أبو سعدية
02-11-2009, 04:46 PM
ما هي السعادة
هي الفرح والغبطة والسرور، ولا ينالها إلا من أطاع الله واتبع رضاه وقنعت نفسه بما قسم الله، ورضي بالقليل واستعد ليوم الرحيل وفعل ما أمره الله به وترك ما نهاه عنه، كما قال تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [النحل: 97].
فالحياة الطيبة هي الحياة السعيدة، وإن كان صاحبها فقيرًا معدومًا لا يملك من حطام الدنيا شيئًا ولم يتول من مناصبها شيئا، ولله در القائل:
ولست أرى السعادة جمع مال
ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرًا
وعند الله للأتقى مزيدٌ
وفقني الله وإياك إلى طريق السعادة وجعلنا من السعداء في الدنيا والآخرة.
الفصل الأول
من قصص السعداء
هذه القصة التي سنوردها لصحابي جليل اسمه «جليبيب»، في نظر كثير من الناس أنه لا يملك من مقومات السعادة شيئا؛ إذ أنهم يظنون أن السعادة في المال أو المنصب أو الحسب والنسب، أما جليبيب فكان فقير الحال غنيًا بالإيمان ورفع الله نسبه بالإسلام وشرفه الله بالدخول في هذا الدين فإليك قصته:
قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا حماد عن ثابت عن كنانة عن أبي برزة الأسلمي، قال: إن جليبيب كان امرءًا يدخل على النساء يمازحهن ويلاعبهن، فقلت لامرأتي: لا تدخلن عليكن جليبيب؛ فإنه إن دخل عليكن لأفعلن وأفعلن. قالت: كانت الأنصار إذا كان لأحدهم أَيم لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي r فيها حاجة أم لا، فقال النبي r لرجل من الأنصار: «زوجني ابنتك». قال: نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عين، فقال r: «إني لست أريدها لنفسي». قال: فلمن؟ قال r: لجليبيب. فقال: يا رسول الله، أشاور أمها. فأتى أمها فقال: رسول الله r يخطب ابنتك. فقالت: نعم، ونعمة عين. فقال: إنه ليس يخطبها لنفسه؛ إنما يخطبها لجليبيب. فقالت: أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ ألا لعمر الله لا نزوجه. فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله فيخبره بما قالت أمها قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها؛ قالت: أتردون على رسول الله r أمره؟ ادفعوني إليه؛ فإنه لن يضيعني. فانطلق أبوها إلى رسول الله r فقال: شأنك بها. فزوجها جليبيبا. قال: فخرج رسول الله r في غزوة له، فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه رضي الله عنهم: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلانًا ونفقد فلانًا. قال r: «انظروا هل تفقدون من أحد». قالوا: لا. قال r: لكنني أفقد جليبيبا. قال r: «فاطلبوه في القتلى». فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فقالوا: يا رسول الله، ها هو ذا قد قتلهم ثم قتلوه، فأتاه رسول الله r فقام عليه فقال: «قتل سبعة وقتلوه، هذا مني وأنا منه». مرتين أو ثلاث، ثم وضعه رسول الله على ساعديه وحفر له، ماله سريرٌ إلا ساعد النبي r، ثم وضعه في قبره ([1] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn1)). فانظر يا أخي في الله كيف أن هذا الصحابي باع دنياه واشترى آخرته وقدم نفسه قربانًا إلى الله؛ لأنه يعلم أن السعادة في طاعة الله، وانظر إلى قول النبي r: «هو مني وأنا منه»؛ أي على هديي وسنتي وطريقتي، وهذا إيماءٌ من النبي r أن جليبيبا قتل شهيدًا، وهو بإذن الله من أهل الجنة؛ فهذه السعادة الحقيقية.
القصة الثانية
لصحابي جليل وهو ابن عم رسول الله r وهو حبر هذه الأمة وترجمان القرآن، كان عالمًا عاملاً، أوصاه النبي r بوصية قال له فيها: «يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف» ([2] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn2)). وفعلاً حفظ ابن عباس هذه الوصية فحفظه الله بها، فإليك قصته t:
فعن سعيد بين جبير([3] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn3)) رضي الله عنه قال: مات ابن عباس بالطائف فجاءه طائر لم ير على خلقته، فدخل نعشه، ثم لم ير خارجًا منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يُدري من تلاها: }يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي{ [الفجر: 27-30]. فانظر يا أخي المسلم إلى هذا الصحابي الجليل الذي كان حافظًا لكتاب الله وعاملاً به كيف أسعده الله وأحسن خاتمته بأن يتلى القرآن على قبره بعد موته.
القصة الثالثة
قصة عمر بن عبد العزيز
إليك يا أخي الكريم قصة هذا الخليفة الزاهد الذي قدم أمر آخرته على دنياه؛ كان كثير المراقبة لله سبحانه وتعالى فما غره جاهه ولا سلطانه؛ لأنه كان عالمًا عاملاً وكان كثيرًا ما يدعو ربه أن يخفي موته عن الناس فإليك قصته.
عن المغيرة بن حكيم قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر قالت: كنت أسمع عمر كثيرًا ما يقول: اللهم أخف عليهم موتي ولو ساعة. فقلت له يومًا: لو خرجت عنك فقد سهرت يا أمير المؤمنين؛ لعلك تغفو. فخرجت إلى جانب البيت الذي كان فيه فسمعته يقول: }تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ [القصص: 83]. ففاضت روحه وهو يردد هذه الآية.
القصة الرابعة
قصة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية:
كان شيخ الإسلام رحمه الله عالمًا مجاهدًا في سبيل الله بلسانه وبقلمه وسيفه داعيًا إلى السنة ومحاربًا للبدعة، لا يخاف في الله لومة لائم، فعندما صدع بالحق حسده كثيرٌ من علماء زمانه فوشوه على الخليفة ورموه بالابتداع، فسجن أكثر من مرة وأوقف عن التدريس، ولكن هذه لم تفت في عضده أو تبعده عن الدعوة وفي آخر مرة وشوه إلى الخليفة فسجن في سجن القلعة في سجن انفرادي ومنع من التأليف وسحبت منه الأقلام والمحابر فقال رحمه الله: ما يفعل أعدائي بي، أنا حديقتي وبستاني في صدري، أنى ذهبت فهي معي؛ فإن قتلوني فقتلي شهادة وإن شردوني فتشريدي سياحة وإن سجنوني فسجني خلوة، فسدَّ شيخ الإسلام بهذه الكلمات على أعدائه جميع المنافذ التي يريد أعداؤه أن ينتقموا منه عن طريقها؛ فبعد سحب الأقلام والمحابر بدأ شيخ الإسلام رحمه الله بتلاوة كتاب الله حتى ختمه ثمانين مرة، فعندما شرع في الواحد والثمانين وأتى عند قوله تعالى: }إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ{ [القمر: 54-55]. فتوفاه الله عند هذه الآية، ثم شرعوا في غسل الشيخ رحمه الله فما فرغوا منه حتى امتلأت القلعة وضج الناس بالبكاء والثناء والدعاء والترحم، ودخلوا بالجنازة إلى الجامع الأموي والخلائق فيه بين يدي الجنازة وخلفها وعن يمينها وشمالها ما لا يحصي عدتهم إلا الله سبحانه وتعالى، فصرخ صارخ وصاح صائحٌ، هكذا تكون جنائز أئمة السنة، فصلى عليه خلق كثير لا يحصيهم إلا الله حتى إن الحوانيت أغلقت في ذلك اليوم. كل ذلك دلالة على حب شيخ الإسلام وعلامة من علامات حسن الخاتمة بإذن الله ([4] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn4)).
القصة الخامسة
سائق الإسعاف
هذه القصة غريبة جدًا، بطلها هو سائق الإسعاف، كان فظًا غليظ القلب، كان لا يتذكر إذا ذُكِّر، ولا يتعظ إذا وعظ؛ وسبب ذلك ناتج عن طبيعة عمله، ومباشرته لحوادث شنيعة، يذكر من شناعتها أنه يباشر الحادث فيجد بعض المصابين قد تقطع أشلاءً؛ فيحمل رأسه في يد وعضوًا آخر من أعضائه في يده الأخرى، فيقول: ما كان هذا المنظر يهزني أو يؤثر فيَّ، وكنت على حالة من المعاصي من أعظمها ترك الصلاة.
وفي يوم من الأيام بلغت بمباشرة حادث في مدخل من مداخل الرياض الساعة الواحدة ليلاً، فإذا بي أركب سيارة الإسعاف كعادتي وأنطلق مسرعًا نحو الحادث، وكان زميلي في ذلك اليوم مرخوصًا عن عمله، فعندما وصلت إلى موقع الحادث وإذا بي أجد سيارة بيوك بيضاء قد ارتطمت في أحد أعمدة الإنارة وأدت إلى انطفاء الكهرباء في تلك المنطقة، والغريب أني رأيت نورًا ينبعث من السيارة فانطلقت كعادتي متوجهًا إلى باب السيارة، وكان في يدي سيجارة الدخان فإذا بي أرى عجبًا؛ فإذا برجل كث اللحية مستنير الوجه قد ملأ نور وجهه السيارة وقد ارتطمت مقودة السيارة بأجزائه السفلى، فحاولت أن أعيد المقعدة إلى الخلف، فنظر إلي فقال: تريد أن تساعدني.
قلت: نعم. قال: إذا سمحت أطفئ سيجارتك. فقلت: لعله أصيب بلوثة من جراء الحادث؛ فأطفأت السيجارة، فعندما أردت إنقاذه قال: تريد أن تنقذني. قلت: نعم. قال: إني أريد أن أكافئك على فعلك بنصيحة مقدمة. فقلت: تفضل. فقال لي: عليك بطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة الوالدين، وإياك ورفقة السوء. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. ثم مات، فحملته إلى المستشفى وسلمته إلى قسم الحوادث، ثم عدت إلى البيت قرابة الثالثة ليلاً، فأردت أن أنم فلم أستطع؛ لأنني أتذكر المنظر الذي رأيته وسمعته، فإذا بالمؤذن يؤذن لصلاة الفجر، فتوضأت ثم انطلقت لأصلي صلاة الفجر مع الجماعة، وكانت لأول مرة. فبعد أن انتهينا من الصلاة انطلقت إلى إمام المسجد فذكرت له ما حدث فقال: احمد الله أن الله بعث من يدعوك بقوله وفعله. ثم انطلقت أنا وإياه إلى زيارة المقبرة، فصارت سببًا لهدايتي واستقامتي على دين الله ([5] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn5)).
القصة السادسة
قصة ناصر النجار
كان هذا الرجل رجلاً صالحًا وكان يعمل نجارًا في الرياض، وكان كلما حان وقت سنة الضحى أغلق دكانه وانطلق إلى المسجد المجاور للدكان، ثم توضأ وصلى سنة الضحى، فبعد أن ينتهي من صلاته يعود فيفتح دكانه ثم يعمل فيه، وفي يوم من الأيام أغلق دكانه الساعة السابعة صباحًا، ثم انطلق إلى المسجد فتوضأ ثم كبر يصلي، وبعد أن انتهى من الركعة الأولى وشرع في الركعة الثانية فوضع يده اليمنى على اليسرى، فإذا بملك الموت يقبض روحه وهو يناجي ربه في أفضل العبادات فيسقط رحمه الله ويده اليمنى على اليسرى، فما علموا به إلا وقت صلاة الظهر عندما دخل المؤذن ليؤذن للصلاة، فحملوه إلى بيته وقاموا بتغسيله، فكلما أعادوا يديه إلى جنبه أعادها مرة أخرى إلى صدره، فكفنوه ويداه موضوعة على صدره كهيئتها في الصلاة.
فانظر يا أخي المسلم إلى هذه الميتة الحسنة، وهل أفضل من أن يموت الإنسان وهو يعبد ربه ويناجيه، وأن يبعث يوم القيامة وهو مصليًا ([6] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn6)).
القصة السابعة
الرجل الذي مات يوم الجمعة في المسجد
هذه القصة حضَرْتُها بنفسي، وهي لشاب في الثلاثين من عمره أتى في صبيحة يوم الجمعة مغتسلاً ثم دخل المسجد، وبعد أدائه لتحية المسجد فتح القرآن وبدأ يقرأ حتى قرأ ما شاء الله، فبعد أن دخل الخطيب وسلم على الناس قام هذا الشاب وأعطى الذي بجواره المصحف ليضعه في الدولاب، ثم وضع رأسه على ركبته بعد أن بدأ الشيخ في الخطبة، ثم أصدر صوتًا يشبه الشخير ثم سقط في المسجد، فحمل إلى برادة الماء فرش بالماء فلم يفق، فحمل إلى مستشفى الأمير سلمان فأفاد الطبيب أنه مات قبل عشر دقائق، فانظر يا أخي إلى هذه الميتة الحسنة؛ أن يموت في بيت من بيوت الله وينتظر فريضة من فرائض الله، وأن يموت في يوم الجمعة، كما قال r: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر»([7] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn7)).
القصة الثامنة
قصة مدرس القرآن
في يوم من الأيام كنت أتكلم عن حسن الخاتمة وسوئها، وبعد الانتهاء من الكلمة تقدم شاب عليه آثار الحزن، وبدأت آثار الاستقامة تظهر على وجهه، فقال: سأذكر لك قصة جدي؛ كان جدي حافظًا لكتاب الله، ويعلمه للناس بدون أجر، فكبر سنه ورق عظمه وبلغ من الكبر عتيًا، حتى أنه فقد الذاكرة فنسي جميع من يعرفهم؛ حتى أسماء أبنائه، واستمرت هذه الحالة عشرين سنة، ولكن العجيب أنه إذا قرأ القرآن- وكنت بجواره أسمع له- أجده لا يخطئ في حرف واحد.
وفي يوم من الأيام في وقت السحر- وقت نزول الرحمن الذي يليق بجلاله- وإذا بجدي ينادي باسم أبي: يا عبد الله. وقد نسيه منذ عشرين سنة، فرح أبي وانطلق مسرعًا إلى غرفة أبيه فرحًا بأنه استعاد الذاكرة، فقال: ماذا تريد يا أبي؟ فكان جدي- رحمه الله- ينظر إلى ناحية من الغرفة فقال: يا بني هل ترى هذين الرجلين الجميلين الذين يرتدي كل منهما عمامة بيضاء؟! التفت أبي فما رأى شيئًا! قال: يا أبي، إني لا أرى شيئًا. فقال جدي رحمه الله: صدق الله }فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ{ [ق: 22]. وكأنه رحمه الله يشير إلى حديث النبي r الذي رواه البراء بن عازب: «إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ... الحديث»([8] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn8)). ثم رفع سبَّابته وقال: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. ثم فاضت روحه إلى الله، نسأل الله أن يبعثه يوم القيامة قارئًا للقرآن.
فانظر يا أخي في الله إلى هذه الخاتمة الحسنة؛ أن يموت الإنسان قارئًا لكتاب الله، ويحشر على هذه الحال، أو أن يموت- والعياذ بالله- مغنيًا أو مطبلاً.
القصة التاسعة
قصة الذي مات في صلاة الاستسقاء
دخلت في أحد الأيام إحدى التسجيلات الإسلامية فوجدت بعضا الإخوان فقالوا: هل تذهب معنا؟ قلت: وإلى أين؟ قالوا: لتعزية أحد الإخوان. فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله. قالوا: أبشر؛ فإن ميتته ميتةٌ حسنة يتمناها كل مسلم. قلت: وكيف؟ قالوا: في يوم الاثنين ([9] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn9)) انطلق هذا الرجل الذي يبلغ من العمر ستين سنة بعدما سمع المنادي ينادي لصلاة الفجر، وبعد أن أدى هذه الفريضة التي يُضيعها كثير من المسلمين وللأسف الشديد، عاد إلى بيته فتناول شيئًا من الحليب، ثم عاد لأداء صلاة الاستسقاء مع المسلمين، وبعدما دخل في صلاته وفي السجود يأتي ملك الموت فيقبض روحه ساجدًا لله، فقام الناس من سجودهم ولم يقم معهم، فبعد أن انتهوا من صلاتهم حركوه وإذا به قد مات، فانظر يا أخي القارئ إلى هذه الميتة الحسنة؛ أن يموت الإنسان مصليًا ويبعث يوم القيامة على حالته التي مات عليها.
ويدل على ذلك حديث الذي وقصته ناقته في الحج الذي قال عنه r: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين، ولا تُخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا»([10] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn10)).
وفي ختام هذا الفصل الذي أسميته «من قصص السعداء» الذين ظهرت عليهم علامات حسن الخاتمة، وهي علامات السعادة؛ لأن الإنسان يحشر يوم القيامة على ما مات عليه كما ثبت عن نبينا r: «والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله ... والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم، والريح ريح المسك»([11] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn11)). فقد بين في هذا الحديث أن الشهيد يبعث على حالته التي كان عليها، وكذلك كل من مات على نوع من أنواع الطاعة؛ كقراءة للقرآن أو حج أو عمرة، كما بين النبي r في حديث الذي وقصته ناقته أنه يبعث يوم القيامة ملبيًا، ومن مات أيضًا ذاكرًا لله؛ فهذه من علامات السعادة أيضًا كما قال r: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»([12] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn12)). إذًا يا أخي في الله ينبغي أن تجتهد في طاعة الله حافظًا لأوامره مجتنبًا لنواهيه؛ لتكون من السعداء في الدنيا والآخرة.
وختامًا لهذا الفصل أحب أن أبيِّن قاعدة مهمة من قواعد أهل السنة؛ أننا لا نشهد لأحد بجنة أو نار أو سعادة أو شقاء إلا من شهد الله لهم أو شهد لهم رسوله r؛ ولكن نرجو للمحسن الإحسان والثواب ونخاف على المسيء العقاب.
([1]) رواه أحمد تفسير ابن كثير سورة الأحزاب 36 وأصله في صحيح مسلم ج6.
([2]) رواه الترمذي عن ابن عباس، وقال حديث حسن صحيح.
([3]) وهذه قصة صحيحة متواترة كما قال الذهبي في سير أعلام النبلاء وانظر تخريجه في حاشية السير (3/358).
([4]) انظر البداية والنهاية وفاة شيخ الإسلام ج7 ص141.
([5]) ذكر هذه القصة أحد الإخوان في الله الذي يعرف هذا الشاب التائب.
([6]) وهذه القصة رواها لي اثنين من أقارب هذا الرجل.
([7]) رواه الإمام أحمد والترمذي وهو حديث حسن (صحيح الجامع) برقم (5773).
([8]) صحيح الجامع ص343 ج1.
([9]) يوم الاثنين 5/5/1412ﻫ لأداء صلاة الاستسقاء في جامع المطرود سابقًا في مدينة الرياض.
([10]) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان ص37.
([11]) البخاري مع الفتح ح6 ص20.
([12]) حديث صحيح (صحيح الجامع ص1105).
هي الفرح والغبطة والسرور، ولا ينالها إلا من أطاع الله واتبع رضاه وقنعت نفسه بما قسم الله، ورضي بالقليل واستعد ليوم الرحيل وفعل ما أمره الله به وترك ما نهاه عنه، كما قال تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [النحل: 97].
فالحياة الطيبة هي الحياة السعيدة، وإن كان صاحبها فقيرًا معدومًا لا يملك من حطام الدنيا شيئًا ولم يتول من مناصبها شيئا، ولله در القائل:
ولست أرى السعادة جمع مال
ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرًا
وعند الله للأتقى مزيدٌ
وفقني الله وإياك إلى طريق السعادة وجعلنا من السعداء في الدنيا والآخرة.
الفصل الأول
من قصص السعداء
هذه القصة التي سنوردها لصحابي جليل اسمه «جليبيب»، في نظر كثير من الناس أنه لا يملك من مقومات السعادة شيئا؛ إذ أنهم يظنون أن السعادة في المال أو المنصب أو الحسب والنسب، أما جليبيب فكان فقير الحال غنيًا بالإيمان ورفع الله نسبه بالإسلام وشرفه الله بالدخول في هذا الدين فإليك قصته:
قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا حماد عن ثابت عن كنانة عن أبي برزة الأسلمي، قال: إن جليبيب كان امرءًا يدخل على النساء يمازحهن ويلاعبهن، فقلت لامرأتي: لا تدخلن عليكن جليبيب؛ فإنه إن دخل عليكن لأفعلن وأفعلن. قالت: كانت الأنصار إذا كان لأحدهم أَيم لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي r فيها حاجة أم لا، فقال النبي r لرجل من الأنصار: «زوجني ابنتك». قال: نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عين، فقال r: «إني لست أريدها لنفسي». قال: فلمن؟ قال r: لجليبيب. فقال: يا رسول الله، أشاور أمها. فأتى أمها فقال: رسول الله r يخطب ابنتك. فقالت: نعم، ونعمة عين. فقال: إنه ليس يخطبها لنفسه؛ إنما يخطبها لجليبيب. فقالت: أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ ألا لعمر الله لا نزوجه. فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله فيخبره بما قالت أمها قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها؛ قالت: أتردون على رسول الله r أمره؟ ادفعوني إليه؛ فإنه لن يضيعني. فانطلق أبوها إلى رسول الله r فقال: شأنك بها. فزوجها جليبيبا. قال: فخرج رسول الله r في غزوة له، فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه رضي الله عنهم: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلانًا ونفقد فلانًا. قال r: «انظروا هل تفقدون من أحد». قالوا: لا. قال r: لكنني أفقد جليبيبا. قال r: «فاطلبوه في القتلى». فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فقالوا: يا رسول الله، ها هو ذا قد قتلهم ثم قتلوه، فأتاه رسول الله r فقام عليه فقال: «قتل سبعة وقتلوه، هذا مني وأنا منه». مرتين أو ثلاث، ثم وضعه رسول الله على ساعديه وحفر له، ماله سريرٌ إلا ساعد النبي r، ثم وضعه في قبره ([1] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn1)). فانظر يا أخي في الله كيف أن هذا الصحابي باع دنياه واشترى آخرته وقدم نفسه قربانًا إلى الله؛ لأنه يعلم أن السعادة في طاعة الله، وانظر إلى قول النبي r: «هو مني وأنا منه»؛ أي على هديي وسنتي وطريقتي، وهذا إيماءٌ من النبي r أن جليبيبا قتل شهيدًا، وهو بإذن الله من أهل الجنة؛ فهذه السعادة الحقيقية.
القصة الثانية
لصحابي جليل وهو ابن عم رسول الله r وهو حبر هذه الأمة وترجمان القرآن، كان عالمًا عاملاً، أوصاه النبي r بوصية قال له فيها: «يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف» ([2] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn2)). وفعلاً حفظ ابن عباس هذه الوصية فحفظه الله بها، فإليك قصته t:
فعن سعيد بين جبير([3] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn3)) رضي الله عنه قال: مات ابن عباس بالطائف فجاءه طائر لم ير على خلقته، فدخل نعشه، ثم لم ير خارجًا منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يُدري من تلاها: }يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي{ [الفجر: 27-30]. فانظر يا أخي المسلم إلى هذا الصحابي الجليل الذي كان حافظًا لكتاب الله وعاملاً به كيف أسعده الله وأحسن خاتمته بأن يتلى القرآن على قبره بعد موته.
القصة الثالثة
قصة عمر بن عبد العزيز
إليك يا أخي الكريم قصة هذا الخليفة الزاهد الذي قدم أمر آخرته على دنياه؛ كان كثير المراقبة لله سبحانه وتعالى فما غره جاهه ولا سلطانه؛ لأنه كان عالمًا عاملاً وكان كثيرًا ما يدعو ربه أن يخفي موته عن الناس فإليك قصته.
عن المغيرة بن حكيم قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر قالت: كنت أسمع عمر كثيرًا ما يقول: اللهم أخف عليهم موتي ولو ساعة. فقلت له يومًا: لو خرجت عنك فقد سهرت يا أمير المؤمنين؛ لعلك تغفو. فخرجت إلى جانب البيت الذي كان فيه فسمعته يقول: }تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ [القصص: 83]. ففاضت روحه وهو يردد هذه الآية.
القصة الرابعة
قصة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية:
كان شيخ الإسلام رحمه الله عالمًا مجاهدًا في سبيل الله بلسانه وبقلمه وسيفه داعيًا إلى السنة ومحاربًا للبدعة، لا يخاف في الله لومة لائم، فعندما صدع بالحق حسده كثيرٌ من علماء زمانه فوشوه على الخليفة ورموه بالابتداع، فسجن أكثر من مرة وأوقف عن التدريس، ولكن هذه لم تفت في عضده أو تبعده عن الدعوة وفي آخر مرة وشوه إلى الخليفة فسجن في سجن القلعة في سجن انفرادي ومنع من التأليف وسحبت منه الأقلام والمحابر فقال رحمه الله: ما يفعل أعدائي بي، أنا حديقتي وبستاني في صدري، أنى ذهبت فهي معي؛ فإن قتلوني فقتلي شهادة وإن شردوني فتشريدي سياحة وإن سجنوني فسجني خلوة، فسدَّ شيخ الإسلام بهذه الكلمات على أعدائه جميع المنافذ التي يريد أعداؤه أن ينتقموا منه عن طريقها؛ فبعد سحب الأقلام والمحابر بدأ شيخ الإسلام رحمه الله بتلاوة كتاب الله حتى ختمه ثمانين مرة، فعندما شرع في الواحد والثمانين وأتى عند قوله تعالى: }إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ{ [القمر: 54-55]. فتوفاه الله عند هذه الآية، ثم شرعوا في غسل الشيخ رحمه الله فما فرغوا منه حتى امتلأت القلعة وضج الناس بالبكاء والثناء والدعاء والترحم، ودخلوا بالجنازة إلى الجامع الأموي والخلائق فيه بين يدي الجنازة وخلفها وعن يمينها وشمالها ما لا يحصي عدتهم إلا الله سبحانه وتعالى، فصرخ صارخ وصاح صائحٌ، هكذا تكون جنائز أئمة السنة، فصلى عليه خلق كثير لا يحصيهم إلا الله حتى إن الحوانيت أغلقت في ذلك اليوم. كل ذلك دلالة على حب شيخ الإسلام وعلامة من علامات حسن الخاتمة بإذن الله ([4] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn4)).
القصة الخامسة
سائق الإسعاف
هذه القصة غريبة جدًا، بطلها هو سائق الإسعاف، كان فظًا غليظ القلب، كان لا يتذكر إذا ذُكِّر، ولا يتعظ إذا وعظ؛ وسبب ذلك ناتج عن طبيعة عمله، ومباشرته لحوادث شنيعة، يذكر من شناعتها أنه يباشر الحادث فيجد بعض المصابين قد تقطع أشلاءً؛ فيحمل رأسه في يد وعضوًا آخر من أعضائه في يده الأخرى، فيقول: ما كان هذا المنظر يهزني أو يؤثر فيَّ، وكنت على حالة من المعاصي من أعظمها ترك الصلاة.
وفي يوم من الأيام بلغت بمباشرة حادث في مدخل من مداخل الرياض الساعة الواحدة ليلاً، فإذا بي أركب سيارة الإسعاف كعادتي وأنطلق مسرعًا نحو الحادث، وكان زميلي في ذلك اليوم مرخوصًا عن عمله، فعندما وصلت إلى موقع الحادث وإذا بي أجد سيارة بيوك بيضاء قد ارتطمت في أحد أعمدة الإنارة وأدت إلى انطفاء الكهرباء في تلك المنطقة، والغريب أني رأيت نورًا ينبعث من السيارة فانطلقت كعادتي متوجهًا إلى باب السيارة، وكان في يدي سيجارة الدخان فإذا بي أرى عجبًا؛ فإذا برجل كث اللحية مستنير الوجه قد ملأ نور وجهه السيارة وقد ارتطمت مقودة السيارة بأجزائه السفلى، فحاولت أن أعيد المقعدة إلى الخلف، فنظر إلي فقال: تريد أن تساعدني.
قلت: نعم. قال: إذا سمحت أطفئ سيجارتك. فقلت: لعله أصيب بلوثة من جراء الحادث؛ فأطفأت السيجارة، فعندما أردت إنقاذه قال: تريد أن تنقذني. قلت: نعم. قال: إني أريد أن أكافئك على فعلك بنصيحة مقدمة. فقلت: تفضل. فقال لي: عليك بطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة الوالدين، وإياك ورفقة السوء. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. ثم مات، فحملته إلى المستشفى وسلمته إلى قسم الحوادث، ثم عدت إلى البيت قرابة الثالثة ليلاً، فأردت أن أنم فلم أستطع؛ لأنني أتذكر المنظر الذي رأيته وسمعته، فإذا بالمؤذن يؤذن لصلاة الفجر، فتوضأت ثم انطلقت لأصلي صلاة الفجر مع الجماعة، وكانت لأول مرة. فبعد أن انتهينا من الصلاة انطلقت إلى إمام المسجد فذكرت له ما حدث فقال: احمد الله أن الله بعث من يدعوك بقوله وفعله. ثم انطلقت أنا وإياه إلى زيارة المقبرة، فصارت سببًا لهدايتي واستقامتي على دين الله ([5] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn5)).
القصة السادسة
قصة ناصر النجار
كان هذا الرجل رجلاً صالحًا وكان يعمل نجارًا في الرياض، وكان كلما حان وقت سنة الضحى أغلق دكانه وانطلق إلى المسجد المجاور للدكان، ثم توضأ وصلى سنة الضحى، فبعد أن ينتهي من صلاته يعود فيفتح دكانه ثم يعمل فيه، وفي يوم من الأيام أغلق دكانه الساعة السابعة صباحًا، ثم انطلق إلى المسجد فتوضأ ثم كبر يصلي، وبعد أن انتهى من الركعة الأولى وشرع في الركعة الثانية فوضع يده اليمنى على اليسرى، فإذا بملك الموت يقبض روحه وهو يناجي ربه في أفضل العبادات فيسقط رحمه الله ويده اليمنى على اليسرى، فما علموا به إلا وقت صلاة الظهر عندما دخل المؤذن ليؤذن للصلاة، فحملوه إلى بيته وقاموا بتغسيله، فكلما أعادوا يديه إلى جنبه أعادها مرة أخرى إلى صدره، فكفنوه ويداه موضوعة على صدره كهيئتها في الصلاة.
فانظر يا أخي المسلم إلى هذه الميتة الحسنة، وهل أفضل من أن يموت الإنسان وهو يعبد ربه ويناجيه، وأن يبعث يوم القيامة وهو مصليًا ([6] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn6)).
القصة السابعة
الرجل الذي مات يوم الجمعة في المسجد
هذه القصة حضَرْتُها بنفسي، وهي لشاب في الثلاثين من عمره أتى في صبيحة يوم الجمعة مغتسلاً ثم دخل المسجد، وبعد أدائه لتحية المسجد فتح القرآن وبدأ يقرأ حتى قرأ ما شاء الله، فبعد أن دخل الخطيب وسلم على الناس قام هذا الشاب وأعطى الذي بجواره المصحف ليضعه في الدولاب، ثم وضع رأسه على ركبته بعد أن بدأ الشيخ في الخطبة، ثم أصدر صوتًا يشبه الشخير ثم سقط في المسجد، فحمل إلى برادة الماء فرش بالماء فلم يفق، فحمل إلى مستشفى الأمير سلمان فأفاد الطبيب أنه مات قبل عشر دقائق، فانظر يا أخي إلى هذه الميتة الحسنة؛ أن يموت في بيت من بيوت الله وينتظر فريضة من فرائض الله، وأن يموت في يوم الجمعة، كما قال r: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر»([7] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn7)).
القصة الثامنة
قصة مدرس القرآن
في يوم من الأيام كنت أتكلم عن حسن الخاتمة وسوئها، وبعد الانتهاء من الكلمة تقدم شاب عليه آثار الحزن، وبدأت آثار الاستقامة تظهر على وجهه، فقال: سأذكر لك قصة جدي؛ كان جدي حافظًا لكتاب الله، ويعلمه للناس بدون أجر، فكبر سنه ورق عظمه وبلغ من الكبر عتيًا، حتى أنه فقد الذاكرة فنسي جميع من يعرفهم؛ حتى أسماء أبنائه، واستمرت هذه الحالة عشرين سنة، ولكن العجيب أنه إذا قرأ القرآن- وكنت بجواره أسمع له- أجده لا يخطئ في حرف واحد.
وفي يوم من الأيام في وقت السحر- وقت نزول الرحمن الذي يليق بجلاله- وإذا بجدي ينادي باسم أبي: يا عبد الله. وقد نسيه منذ عشرين سنة، فرح أبي وانطلق مسرعًا إلى غرفة أبيه فرحًا بأنه استعاد الذاكرة، فقال: ماذا تريد يا أبي؟ فكان جدي- رحمه الله- ينظر إلى ناحية من الغرفة فقال: يا بني هل ترى هذين الرجلين الجميلين الذين يرتدي كل منهما عمامة بيضاء؟! التفت أبي فما رأى شيئًا! قال: يا أبي، إني لا أرى شيئًا. فقال جدي رحمه الله: صدق الله }فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ{ [ق: 22]. وكأنه رحمه الله يشير إلى حديث النبي r الذي رواه البراء بن عازب: «إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ... الحديث»([8] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn8)). ثم رفع سبَّابته وقال: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. ثم فاضت روحه إلى الله، نسأل الله أن يبعثه يوم القيامة قارئًا للقرآن.
فانظر يا أخي في الله إلى هذه الخاتمة الحسنة؛ أن يموت الإنسان قارئًا لكتاب الله، ويحشر على هذه الحال، أو أن يموت- والعياذ بالله- مغنيًا أو مطبلاً.
القصة التاسعة
قصة الذي مات في صلاة الاستسقاء
دخلت في أحد الأيام إحدى التسجيلات الإسلامية فوجدت بعضا الإخوان فقالوا: هل تذهب معنا؟ قلت: وإلى أين؟ قالوا: لتعزية أحد الإخوان. فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله. قالوا: أبشر؛ فإن ميتته ميتةٌ حسنة يتمناها كل مسلم. قلت: وكيف؟ قالوا: في يوم الاثنين ([9] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn9)) انطلق هذا الرجل الذي يبلغ من العمر ستين سنة بعدما سمع المنادي ينادي لصلاة الفجر، وبعد أن أدى هذه الفريضة التي يُضيعها كثير من المسلمين وللأسف الشديد، عاد إلى بيته فتناول شيئًا من الحليب، ثم عاد لأداء صلاة الاستسقاء مع المسلمين، وبعدما دخل في صلاته وفي السجود يأتي ملك الموت فيقبض روحه ساجدًا لله، فقام الناس من سجودهم ولم يقم معهم، فبعد أن انتهوا من صلاتهم حركوه وإذا به قد مات، فانظر يا أخي القارئ إلى هذه الميتة الحسنة؛ أن يموت الإنسان مصليًا ويبعث يوم القيامة على حالته التي مات عليها.
ويدل على ذلك حديث الذي وقصته ناقته في الحج الذي قال عنه r: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين، ولا تُخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا»([10] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn10)).
وفي ختام هذا الفصل الذي أسميته «من قصص السعداء» الذين ظهرت عليهم علامات حسن الخاتمة، وهي علامات السعادة؛ لأن الإنسان يحشر يوم القيامة على ما مات عليه كما ثبت عن نبينا r: «والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله ... والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم، والريح ريح المسك»([11] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn11)). فقد بين في هذا الحديث أن الشهيد يبعث على حالته التي كان عليها، وكذلك كل من مات على نوع من أنواع الطاعة؛ كقراءة للقرآن أو حج أو عمرة، كما بين النبي r في حديث الذي وقصته ناقته أنه يبعث يوم القيامة ملبيًا، ومن مات أيضًا ذاكرًا لله؛ فهذه من علامات السعادة أيضًا كما قال r: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»([12] (http://www.alraidiah.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=3#_ftn12)). إذًا يا أخي في الله ينبغي أن تجتهد في طاعة الله حافظًا لأوامره مجتنبًا لنواهيه؛ لتكون من السعداء في الدنيا والآخرة.
وختامًا لهذا الفصل أحب أن أبيِّن قاعدة مهمة من قواعد أهل السنة؛ أننا لا نشهد لأحد بجنة أو نار أو سعادة أو شقاء إلا من شهد الله لهم أو شهد لهم رسوله r؛ ولكن نرجو للمحسن الإحسان والثواب ونخاف على المسيء العقاب.
([1]) رواه أحمد تفسير ابن كثير سورة الأحزاب 36 وأصله في صحيح مسلم ج6.
([2]) رواه الترمذي عن ابن عباس، وقال حديث حسن صحيح.
([3]) وهذه قصة صحيحة متواترة كما قال الذهبي في سير أعلام النبلاء وانظر تخريجه في حاشية السير (3/358).
([4]) انظر البداية والنهاية وفاة شيخ الإسلام ج7 ص141.
([5]) ذكر هذه القصة أحد الإخوان في الله الذي يعرف هذا الشاب التائب.
([6]) وهذه القصة رواها لي اثنين من أقارب هذا الرجل.
([7]) رواه الإمام أحمد والترمذي وهو حديث حسن (صحيح الجامع) برقم (5773).
([8]) صحيح الجامع ص343 ج1.
([9]) يوم الاثنين 5/5/1412ﻫ لأداء صلاة الاستسقاء في جامع المطرود سابقًا في مدينة الرياض.
([10]) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان ص37.
([11]) البخاري مع الفتح ح6 ص20.
([12]) حديث صحيح (صحيح الجامع ص1105).