عن عسير آمل أن أرى اليوم الذي أراها فيه وقد ترجمت إلى اللغة العربية لأهميتها وأهمية كاتبها".
--------------------------------------------------------------------------------
حقوق الطبع © محفوظة لصحيفة الوطن 2007
صحيفة الوطن السعودية
الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1430 ـ 16 يونيو 2009 العدد 3182 ـ السنة التاسعة
--------------------------------------------------------------------------------
آل زلفة يكشف أسباب حملة سليمان باشا وحصار أبها
صورة نادرة لسليمان باشا
أبها: محمد آل عطيف، نادية الفواز
أوضح عضو مجلس الشورى سابقاً المؤرخ الدكتور محمد آل زلفة في محاضرته التي ألقاها مساء أمس في نادي أبها الأدبي؛ أن مدينة أبها تعرضت لكثير من الحصارات والأهوال لعل آخرها قصفها بالطائرات في عام 1962 إثر ثورة اليمن، مشيرا إلى محطة تاريخية مهمة في تاريخ هذه المدينة تعود إلى النصف الأول من شهر ذي القعدة عام 1329 حين شهدت أبها أطول حصار في تاريخها دام عشرة أشهر وعدة أيام.
وعن أسباب هذا الحصار ذكر آل زلفة أن عام 1908 شكل منعطفا هاما في تاريخ الدولة العثمانية، فقد تم الانقلاب الدستوري على السلطان عبدالحميد من قبل جمعية الاتحاد والترقي، وكان لهذا الحدث أثره البالغ على تطورات الأحداث في معظم أنحاء الإمبراطورية العثمانية، وعلى ولاياتها في المشرق العربي، وعلى مناطق نفوذها في الجزيرة العربية على وجه الخصوص، وتزامن مع قيام هذا الانقلاب تطورات في كل من عسير والحجاز واليمن، فعسير التي يتميز موقعها الجغرافي كحد فاصل بين ولايتي اليمن في الجنوب والحجاز في الشمال كانت لواء مستقلاً منذ أن أطيح بحكومته المستقلة في عام 1288هـ، إلا أنها شهدت الكثير من الثورات لم يشهد لها مثيل في أي من الولايتين المتاخمتين، وربما العديد من الولايات الأخرى، وبذلت الدولة العثمانية جهودا مضنية في التعامل مع هذه الثورات، التي كانت أسباب بعضها عدم معرفة العثمانيين طريقة التعامل مع طبيعة أحوال وأوضاع السكان هناك المعروفين بشغفهم بحب الحرية والرفض المطلق لأي نوع من أنواع التسلط أو الرضوخ لإرادة الأجنبي، ولعل خير من شخص الطريقة المثلى في التعامل مع الإنسان العربي – بحسب آل زلفة -، خاصة في الجزيرة العربية هو أحد الضباط العثمانيين الذي شارك في حملة إسقاط إمارة عسير عام 1288هـ وشارك في قمع الثورات التي واجهوها هناك، وكتب كتابا مفصلا عن حرب سقوط إمارة عسير وضم اليمن وهو اللواء أحمد راشد باشا، حيث كتب رأيه في أسباب تعدد الثورات في هذا الإقليم بقوله "إن إدارة العنصر العربي له وضع خاص يختلف عن إدارة العناصر الأخرى من البشر، لأن العربي يملك حساسية فائقة، فإذا كان ضمن حلقة إدارية سيئة رفض الطاعة وجنح إلى التمرد والعصيان، وإذا لقي الإدارة الحسنة والقول اللين أقبل راضيا ومرتضيا ومتعاونا".
وتابع آل زلفة قائلا: "هذا الشعور بالإحباط لدى العسيريين وعدم الثقة في الحكومة العثمانية وإدارتها في عسير وعجزها حتى عن تحقيق الحد الأدنى من الأمن للمواطنين، جعلتهم فريسة سهلة لما كان الإدريسي يروجه لنفسه من أنه القادر على القيام بكل ما فشلت الدولة العثمانية في القيام به، وزاد من انجذاب الناس لدعوته بأنه سيطبق حكم الشريعة فيما اختلف الناس فيه، وادعى أن الدولة العثمانية لم تكن دولة تطبق الشريعة وخاصة بعد قيام الانقلاب والعمل بالدستور الذي أشاع في أوساط الناس أنه عمل يتنافى مع روح الشريعة، وادعى لنفسه الكثير من الكرامات وأنه في درجة المهدي المنتظر، واستخدم وسائل استغل فيها عقول القوم المعروفين ببساطتهم"، وهو ما جعل الدولة – كما يقول آل زلفة - تستشعر خطورة دعوة الإدريسي وأثرها على خلق روح ثورة عارمة تكاد تعم كل الإقليم، ومن أجل هذا بدأت الدولة وهي في حالة مضطربة في البحث عن رجل من رجالاتها يملك قدرات ومؤهلات ومعرفة بأحوال هذه المنطقة ومعرفة باللغة العربية ليتولى الأمر فيها ويتولى إلى جانب وظيفة المتصرف قائداً للقوات العسكرية فيها للتصدي للثورة التي أشعل الإدريسي أوارها، حيث وجدت الدولة ضالتها في سليمان شفيق كمالي باشا.
