مدلول
29-08-2004, 12:12 AM
بسم اله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان يعيش قديماً في حيّ من أحياء العرب
رجل اسمه يعقوب
جاء من بلاد بعيدة. لا يعرف أحد، من أهل الحي، من أين جاء، ولا كيف جاء، أو ما الذي جاء به!
بل لعلَّ شيخ القبيلة يعرف! وهذا يكفي أهل الحي.
ويكفيهم أنّهم أفاقوا، ذات صباح، فرأوه في خيمة الشيخ، يجلس متّكئاً، مرتاحاً، يشرب القهوة، إلى يمين الشيخ.
قال شيخ القبيلة: يعقوب ضيف وجار، نحبّه ونحفظه كواحد منّا.
وسمع العرب الميمونون كلام الشيخ، وآمنوا، وصدّقوا...
ومضت الأربعون يوماً
انتقل بعدها يعقوب وسكن خيمة في طرف من الحي.
بدأ نشاطه في شراء بعض الأنعام من معسري أبناء القبيلة، الذين، على إعسارهم، كادوا يتصدّقون بماشيتهم على يعقوب لشدّة ما أظهر من مسكنة وخفض جناح؛ لكنّهم، وإن لم يتصدّقوا، فقد تساهلوا معه، وهاودوه بالثمن.
وظهر اليسار على يعقوب سريعاً. صار يغيب عن الحي فترة، ويأتي معه بسلع وأغراض تحتاجها القبيلة: حبال ونعال، وأقمشة وأصباغ، وقطران وخيطان، وما أشبه... أما هداياه لشيخ القبيلة فمسابح من مرجان وزمرّد، وساعات فضيّة وذهبيّة بسلاسل، وأحذية وعباءات وحلوى... وامتلأت بالسلع خيمة إلى جانب خيمته، وثالثه كبيرة أيضاً... وكان يقايض العربان خرزاً وشراريب بسمن وجبن. وفوانيس بأصواف وحليب. وأقمشة وخيطان بنعاج وحملان... وكان يديّن المعسرين، ببعض الربا، لكن بسهولة ومن غير كفيل، ولا إلحاح في ملاحقة المدين. ينتظر الموسم، فالذي يليه؛ حتى لو صارت له في ذمّة مدينيه مواسم. هكذا اغتنى غنىً فاحشاً إلى درجة أن شيخ القبيلة كاد أن يزوّجه ابنته، لولا اعتراض أعيان القبيلة وامتعاضهم! مع ذلك لم يصعب على يعقوب أن يتزوّج بفتاة جميلة، جاء بها بعد غيبة قصيرة، وابتنى بها وصارت له عائلة... ورغم اعتذار الشيخ عن تزويجه بابنته، حافظ على صداقته معه صداقة حميمة، لم يعرف أحد سرّها، فبقيت من جملة الألغاز التي تحيط بهذا الرجل العجيب، النافذ الكلمة.
لكنّ يعقوب كان بخيلاً، وبخيلاً جدّاً! والبخل خِلّة يكرهها العرب، ويعتبرونها أبرز عيوب الرجل؛ وتجبّ، عندهم، كلّ فضيلة إن وجدت، وذلك لأنّ الكرم من قيمهم الاصليّة، فهو فضيلة الفضائل وستّار كلّ عيب. لهذا، ورغم تعاملهم اليومي مع يعقوب، كرهوه، وتجنّبوا رفقته ومحادثته إلا لحاجة... ما عدا واحداً، هو للعجب، أفقر أهل القبيلة وأكرمهم في آن! إنه عُرَيْب.
عريب هذا لا تجمعه عمالة ولا مصلحة مع يعقوب، فهو لا يحتاج أقمشة وأصباغاً، ولا رياشاً أو حبالا أو قطراناً؛ ولا ماشية عنده ولا أنعام. لكنّه ذو بنين وبنات يؤجّرهم من موسري أهل القبيلة وأصحاب الضأن والأنعام، فيعملون أجراء ورعاة. يتقاضون أجورهم، ويدفعون بها إلى عريب والدهم. وعريب لا يدّخر ولا يكنز الكنوز؛ يسخو مما يعطيه أولاده على أي إنسان، وحتّى على صديقه يعقوب الذي لا يأنف من مدّ يده إلى زاد العربان، أكانوا فقراء أم أغنياء؛ يصيب من زادهم، ويشرب قهوتهم، ويستعمل ماعونهم. أمّا هو، فلا يمكن لأحد أن يمالحه أو يرتشف قهوته أو يستخدم غرضاً من أغراضه. لكن عُرَيْباً هذا، كان يبدو عليه أنّه شديد التمتّع بصحبة يعقوب. يجلس إلى جانبه في الأفراح والأتراح، ولا يبتعد عنه في أيّ مجلس من المجالس. يقبل على الحديث معه بكلّ جوارحه، فيبدوان ضاحكين مستبشرين، لا يشبع أحدهما من خِلّه، ممّا أثار حفيظة أبناء القبيلة على عريب، ابن جلدتهم، فسألوه مستغربين لائمين:
- «ما بالك، نراك دائم الصحبة مع يعقوب، تحادثه ويحادثك كأنّ بينكما أمراً مُريباً!»
«ماذا بينكما؟»
أجاب باقتضاب:
- «ما بيننا شَيْ.لكن عَ شان أحزّروا حزازير يحلّها!»
ومرّت الايّام والسنون... مرض عريب مرضاً شديداً، فاستدعى إليه، وهو على فراش الموت، جميع أبنائه، وقال لهم:
- أيّها الأبناء الاحبّاء، بارككم اللّه، ورزقكم الصحّة والبنين والمال. أنا راضٍ عنكم كل الرضا. أيامي صارت معدودة، ولي إليكم وصيّة. عدوني أنّكم ستنفّذونها لِتَقرّ روحي! قالوا بصوتٍ واحد:
- «سلامة قلبك، يا أبانا الحبيب! نفديك... لكنّك بخير، وسيطول عمرك».
قال:
- لا يخشى الموت من له أبناء أمثالكم، عدا أنّ الموت حقّ، وكلّ حي مائت، ويبقى وجه ربّكم ذو الجلال والأكرام. لكن، عدوني! فوعدوه دامعين.
قال:
- غداً، إذا ما حانت ساعتي، تكفّنوني، ما عدا يدي اليمنى، تطلقونها عارية، مفتوحة الكفّ خارج الكفن؛ وتجعلون درب الجنازة من أمام بيت يعقوب صاحبي...
لم يلبث عريب أن توفّاه اللّه مأسوفاً على كرمه ونخوته وعروبته. وقام أهل الحيّ بالواجب وأكثر، فكأنّ عُرَيْباً عين من أعيان القبيلة. حضر الجميع وصلّى على جثمانه الطاهر - آجرهم اللّه - إلا يعقوب الذي لم يخرج من بيته، كدأبه في مثل هذه الأحوال، فقد اعتاد ألا يشارك أهل الحيّ في تقاليدهم...
ووفى الأبناء بوعدهم لأبيهم، فمشوا بالنعش باتّجاه بيت يعقوب، ليعرّجوا، من بعد، إلىالمقبرة. وخرج يعقوب، أمام بيته، يرى الجنازة، فما وقعت عيناه على النعش حتّى استغرق في الضحك، ممّا أثار العربان فهاجوا وماجوا، وندّدوا وأدانوا يعقوب على فعلته النكراء، وهمّوا كأنهم يريدون البطش به، وصرخ صارخهم:
- أشماتة في الموت! والميت صديقك الوحيد؟!
فاستمهلهم يعقوب قائلاً:
- لست شامتاً! عريب فعلاً صديقي. وأنا حزين، أسيف عليه! لكنّ ما أضحكني هو أنّ عريباً صديقي كان يلقي عليّ الألغاز، وهو حيّ، فأفكّها أمامه. ها هو الآن ميت، يلقي عليّ اللغز الأخير. وإنّي قد فككته!
- ما هو؟ ما حلّه؟ هات برهانك إن كنت صادقاً.
أجاب:
- يقول عريب: أنظر يا يعقوب ها أنذا على النعش، كما تراني، فما تقول بحالي؟ أمّا الحلّ فهو: الانسان يأتي إلى العالم غير حامل معه شيئاً... كذلك يغادر العالم، كعريب الآن، صفر اليد، كما جاء العالم، وهو ما عناه عريب بيده العارية المفتوحة خارج الكفن!...
أعجب القوم بذكاء عريب وفطنة يعقوب. فهم يقدّرون الفصاحة، وما زالوا يؤمنون: «أنّ من البيان لسحراً...»
ثمّ أردف يعقوب
- يا قوم! اسمحوا لي أن أمضي معكم فأشيّع صديقي حتّى مثواه الأخير. ثمّ نعود ونأكل لقمة الرحمة على روحه الخيّرة!
والتفت إلى خادمه قائلاً:
- يا غلام! إسْعَ في طلب الخرفان السمان، وانحر منها سبعاً، وجهّز العشاء، فقد طابت، اليوم، نفسي، وسمحت...
تلك الليلة أكل أهل الحيّ من شواء لحم الضأن ما لم يأكلوه في عام. وأعجبتهم أرْيَحيّة يعقوب أيّما إعجاب. وعظم في أعينهم، ونسوا ما كان بينهم وبينه، وهو ما أثلج صدر شيخ القبيلة. لقد جعلت تلك العلفة المَهولة يعقوب واحداً منهم، إلى درجة أنّ نحاة القبيلة صيّروا يعقوب، الاسم الأعجمي، يعقِبَ، حتّى لا يكون منعه من الصرف على العجمة، بل لأنّه على وزن الفعل المضارع؛ فصاروا يطبّقون قواعد اللغة، عند تعليم أطفالهم، بأمثلة جديدة، فيقولون: أكرم يعقبُ عُرَيْباً، بعد أن كانوا يمثّلون: ضرب زيدٌ عمرواً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان يعيش قديماً في حيّ من أحياء العرب
رجل اسمه يعقوب
جاء من بلاد بعيدة. لا يعرف أحد، من أهل الحي، من أين جاء، ولا كيف جاء، أو ما الذي جاء به!
بل لعلَّ شيخ القبيلة يعرف! وهذا يكفي أهل الحي.
ويكفيهم أنّهم أفاقوا، ذات صباح، فرأوه في خيمة الشيخ، يجلس متّكئاً، مرتاحاً، يشرب القهوة، إلى يمين الشيخ.
قال شيخ القبيلة: يعقوب ضيف وجار، نحبّه ونحفظه كواحد منّا.
وسمع العرب الميمونون كلام الشيخ، وآمنوا، وصدّقوا...
ومضت الأربعون يوماً
انتقل بعدها يعقوب وسكن خيمة في طرف من الحي.
بدأ نشاطه في شراء بعض الأنعام من معسري أبناء القبيلة، الذين، على إعسارهم، كادوا يتصدّقون بماشيتهم على يعقوب لشدّة ما أظهر من مسكنة وخفض جناح؛ لكنّهم، وإن لم يتصدّقوا، فقد تساهلوا معه، وهاودوه بالثمن.
وظهر اليسار على يعقوب سريعاً. صار يغيب عن الحي فترة، ويأتي معه بسلع وأغراض تحتاجها القبيلة: حبال ونعال، وأقمشة وأصباغ، وقطران وخيطان، وما أشبه... أما هداياه لشيخ القبيلة فمسابح من مرجان وزمرّد، وساعات فضيّة وذهبيّة بسلاسل، وأحذية وعباءات وحلوى... وامتلأت بالسلع خيمة إلى جانب خيمته، وثالثه كبيرة أيضاً... وكان يقايض العربان خرزاً وشراريب بسمن وجبن. وفوانيس بأصواف وحليب. وأقمشة وخيطان بنعاج وحملان... وكان يديّن المعسرين، ببعض الربا، لكن بسهولة ومن غير كفيل، ولا إلحاح في ملاحقة المدين. ينتظر الموسم، فالذي يليه؛ حتى لو صارت له في ذمّة مدينيه مواسم. هكذا اغتنى غنىً فاحشاً إلى درجة أن شيخ القبيلة كاد أن يزوّجه ابنته، لولا اعتراض أعيان القبيلة وامتعاضهم! مع ذلك لم يصعب على يعقوب أن يتزوّج بفتاة جميلة، جاء بها بعد غيبة قصيرة، وابتنى بها وصارت له عائلة... ورغم اعتذار الشيخ عن تزويجه بابنته، حافظ على صداقته معه صداقة حميمة، لم يعرف أحد سرّها، فبقيت من جملة الألغاز التي تحيط بهذا الرجل العجيب، النافذ الكلمة.
لكنّ يعقوب كان بخيلاً، وبخيلاً جدّاً! والبخل خِلّة يكرهها العرب، ويعتبرونها أبرز عيوب الرجل؛ وتجبّ، عندهم، كلّ فضيلة إن وجدت، وذلك لأنّ الكرم من قيمهم الاصليّة، فهو فضيلة الفضائل وستّار كلّ عيب. لهذا، ورغم تعاملهم اليومي مع يعقوب، كرهوه، وتجنّبوا رفقته ومحادثته إلا لحاجة... ما عدا واحداً، هو للعجب، أفقر أهل القبيلة وأكرمهم في آن! إنه عُرَيْب.
عريب هذا لا تجمعه عمالة ولا مصلحة مع يعقوب، فهو لا يحتاج أقمشة وأصباغاً، ولا رياشاً أو حبالا أو قطراناً؛ ولا ماشية عنده ولا أنعام. لكنّه ذو بنين وبنات يؤجّرهم من موسري أهل القبيلة وأصحاب الضأن والأنعام، فيعملون أجراء ورعاة. يتقاضون أجورهم، ويدفعون بها إلى عريب والدهم. وعريب لا يدّخر ولا يكنز الكنوز؛ يسخو مما يعطيه أولاده على أي إنسان، وحتّى على صديقه يعقوب الذي لا يأنف من مدّ يده إلى زاد العربان، أكانوا فقراء أم أغنياء؛ يصيب من زادهم، ويشرب قهوتهم، ويستعمل ماعونهم. أمّا هو، فلا يمكن لأحد أن يمالحه أو يرتشف قهوته أو يستخدم غرضاً من أغراضه. لكن عُرَيْباً هذا، كان يبدو عليه أنّه شديد التمتّع بصحبة يعقوب. يجلس إلى جانبه في الأفراح والأتراح، ولا يبتعد عنه في أيّ مجلس من المجالس. يقبل على الحديث معه بكلّ جوارحه، فيبدوان ضاحكين مستبشرين، لا يشبع أحدهما من خِلّه، ممّا أثار حفيظة أبناء القبيلة على عريب، ابن جلدتهم، فسألوه مستغربين لائمين:
- «ما بالك، نراك دائم الصحبة مع يعقوب، تحادثه ويحادثك كأنّ بينكما أمراً مُريباً!»
«ماذا بينكما؟»
أجاب باقتضاب:
- «ما بيننا شَيْ.لكن عَ شان أحزّروا حزازير يحلّها!»
ومرّت الايّام والسنون... مرض عريب مرضاً شديداً، فاستدعى إليه، وهو على فراش الموت، جميع أبنائه، وقال لهم:
- أيّها الأبناء الاحبّاء، بارككم اللّه، ورزقكم الصحّة والبنين والمال. أنا راضٍ عنكم كل الرضا. أيامي صارت معدودة، ولي إليكم وصيّة. عدوني أنّكم ستنفّذونها لِتَقرّ روحي! قالوا بصوتٍ واحد:
- «سلامة قلبك، يا أبانا الحبيب! نفديك... لكنّك بخير، وسيطول عمرك».
