المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصه توبة حقيقة / حكمت الخباز التركي ولفح النار


amghad
06-09-2009, 05:40 PM
كان حكمت عاملا مجتهدا في مخبز البلدية،
وكان آخر من يغادر المخبز غالبا. كانفرن المخبز كبيرا يحتاج في
بعض الأحيان إلى تنظيف، وكثيرا ما يقوم حكمت بهذاالعمل. كان
اليوم الأخير لأحد الأعياد. غدًا تنتهي العطلة الرسمية وتعود
البلدية لبيع الخبز من جديد. ذهب حكمت في ساعة متأخرة من الليل
إلى المخبزلينظف الفرن الرئيسي. دخل المخبز وقفل الباب الخارجي،
سينظف الفرن ويعود إلىمنزله فورا، وعندما يأتي العمال في الساعة
الرابعة فجرا سيجدون الفرن نظيفا،فيضغطون على الزر الكهربائي
لإيقاده، وما هي إلا دقائق حتى تحصل الحرارةالمطلوبة بينما
يكونون هم قد انتهوا من العجين وأعدوه للخبز. كان حكمت في الفرن
الرئيسي مستسلما لعمله منفصلا عما حوله تماما. وفي تلك الأثناء
بالضبط دخلالمخبز زميله راغب ليأخذ ملابسه المتسخة للغسل. فتح
الباب الخارجي في حيرة،وتمتم قائلا: "عجيب! أبلغ الإهمال إلى
هذا الحد ليتركوا الأنوار مفتوحة فيالداخل؟" تناول ملابسه واتجه
نحو الباب الخارجي فوجد باب الفرن مفتوحا، فدفعهبرفق، ولم يهمل
إطفاء الأنوار. وما كادت الأنوار تنطفئ حتى هرع حكمت إلى باب
الفرن بارتياع، لكن دون جدوى إذ كان الباب مقفلاً. أخذ يصرخ بما
لديه منقوة صوت، وضرب بقبضتيه الباب بشدة ومرات متكررة بلا
فائدة. لا أحد يسمع صوتهولا أحد يشعر بأنينه وصراخه. اقشعر جلده
واعترته رجفة عنيفة وأخذته دهشة رهيبة. لم يصح من الصدمة لمدة
طويلة... نظر إلى الساعة... الحادية عشرة وخمس دقائق... لم يبق
سوى خمس ساعات فقط. خمس ساعات بينه وبين الموت. الموت يقف ماثلا
محددا أنظاره النارية إليه مكشرا عن أنيابه المرعبة. ها هو سيلقى
في نارجهنم قبل أن ينتقل إلى دار الآخرة. أخذ يتخيل ما سيحدث،
ستزداد حرارة الفرنرويدا رويدا، وسيشعر أولا بالعرق يبلل كل
جسده، ثم ينفد الهواء النقي وتطبقعليه الجدران حتى تخنقه، وتكثر
الحرارة وتتلظى النيران ويتميز المكان غيظاوحدة، ويأخذ دهن جسده
يذوب ببطء، وتلفح ألسنة النار لحمه فتشويه. ومن يدري فقديموت
قبل أن تحدث كل هذه الأمور بسكتة قلبية، أو قد يفقد عقله ويصرخ
كالمجنون. آه ليته يجن، الجنون أفضل شيء في مثل هذا الموقف، إذن
ينجو منعذاب نار التفكير المتأججة في دماغه. وتذكر لذع الحرارة
عندما كان يخرج الأرغفةمن الفرن المضطرم، ذلك القدر من الحرارة
فقط لم يكن يطيقه فيلقي بالأرغفة منيديه فورا. ولكن ها هو سيشوى
الآن حياً. قبل بضعة أيام بينما كان يغلي شايا علىموقد صغير مع
زملائه مست يده طرفا من الحديد المحمر كالجمر، يا إلهي، كم كان
الألم فظيعا وكيف انتفخت أصابعه بسرعة، فأسرع بوضعها في الماء
البارد لمدةطويلة عله يخفف من آلامه. أما الآن، فلن يحترق أصبع
أو أصبعان بل كل جسده وكلذرة في جسده. تمثلت أمام عينيه مشاهد
من بعض الأفلام، رجال وقد اشتعلت فيهمالنار تأكلهم وهم يتلوون
يمنة ويسرة ويسقطون على الأرض دون جدوى ويصرخون بجنونويستغيثون
حيث لا مغيث. كأن الحرارة ارتفعت... هل ضغط الرجل على مفتاح
الفرن حين أغلق الباب يا ترى؟ وإلا لماذا ارتفعت حرارة المكان
هكذا؟ ياإلهي! هل حانت اللحظة الفظيعة؟! نظر إلى ساعته مرة
أخرى، النصف بعد الواحدةليلا... كيف مضت ساعتان بهذه السرعة؟
مضت الدقائق كالريح الجارية، كالعمرتماما. مد يده إلى الجدران
الحديدية بخوف ولمسها بأنفاس متلاحقة وقلب يكاد يفرمن مكانه.
تنفس الصعداء... ما زال الحديد باردا. حملته خواطره إلى المنـزل،
لا شك أن زوجته وولده الوحيد قلقان الآن بشأنه. لماذا صرخ بوجه
زوجته قبلأن يغادر المنزل، هل استحقت ذلك يا ترى؟ كان عليه أن
يكون أكثر رقة لرفيقةحياته. ليته لم يضرب ولده الوحيد. لا ريب
أنه مسؤول عنهما أمام الله وسيؤديحسابهما أيضا. ليته فعل ما
أشارت إليه زوجته حين قالت له: "أتوسل إليك أن تصلييا عزيزي"
لكنه رفض محتجا: "دعينا نستمتع بالحياة، ما لنا وللصلاة في ربيع
حياتنا؟" كأن الإنسان سيحاسب عن مرحلة الشيخوخة فقط وليس عن
العمر كله. لماذا لم يذهب إلى المسجد الذي يقع على طريقه؟ ألم