وبين آل زلفة أن تكليف سليمان باشا بتولي مهام منصبه متصرفاً لعسير لم يكن بداية معرفته بالعرب وبلادهم وثقافتهم ولغتهم، بل علاقته بالعرب والعربية تعود إلى قبل ذلك الزمن بكثير، حيث يقول عن نفسه في مذكراته عن فترة حكمه في عسير التي نشرت لأول مرة في 36 حلقة في صحيفة الأهرام عام 1924 وبعد 47 سنة نشرتها مجلة العرب لصاحبها الشيخ حمد الجاسر في عام 1971، ثم صدرت بعد ذلك في عدة إصدارات منها إصدار نادي أبها الأدبي تحقيق محمد أحمد العقيلي، "على أثر إعلان الحكومة العثمانية النظام الدستوري عهد إلي قيادة منطقة إسكدار في الأستانة، ثم لما حدثت ثورة 13 أبريل المعلومة (أي ثورة الانقلاب الدستوري) وقع عليّ الاختيار لأكون متصرفاً في لواء عسير وقائداً لجنوده. وقد كانت لي صلة وود قلبي مع الشعب العربي من حداثة سني، لأن والدي المرحوم علي كمالي باشا كان والياً على طرابلس الغرب، وبنغازي أيام فتوتي ثم تولى إمارة الحج الشامي - وكنت ضابطاً في مقتبل العٌمر – فصحبته من دمشق إلى مكة المكرمة من طريق البر ووجدت ضابطاً في اليمن برتبة قائد (أ) بين سنتي 1893 و1895 – فهذه الأواصر ربطتني بالشعب العربي وجعلتني أفهم لغته. وكان السبب في اختياري لهذا المنصب في عسير وقوفي كثيراً أو قليلاً على أحوال البلاد العربية وأهلها ورغبتي الشخصية في العمل ببلاد العرب".
ينحدر سليمان شفيق من عائلة سويله مز أوغلي المشهورة في مدينة أرضروم التركية، ولد في سنة 1864، تولى متصرفية عسير وقيادة الجيش فيه من سنة 1908 – 1912، ثم انتقل من عسير إلى سوريا والياً، وفي سنة 1913 تولى ولاية البصرة وقيادة الفيلق العثماني المرابط فيها وأوكل إليه أمر استعادة الأحساء من الملك عبدالعزيز إلا أنه اقترح على دولته الدخول في مفاوضات مع الملك عبدالعزيز بدلاً من الدخول في حرب معه، وتم الصلح بين الملك عبدالعزيز والدولة العثمانية على يد سليمان باشا. بعد الحرب العالمية الأولى أسندت إليه وزارة الحربية عام 1919 وواجه الثورة الكمالية (ثورة مصطفى كمال) لأن سليمان باشا كان من المعارضين لإلغاء الخلافة فصدر بحقه و150 من رفاقه حكم الإعدام فاضطر إلى الهرب ووفد على الملك عبدالعزيز يرافقه ابنه تورجت وكان مهندس لاسلكي فأرسله الملك عبدالعزيز لإنشاء أول برقية في أبها، وظل سليمان باشا في الطائف لبعض الوقت ثم انتقل منها إلى القاهرة حيث تفرغ لكتابة مذكراته عن عسير ونشرها في صحيفةة الأهرام. ولم يرجع إلى تركيا إلا بعد شموله بالعفو العام الصادر بحق رجالات الدولة العثمانية وذلك في سنة 1941، وأمضى بقية عمره في إسطنبول حيث توفي في 13 فبراير 1946.
وكشف آل زلفة أنه أثناء وجوده في إسطنبول في مايو الماضي حصل على مذكرات سليمان باشا عن وقائع الانقلاب العثماني الصادرة في إسطنبول عام 2004 ونشرت بإشراف ابنته التي تبلغ من العمر حوالي 93 عاما. وقال "في هذه المذكرات معلومات إضافية عن عسير آمل أن أرى اليوم الذي أراها فيه وقد ترجمت إلى اللغة العربية لأهميتها وأهمية كاتبها".
--------------------------------------------------------------------------------
حقوق الطبع © محفوظة لصحيفة الوطن 2007