ashrafmisry
27-09-2009, 02:54 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم تقتصر حوارات النبي - صلى الله عليه وسلم - على الكبار فقط؛ بل حاور النبي الكريم الصغارَ أيضًا، واستمع إليهم، ولاطفهم وداعبهم، ولم يستصغر عقولَهم، ولم يهمل مشاعرهم أبدًا.
تأمَّلوا معي هذا الحوار الذي دار بينه وبين غلام صغير، جاء الدور عليه في شرب الماء، ولم يشأ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكسر قلبَه الغض، ومشاعرَه المرهفة، فاستأذنه أن يبدأ بالكبار:
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدح فشَرِب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: ((يا غلام، أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟))، قال: ما كنتُ لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله، فأعطاه إياه"؛ (البخاري في كتاب الشرب).
فالغلام جالس عن يمين النبي، والشيوخ عن يساره، ومن السُّنة البدء باليمين، وأيضًا من المتعارف عليه احترام الكبار، وتقديمهم في كل شيء، فاستأذن النبيُّ الغلامَ أن يبدأ بتقديم الماء للكبار؛ ولكن الغلام رفض أن يتنازل عن حقه، يريد أن يفوز بشرف الشرب من يد الرسول، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - الماء بادئًا به.
أيُّ احترام لمشاعر الإنسان يطل من هذا الحوار؟! وأي رحمة تفوح من خلاله؟! لن ينسى الغلام هذا الموقفَ أبدًا، وسيظل يذكر بالتأكيد إكبار النبي له، واحترام رأيه وحقه.
حوار آخر دار بين النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وبين غلام كانت يده تطيش في الطعام، فيأكل من كل جهة، وأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعلِّمه بطريقة لا تريق ماءَ وجهه:
حدثنا علي بن عبدالله، أخبرنا سفيان، قال الوليد بن كثير: أخبرني أنه سمع وهب بن كيسان: أنه سمع عمر بن أبي سلمى يقول: "كنت غلامًا في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))، فما زالت تلك طعمتي بعد"؛ (البخاري في كتاب الأطعمة).
وللعلم كان الغلام يأكل بيمينه، وبعدما ذكر اسم الله؛ ولكن يده كانت تطيش في الطبق، فتلطف الرسول في إرشاده، وكأنه يأمره بشيء عام، وليس بشيء ملاحظ عليه، إنه أدب الحوار حتى مع الصغار.
ثم تأمل معي هذا الحوار الذي دار بينه وبين غلام كان يرمي الشجر بالحجر؛ ليأكل من البلح:
"حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا معتمر، قال: سمعت ابن أبي الحكم الغفاري يقول: حدثتني جدتي عن عم أبيها رافع بن عمرو الغفاري، قال: كنت وأنا غلام أرمي نخلاً للأنصار، فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل: إن ها هنا غلامًا يرمي نخلنا، فأُتي بي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا غلام، لِمَ ترمي النخل؟))، قال: قلت: آكُلُ، قال: ((فلا ترمِ النخل، وكُلْ ما يسقط في أسافلها))، ثم مسح رأسي وقال: ((اللهم أشبِعْ بطنَه))؛ ("مسند أحمد" - مسند البصريين).
فهو هنا يعلِّمه الفرق بين الحلال والحرام، تمامًا مثل الفرق بين ما يسقط منها بفعل الرياح، أو الطير، أو غيره، وبين ما نسقطه نحن برميها بالحجارة، إنه يعلمه أن يحتاط دائمًا في طعامه، ولا يأكل إلا حلالاً، وكان يمكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينصحه مباشرة؛ لكنه آثر أن يحاوره؛ ليسمع منه، ثم يوجهه إلى ما فيه الخير.
وكثيرًا ما كان النبي ينتهز فرصة وجود أحد الصغار؛ ليغرس فيه التعاليم؛ حتى يشب عليها، فتكبر معه، وكان لا يترك فرصة للنصح والإرشاد إلا واغتنمها:
"حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا يونس، حدثنا ليث، عن قيس بن الحجاج، عن حنش الصنعاني، عن عبدالله بن عباس، أنه حدثه أنه: ركب خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، إني معلِّمك كلماتٍ، احفظ الله يحفظْك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألتَ فلتسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ ("مسند أحمد" - مسند أهل البيت).
كلام في العقيدة، لكن الغلام لن ينساه أبدًا، وسيُحفر في ذاكرته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله له وحده وهو يركب خلفه؛ مما أعطاه شعورًا بالأهمية عند النبي، وفيه أيضًا إكبار من النبي للغلام.
وها هو يخير غلامًا بين أبيه وأمه – بعدما انفصلا - ولم يُجبره على أحد منهما؛ احترامًا لرغبة الصغير:
عن هلال بن أسامة: أن أبا ميمونة سليمان - من أهل المدينة، رجل صدق - قال: بينا أنا جالس عند أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - جاءته امرأة فارسية معها ابن لها، وقد طلَّقها زوجها، فقالت: يا أبا هريرة، ثم رطنت، فقالت بالفارسية: زوجي يريد أن يذهب بابني، قال: فجاء زوجها، فقال: من يجافني؟ فقال أبو هريرة: إني لا أقول في هذا، إلا أني سمعت أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عنده، فقالت: فداك أبي وأمي، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وهو يسقيني من بئر أبي عتبة، وقد نفعني، فقال: ((استهما عليه))، فقال: زوجها: من يجافني في ولدي يا رسول الله؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت))، فأخذ الغلامُ بيد أمه، فانطلقتْ به"؛ هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ ("مستدرك الحاكم" - كتاب الأحكام).
هكذا كانت حوارات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الكبار، ومع الصغار، ومع الخصوم، ومع الأصدقاء، ومع الرجال، ومع النساء، ومع أهل بيته، حاور النبي - صلى الله عليه وسلم - الجميع، واستمع إلى الجميع.
ما أشدَّ حاجتَنا اليوم إلى الحوار! الذي بدأ ينقطع حتى داخل الأسرة الواحدة، مسببًا بذلك كثيرًا من المشكلات والأزمات.
نسأل الله أن يشرح صدورنا لما فيه الخير، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم تقتصر حوارات النبي - صلى الله عليه وسلم - على الكبار فقط؛ بل حاور النبي الكريم الصغارَ أيضًا، واستمع إليهم، ولاطفهم وداعبهم، ولم يستصغر عقولَهم، ولم يهمل مشاعرهم أبدًا.
تأمَّلوا معي هذا الحوار الذي دار بينه وبين غلام صغير، جاء الدور عليه في شرب الماء، ولم يشأ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكسر قلبَه الغض، ومشاعرَه المرهفة، فاستأذنه أن يبدأ بالكبار:
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدح فشَرِب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: ((يا غلام، أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟))، قال: ما كنتُ لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله، فأعطاه إياه"؛ (البخاري في كتاب الشرب).
فالغلام جالس عن يمين النبي، والشيوخ عن يساره، ومن السُّنة البدء باليمين، وأيضًا من المتعارف عليه احترام الكبار، وتقديمهم في كل شيء، فاستأذن النبيُّ الغلامَ أن يبدأ بتقديم الماء للكبار؛ ولكن الغلام رفض أن يتنازل عن حقه، يريد أن يفوز بشرف الشرب من يد الرسول، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - الماء بادئًا به.
أيُّ احترام لمشاعر الإنسان يطل من هذا الحوار؟! وأي رحمة تفوح من خلاله؟! لن ينسى الغلام هذا الموقفَ أبدًا، وسيظل يذكر بالتأكيد إكبار النبي له، واحترام رأيه وحقه.
حوار آخر دار بين النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وبين غلام كانت يده تطيش في الطعام، فيأكل من كل جهة، وأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعلِّمه بطريقة لا تريق ماءَ وجهه:
حدثنا علي بن عبدالله، أخبرنا سفيان، قال الوليد بن كثير: أخبرني أنه سمع وهب بن كيسان: أنه سمع عمر بن أبي سلمى يقول: "كنت غلامًا في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))، فما زالت تلك طعمتي بعد"؛ (البخاري في كتاب الأطعمة).
وللعلم كان الغلام يأكل بيمينه، وبعدما ذكر اسم الله؛ ولكن يده كانت تطيش في الطبق، فتلطف الرسول في إرشاده، وكأنه يأمره بشيء عام، وليس بشيء ملاحظ عليه، إنه أدب الحوار حتى مع الصغار.
ثم تأمل معي هذا الحوار الذي دار بينه وبين غلام كان يرمي الشجر بالحجر؛ ليأكل من البلح:
"حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا معتمر، قال: سمعت ابن أبي الحكم الغفاري يقول: حدثتني جدتي عن عم أبيها رافع بن عمرو الغفاري، قال: كنت وأنا غلام أرمي نخلاً للأنصار، فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل: إن ها هنا غلامًا يرمي نخلنا، فأُتي بي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا غلام، لِمَ ترمي النخل؟))، قال: قلت: آكُلُ، قال: ((فلا ترمِ النخل، وكُلْ ما يسقط في أسافلها))، ثم مسح رأسي وقال: ((اللهم أشبِعْ بطنَه))؛ ("مسند أحمد" - مسند البصريين).
فهو هنا يعلِّمه الفرق بين الحلال والحرام، تمامًا مثل الفرق بين ما يسقط منها بفعل الرياح، أو الطير، أو غيره، وبين ما نسقطه نحن برميها بالحجارة، إنه يعلمه أن يحتاط دائمًا في طعامه، ولا يأكل إلا حلالاً، وكان يمكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينصحه مباشرة؛ لكنه آثر أن يحاوره؛ ليسمع منه، ثم يوجهه إلى ما فيه الخير.
وكثيرًا ما كان النبي ينتهز فرصة وجود أحد الصغار؛ ليغرس فيه التعاليم؛ حتى يشب عليها، فتكبر معه، وكان لا يترك فرصة للنصح والإرشاد إلا واغتنمها:
"حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا يونس، حدثنا ليث، عن قيس بن الحجاج، عن حنش الصنعاني، عن عبدالله بن عباس، أنه حدثه أنه: ركب خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، إني معلِّمك كلماتٍ، احفظ الله يحفظْك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألتَ فلتسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ ("مسند أحمد" - مسند أهل البيت).
كلام في العقيدة، لكن الغلام لن ينساه أبدًا، وسيُحفر في ذاكرته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله له وحده وهو يركب خلفه؛ مما أعطاه شعورًا بالأهمية عند النبي، وفيه أيضًا إكبار من النبي للغلام.
وها هو يخير غلامًا بين أبيه وأمه – بعدما انفصلا - ولم يُجبره على أحد منهما؛ احترامًا لرغبة الصغير:
عن هلال بن أسامة: أن أبا ميمونة سليمان - من أهل المدينة، رجل صدق - قال: بينا أنا جالس عند أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - جاءته امرأة فارسية معها ابن لها، وقد طلَّقها زوجها، فقالت: يا أبا هريرة، ثم رطنت، فقالت بالفارسية: زوجي يريد أن يذهب بابني، قال: فجاء زوجها، فقال: من يجافني؟ فقال أبو هريرة: إني لا أقول في هذا، إلا أني سمعت أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عنده، فقالت: فداك أبي وأمي، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وهو يسقيني من بئر أبي عتبة، وقد نفعني، فقال: ((استهما عليه))، فقال: زوجها: من يجافني في ولدي يا رسول الله؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت))، فأخذ الغلامُ بيد أمه، فانطلقتْ به"؛ هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ ("مستدرك الحاكم" - كتاب الأحكام).
هكذا كانت حوارات النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الكبار، ومع الصغار، ومع الخصوم، ومع الأصدقاء، ومع الرجال، ومع النساء، ومع أهل بيته، حاور النبي - صلى الله عليه وسلم - الجميع، واستمع إلى الجميع.
ما أشدَّ حاجتَنا اليوم إلى الحوار! الذي بدأ ينقطع حتى داخل الأسرة الواحدة، مسببًا بذلك كثيرًا من المشكلات والأزمات.
نسأل الله أن يشرح صدورنا لما فيه الخير، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه