ابوحفص
27-08-2009, 12:49 AM
صم بكم يدعون إلى الله
يقول أحد الدعاة: لم يكن أبو عبد الله يختلف كثيراً عنأصدقائي لكنه والله يشهد من أحرصهم على الخير، له عدة نشاطات دعوية من أبرزها مايقوم به أثناء عمله، فهو يعمل مترجماً في معهد الصم والبكم .. اتصل بي يوماً وقال: مارأيك أن أحضر إلى مسجدك اثنين من منسوبي الصم لإلقاء كلمة عامة على المصلين .. تعجبت !!
وقلت: صم يلقون كلمة على ناطقين؟!!
قال: نعم .. وليكن مجيئنا يومالأحد .
انتظرت يوم الأحد بفارغ الصبر وجاء الموعد وقفت عند باب المسجدأنتظر، فإذا بأبي عبد الله يقبل بسيارته وقف قريباً من الباب نزل ومعه رجلان أحدهمايمشي بجانبه والثاني قد أمسكه أبو عبد الله يقوده بيده..
نظرت إلى الأول فإذا هوأصم أبكم لا يسمع ولا يتكلم لكنه يرى، والثاني أصم .. أبكم .. أعمى .. لا يسمع ولايتكلم ولا يرى, مددت يدي وصافحت أبا عبد الله كان الذي عن يمينه اسمه أحمد ينظرإلي مبتسماً فمددت يدي إليه مصافحاً فقال لي أبو عبد الله وأشار إلى الأعمى سلمأيضاً على فايز قلت: السلام عليكم يا فايز.
فقال أبو عبد الله :أمسك يده هو لايسمعك ولا يراك جعلت يدي في يده .. فشدني وهز يدي.
دخلا الجميع المسجد .. وبعد الصلاة جلس أبو عبد الله على الكرسي وعن يمينه أحمد وعن يساره فايز كان الناسينظرون مندهشين . لم يتعودوا أن يجلس على كرسي المحاضرات أصم .. التفت أبو عبد اللهإلى أحمد وأشار إليه فبدأ أحمد يشير بيديه .. والناس ينظرون.
فاقترب أبي عبد اللهإلى مكبر الصوت وقال: أحمد يحكي لكم قصة هدايته ويقول لكم: ولدت أصم ونشأت فيجدة وكان أهلي يهملونني ولا يلتفتون إلي، كنت أرى الناس يذهبون إلى المسجد ولا أدريلماذا, أرى أبي أحياناً يفرش سجادته ويركع ويسجد ولا أدري ماذا يفعل، وإذا سألتأهلي عن شيء احتقروني ولم يجيبوني.. ثم سكت أبو عبد الله والتفت إلى أحمد وأشار لهفواصل حديثه وأخذ يشير بيديه ثم تغير وجهه ..وكأنه تأثر ..خفض أبو عبد الله رأسه ثمبكى أحمد .. وأجهش بالبكاء تأثر كثير من الناس .. لا يدرون لماذا يبكي, واصل حديثهوإشارته بتأثر ثم توقف.
فقال أبو عبد الله: أحمد يحكي لكم الآن فترة التحولفي حياته وكيف أنه عرف الله والصلاة بسبب شخص في الشارع عطف عليه وعلمه، وكيف أنه لمابدأ يصلي شعر بقدر قربه من الله وتخيل الأجر العظيم لبلائه وكيف أنه ذاق حلاوةالإيمان , ومضى أبو عبد الله يحكي لنا بقية قصة أحمد وكان أكثر الناس مشدوداًمتأثرا.ً
لكني كنت منشغلاً أنظر إلى أحمد تارة وإلى فايز تارة أخرى وأقول فينفسي: هاهو أحمد يرى ويعرف لغة الإشارة وأبو عبد الله يتفاهم معه بالإشارة ترى كيفسيتفاهم مع فايز وهو لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم انتهى أحمد من كلمته ومضى يمسحبقايا دموعه .. التفت أبو عبد الله إلى فايز قلت في نفسي: هه؟! ماذا سيفعل؟
ضرب أبو عبد الله بأصبعه على ركبة فايز فانطلق فايز كالسهم وألقى كلمة مؤثرةتدري كيف ألقاها ؟ بالكلام كلا فهو أبكم لا يتكلم , بالإشارة كلا فهو أعمى لميتعلم لغة الإشارة.
ألقى الكلمة ( باللمس ) يجعل أبو عبد الله ( المترجم ) يدهبين يدي فايز فيلمسه فايز لمسات معينة يفهم منها المترجم مراده ثم يمضي يحكي لنا مافهمه من فايز وقد يستغرق ذلك ربع ساعة وفايز ساكن هادئ لا يدري هل انتهى المترجم أملا , فإذا انتهى المترجم من كلامه ضرب ركبة فايز فيمد فايز يديه فيضع المترجم يدهبين يديه ثم يلمسه فايز لمسات أخرى, ظل الناس يتنقلون بأعينهم بين فايز والمترجمبين عجب تارة وإعجاب تارة أخرى وجعل فايز يحث الناس على التوبة،كان أحياناً يمسكأذنيه وأحياناً يضع كفيه على عينيه فإذا هو يأمر الناس بحفظ الأسماع والأبصار عنالحرام.
يقول الشيخ: كنت أنظر إلى الناس فأرى بعضهم يتمتم : سبحان الله .. وبعضهم يهمس إلى الذي بجانبه .. وبعضهم يتابع بشغف .. وبعضهم يبكي.
أما أنا فقدذهبت بعيداً أخذت أقارن بقدراته وقدراتهم ثم أقارن بين خدمته للدين وخدمتهم , الهمالذي يحمله رجل أعمى أصم أبكم لعله يعدل الهم الذي يحمله هؤلاء جميعاً , والناس ألفمنهم كواحد وواحد منهم كألف.
رجل محدود القدرات لكنه يحترق في سبيل خدمةالدين يشعر أنه جندي من جنود الإسلام مسئول عن كل عاص ومقصر كان يحرك يديه بحرقةوكأنه يقول: يا تارك الصلاة إلى متى؟ يا مطلق البصر في الحرام إلى متى؟ ياواقعاً في الفواحش؟ يا آكلاً للحرام ؟ بل يا واقعاً في الشرك ؟ كلكم إلى متى.
أما يكفي حرب الأعداء لديننا فتحاربونه أنتم أيضاً ! كان المسكين يتلونوجهه ويعتصر ليستطيع إخراج ما في صدره.. تأثر الناس كثيراً لم ألتفت إليهم لكني سمعتبكاء وتسبيحات , انتهى فايز من كلمته قام أبو عبد الله وأخذ بيده ومضى به خارجاً منالمسجد , أخذت أمشي بجانبهما وهما متوجهان للسيارة والمترجم وفايز يتمازحان فيسعادة غامرة، فقلت في نفسي: آه ما أحقر الدنيا كم من أحد لم يصب بربع مصابك يا فايزولم يستطع أن ينتصر على الضيق والحزن أين أصحاب الأمراض المزمنة فشل كلوي ـ شلل ـجلطات سكري ـ إعاقات ـ لماذا لا يستمتعون بحياتهم ويتكيفون مع واقعهم؟!
ومضة:ما أجمل أن يبتلي الله عبده فيراه شاكراً راضياً محتسبا.ً
محبكم في الله : شامل.
المصدر : من كتاب : عاشق فيغرفة العمليات.
يقول أحد الدعاة: لم يكن أبو عبد الله يختلف كثيراً عنأصدقائي لكنه والله يشهد من أحرصهم على الخير، له عدة نشاطات دعوية من أبرزها مايقوم به أثناء عمله، فهو يعمل مترجماً في معهد الصم والبكم .. اتصل بي يوماً وقال: مارأيك أن أحضر إلى مسجدك اثنين من منسوبي الصم لإلقاء كلمة عامة على المصلين .. تعجبت !!
وقلت: صم يلقون كلمة على ناطقين؟!!
قال: نعم .. وليكن مجيئنا يومالأحد .
انتظرت يوم الأحد بفارغ الصبر وجاء الموعد وقفت عند باب المسجدأنتظر، فإذا بأبي عبد الله يقبل بسيارته وقف قريباً من الباب نزل ومعه رجلان أحدهمايمشي بجانبه والثاني قد أمسكه أبو عبد الله يقوده بيده..
نظرت إلى الأول فإذا هوأصم أبكم لا يسمع ولا يتكلم لكنه يرى، والثاني أصم .. أبكم .. أعمى .. لا يسمع ولايتكلم ولا يرى, مددت يدي وصافحت أبا عبد الله كان الذي عن يمينه اسمه أحمد ينظرإلي مبتسماً فمددت يدي إليه مصافحاً فقال لي أبو عبد الله وأشار إلى الأعمى سلمأيضاً على فايز قلت: السلام عليكم يا فايز.
فقال أبو عبد الله :أمسك يده هو لايسمعك ولا يراك جعلت يدي في يده .. فشدني وهز يدي.
دخلا الجميع المسجد .. وبعد الصلاة جلس أبو عبد الله على الكرسي وعن يمينه أحمد وعن يساره فايز كان الناسينظرون مندهشين . لم يتعودوا أن يجلس على كرسي المحاضرات أصم .. التفت أبو عبد اللهإلى أحمد وأشار إليه فبدأ أحمد يشير بيديه .. والناس ينظرون.
فاقترب أبي عبد اللهإلى مكبر الصوت وقال: أحمد يحكي لكم قصة هدايته ويقول لكم: ولدت أصم ونشأت فيجدة وكان أهلي يهملونني ولا يلتفتون إلي، كنت أرى الناس يذهبون إلى المسجد ولا أدريلماذا, أرى أبي أحياناً يفرش سجادته ويركع ويسجد ولا أدري ماذا يفعل، وإذا سألتأهلي عن شيء احتقروني ولم يجيبوني.. ثم سكت أبو عبد الله والتفت إلى أحمد وأشار لهفواصل حديثه وأخذ يشير بيديه ثم تغير وجهه ..وكأنه تأثر ..خفض أبو عبد الله رأسه ثمبكى أحمد .. وأجهش بالبكاء تأثر كثير من الناس .. لا يدرون لماذا يبكي, واصل حديثهوإشارته بتأثر ثم توقف.
فقال أبو عبد الله: أحمد يحكي لكم الآن فترة التحولفي حياته وكيف أنه عرف الله والصلاة بسبب شخص في الشارع عطف عليه وعلمه، وكيف أنه لمابدأ يصلي شعر بقدر قربه من الله وتخيل الأجر العظيم لبلائه وكيف أنه ذاق حلاوةالإيمان , ومضى أبو عبد الله يحكي لنا بقية قصة أحمد وكان أكثر الناس مشدوداًمتأثرا.ً
لكني كنت منشغلاً أنظر إلى أحمد تارة وإلى فايز تارة أخرى وأقول فينفسي: هاهو أحمد يرى ويعرف لغة الإشارة وأبو عبد الله يتفاهم معه بالإشارة ترى كيفسيتفاهم مع فايز وهو لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم انتهى أحمد من كلمته ومضى يمسحبقايا دموعه .. التفت أبو عبد الله إلى فايز قلت في نفسي: هه؟! ماذا سيفعل؟
ضرب أبو عبد الله بأصبعه على ركبة فايز فانطلق فايز كالسهم وألقى كلمة مؤثرةتدري كيف ألقاها ؟ بالكلام كلا فهو أبكم لا يتكلم , بالإشارة كلا فهو أعمى لميتعلم لغة الإشارة.
ألقى الكلمة ( باللمس ) يجعل أبو عبد الله ( المترجم ) يدهبين يدي فايز فيلمسه فايز لمسات معينة يفهم منها المترجم مراده ثم يمضي يحكي لنا مافهمه من فايز وقد يستغرق ذلك ربع ساعة وفايز ساكن هادئ لا يدري هل انتهى المترجم أملا , فإذا انتهى المترجم من كلامه ضرب ركبة فايز فيمد فايز يديه فيضع المترجم يدهبين يديه ثم يلمسه فايز لمسات أخرى, ظل الناس يتنقلون بأعينهم بين فايز والمترجمبين عجب تارة وإعجاب تارة أخرى وجعل فايز يحث الناس على التوبة،كان أحياناً يمسكأذنيه وأحياناً يضع كفيه على عينيه فإذا هو يأمر الناس بحفظ الأسماع والأبصار عنالحرام.
يقول الشيخ: كنت أنظر إلى الناس فأرى بعضهم يتمتم : سبحان الله .. وبعضهم يهمس إلى الذي بجانبه .. وبعضهم يتابع بشغف .. وبعضهم يبكي.
أما أنا فقدذهبت بعيداً أخذت أقارن بقدراته وقدراتهم ثم أقارن بين خدمته للدين وخدمتهم , الهمالذي يحمله رجل أعمى أصم أبكم لعله يعدل الهم الذي يحمله هؤلاء جميعاً , والناس ألفمنهم كواحد وواحد منهم كألف.
رجل محدود القدرات لكنه يحترق في سبيل خدمةالدين يشعر أنه جندي من جنود الإسلام مسئول عن كل عاص ومقصر كان يحرك يديه بحرقةوكأنه يقول: يا تارك الصلاة إلى متى؟ يا مطلق البصر في الحرام إلى متى؟ ياواقعاً في الفواحش؟ يا آكلاً للحرام ؟ بل يا واقعاً في الشرك ؟ كلكم إلى متى.
أما يكفي حرب الأعداء لديننا فتحاربونه أنتم أيضاً ! كان المسكين يتلونوجهه ويعتصر ليستطيع إخراج ما في صدره.. تأثر الناس كثيراً لم ألتفت إليهم لكني سمعتبكاء وتسبيحات , انتهى فايز من كلمته قام أبو عبد الله وأخذ بيده ومضى به خارجاً منالمسجد , أخذت أمشي بجانبهما وهما متوجهان للسيارة والمترجم وفايز يتمازحان فيسعادة غامرة، فقلت في نفسي: آه ما أحقر الدنيا كم من أحد لم يصب بربع مصابك يا فايزولم يستطع أن ينتصر على الضيق والحزن أين أصحاب الأمراض المزمنة فشل كلوي ـ شلل ـجلطات سكري ـ إعاقات ـ لماذا لا يستمتعون بحياتهم ويتكيفون مع واقعهم؟!
ومضة:ما أجمل أن يبتلي الله عبده فيراه شاكراً راضياً محتسبا.ً
محبكم في الله : شامل.
المصدر : من كتاب : عاشق فيغرفة العمليات.