يسمع مرات ومرات المؤذن وهويعلن من أعماق قلبه عظمة الخالق
ويدعو الناس إلى سبيل النجاة؟ لو أنه استجابإلى داعي الصلاة هذه
الليلة لتمكن من أداء صلاة وقت على الأقل، وإن كانت أولوآخر
صلاة. ومن يدري، لعل الله يشفع له بفضل هذه الصلاة فيغفر له ذنوب
الأوقات الأخرى التي أهملها طوال حياته. أما الآن فهو ذاهب إلى
الله بوجهخال من نور السجود. ليتني كنت ممن تتلألؤ وجوههم بنور
الصلاة. ماذا عن ولدي؟! إنه في السابعة من عمره. لماذا لم أهتم
بتكوين قلبه وروحه بقدر ما اعتنيتبإشباع بطنه وإلباسه الملابس
الجميلة؟ لماذا لم أوجهه توجيها سليما ينير لهطريق الحياة؟
لماذا لم أنقش في قلبه حب الله ورسوله، بل لماذا نسيتهما أنا
وأسلمت نفسي إلى غفلة أنستني أنني لست مخلدا في الحياة وقد
أفارقها في أيةلحظة؟ لماذا؟ ثم شردت به خواطره إلى صباه ثم إلى
أيام شبابه، واستعرض فصلالشباب يوما بعد يوم، فلم يجد سوى
الذنوب والأخطاء التي يستنكرها كل قلب سليمويستحيي منها كل عقل
بصير. مرت جميع أخطائه أمام عينيه، يا إلهي، هل أحاسب علىكل هذه
الأخطاء؟ رباه... لمعت في خاطره فكرة كالبرق؛ أن يتيمم في الفرن
ويصلي، ولكن أين التراب؟ ليكن، ذلك أفضل من أن أذهب مسود الوجه
إلى ربي،ورحمة الله واسعة. ضرب بيديه على مكان في الفرن وتيمم
ووقف للصلاة. أليس هوالملاذ الوحيد الذي يلجأ إليه كل مضطر في
اللحظات التي تسد فيها جميع الأبواب؟لأول مرة في حياته يحس بأنه
يتحدث إلى خالق السماوات والأرض بينما المفروض أنيرتشف الإنسان
من هذا النبع في كل صلاة. ولأول مرة يدرك بعمق معنى الالتجاء إلى
الله والاستعانة به وحلاوة مناجاته. وسجد حكمت لمبدع الزمان
والمكان بجميعكيانه، وناجاه بصوت ملؤه الإخلاص شاعرا بعجزه
اللانهائي: "يا أعظم من كل عظيميا أرحم من كل رحيم"... بعد أن
أدى صلاة العشاء أخذ يقضي ما فاته من الصلوات. أجل إنا لله...
وإنا إليه راجعون... إنه الآن يدرك هذه الحقيقة بكل ذراته. ليته
لم ينس أبدا أن المصير إليه. ولما شعر بالتعب جلس وأخذ يستغفر
الله بصوتحزين ودموع صادقة. وكلما أفاق من استغراقه العميق وذكر
أنه مسجون في هذا المكانالضيق شعر بأن الجدران تصب عليه نارا
سوداء. أما راغب فقد ذهب إلى بيته واستغرقفي نوم عميق. لكنه
فجأة انتفض من نومه، نظر إلى ساعته، الثالثة والربع. أعوذبالله،
رؤيا مرعبة، صديقه حكمت يحترق في الفرن وسط نيران متأججة ويصرخ
بصوتيمزق الأحشاء "راغب! راغب النجدة! النجدة! راغب!" ما هذه
الرؤيا؟ فجأة برق فيذهنه خاطر رهيب... رباه! هل أغلق باب الفرن
على حكمت يا ترى؟! هرع إلى الشارعكالريح خشية أن يكون قد فات
الأوان. أدخل المفتاح بارتباك، فتح الأنوار وأسرعنحو الفرن، فتح
الباب وصاح: "حكمت!" لم يسمع سوى صدى صوته. هتف عدة مراتأخرى...
كان حكمت في نفس اللحظة يصلي وسط دموع غزيرة حارة وقد غرق في
عوالمعلوية سماوية. فانتفض على أثر صوت راغب. كلا هذا مستحيل،
لا شك أنه سمع خطأ. فدوى نفس الصوت في أركان الفرن. أجل هناك شخص
ما يهتف باسمه مرة بعد أخرى: "حكمت، حكمت، حكمت..." وها هي أنوار
المخبز تضيء المكان. قام من الصلاة بفرحةغامرة وخرج من الفرن
مبتهجا فرأى صديقه. انتفض راغب ذعرا وجمد في مكانه مشدوهاكأنه
رأى شبحا مروعا، كان يرتعد وجلا: "من أنت..؟" فتح حكمت ذراعيه
ليحتضنصديقه، غير أن يديه ظلتا فارغتين، قال ودموعه تسيل: "أنا
حكمت، حكمت يا رجل،ألا تراني؟ دخلت الفرن ليلا ولا أدري من أغلق
علي الباب." "كلا هذا مستحيل، لايمكن أن تكون أنت حكمت"... ماذا
يقصد؟ ما معنى هذا التصرف الغريب؟ ما هذاالكلام، أهو وقت مزاح؟
وفجأة خطرت بباله فكرة رهيبة، هرع إلى المرآة ونظر إلىوجهه...
لا، لا، لا يمكن أن يكون هذا الوجه وجهه، وهذا الشعر شعره! أخذ
يتحسس وجهه الشاحب المتجعد وشعره الأشيب. يا إلهي، لقد هبطت عليه
الشيخوخةفي ليلة واحدة. كان كل جسده ينتفض بنشيجه وبكائه. لم
يجرؤ على النظر إلى المرآةمرة أخرى. فقد أخافه منظره الذي رآه.
لو أحس الإنسان بحقيقة الاحتراق في النارلشاخت نفوس كثيرة في
لحظة واحدة. وظل حكمت هكذا ممسكا برأسه بين يديه مستغرقافي
تساؤلاته... وهذه القصةحقيقيةوقعت في إحدى مدن تركيا.

ثلجة وردية
07-09-2009, 03:10 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سبحان الله
جزاك الله خير وجعله بـ ميزان حسناتك
يع ــــطيك ربي الع ــــافيه
طـــرح رائـــــع
لاعدمناكـ
دمت بخير

ام رهاف
07-09-2009, 03:45 AM
جزاك الله خير وجعله بـ ميزان حسناتك

omnad
08-09-2009, 12:00 AM
قصه وعظه بارك الله فيكم

amghad
08-09-2009, 04:45 AM
اشكركم شرفتم موضوعي ونفعكم الله بما قرئتم

عثمان 2
08-09-2009, 04:52 AM
جزاك الله خير

أبو الوليد
08-09-2009, 06:20 AM
.

http://www.alraidiah.org/up/up/22951235720081217.gif



الله يعطيك العافية


سلمت على النقل المميز


لا حرمنا من جديد مواضيعك ولا عدمنا تواجدك


اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما .



,, تم النقل إلى قسم القصص ،،




::


:101: وفقك الباري :101:

http://www.alraidiah.org/up/up/22951247020081217.gif

:101: .. .. ومضـــــــــــــــــــــة .. .. :101:

لا تـــحــــزن .. ولكن ..!
إذا بارت بك الحيل وضاقت عليك السُّبل وأنتهت الآمال وتقطعت بك الحبال فنادي وقل : يا الله ..
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت فأهتف وقل : يــا الله ..
إذا وقعت المصيبة وحلت النكبة وجثمت الكارثة فنادي وقل : يـا الله ..
إذا ضاق صدرك واستعسرت أمورك فنادي وقل : يــا الله ..
إذا أوصدت الأبــواب أمـامــك فـنـادي وقل : يــا الله ..

oz bezarius
10-09-2009, 09:08 PM
جزاك الله خير

زهورالخريف
13-03-2011, 01:03 AM
سبحان الله


قصه غريبه ولكن فيها عظه وعبره


نسئل الله ان يحر م النار على واجسدنا

شهد الحياة
13-03-2011, 03:08 AM
:101:[ اختيار متميز ]

يعطيك العافية يارب ٌ :101: