m-n
01-10-2009, 06:43 PM
السؤال: فضيلة الشيخ انتشرت عندنا ظاهرة عند بعض الخطباء في بلادنا وهي تخصيص الدعاء لبعض الزعماء في الخطبة لأهداف سياسية ، ومدح الحكام ، وأحيانا يقوم الخطيب بشرح كلام الزعيم! كأنه نص نسأل الله السلامة فما حكم ذلك أحسن الله إليكم
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فالدعاء للحاكم بإسمه في الخطبة بدعة محدثة ، أمّا تعيينه بألقاب المدح في الخطبة فأشنع ، وقد ذكر العلماء هذا فيما مضى ، عندما كان الحكام يحكمون بالشريعة ، ويرفعون راية الجهاد ، أما اليوم ، فإنَّ هذا من أشنـع البدع المغلَّظة .
أما اتخاذ كلامهم موضوع الخطبة ، فهذه أدهى وأمر ، وهي من البدعة القبيحة التي لم يسبق إليها قبل هذا العصر ، ولا يفتي به إلاَّ من يصدق عليه الحديث : ( اتخذ الناس رؤوسا جهّالا ) ، نسأل الله السلامة.
وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه 7/175 عن جعفر بن برقان قال : " كتب عمر بن عبد العزيز : ( أما بعد : فإنّ أناسا من الناس التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإنّ أناسا من القصّاص قد أحدثوا من الصلاة ( أي الدعاء ) على خلفائهم ، وأمرائهم ، عــدل ( أي مثل ) صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا أتاك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ، ويدعون ما سوى ذلك".
وتأمّل أن هذه الفتوى من عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ، في زمنه ، زمـن هذا الخليفة الراشد ، الإمام العادل ، فكيف بهذا الزمان الذي بدَّل فيه الحكام الدين ، وعطَّلوا الشريعة ، وتعاونوا مع الأعداء على المسلمين ، وتنكّروا لدعوة الإسلام ، ونشروا كلَّ فساد بين الأنام .
وقال الشافعي رحمه الله كما الأم 1/203 : " أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما الذي أرى الناس يدعون به في الخطبة يومئذ ؟ أبلغك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عمن بعد النبي عليه الصلاة والسلام ؟. قال : لا ، إنما أُحدث ، إنما كانت الخطبة تذكيرا . قال الشافعي : فإن دعا لأحد بعينه ، أو على أحد كرهته " اهـ
وقد روى البيهقي هذا في باب ما يكره من الدعاء لأحدٍ بعينه في الخطبة ، ثم روى بإسناده أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتب : أنْ لا يُسمَّى أحدٌ في الدعاء ، سنن البيهقي 3/217
وقال الإمام الشاطبي في الاعتصام 1/21 : "سئل أصبغ عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين فقال: هو بدعة ، ولا ينبغي العمل به ، وأحسنُه أن يدعو للمسلمين عامة "
وقال ابن حزم رحمه الله كما في المحلى 3/270 : "أما إذا أدخل الإمام في خطبته مدح من لا حاجة بالمسلمين إلى مدحه , أو دعاء فيه بغي ، وفضول من القول , أو ذمّ من لا يستحق - : فليس هذا من الخطبة , فلا يجوز الإنصات لذلك , بل تغييره واجب إن أمكن : روينا من طريق سفيان الثوري ، عن مجالد قال : رأيت الشعبي , وأبا بردة بن أبي موسى الأشعري يتكلمان ، والحجاج يخطب حين قال : لعن الله ، ولعن الله , فقلت : أتتكلّمان في الخطبة ؟ فقالا : لم نُؤمـر بأن ننصت لهذا ؟ وعن المعتمر بن سليمان التيمي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : رأيت إبراهيم النخعي يتكلم ، والإمام يخطب زمن الحجاج"
وهذا لأنه كان يدعو لحكَّام الجور ، من بني أميّة ، وعمّالهم ، ومنهم الحجاج ، مع أنَّ الحجاج ، وأمثاله ، خير من ملء الأرض من حكّام هذا الزمان .
وعن الإمام أبي بكر ابن العربي: " رأيت الزهّاد بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، والكوفة ، إذا بلغ الإمام الدعاء للأمراء ، أو أهل الدنيا ، قاموا فصلوا، ويتكلمون مع جلسائهم ، فيما يحتاجون إليه من أمرهم ، أو في علم، ولا يصغون إليهم ; لأنه لغو".ذكره في شرح الخرشي لمختصر خليل 2/89 .
وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله البحر الرائق 2/160 " لهذا اختار بعضهم أن الخطيب ما دام في الحمد والمواعظ فعليهم الاستماع ، فإذا أخذ في مدح الظلمة ، والثناء عليهم ، فلا بأس بالكلام حينئذ ، وحكي في الظهيرية ، والخانية : عن إبراهيم النخعي ، وإبراهيم بن مهاجر ، أنهما كانا يتكلمان وقت الخطبة ، فقيل لإبراهيم النخعي في ذلك فقال : إني صلّيت الظهر في داري ، ثم رحت إلى الجمعة تقية ) و في السراج الوهاج : ( وأما الدعاء للسلطان في الخطبة فلا يستحب ؛ لما روي أن عطاء سئل عن ذلك فقال : إنه محدث , وإنما كانت الخطبة تذكيرا).
وسبب نهي العلماء عن هذه البدعة ، فضلا عن كونها محدثة في الدين ، هـو لئلا (يُسيَّس) المنبر ،
وحتّى لا تُتَّخذ هذه المؤسسة التي وضع لبنتها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، لتكون مستقلةً عن كلِّ هوى ، ومعلما للصدع بالحق ، وإرشادا لإمّته ، حتى لاتُتّخذ ملعبةً للحكام ، كلَّما أرادوا أن يحققوا شيئا من أهواءهم ، استغلّـوا خطبة الجمعة في بيوت الله .
وقد كان ملوك الإسلام الصالحون يحاربون هذه الظاهرة السيئة ، لما يعلمون من ضرورة الحفاظ على هيبة منابر العلم .
ومن الأمثلة على هذا، أنـَّه اتفق أنَّ الملك الظاهربيبرس رحمه الله لما وصل إلى الشام وحضر لصلاة الجمعة ، أبدع الخطيب بألفاظ يشير بها إلى مدح السلطان ، وأطنب فيه ، فلما فرغ من صلاته ، أنكر عليه ، وقال مع كونه تركيـَّا : ( ما لهذا الخطيب يقول في خطبته السلطان ! السلطان ! ليس شرط الخطبة هكذا ، وأمـر به أن يُضرب المقارع ، فتشفَّع له الحاضرون ، وهذا مع كمال علم الخطيب ، وصلاحه وورعه ، فما خلص إلاّ بعد الجهد الشديد) مجلة المنار محرم 1348هـ
فتأمَّل هذا الحال ، وما وصل إليه حال كثير من الخطباء اليوم من التزلّف ، والتملّق ، والنفاق ، وتجارتهم بالدين ، فنسأل الله أن يثبتنا ، ويعافينـا ، ويحسن خاتمتنا آمين
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فالدعاء للحاكم بإسمه في الخطبة بدعة محدثة ، أمّا تعيينه بألقاب المدح في الخطبة فأشنع ، وقد ذكر العلماء هذا فيما مضى ، عندما كان الحكام يحكمون بالشريعة ، ويرفعون راية الجهاد ، أما اليوم ، فإنَّ هذا من أشنـع البدع المغلَّظة .
أما اتخاذ كلامهم موضوع الخطبة ، فهذه أدهى وأمر ، وهي من البدعة القبيحة التي لم يسبق إليها قبل هذا العصر ، ولا يفتي به إلاَّ من يصدق عليه الحديث : ( اتخذ الناس رؤوسا جهّالا ) ، نسأل الله السلامة.
وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه 7/175 عن جعفر بن برقان قال : " كتب عمر بن عبد العزيز : ( أما بعد : فإنّ أناسا من الناس التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإنّ أناسا من القصّاص قد أحدثوا من الصلاة ( أي الدعاء ) على خلفائهم ، وأمرائهم ، عــدل ( أي مثل ) صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا أتاك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ، ويدعون ما سوى ذلك".
وتأمّل أن هذه الفتوى من عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ، في زمنه ، زمـن هذا الخليفة الراشد ، الإمام العادل ، فكيف بهذا الزمان الذي بدَّل فيه الحكام الدين ، وعطَّلوا الشريعة ، وتعاونوا مع الأعداء على المسلمين ، وتنكّروا لدعوة الإسلام ، ونشروا كلَّ فساد بين الأنام .
