أ.محمد العبدلي
03-06-2010, 05:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
. قصـة قصيرة
مسجـــد الأصغـر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مدينـة من المدن المزدحـمة بالعمـران والناس ’ تعيش بين هذا الزحــام ، أســرة بسيطة مكونة ، من أم صالحـة محبة لزوجـها ، وأبنائهـــا الثمانية ،وزوجـهـا العـامل الكادح ، في مجـال الخـراطـة والميكانيكا ، والذي عـاهـد ربّ عمـله على الإخـلاص والحرص .
على بذل الجهد والتفـاني وكسب الزبائن ..
وتستمـر الحياة هـادئة مطمئنة ماشـاء الله لهـا أن تستمـر ، ولم يكـدر صفو العائلة شيئ يذكـر ، وتعلّـم أبنــاءه الكبار
تعليمـا مهنيا في مجـال البناء فمنهـم النجار والمسّاح والمتخصص بقص الرخـام والحجـر ،وكـوّن هـؤلاء الثلاثة مؤسسة خـاصـة بهـم .
وازدهـرت تلك المؤسسة ، وعــرفتهـم المدينة ، بجـودة الصنعة والصـدق في التعـا مل ، والتسـامح مع المعسرين وسرعة الإنجـاز مع الموسـرين فأحبهـم الناس وانهالت عليهم العقـود بكثرة ، حتى لم يجدوا وقتا لإبرام عقـود جديدة حتى بعد إنجـاز تلك العقود القديمة ، التي التزموا بتنفيذهـا مسبقـا .
فلمـا كثر مـالهـم ، أشـار والدهـم عليهـم ، أن يشتروا لهـم قطعة أرض كبيرة ، وببنـوا عليها لكل واحـد منهـم بيتـا ، حتى أخـواتهم الأربع ، وقال : أبـوهم إنّ المـرأة أحـوج مـاتكون لأهـلها بعد زواجـهـا فهي تذهب منفردة ثمّ تعود مع غيرهـا من زوج وأبنـاء
فلا تتركـوا أخـواتكن ّ عـالة على أحـد ، فهنّ أجدر بالرعاية ، من أولادكـم لأن الولد يمكن يأتي بعده الولد ، أما الأخ والأخت فلن يتعـوضا أبدا ..
فقرروا المـوافقة ،
واشتروا أرضـا كبيرة تتسع للجميع ، وخططـوا لأمهـم وأبيهم دارا مستقلة ، ولكل واحـد منهم دارا مستقلة ، وللأخوات الأربع لكل واحدة منهنّ دارا مستقـلة ، وبدأ العمـل والتنفيذ وكان لهـم مـا أرادوا وسوّروا تلك المنازل بسور جميل يدل على العظمة والكفاح والرفاهية .
ودعـوا وجهـاء البلد والمعـارف إلى وليمة بهذه المناسبة فذاع صيتهـم وأصبح يضرب بهـم المثل في التعاون وسمي المكان بدار الإخـوة ..
وبعد أن أمنـوا مصاعب الزمن تزوّج الرجـال ، ثمّ تبع ذلك البنات فكل واحـد منهـم لم يعدم عش الزوجية السعيد ،
ولم يجدوا صعوبة في الاستقرار وبدأ الأحفاد يتكاثرون أمام نظر الأب والأم وبسطت السعادة رداءها على تلك الأسرة
وواصـل الرجـال أعمـالهـم في تلك المؤسسة المباركة بكل إخـلاص ..
ولكن الزمن كعادته لايصفـوا وده لأحــد ، وبينمـا هـم يزاولـون أعمـالهـم في غفلـة من منغصـات الأيـام ، وإذا بشخص يطـرق باب مؤسستهـم ويخبرهــم أنّ والدهـم الذي يعمـل في مجال الخـراطة بترت قدمه ، من الساق وهـو في رعا ية الله ثم الطبيب وقد قرر الطبيب بتر سـاقه فساءهم النبأ وأحزنهـم ، فهـرعوا مسرعين مرعوبين لقـد كان أبا عطـوفا ومحبا كريمـا .
فلمّـا رآهـم أبوهـم فاض دمعه وأخبرهـم أن لا تعلم أمهـم بما حصل له ، ولم يخبروه أنّ الطبيب قد قرر بتر قدمـه ، ورفضوا تصميم الطبيب على بتر قدم والدهـم .
وقرروا إدخـاله عند طبيب آخـر عرف بإجاد ته للجراحة ووصل الشرايين وتركيب العظـام ، فلمـا وصلوا إليه أعطاهـم نسبة بشفائه بثمانين في المئة لامئة بالمئه .
فقـروا العملية وكللت بالنجـاح ثمّ أحيل إلى التقـاعـد وتماثل للشفاء تمامـا مع تشويه بالقدم ولكنه بعرجته أفضل من قدم اصطناعية يطأعليها ويربطهـا فوق ركبتـه .
وعـاش في تلك الدور الوسيعة يتنقل من منزل إلى آخـر وبدأت حياته تتغير وسنه تكبر وتفكيره يقلّب عليه المواجـع
ويرى في قرارة نفسه أنه عزل عن المجتمع .
فلم يزره أحـد من أولئك العمـال الذين علمهـم مهنة الخـراطة ولم يتعرض جسمه للشمس وهي عنوان الصحة والنشاط ، ولم يمارس الحـركة وبدأ يلاحظ اختلاف كّنا ته وبناته مع أزواجهن ومأيثرنه من أمـور تدعـو تلك الألفـة إلى التفرّق بل لاحـظ حتى أولاده في مجـال عمـلهـم لم يكـونوا سعـداء كا لمـاضي ، ووصلت إليه الأنباء بفض الشـراكة في العمـل بين الإخوة .
فتدخل ورأب الصدع وجمعهـم على بعضهـم البعض وقال : لهــم إذا كان هـذا وأنا وأمّــكم على قيد الحياة فكيف بعد أن أوارى الثرى لن تفلحـوا إذن أبدا ، فكـونوا يدا واحـدة ، لتتقدم مشاريعكم ويكثر ريعكـم ، وأوصيكـم بأمكـم وأخيكـم الصغير هـذا فهـو لايزال بحـا جة إلى التعليم والرعاية ،
ولـم يلبث والدهـم بعد هذه النصيحة سوى أيام قليلة ثمّ وافاه الأجـل .
واجتمع الإخـوة ، يتباحثون عن تركة والدهـم وماذا ترك لهـم وهـو في الحقيقة لم يترك لهـم شيئـا ، سوى الهيبة والاحترام أمـام الآخـرين ، وكل الذي جناه من عمـله الزهيد في مجـال الخراطة صرفـه عليهم ، أولا بأول كمـا قالت أمهـم ولـم تعلـم أنه أبقى لنفسه أولهـا شيئا ، لقد كان يخرج من البيت جـائعـا .
ويجمع قيمة الإفطار على مدار الشهـر ليدفعه لأحـدكـم راتبا للمدرسة ، التي يقوم بتعليمكم فيها ، فلم أعـرف أنه كان يخبئ عنّي شيئا وإلا أخبرتكـم به
ولاتستمعـوا لمايقول نسـاءكـم وأزواج أخـوا تكن ووالله لو أعـلم شيئا لأخبرتـكم به ، فقرروا عدم الخوض في التركة والميراث وبدأ الخلاف حـول كفالة الأخ الأصغـر فا ستقرّ رأيهـم أنّ كل واحـد منهـم هـو الوصي عليه وأنه سيكــون تحت رعاية الأخ الأكبر وهـو المتكفل بدفع تعليمـه ..
وأدخـل المدرسة وهـو في سن السادسة وكان والده متعلقا به تعلقا كبيرا لاينام إلا بحضنـه ولا يأ كل إلا بمعيته ولا يزور أحدا إلامعه .
فانتقلت المسئولية ، إلى أمه الكبيرة في السن ، فأغدقت عليه بفيض حبهـا وحنانهـا ، ولم تبخل عليه بشيئ يطلبه ، أويتمناه وكل واحـد من إخـوانه ، له نصيب في تدليله وتلبية طلباته ، بل واختيار أفضل الملابس في السوق ومن أجـود الماركات والأحذية ، ليكون في المدرسة طـالبا نموذجيا بمعنى الكلمة .
ولكن تلك الملابس وتلك الأحذية لـم تجلب له إلا الغيرة والحسد ، من زملائه وقد أعطـاه الله بنية جسمانية متميّزة عن زملائه ،وبرغـم صغـر سنّه فلـم يتقبل الإهـانة من أحـد وكان يردّ حتى على معلّمـه إذا أخطـأ بحقه ، وكان بعض زملائه الماكـرين يستغل ّ جرأته ويخلق مشكلة معه لتصل إلى إدارة المدرسة ، فكان يرد بكلام واضح وصريح عن نفسه فيلجمه .
مدير المدرسة ويهزأ به . ويشهد ضدّه المدرسون أنه جـريء ، وعندمـا يخرج من أسوار المدرسة ، ينتقـم من أولئك التلاميذ .
الذين يضايقونه ويؤذونه فيضربهم ، فيذهبون إلى أهليهـم فيشكـونه إليهـم فبدورهـم يذهبون إلى المدرسـة ويشتكـون إلى مديرهــا
فيستدعي أخاه الكبير ويشـرح له شقاوة أخيه المدلل وسوء تعامـله مع زملائه ولا يسمح له المدير بالدفاع عن نفسه ويشحن أخـاه الأكبر عليه شحنـا نفسيا مؤثّرا . ولم يلاحظ المعلمون والمدير أنه مظلوم البتة .
وكان ذلك بالمرحلة الثانوية فقرر أخـوه منعه من الخـروج إلى الشارع أو الالتقـاء بأحـد بل يجلس بالمنزل كما يجلس النساء .
فلـم يقبل الأخ الأصغـر هذا الأمـر من أخيه الأكبر وقال : له بل ستمكث رغمـا عن أنفك ولوكنت رجلا و تستطيع الخروج عليك بتسلق الجدار ، والخروج من البيت ، ولا أريدك أن تعود ، فقال : الأخ الأصغـر ، سأخـرج متى شئت وبأي طريقة أريد ، ولن تستطيع منعي .
فرأى أخوه الكبير أنّ هـذا الصبي قد تجـاوز حـدّه وعليه تأديبه . فهجـم عليه وأوسعه لكمـا أمام أمه وإخـوانه وكان موقفـا صعبا على أمـه ولكنهـا رأت أنّ جميع إخـوته الثلاثة أجمعـوا على تأديبه . فسكتت وقلبهأ يتقطّع .
وبعد أن نهـالت على رأسه ووجهه اللكمـات وأمام الجميع ، من رجـال ونساء وأطفال، لم يبالي باحترام أحـد من إخوته ، فدفعهـم جميعـا عنه فتساقطـوا أحدهـم على الآخـر، ثمّ هـر ب إلى جدار المنزل وقد وضع سلّما . هنـاك للطوارئ مسبقا للخروج إلى الشارع ثمّ العودة إلى المنزل دون أن يعلم إخوته بذلك ، فصعد على ذلك السلّم وهـرب من المنزل ، فصـاحت أمه الحقـوا بأخيكـم ..
لايضيع بالشوارع واستقطبوه فليس له أحـد غيركـم ، فخرجوا يلتمسونه فدخـل أحـد البساتين وأختبأ خلف شجـرة وكانـوا يمرون بجـواره وهـم يتكلـمون ويقولون لقد غلطنا عليه لمـاذا نضربه ؟
كان المفروض أن نبحث له عن مدرسة أخـرى غير هـذه ومكثوا يبحثون في البستان يسـرة ويمنة ولم يجدوه فيأ سوا وتركوه .
وأخـذه النعاس خلف تلك الشجـرة فنام فرأى في منامه أنه يصلى بالليل ويرفع يده للسماء ويقول اللهـم ارزقني في قرية غير هذه القرية الظالم أهلها ... فلما أفاق من نومه وجد البستاني واقفا على رأسه ويسأله عن سبب نومه تحت شجرة وأهله يمتلكون القصور الفارهة والعيش الرغيد.
فشرح له ماحصل بينه وبين إخـوته فقال : له لوكنت في مقامك لتركت المدينة كلّها وسافرت إلى مدينة أخـرى فقال : كيف أسافـر لامال ولا أعـرف أحـدا ولم يسبق لي أن غادرت منزل أمي .. قال : البستاني ولدي يعمل فى برشلونة في مصنع لقص الرخـام ويستلـم راتبا جيّدا وأنت تتمتع ببنية جسمانية تأهلك من العمل فالتمس رزقك فإخوانك لم يحتملوك ولم يسمعوا لهمومك وأنت صغير فكيف إذا أصبحت كبيرا
لن تجد لك مكانا بينهـم فقال :
إذن أعطني عنوان ولدك ووصّه علي سأسافـر إليه . قال : وأنا أساعدك بتذكرة القطـار فبات معه في البستان حتى الصباح ،
وفي الصباح الباكـر ركب القطار إلى مدينة برشلونة واستقبله ولد البستاني هناك ، وأكرم وفادته ، وأدخـله معه في مصنع روزا لقص الرخـام ثمّ كوّن معه بعد فترة مصنعـاآخـر لقص الرخـام بالليزر ،
كتب عليه مصنع الأصغـر ثمّ عاد لزيارة أمه فوجدهـا قد فقدت بصرهـا من الحزن وقد توفى أخوه الأكبر الذي انهال عليه لكمـا وضربا ،
فترحمّ عليه وأخـذ معه ولد أخيه . الأكبر أرشد إلى برشلونة ، ليساعده على إدارة مصنع الأصغر للروزا .
وأصبح من أكبر تجار تلك المدينة النائية ولم يعد إلى قريته إلا للا ستجمام ، و لزيارة قبري والديه رحمهما الله
وقد ابتنى في قريته مسجدا سمي بمسجد الأصغر ودارا للأيتام ،ولم يعد يذكـر من مدرسته ومعلميه شيئا
بل هو من أفضل الداعمين لتلك المدرسةحتى أنه قام ببنائهـا من جديد وتلبيسها با لحجر الطبيعي المشغول حتى غدت من أجمل المدارس في مدينته ومسقط رأسه ولازال المدير قائما عليهـا حتى الآن ....
النهايـة
. قصـة قصيرة
مسجـــد الأصغـر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مدينـة من المدن المزدحـمة بالعمـران والناس ’ تعيش بين هذا الزحــام ، أســرة بسيطة مكونة ، من أم صالحـة محبة لزوجـها ، وأبنائهـــا الثمانية ،وزوجـهـا العـامل الكادح ، في مجـال الخـراطـة والميكانيكا ، والذي عـاهـد ربّ عمـله على الإخـلاص والحرص .
على بذل الجهد والتفـاني وكسب الزبائن ..
وتستمـر الحياة هـادئة مطمئنة ماشـاء الله لهـا أن تستمـر ، ولم يكـدر صفو العائلة شيئ يذكـر ، وتعلّـم أبنــاءه الكبار
تعليمـا مهنيا في مجـال البناء فمنهـم النجار والمسّاح والمتخصص بقص الرخـام والحجـر ،وكـوّن هـؤلاء الثلاثة مؤسسة خـاصـة بهـم .
وازدهـرت تلك المؤسسة ، وعــرفتهـم المدينة ، بجـودة الصنعة والصـدق في التعـا مل ، والتسـامح مع المعسرين وسرعة الإنجـاز مع الموسـرين فأحبهـم الناس وانهالت عليهم العقـود بكثرة ، حتى لم يجدوا وقتا لإبرام عقـود جديدة حتى بعد إنجـاز تلك العقود القديمة ، التي التزموا بتنفيذهـا مسبقـا .
فلمـا كثر مـالهـم ، أشـار والدهـم عليهـم ، أن يشتروا لهـم قطعة أرض كبيرة ، وببنـوا عليها لكل واحـد منهـم بيتـا ، حتى أخـواتهم الأربع ، وقال : أبـوهم إنّ المـرأة أحـوج مـاتكون لأهـلها بعد زواجـهـا فهي تذهب منفردة ثمّ تعود مع غيرهـا من زوج وأبنـاء
فلا تتركـوا أخـواتكن ّ عـالة على أحـد ، فهنّ أجدر بالرعاية ، من أولادكـم لأن الولد يمكن يأتي بعده الولد ، أما الأخ والأخت فلن يتعـوضا أبدا ..
فقرروا المـوافقة ،
واشتروا أرضـا كبيرة تتسع للجميع ، وخططـوا لأمهـم وأبيهم دارا مستقلة ، ولكل واحـد منهم دارا مستقلة ، وللأخوات الأربع لكل واحدة منهنّ دارا مستقـلة ، وبدأ العمـل والتنفيذ وكان لهـم مـا أرادوا وسوّروا تلك المنازل بسور جميل يدل على العظمة والكفاح والرفاهية .
ودعـوا وجهـاء البلد والمعـارف إلى وليمة بهذه المناسبة فذاع صيتهـم وأصبح يضرب بهـم المثل في التعاون وسمي المكان بدار الإخـوة ..
وبعد أن أمنـوا مصاعب الزمن تزوّج الرجـال ، ثمّ تبع ذلك البنات فكل واحـد منهـم لم يعدم عش الزوجية السعيد ،
ولم يجدوا صعوبة في الاستقرار وبدأ الأحفاد يتكاثرون أمام نظر الأب والأم وبسطت السعادة رداءها على تلك الأسرة
وواصـل الرجـال أعمـالهـم في تلك المؤسسة المباركة بكل إخـلاص ..
ولكن الزمن كعادته لايصفـوا وده لأحــد ، وبينمـا هـم يزاولـون أعمـالهـم في غفلـة من منغصـات الأيـام ، وإذا بشخص يطـرق باب مؤسستهـم ويخبرهــم أنّ والدهـم الذي يعمـل في مجال الخـراطة بترت قدمه ، من الساق وهـو في رعا ية الله ثم الطبيب وقد قرر الطبيب بتر سـاقه فساءهم النبأ وأحزنهـم ، فهـرعوا مسرعين مرعوبين لقـد كان أبا عطـوفا ومحبا كريمـا .
فلمّـا رآهـم أبوهـم فاض دمعه وأخبرهـم أن لا تعلم أمهـم بما حصل له ، ولم يخبروه أنّ الطبيب قد قرر بتر قدمـه ، ورفضوا تصميم الطبيب على بتر قدم والدهـم .
وقرروا إدخـاله عند طبيب آخـر عرف بإجاد ته للجراحة ووصل الشرايين وتركيب العظـام ، فلمـا وصلوا إليه أعطاهـم نسبة بشفائه بثمانين في المئة لامئة بالمئه .
فقـروا العملية وكللت بالنجـاح ثمّ أحيل إلى التقـاعـد وتماثل للشفاء تمامـا مع تشويه بالقدم ولكنه بعرجته أفضل من قدم اصطناعية يطأعليها ويربطهـا فوق ركبتـه .
وعـاش في تلك الدور الوسيعة يتنقل من منزل إلى آخـر وبدأت حياته تتغير وسنه تكبر وتفكيره يقلّب عليه المواجـع
ويرى في قرارة نفسه أنه عزل عن المجتمع .
فلم يزره أحـد من أولئك العمـال الذين علمهـم مهنة الخـراطة ولم يتعرض جسمه للشمس وهي عنوان الصحة والنشاط ، ولم يمارس الحـركة وبدأ يلاحظ اختلاف كّنا ته وبناته مع أزواجهن ومأيثرنه من أمـور تدعـو تلك الألفـة إلى التفرّق بل لاحـظ حتى أولاده في مجـال عمـلهـم لم يكـونوا سعـداء كا لمـاضي ، ووصلت إليه الأنباء بفض الشـراكة في العمـل بين الإخوة .
فتدخل ورأب الصدع وجمعهـم على بعضهـم البعض وقال : لهــم إذا كان هـذا وأنا وأمّــكم على قيد الحياة فكيف بعد أن أوارى الثرى لن تفلحـوا إذن أبدا ، فكـونوا يدا واحـدة ، لتتقدم مشاريعكم ويكثر ريعكـم ، وأوصيكـم بأمكـم وأخيكـم الصغير هـذا فهـو لايزال بحـا جة إلى التعليم والرعاية ،
ولـم يلبث والدهـم بعد هذه النصيحة سوى أيام قليلة ثمّ وافاه الأجـل .
واجتمع الإخـوة ، يتباحثون عن تركة والدهـم وماذا ترك لهـم وهـو في الحقيقة لم يترك لهـم شيئـا ، سوى الهيبة والاحترام أمـام الآخـرين ، وكل الذي جناه من عمـله الزهيد في مجـال الخراطة صرفـه عليهم ، أولا بأول كمـا قالت أمهـم ولـم تعلـم أنه أبقى لنفسه أولهـا شيئا ، لقد كان يخرج من البيت جـائعـا .
ويجمع قيمة الإفطار على مدار الشهـر ليدفعه لأحـدكـم راتبا للمدرسة ، التي يقوم بتعليمكم فيها ، فلم أعـرف أنه كان يخبئ عنّي شيئا وإلا أخبرتكـم به
ولاتستمعـوا لمايقول نسـاءكـم وأزواج أخـوا تكن ووالله لو أعـلم شيئا لأخبرتـكم به ، فقرروا عدم الخوض في التركة والميراث وبدأ الخلاف حـول كفالة الأخ الأصغـر فا ستقرّ رأيهـم أنّ كل واحـد منهـم هـو الوصي عليه وأنه سيكــون تحت رعاية الأخ الأكبر وهـو المتكفل بدفع تعليمـه ..
وأدخـل المدرسة وهـو في سن السادسة وكان والده متعلقا به تعلقا كبيرا لاينام إلا بحضنـه ولا يأ كل إلا بمعيته ولا يزور أحدا إلامعه .
فانتقلت المسئولية ، إلى أمه الكبيرة في السن ، فأغدقت عليه بفيض حبهـا وحنانهـا ، ولم تبخل عليه بشيئ يطلبه ، أويتمناه وكل واحـد من إخـوانه ، له نصيب في تدليله وتلبية طلباته ، بل واختيار أفضل الملابس في السوق ومن أجـود الماركات والأحذية ، ليكون في المدرسة طـالبا نموذجيا بمعنى الكلمة .
ولكن تلك الملابس وتلك الأحذية لـم تجلب له إلا الغيرة والحسد ، من زملائه وقد أعطـاه الله بنية جسمانية متميّزة عن زملائه ،وبرغـم صغـر سنّه فلـم يتقبل الإهـانة من أحـد وكان يردّ حتى على معلّمـه إذا أخطـأ بحقه ، وكان بعض زملائه الماكـرين يستغل ّ جرأته ويخلق مشكلة معه لتصل إلى إدارة المدرسة ، فكان يرد بكلام واضح وصريح عن نفسه فيلجمه .
مدير المدرسة ويهزأ به . ويشهد ضدّه المدرسون أنه جـريء ، وعندمـا يخرج من أسوار المدرسة ، ينتقـم من أولئك التلاميذ .
الذين يضايقونه ويؤذونه فيضربهم ، فيذهبون إلى أهليهـم فيشكـونه إليهـم فبدورهـم يذهبون إلى المدرسـة ويشتكـون إلى مديرهــا
فيستدعي أخاه الكبير ويشـرح له شقاوة أخيه المدلل وسوء تعامـله مع زملائه ولا يسمح له المدير بالدفاع عن نفسه ويشحن أخـاه الأكبر عليه شحنـا نفسيا مؤثّرا . ولم يلاحظ المعلمون والمدير أنه مظلوم البتة .
وكان ذلك بالمرحلة الثانوية فقرر أخـوه منعه من الخـروج إلى الشارع أو الالتقـاء بأحـد بل يجلس بالمنزل كما يجلس النساء .
فلـم يقبل الأخ الأصغـر هذا الأمـر من أخيه الأكبر وقال : له بل ستمكث رغمـا عن أنفك ولوكنت رجلا و تستطيع الخروج عليك بتسلق الجدار ، والخروج من البيت ، ولا أريدك أن تعود ، فقال : الأخ الأصغـر ، سأخـرج متى شئت وبأي طريقة أريد ، ولن تستطيع منعي .