قال:
- لا يخشى الموت من له أبناء أمثالكم، عدا أنّ الموت حقّ، وكلّ حي مائت، ويبقى وجه ربّكم ذو الجلال والأكرام. لكن، عدوني! فوعدوه دامعين.
قال:
- غداً، إذا ما حانت ساعتي، تكفّنوني، ما عدا يدي اليمنى، تطلقونها عارية، مفتوحة الكفّ خارج الكفن؛ وتجعلون درب الجنازة من أمام بيت يعقوب صاحبي...
لم يلبث عريب أن توفّاه اللّه مأسوفاً على كرمه ونخوته وعروبته. وقام أهل الحيّ بالواجب وأكثر، فكأنّ عُرَيْباً عين من أعيان القبيلة. حضر الجميع وصلّى على جثمانه الطاهر - آجرهم اللّه - إلا يعقوب الذي لم يخرج من بيته، كدأبه في مثل هذه الأحوال، فقد اعتاد ألا يشارك أهل الحيّ في تقاليدهم...
ووفى الأبناء بوعدهم لأبيهم، فمشوا بالنعش باتّجاه بيت يعقوب، ليعرّجوا، من بعد، إلىالمقبرة. وخرج يعقوب، أمام بيته، يرى الجنازة، فما وقعت عيناه على النعش حتّى استغرق في الضحك، ممّا أثار العربان فهاجوا وماجوا، وندّدوا وأدانوا يعقوب على فعلته النكراء، وهمّوا كأنهم يريدون البطش به، وصرخ صارخهم:
- أشماتة في الموت! والميت صديقك الوحيد؟!
فاستمهلهم يعقوب قائلاً:
- لست شامتاً! عريب فعلاً صديقي. وأنا حزين، أسيف عليه! لكنّ ما أضحكني هو أنّ عريباً صديقي كان يلقي عليّ الألغاز، وهو حيّ، فأفكّها أمامه. ها هو الآن ميت، يلقي عليّ اللغز الأخير. وإنّي قد فككته!
- ما هو؟ ما حلّه؟ هات برهانك إن كنت صادقاً.
أجاب:
- يقول عريب: أنظر يا يعقوب ها أنذا على النعش، كما تراني، فما تقول بحالي؟ أمّا الحلّ فهو: الانسان يأتي إلى العالم غير حامل معه شيئاً... كذلك يغادر العالم، كعريب الآن، صفر اليد، كما جاء العالم، وهو ما عناه عريب بيده العارية المفتوحة خارج الكفن!...
أعجب القوم بذكاء عريب وفطنة يعقوب. فهم يقدّرون الفصاحة، وما زالوا يؤمنون: «أنّ من البيان لسحراً...»
ثمّ أردف يعقوب
- يا قوم! اسمحوا لي أن أمضي معكم فأشيّع صديقي حتّى مثواه الأخير. ثمّ نعود ونأكل لقمة الرحمة على روحه الخيّرة!
والتفت إلى خادمه قائلاً:
- يا غلام! إسْعَ في طلب الخرفان السمان، وانحر منها سبعاً، وجهّز العشاء، فقد طابت، اليوم، نفسي، وسمحت...
تلك الليلة أكل أهل الحيّ من شواء لحم الضأن ما لم يأكلوه في عام. وأعجبتهم أرْيَحيّة يعقوب أيّما إعجاب. وعظم في أعينهم، ونسوا ما كان بينهم وبينه، وهو ما أثلج صدر شيخ القبيلة. لقد جعلت تلك العلفة المَهولة يعقوب واحداً منهم، إلى درجة أنّ نحاة القبيلة صيّروا يعقوب، الاسم الأعجمي، يعقِبَ، حتّى لا يكون منعه من الصرف على العجمة، بل لأنّه على وزن الفعل المضارع؛ فصاروا يطبّقون قواعد اللغة، عند تعليم أطفالهم، بأمثلة جديدة، فيقولون: أكرم يعقبُ عُرَيْباً، بعد أن كانوا يمثّلون: ضرب زيدٌ عمرواً.