وقال الشافعي رحمه الله كما الأم 1/203 : " أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما الذي أرى الناس يدعون به في الخطبة يومئذ ؟ أبلغك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عمن بعد النبي عليه الصلاة والسلام ؟. قال : لا ، إنما أُحدث ، إنما كانت الخطبة تذكيرا . قال الشافعي : فإن دعا لأحد بعينه ، أو على أحد كرهته " اهـ
وقد روى البيهقي هذا في باب ما يكره من الدعاء لأحدٍ بعينه في الخطبة ، ثم روى بإسناده أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتب : أنْ لا يُسمَّى أحدٌ في الدعاء ، سنن البيهقي 3/217
وقال الإمام الشاطبي في الاعتصام 1/21 : "سئل أصبغ عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين فقال: هو بدعة ، ولا ينبغي العمل به ، وأحسنُه أن يدعو للمسلمين عامة "
وقال ابن حزم رحمه الله كما في المحلى 3/270 : "أما إذا أدخل الإمام في خطبته مدح من لا حاجة بالمسلمين إلى مدحه , أو دعاء فيه بغي ، وفضول من القول , أو ذمّ من لا يستحق - : فليس هذا من الخطبة , فلا يجوز الإنصات لذلك , بل تغييره واجب إن أمكن : روينا من طريق سفيان الثوري ، عن مجالد قال : رأيت الشعبي , وأبا بردة بن أبي موسى الأشعري يتكلمان ، والحجاج يخطب حين قال : لعن الله ، ولعن الله , فقلت : أتتكلّمان في الخطبة ؟ فقالا : لم نُؤمـر بأن ننصت لهذا ؟ وعن المعتمر بن سليمان التيمي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : رأيت إبراهيم النخعي يتكلم ، والإمام يخطب زمن الحجاج"
وهذا لأنه كان يدعو لحكَّام الجور ، من بني أميّة ، وعمّالهم ، ومنهم الحجاج ، مع أنَّ الحجاج ، وأمثاله ، خير من ملء الأرض من حكّام هذا الزمان .
وعن الإمام أبي بكر ابن العربي: " رأيت الزهّاد بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، والكوفة ، إذا بلغ الإمام الدعاء للأمراء ، أو أهل الدنيا ، قاموا فصلوا، ويتكلمون مع جلسائهم ، فيما يحتاجون إليه من أمرهم ، أو في علم، ولا يصغون إليهم ; لأنه لغو".ذكره في شرح الخرشي لمختصر خليل 2/89 .
وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله البحر الرائق 2/160 " لهذا اختار بعضهم أن الخطيب ما دام في الحمد والمواعظ فعليهم الاستماع ، فإذا أخذ في مدح الظلمة ، والثناء عليهم ، فلا بأس بالكلام حينئذ ، وحكي في الظهيرية ، والخانية : عن إبراهيم النخعي ، وإبراهيم بن مهاجر ، أنهما كانا يتكلمان وقت الخطبة ، فقيل لإبراهيم النخعي في ذلك فقال : إني صلّيت الظهر في داري ، ثم رحت إلى الجمعة تقية ) و في السراج الوهاج : ( وأما الدعاء للسلطان في الخطبة فلا يستحب ؛ لما روي أن عطاء سئل عن ذلك فقال : إنه محدث , وإنما كانت الخطبة تذكيرا).
وسبب نهي العلماء عن هذه البدعة ، فضلا عن كونها محدثة في الدين ، هـو لئلا (يُسيَّس) المنبر ،
وحتّى لا تُتَّخذ هذه المؤسسة التي وضع لبنتها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، لتكون مستقلةً عن كلِّ هوى ، ومعلما للصدع بالحق ، وإرشادا لإمّته ، حتى لاتُتّخذ ملعبةً للحكام ، كلَّما أرادوا أن يحققوا شيئا من أهواءهم ، استغلّـوا خطبة الجمعة في بيوت الله .
وقد كان ملوك الإسلام الصالحون يحاربون هذه الظاهرة السيئة ، لما يعلمون من ضرورة الحفاظ على هيبة منابر العلم .
ومن الأمثلة على هذا، أنـَّه اتفق أنَّ الملك الظاهربيبرس رحمه الله لما وصل إلى الشام وحضر لصلاة الجمعة ، أبدع الخطيب بألفاظ يشير بها إلى مدح السلطان ، وأطنب فيه ، فلما فرغ من صلاته ، أنكر عليه ، وقال مع كونه تركيـَّا : ( ما لهذا الخطيب يقول في خطبته السلطان ! السلطان ! ليس شرط الخطبة هكذا ، وأمـر به أن يُضرب المقارع ، فتشفَّع له الحاضرون ، وهذا مع كمال علم الخطيب ، وصلاحه وورعه ، فما خلص إلاّ بعد الجهد الشديد) مجلة المنار محرم 1348هـ
فتأمَّل هذا الحال ، وما وصل إليه حال كثير من الخطباء اليوم من التزلّف ، والتملّق ، والنفاق ، وتجارتهم بالدين ، فنسأل الله أن يثبتنا ، ويعافينـا ، ويحسن خاتمتنا آمين