فرأى أخوه الكبير أنّ هـذا الصبي قد تجـاوز حـدّه وعليه تأديبه . فهجـم عليه وأوسعه لكمـا أمام أمه وإخـوانه وكان موقفـا صعبا على أمـه ولكنهـا رأت أنّ جميع إخـوته الثلاثة أجمعـوا على تأديبه . فسكتت وقلبهأ يتقطّع .
وبعد أن نهـالت على رأسه ووجهه اللكمـات وأمام الجميع ، من رجـال ونساء وأطفال، لم يبالي باحترام أحـد من إخوته ، فدفعهـم جميعـا عنه فتساقطـوا أحدهـم على الآخـر، ثمّ هـر ب إلى جدار المنزل وقد وضع سلّما . هنـاك للطوارئ مسبقا للخروج إلى الشارع ثمّ العودة إلى المنزل دون أن يعلم إخوته بذلك ، فصعد على ذلك السلّم وهـرب من المنزل ، فصـاحت أمه الحقـوا بأخيكـم ..
لايضيع بالشوارع واستقطبوه فليس له أحـد غيركـم ، فخرجوا يلتمسونه فدخـل أحـد البساتين وأختبأ خلف شجـرة وكانـوا يمرون بجـواره وهـم يتكلـمون ويقولون لقد غلطنا عليه لمـاذا نضربه ؟
كان المفروض أن نبحث له عن مدرسة أخـرى غير هـذه ومكثوا يبحثون في البستان يسـرة ويمنة ولم يجدوه فيأ سوا وتركوه .
وأخـذه النعاس خلف تلك الشجـرة فنام فرأى في منامه أنه يصلى بالليل ويرفع يده للسماء ويقول اللهـم ارزقني في قرية غير هذه القرية الظالم أهلها ... فلما أفاق من نومه وجد البستاني واقفا على رأسه ويسأله عن سبب نومه تحت شجرة وأهله يمتلكون القصور الفارهة والعيش الرغيد.
فشرح له ماحصل بينه وبين إخـوته فقال : له لوكنت في مقامك لتركت المدينة كلّها وسافرت إلى مدينة أخـرى فقال : كيف أسافـر لامال ولا أعـرف أحـدا ولم يسبق لي أن غادرت منزل أمي .. قال : البستاني ولدي يعمل فى برشلونة في مصنع لقص الرخـام ويستلـم راتبا جيّدا وأنت تتمتع ببنية جسمانية تأهلك من العمل فالتمس رزقك فإخوانك لم يحتملوك ولم يسمعوا لهمومك وأنت صغير فكيف إذا أصبحت كبيرا
لن تجد لك مكانا بينهـم فقال :
إذن أعطني عنوان ولدك ووصّه علي سأسافـر إليه . قال : وأنا أساعدك بتذكرة القطـار فبات معه في البستان حتى الصباح ،
وفي الصباح الباكـر ركب القطار إلى مدينة برشلونة واستقبله ولد البستاني هناك ، وأكرم وفادته ، وأدخـله معه في مصنع روزا لقص الرخـام ثمّ كوّن معه بعد فترة مصنعـاآخـر لقص الرخـام بالليزر ،
كتب عليه مصنع الأصغـر ثمّ عاد لزيارة أمه فوجدهـا قد فقدت بصرهـا من الحزن وقد توفى أخوه الأكبر الذي انهال عليه لكمـا وضربا ،
فترحمّ عليه وأخـذ معه ولد أخيه . الأكبر أرشد إلى برشلونة ، ليساعده على إدارة مصنع الأصغر للروزا .
وأصبح من أكبر تجار تلك المدينة النائية ولم يعد إلى قريته إلا للا ستجمام ، و لزيارة قبري والديه رحمهما الله
وقد ابتنى في قريته مسجدا سمي بمسجد الأصغر ودارا للأيتام ،ولم يعد يذكـر من مدرسته ومعلميه شيئا
بل هو من أفضل الداعمين لتلك المدرسةحتى أنه قام ببنائهـا من جديد وتلبيسها با لحجر الطبيعي المشغول حتى غدت من أجمل المدارس في مدينته ومسقط رأسه ولازال المدير قائما عليهـا حتى الآن ....
النهايـة