ححرف!
03-02-2010, 05:56 PM
الحمد لله الذي أمدنا بعونه ويسَّر لنا سبل العيش في أرضه وأفاض علينا من وافر نعمه وصلى الله وسلم على الهادي محمد وعلى آله وصحبه وسلم ثم أما بعد :
تمُرُّ أيام العمر سراعاً ، وفي غمضة عينٍ وانتباهتها سيقال مات فلان لأن البقاء لله وحده { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [القصص : 88]
ومهما طال العمر فسينقضي وقد روي أن نوحاً عليه الصلاة والسلام سئل: كيف رأيت الدنيا وقد عشت فيها ألف سنة، قال كرجلٍ بني داراً لها بابان دخل مع أحدهما وخرج مع الآخر.
نعم كل شئ سينقضي فإنه لا متعة فيه _ أي باقية _ ولهذا علَّق الله قلوب المؤمنين بالآخرة الباقية،وزهدهم في الدنيا الفانية وكثيراً ما يُذكرهم بهذا المعنى في مثل قوله تعالى:{ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39] ويقول سبحانه: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت:64] وكقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ }[ التوبة: 38] وكقوله سبحانه: { اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ}[الرعد:26] وكقوله جلَّ ذكره : { الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ }[إبراهيم:3] وكقوله عزَّ من قائل:{ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[القصص:60] والآيات كثيرة في هذا المعنى فهل هذا عبثٌ لا والله بل ليكون المؤمن على أهبة الاستعداد للنقلة ولكي لا يُغبن في البيع فيبيع الباقي بالفاني فهل وعينا درس القرآن.
إن مجرد التفكر في اسم الدنيا يُشعر أصحاب الألباب الحية _ نسأل الله أن نكون منه _ بدنوِّها وحقارتها وأنها لا تستحق أن تتعلق بها النفوس الشريفة، ولا الأطماع العريضة ولذا ترفَّع عنها الصحب الكرام _ رضي الله عنهم وأرضاهم _ ومن تبعهم بإحسان لأنهم عرفوا حقيقتها لكنهم في ذات الوقت لم ينزووا عن حضارتها، ولم يستنكفوا عن مشاركة الأخيار بناءها فسطروا أروع المُثُل وبنوا أعظم امبراطورية عرفها التأريخ لأنهم فهموا معنى الاستخلاف وأن الدنيا إناءٌ لابد من أن يمتلئ إمَّا بحق أو بباطل وإما بخيرٍ أو شرٍّ فملأوا الدنيا بعبير إنجازاتهم وصلاح أعمالهم فهل نترسم خطاهم؟ أرجو ذلك.
إن حياة المرء الحقيقية هي ما يُخلفه خلفه من إنجازات الخير ، وصروح العطاء،وعندها يعيش المرء وهو مفقود، ويُذكر وهو غائب، فلله ما أعظم العطاء إذا كان لله، وما أجمل عبيره إذا كان من نسيم الآخرة.
إن المتفكر في حياة البشر لا يجد أعظم من حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ملأت الأزمان والعصور من عبير أنفاسهم، وآثار أفعالهم وللمطالع لحياتهم أن يعي الدرس الذي ربَّى به المولى سبحانه أفضل خلقه – صلى الله عليه وسلم _ وهو يحثه على ترسم خطاهم واتباع سنتهم فيقول له عقب أن ذكر له ثمانية عشر نبياً من أفاضلهم :{ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِين}[الأنعام:90] أما والله لو استغنى عن الاقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحدٌ لكمال عقل وتمام دينٍ وصلاح عملٍ لاستغنى محمد بن عبدالله _صلى الله عليه وسلم_ بأبي هو وأمي ونفسي فهل من متفكر؟! ولهذا تعرف مغزى ختم الآية ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِين ) لتعلم أن المقصود بهذا التوجيه العالمين ونحن منهم.
نعم لقد سطروا _ عليهم الصلاة والسلام _ تاريخهم بأحرفٍ من نور لكنها تعمى عن أنوارهم كثير من خفافيش البشر، فهل فكرت _أخي القارئ وأختي القارئة_ أن تكتبا تاريخ حياتكما بنفسيكما وتتركا أثاركما التي تُذكر فتُشكر ؟ الجواب لديكما.
وكن رجلاً إن أتوا بعده *** يقولون مرّ وهذا الأثر
تعال معي إلى صفحات أناس نمر عليها مرور الكرام لعلنا نعتبر فهذا سعد بن معاذ رضي الله عنه { اهتزّ عرش الرّحمن لموته}،وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية خلّف ألفاً من الكتب والمجلّدات ,, تفرّغ الواحدة منها في أشهر !
وعطاء بن أبي رباح نام في المسجد { ثلاثين سنة } يطلب العلم. وهل تأملت كيف تُوفّي [ ابن باز ] رحمة الله عليه ,, وآثاره تعيش بيننا كأنّه معنا لايعزب ذكره الطّيب عن الألسن مثقال ذرّة عاش عظيما ومات عظيما ,, رحمة الله عليه
مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وعاش قوم وهم في النّاس أمواتُ
ولا زال قومٌ يكتبون في صفحات التأريخ فهذا الدكتور عبد الرّحمن السّميط أسلم على يديه أكثر من خمسة ملايين نفس !!! بارك الله في عمره ونيته.
فأوَّاه ما أجبنَ النفس إذا أطيعت ، وما أشجعها إذا قيدت لله فإنها تصنع العجائب.
فما [ بضاعتنا ] يوم تعرض الأعمال على الله ؟
ماهي الآثار التي ستنسب إلينا بعد الموت ؟
وهل سيبقى ذكرنا مخلداً بها [ مابقيت السّموات والأرض ] ,,
أوّاه يا دنيا من { كثرة الرّاحلين ولا معتبر}
باتت حكايات الرّحيل وفصولها والسّتار المسدل أخيرا معروفاً للجميع
تتباين الأحداث
تتغيّر الأسماء
والنهاية فراق في فراق
لكن ماذا بعد الفراق ؟! ماذا سيقال بعدنا ؟!
أحبتي : أليس في دارنا جاهلٌ لم نعلمه ؟ أليس بيننا محتاجٌ لم نواسه ؟ أليس في نواحينا بؤساء لم نخرجهم من تيههم ؟ أليس بيننا أفكارٌ دخيلة لم نواجهها ؟ أليس في ديارنا أثار الأعداء بدت ولا محارب؟ فمتى نكتب أثارنا ؟!!
ياليت شعري أنحن نوقن بأن الأجل محتوم ؟ إذن فلماذا نسوِّف والنهاية تقترب؟
أحبتي إني لم أسطر هذه السطور إلا من أجل غصةٍ في صدري ، وحسرة في نفسي على أحبةٍ لي أراهم أجساداً تسير بين الخلق بلا هدف ، رضوا بأن يكونوا مع الخالفين ، إني لأذكر هممهم صغاراً فلماذا تخلوا عنها كباراً ، والله إنها لحسرةٌ على قومي أن أراهم يتلاشون أحياء قبل الممات، رضي أحدهم بلقمة عيشٍ يقتاتها لم أظنُّ يوماً من الدهر أنه سيقصر همه عليها، إن كان العيش لنأكل فوالله أن النملة أشد اجتهاداً منا في ذلك وإن كان لتحصيل قوة فالفيل سيتحاوزنا بمفاوز، وإن كان لصبر على بلاء الدنيا فالجمل سيتبوأ مكانه فوقنا.
أرضينا بأن يكون الحيوان خيرٌ منا ؟!
آه لعيش العظماء وحياة الأتقاء وفوز السعداء !!!
متى أحبتي نعرف قدر أنفسنا ، ونعي دور أمتنا والله لقد خلقنا عظماء بهذا الدين والفطرة التي فطر الله الناس عليها فلماذا نرضى بالدون ، ونحيا على فتات البشر.
ما رأيت أخس همةً ممن يُقال له هذا قصرك المشيد هو لك وما فيه من مُلكٍ تليد فيبقى دهراً غير مصدِّق واقفاً على عتبة بابه وهو يقول لعل الأمر خُدعة.
تقضت الأعمار ومرت السنون وفئامٌ منا لم يُصدِّق إلى هذه اللحظة أنه عزيز قد هيأه الله لحياة العظماء فرضي أن يكون من الكسالى في مزبلة التأريخ التي لا تُذكر.
إنها الإيجابية في حياة البشر :
يقول الشيخ أحمد بن صالح الطويَّان _ حفظه الله _ في هذا الصدد:{الناس يختلفون في طبائعهم وصفاتهم وأخلاقهم فمنهم الذي يأخذ ولا يعطي ، ويفسد ولا يصلح ويحقد ولا يحب ، ويؤذي ولا يحسن ، ويهدم ولا يبني .
ومنهم الذي يعطي ولا يأخذ ، ويصلح ولا يفسد ، ويحب ولا يبغض ، ويحسن ولا يؤذي ، ويبني ولايهدم ، مؤتمن لا يغش ولا يخدع ، ويثني ويمدح ولا يسب ويقدح ، يبشر ولا ينفر .
أصناف متغايرة وصفات مختلفة ، فلينظر الإنسان من أي الأصناف هو ؟ ومن أي الفريقين يكون ؟!.
وفي مضمار الحياة تظهر الصفات وتختلف الأهداف فالعطاء والإنفاق والبذل والكرم والجود صفات ترفع بأصحابها إلى العلياء .
قال صلى الله عليه وسلم ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) . فاليد العليا هي المنفقة واليد السفلى هي الآخذة .
وقوة العزيمة وعلو الهمة والجد في الحياة هي قوة المؤمن الحقيقة التي تعلو بقدره وفضله ( المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) .
ولذا يندر من الناس من يتحمل هموم الأمة ويقوم بحقوق الأخوة قال صلى الله عليه وسلم ( الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة ) .
فنبل الصفات وكريم الخصال لا يقدر عليها كثير من الناس ( فالناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) .
وتلك الصفات الكريمة والمعادن الطيبة لا تختلف في العسر ولا في اليسر ، ولا في الفقر ولا في الغنى ، ولا في الفراغ ولا في الشغل ، ولا في الصحة ولا في المرض.
فمن الناس من تسوء طباعه ، وتفسد أخلاقه وتقبح صفاته ، إذا كثر ماله ، وعظم جاهه ، وفي وقت فراغه وفي خلواته وكأنه يُقابل النعمة بالنكران والكفران .
ومن الناس من إذا عسرت حاله وقلَّ حاله ، فسد خلقه وطاش فعله.
ومن الناس من يأتي أُناس بوجه وآخرين بوجه.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تجدون شر الناس ذا الوجهين ).
ومنهم إذا كان أمام الناس حَسُن خلقه وإذا خلا ببيته انقلب على عقبه.
فالإسلام لم يرض أن تكون تلك الصفات ظاهرية جوفاء لا روح فيها.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( المؤمن من أمنه الناس والمهاجر ما هجر ما نهاه الله عنه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ).
والمؤمن بصفاته الحميدة وأخلاقه العالية يرجو ما عند الله ولا يرجو ما عند الناس من الثناء والمديح : (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزءا ولا شكوراً إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً ) .
والمؤمن يجتنب الأخلاق السافلة والصفات المقيتة لوجه الله فيترك الحرام خوفاً من الله ورجاء ما عنده من الثواب لمن ترك الحرام .
وحينئذ يتربى المسلم على مراقبة الخالق جل و علا فيستوي بذلك غيبه وشهادته ، وسره وعلانيته فيخاف الله في السر أكثر وأعظم من خوفه في العلانية فيُعظم رؤية الله أعظم من رؤية المخلوقين فلا يهرب عن أعين الخلق فيقطع المسافات الطويلة ليخلو بمحارم الله فينتهكها ( ألم يعلم بأن الله يرى ) .
وإذا كان في متناول يده ما يدعوه للنظرة المحرمة ، والفعل المحرم فإن لسان حاله يقول ( معاذ الله إنه ربي أحسن مثوايّ ) .
وإذا أراد أن ينطق بالحرام تذكر ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) .
فيؤصل المسلم في نفسه الرقابة الذاتية فيراقب الله في حركاته وسكناته.
فالمؤمن يكون إيجابيا في كل عمل يعمله فهو لا يعمل عملا إلا يرجو ثوابه وإنما الأعمال بالنيات والإسلام ربى المسلم على الإيجابية في كل شيء ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ) حتى في القتل والذبح.
(وإماطة الأذى عن الطريق صدقة) وفي قصة الرجل الذي قطع غصن شجرة عن طريق الناس فأدخله الله الجنة.
والمرأة البغي من بني إسرائيل سقت كلباً فشكر الله لها فأدخلها الجنة.
وفي المقابل: (دخلت النار امرأة في هرة لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ).
وفي المقابل قوله صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الملاعن الثلاث البول في الموارد وفي قارعة الطريق...).
وقال صلى الله عليه وسلم ( لا يبول أحدكم في الماء الدائم ) .
وقال ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى من بنو آدم ) .
كل ذلك حتى لا يكون المسلم مصدر إيذاء لإخوانه المسلمين وسبب إفساد لما يشتركون فيه جميعاً .
بل إن المسلم يكون مصدر أمن وطمأنينة لإخوانه ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشو السلام بينكم ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( ليسلم الصغير على الكبير والراكب على الماشي والقليل على الكثير).
وقال صلى الله عليه وسلم ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ).
وقال صلى الله عليه وسلم ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ).
وفي المقابل قال صلى الله عليه وسلم ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإشارة بالحديدة في وجه المسلم وقال ( إن الملائكة تلعنه حتى يضعها ).
وقال ( إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعا ) خ م .
بل نهى المسلم عن ترويع أخيه المسلم وقال ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه قيل وما بوائقه ؟ قال: ظُلمه وغُشمه ).والجار هنا ليس خاصاً بجار البيت فحتى جار المنزل فيمن نزل منزلاً فآذاه مَنْ بجواره بظلمه وغشمه.
ومن الإيجابية ألا ينتهي عمل المسلم ودوره في الحياة بنهاية عمل وظيفي أو مهني ، بل إن المسلم كلما كان أفرغ كان عمله أكثر وأدوم فالمتقاعد الذي يشعر أن دوره في الحياة انتهى بمجرد تقاعده ففهمه قاصر عن دور المسلم في الحياة فعمل المسلم مستمرا إلى آخر حياته يعطي ويقدم ما بجهده ليؤدي الأمانة التي في عنقه وليس لعمل المؤمن نهاية إلا الموت (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) ، والمرأة التي فاتها الزواج لا تحكم على نفسها بالفشل بل تقوم برسالتها في الحياة دون يأس ولا قنوط فلا تستسلم للوساوس الشيطانية وتنظر إلى نفسها بالنظرة القاصرة بل إيجابيتها في الحياة تثمر وتؤثر .
ومن أصيب بعاهة أو نقص في الخلقة لا يكتفي بأن يكون عالة على الآخرين بل يتقدم بإيجابيته فيصنع ما لم يصنعها غيره ، فهذا عمرو بن الجموح رجا أن يطأ بعرجته في الجنة وهذا
ابن أم مكتوم يتقدم وهو أعمى للجهاد في سبيل الله .
فالإيجابية لا تقتصر في وقت دون آخر بل هي في وقت الحاجة آكد ولذلك كان الإيثار من الأخلاق العظيمة ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ).
وقال صلى الله عليه وسلم ( أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن كسوت عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت حاجته ).
فالمسلم الإيجابي كمثل الغيث أينما وقع نفع ، فهو كالنخلة في ثباتها وعطائها وجمالها قال صلى الله عليه وسلم إن من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي قال ابن عمر فوقع الناس في شجرة البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله قال هي النخلة ) خ .
فنحن بحاجة إلى تربية أنفسنا على الإيجابية وتربية أبنائنا وبناتنا عليها .
تربيتهم على النفع وليس على الضر على الإصلاح لا الإفساد على الخير لا على الشر .
تربيتهم على أن يكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر } اهـ المقصود من كلام الشيخ أحمد الطويان أجزل الله مثوبته.
ولعل فيما أوردنا ذكرى لأنفسنا وأحبابنا أن نبادر انقضاء العمر وتصرُّم الأيام ونكتب تاريخ الرحيل والله المستعان وعليه التكلان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تمُرُّ أيام العمر سراعاً ، وفي غمضة عينٍ وانتباهتها سيقال مات فلان لأن البقاء لله وحده { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [القصص : 88]
ومهما طال العمر فسينقضي وقد روي أن نوحاً عليه الصلاة والسلام سئل: كيف رأيت الدنيا وقد عشت فيها ألف سنة، قال كرجلٍ بني داراً لها بابان دخل مع أحدهما وخرج مع الآخر.
نعم كل شئ سينقضي فإنه لا متعة فيه _ أي باقية _ ولهذا علَّق الله قلوب المؤمنين بالآخرة الباقية،وزهدهم في الدنيا الفانية وكثيراً ما يُذكرهم بهذا المعنى في مثل قوله تعالى:{ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39] ويقول سبحانه: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت:64] وكقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ }[ التوبة: 38] وكقوله سبحانه: { اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ}[الرعد:26] وكقوله جلَّ ذكره : { الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ }[إبراهيم:3] وكقوله عزَّ من قائل:{ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[القصص:60] والآيات كثيرة في هذا المعنى فهل هذا عبثٌ لا والله بل ليكون المؤمن على أهبة الاستعداد للنقلة ولكي لا يُغبن في البيع فيبيع الباقي بالفاني فهل وعينا درس القرآن.
إن مجرد التفكر في اسم الدنيا يُشعر أصحاب الألباب الحية _ نسأل الله أن نكون منه _ بدنوِّها وحقارتها وأنها لا تستحق أن تتعلق بها النفوس الشريفة، ولا الأطماع العريضة ولذا ترفَّع عنها الصحب الكرام _ رضي الله عنهم وأرضاهم _ ومن تبعهم بإحسان لأنهم عرفوا حقيقتها لكنهم في ذات الوقت لم ينزووا عن حضارتها، ولم يستنكفوا عن مشاركة الأخيار بناءها فسطروا أروع المُثُل وبنوا أعظم امبراطورية عرفها التأريخ لأنهم فهموا معنى الاستخلاف وأن الدنيا إناءٌ لابد من أن يمتلئ إمَّا بحق أو بباطل وإما بخيرٍ أو شرٍّ فملأوا الدنيا بعبير إنجازاتهم وصلاح أعمالهم فهل نترسم خطاهم؟ أرجو ذلك.
إن حياة المرء الحقيقية هي ما يُخلفه خلفه من إنجازات الخير ، وصروح العطاء،وعندها يعيش المرء وهو مفقود، ويُذكر وهو غائب، فلله ما أعظم العطاء إذا كان لله، وما أجمل عبيره إذا كان من نسيم الآخرة.
إن المتفكر في حياة البشر لا يجد أعظم من حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ملأت الأزمان والعصور من عبير أنفاسهم، وآثار أفعالهم وللمطالع لحياتهم أن يعي الدرس الذي ربَّى به المولى سبحانه أفضل خلقه – صلى الله عليه وسلم _ وهو يحثه على ترسم خطاهم واتباع سنتهم فيقول له عقب أن ذكر له ثمانية عشر نبياً من أفاضلهم :{ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِين}[الأنعام:90] أما والله لو استغنى عن الاقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحدٌ لكمال عقل وتمام دينٍ وصلاح عملٍ لاستغنى محمد بن عبدالله _صلى الله عليه وسلم_ بأبي هو وأمي ونفسي فهل من متفكر؟! ولهذا تعرف مغزى ختم الآية ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِين ) لتعلم أن المقصود بهذا التوجيه العالمين ونحن منهم.
نعم لقد سطروا _ عليهم الصلاة والسلام _ تاريخهم بأحرفٍ من نور لكنها تعمى عن أنوارهم كثير من خفافيش البشر، فهل فكرت _أخي القارئ وأختي القارئة_ أن تكتبا تاريخ حياتكما بنفسيكما وتتركا أثاركما التي تُذكر فتُشكر ؟ الجواب لديكما.
وكن رجلاً إن أتوا بعده *** يقولون مرّ وهذا الأثر
تعال معي إلى صفحات أناس نمر عليها مرور الكرام لعلنا نعتبر فهذا سعد بن معاذ رضي الله عنه { اهتزّ عرش الرّحمن لموته}،وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية خلّف ألفاً من الكتب والمجلّدات ,, تفرّغ الواحدة منها في أشهر !
وعطاء بن أبي رباح نام في المسجد { ثلاثين سنة } يطلب العلم. وهل تأملت كيف تُوفّي [ ابن باز ] رحمة الله عليه ,, وآثاره تعيش بيننا كأنّه معنا لايعزب ذكره الطّيب عن الألسن مثقال ذرّة عاش عظيما ومات عظيما ,, رحمة الله عليه
مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وعاش قوم وهم في النّاس أمواتُ
ولا زال قومٌ يكتبون في صفحات التأريخ فهذا الدكتور عبد الرّحمن السّميط أسلم على يديه أكثر من خمسة ملايين نفس !!! بارك الله في عمره ونيته.
فأوَّاه ما أجبنَ النفس إذا أطيعت ، وما أشجعها إذا قيدت لله فإنها تصنع العجائب.
فما [ بضاعتنا ] يوم تعرض الأعمال على الله ؟
ماهي الآثار التي ستنسب إلينا بعد الموت ؟
وهل سيبقى ذكرنا مخلداً بها [ مابقيت السّموات والأرض ] ,,
أوّاه يا دنيا من { كثرة الرّاحلين ولا معتبر}
باتت حكايات الرّحيل وفصولها والسّتار المسدل أخيرا معروفاً للجميع
تتباين الأحداث
تتغيّر الأسماء
والنهاية فراق في فراق
لكن ماذا بعد الفراق ؟! ماذا سيقال بعدنا ؟!
أحبتي : أليس في دارنا جاهلٌ لم نعلمه ؟ أليس بيننا محتاجٌ لم نواسه ؟ أليس في نواحينا بؤساء لم نخرجهم من تيههم ؟ أليس بيننا أفكارٌ دخيلة لم نواجهها ؟ أليس في ديارنا أثار الأعداء بدت ولا محارب؟ فمتى نكتب أثارنا ؟!!
ياليت شعري أنحن نوقن بأن الأجل محتوم ؟ إذن فلماذا نسوِّف والنهاية تقترب؟
أحبتي إني لم أسطر هذه السطور إلا من أجل غصةٍ في صدري ، وحسرة في نفسي على أحبةٍ لي أراهم أجساداً تسير بين الخلق بلا هدف ، رضوا بأن يكونوا مع الخالفين ، إني لأذكر هممهم صغاراً فلماذا تخلوا عنها كباراً ، والله إنها لحسرةٌ على قومي أن أراهم يتلاشون أحياء قبل الممات، رضي أحدهم بلقمة عيشٍ يقتاتها لم أظنُّ يوماً من الدهر أنه سيقصر همه عليها، إن كان العيش لنأكل فوالله أن النملة أشد اجتهاداً منا في ذلك وإن كان لتحصيل قوة فالفيل سيتحاوزنا بمفاوز، وإن كان لصبر على بلاء الدنيا فالجمل سيتبوأ مكانه فوقنا.
أرضينا بأن يكون الحيوان خيرٌ منا ؟!
آه لعيش العظماء وحياة الأتقاء وفوز السعداء !!!
متى أحبتي نعرف قدر أنفسنا ، ونعي دور أمتنا والله لقد خلقنا عظماء بهذا الدين والفطرة التي فطر الله الناس عليها فلماذا نرضى بالدون ، ونحيا على فتات البشر.
ما رأيت أخس همةً ممن يُقال له هذا قصرك المشيد هو لك وما فيه من مُلكٍ تليد فيبقى دهراً غير مصدِّق واقفاً على عتبة بابه وهو يقول لعل الأمر خُدعة.
تقضت الأعمار ومرت السنون وفئامٌ منا لم يُصدِّق إلى هذه اللحظة أنه عزيز قد هيأه الله لحياة العظماء فرضي أن يكون من الكسالى في مزبلة التأريخ التي لا تُذكر.
إنها الإيجابية في حياة البشر :
يقول الشيخ أحمد بن صالح الطويَّان _ حفظه الله _ في هذا الصدد:{الناس يختلفون في طبائعهم وصفاتهم وأخلاقهم فمنهم الذي يأخذ ولا يعطي ، ويفسد ولا يصلح ويحقد ولا يحب ، ويؤذي ولا يحسن ، ويهدم ولا يبني .
ومنهم الذي يعطي ولا يأخذ ، ويصلح ولا يفسد ، ويحب ولا يبغض ، ويحسن ولا يؤذي ، ويبني ولايهدم ، مؤتمن لا يغش ولا يخدع ، ويثني ويمدح ولا يسب ويقدح ، يبشر ولا ينفر .
أصناف متغايرة وصفات مختلفة ، فلينظر الإنسان من أي الأصناف هو ؟ ومن أي الفريقين يكون ؟!.
وفي مضمار الحياة تظهر الصفات وتختلف الأهداف فالعطاء والإنفاق والبذل والكرم والجود صفات ترفع بأصحابها إلى العلياء .
قال صلى الله عليه وسلم ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) . فاليد العليا هي المنفقة واليد السفلى هي الآخذة .
وقوة العزيمة وعلو الهمة والجد في الحياة هي قوة المؤمن الحقيقة التي تعلو بقدره وفضله ( المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) .
ولذا يندر من الناس من يتحمل هموم الأمة ويقوم بحقوق الأخوة قال صلى الله عليه وسلم ( الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة ) .
فنبل الصفات وكريم الخصال لا يقدر عليها كثير من الناس ( فالناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) .
وتلك الصفات الكريمة والمعادن الطيبة لا تختلف في العسر ولا في اليسر ، ولا في الفقر ولا في الغنى ، ولا في الفراغ ولا في الشغل ، ولا في الصحة ولا في المرض.
فمن الناس من تسوء طباعه ، وتفسد أخلاقه وتقبح صفاته ، إذا كثر ماله ، وعظم جاهه ، وفي وقت فراغه وفي خلواته وكأنه يُقابل النعمة بالنكران والكفران .
ومن الناس من إذا عسرت حاله وقلَّ حاله ، فسد خلقه وطاش فعله.
ومن الناس من يأتي أُناس بوجه وآخرين بوجه.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تجدون شر الناس ذا الوجهين ).
ومنهم إذا كان أمام الناس حَسُن خلقه وإذا خلا ببيته انقلب على عقبه.
فالإسلام لم يرض أن تكون تلك الصفات ظاهرية جوفاء لا روح فيها.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( المؤمن من أمنه الناس والمهاجر ما هجر ما نهاه الله عنه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ).
والمؤمن بصفاته الحميدة وأخلاقه العالية يرجو ما عند الله ولا يرجو ما عند الناس من الثناء والمديح : (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزءا ولا شكوراً إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً ) .
والمؤمن يجتنب الأخلاق السافلة والصفات المقيتة لوجه الله فيترك الحرام خوفاً من الله ورجاء ما عنده من الثواب لمن ترك الحرام .
وحينئذ يتربى المسلم على مراقبة الخالق جل و علا فيستوي بذلك غيبه وشهادته ، وسره وعلانيته فيخاف الله في السر أكثر وأعظم من خوفه في العلانية فيُعظم رؤية الله أعظم من رؤية المخلوقين فلا يهرب عن أعين الخلق فيقطع المسافات الطويلة ليخلو بمحارم الله فينتهكها ( ألم يعلم بأن الله يرى ) .
وإذا كان في متناول يده ما يدعوه للنظرة المحرمة ، والفعل المحرم فإن لسان حاله يقول ( معاذ الله إنه ربي أحسن مثوايّ ) .
وإذا أراد أن ينطق بالحرام تذكر ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) .
فيؤصل المسلم في نفسه الرقابة الذاتية فيراقب الله في حركاته وسكناته.
فالمؤمن يكون إيجابيا في كل عمل يعمله فهو لا يعمل عملا إلا يرجو ثوابه وإنما الأعمال بالنيات والإسلام ربى المسلم على الإيجابية في كل شيء ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ) حتى في القتل والذبح.
(وإماطة الأذى عن الطريق صدقة) وفي قصة الرجل الذي قطع غصن شجرة عن طريق الناس فأدخله الله الجنة.
والمرأة البغي من بني إسرائيل سقت كلباً فشكر الله لها فأدخلها الجنة.
وفي المقابل: (دخلت النار امرأة في هرة لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ).
وفي المقابل قوله صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الملاعن الثلاث البول في الموارد وفي قارعة الطريق...).
وقال صلى الله عليه وسلم ( لا يبول أحدكم في الماء الدائم ) .
وقال ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى من بنو آدم ) .
كل ذلك حتى لا يكون المسلم مصدر إيذاء لإخوانه المسلمين وسبب إفساد لما يشتركون فيه جميعاً .
بل إن المسلم يكون مصدر أمن وطمأنينة لإخوانه ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشو السلام بينكم ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( ليسلم الصغير على الكبير والراكب على الماشي والقليل على الكثير).
وقال صلى الله عليه وسلم ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ).
وقال صلى الله عليه وسلم ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ).
وفي المقابل قال صلى الله عليه وسلم ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإشارة بالحديدة في وجه المسلم وقال ( إن الملائكة تلعنه حتى يضعها ).
وقال ( إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعا ) خ م .
بل نهى المسلم عن ترويع أخيه المسلم وقال ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه قيل وما بوائقه ؟ قال: ظُلمه وغُشمه ).والجار هنا ليس خاصاً بجار البيت فحتى جار المنزل فيمن نزل منزلاً فآذاه مَنْ بجواره بظلمه وغشمه.
ومن الإيجابية ألا ينتهي عمل المسلم ودوره في الحياة بنهاية عمل وظيفي أو مهني ، بل إن المسلم كلما كان أفرغ كان عمله أكثر وأدوم فالمتقاعد الذي يشعر أن دوره في الحياة انتهى بمجرد تقاعده ففهمه قاصر عن دور المسلم في الحياة فعمل المسلم مستمرا إلى آخر حياته يعطي ويقدم ما بجهده ليؤدي الأمانة التي في عنقه وليس لعمل المؤمن نهاية إلا الموت (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) ، والمرأة التي فاتها الزواج لا تحكم على نفسها بالفشل بل تقوم برسالتها في الحياة دون يأس ولا قنوط فلا تستسلم للوساوس الشيطانية وتنظر إلى نفسها بالنظرة القاصرة بل إيجابيتها في الحياة تثمر وتؤثر .
ومن أصيب بعاهة أو نقص في الخلقة لا يكتفي بأن يكون عالة على الآخرين بل يتقدم بإيجابيته فيصنع ما لم يصنعها غيره ، فهذا عمرو بن الجموح رجا أن يطأ بعرجته في الجنة وهذا
ابن أم مكتوم يتقدم وهو أعمى للجهاد في سبيل الله .
فالإيجابية لا تقتصر في وقت دون آخر بل هي في وقت الحاجة آكد ولذلك كان الإيثار من الأخلاق العظيمة ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ).
وقال صلى الله عليه وسلم ( أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن كسوت عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت حاجته ).
فالمسلم الإيجابي كمثل الغيث أينما وقع نفع ، فهو كالنخلة في ثباتها وعطائها وجمالها قال صلى الله عليه وسلم إن من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي قال ابن عمر فوقع الناس في شجرة البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله قال هي النخلة ) خ .
فنحن بحاجة إلى تربية أنفسنا على الإيجابية وتربية أبنائنا وبناتنا عليها .
تربيتهم على النفع وليس على الضر على الإصلاح لا الإفساد على الخير لا على الشر .
تربيتهم على أن يكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر } اهـ المقصود من كلام الشيخ أحمد الطويان أجزل الله مثوبته.
ولعل فيما أوردنا ذكرى لأنفسنا وأحبابنا أن نبادر انقضاء العمر وتصرُّم الأيام ونكتب تاريخ الرحيل والله المستعان وعليه التكلان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.