أبو رائد
08-08-2010, 01:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
عمرو بن كلثوم
نحو (... - 39 ق. هـ = ... - 584 م)
هو عمرو بن كلثوم بن عمرو بن مالك بن عتّاب بن سعد بن زهير بن جُشَم بن حُبيب بن غنم بن تغلب بن وائل، أبو الأسود ، شاعر جاهلي مشهور من شعراء الطبقة الأولى، ولد في شمالي جزيرة العرب في بلاد ربيعة، وتجول فيها وفي الشام والعراق ونجد. كان من أعز الناس نفساً، وهو من الفتاك الشجعان، ساد قومه تغلب وهو فتى، وعمر طويلاً، وهو الذي قتل الملك عمرو بن هند، فتك به وقتله في دار ملكه وانتهب رحله وخزائنه وانصرف بالتغالبة إلى بادية الشام، ولم يصب أحد من أصحابه.
وأمُّ عمرو، كما قالت رحاب عكاوي في سيرته، هي ليلى بنت المهلهل أخي كليب، اشتهرت بالأنفة وعظم النفس، كما كانت لجلالة محتدها من فضليات السيدات العربيات قبل الإسلام. قيل إنّ المهلهل لما تزوج هنداً بنت بعج بن عتبة ولدت له ليلى فقال المهلهل لامرأته هند: اقتليها، على عادة عرب الجاهلية، فلم تفعل أمها، وأمرت خادماً لها أن تغيّبها عنها. فلما نام المهلهل هتف به هاتف يقول:
كم من فتى مؤمَّلِ- وسيّد شَمَرْدَلِ
وعُدّةٍ لا تجْهَلِ- في بطنِ بنتِ مهلهلِ
فاستيقظ مذعوراً وقال: يا هند أين ابنتي، فقالت: قتلتها. قال: كلاّ وإله ربيعة، وكان أول من حلف بها، فأصدقيني. فأخبرته، فقال: أحسني غذاءها، فتزوّجها كلثوم بن عمرو ابن مالك بن عتّاب. فلما حملت بعمرو، قالت: إنه أتاني آتٍ في المنام فقال:
يا لك ليلى من ولد- يُقدِمُ إقدام الأسدْ
من جُشمٍ فيه العددْ- أقول قيلاً لا فَنَدْ
فولدت عمراً. ولما أتت عليه سنة قالت: أتاني ذلك الآتي في الليل فأشار إلى الصبيّ وقال:
إني زعيمُ لكِ أمَّ عمرو- بماجدِ الجدّ كريم النَّجْرِ
أشجعُ من ذي لبيدٍ هزبرِ- وقّاص آدابٍ شديد الأشْرِ
يسودُهم في خمسةٍ وعشرِ
وقد قيل إنه كان الأمر كما سمعت وساد عمرو بن كلثوم قومه تغلب وهو ابن خمس عشرة سنة. وتغلب هم من هم في الشرف والسيادة والمجد وضخامة العدد وجلال المحتد والأرومة. وأسرة عمرو سادات تغلب ورؤساؤها وفرسانها حتى قيل: لو أبطأ الإسلام لأكلت تغلب الناس. ولد ونشأ في أرض قومه التغلبيين، وكانوا يسكنون الجزيرة الفراتية وما حولها، وتخضع قبيلته لنفوذ ملوك الحيرة مع استقلالهم التام في شؤونهم الخاصة والعامة، والحيرة كما نعلم إمارة عربية أقامها الفرس على حدود الجزيرة العربية وحموها بالسلاح والجنود.
ولد عمرو إذاً بين مجد وحسب وجاه وسلطان، فنشأ شجاعاً هماماً خطيباً جامعاً لخصال الخير والسؤدد والشرف، وبعد قليل ساد قومه وأخذ مكان أبيه، وقال الشعر وأجاد فيه وإن كان من المقلّين.
ويقال إنّ قصيدته المعلقة كانت تزيد على ألف بيت وإنها في أيدي الناس غير كاملة وإنما في أيديهم ما حفظوه منها. وكان خبر ذلك ما ذكره أبو عمر الشيباني، قال: إنّ عمرو بن هند لما ملك، وكان جبّاراً عظيم الشأن والملك، جمع بكراً وتغلب ابني وائل وأصلح بينهم بعد حرب البسوس، وأخذ من الحيّين رهناً من كل حيّ مائة غلام من أشرافهم وأعلامهم ليكفّ بعضهم عن بعض. وشرط بعضهم على بعض وتوافقوا على أن لا يُبقي أحد منهم لصاحبه غائلةً ولا يطلبه بشيءٍ مما كان من الآخر من الدماء. فكان أولئك الرهن يصحبونه في مسيره ويغزون معه، فمتى التوى أحد منهم بحق صاحبه أقاد من الرهن.
وحدث أن سرّح عمرو بن هند ركباً من بني تغلب وبني بكر إلى جبل طيّئ في أمر من أموره، فنزلوا بالطرفة وهي لبني شيبان وتيم اللات أحلاف بني بكر. فقيل إنهم أجلوا التغلبيين عن الماء وحملوهم على المفازة فمات التغلبيون عطشاً، وقيل بل أصابتهم سموم في بعض مسيرهم فهلك عامّة التغلبيين وسلم البكريون. فلما بلغ ذلك بني تغلب غضبوا وطلبوا ديات أبنائهم من بكر، فأبت بكر أداءها. فأتوا عمرو بن هند فاستعدوه على بكر وقالوا: غدرتم ونقضتم العهد وانتهكتم الحرمة وسفكتم الدماء. وقالت بكر: أنتم الذين فعلتم ذلك، قذفتمونا بالعضيهة وسوّمتم الناس بها وهتكتم الحجاب والستر بادعائكم الباطل علينا. قد سبقنا أولادكم إذ وردوا وحملناهم على الطريق إذ خرجوا، فهل علينا إذ حار القوم وضلّوا أو أصابتهم السموم! فاجتمع بنو تغلب لحرب بكر واستعدت لهم بكر، فقال عمرو بن هند: إني أرى الأمر سينجلي عن أحمر أصمّ من بني يشكر.
فلما التقت جموع بني وائل كره كل صاحبه وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت. فدعا بعضهم بعضاً إلى الصلح وتحاكموا إلى الملك عمرو. فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم حتى تأتوني بسبعين رجلاً من أشراف بكر فأجعلهم في وثاق عندي، فإن كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليهم، وإن لم يكن لهم حق خلّيت سبيلهم. ففعلوا وتواعدوا ليوم يعيّنه يجتمعون فيه. فقال الملك لجلسائه: من ترون تأتي به تغلب لمقامها هذا? قالوا: شاعرهم وسيّدهم عمرو بن كلثوم. قال: فبكر بن وائل? فاختلفوا عليه وذكروا غير واحد من أشراف بكر. قال عمرو: كلا والله لا تفرجُ بكر إلا عن الشيخ الأصمّ يعتز في ريطته فيمنعه الكرم من أن يرقعها قائده فيضعها على عاتقه، وأراد بذلك النعمان بن هرم. فلما أصبحوا جاءت تغلب يقودها عمر بن كلثوم حتى جلس إلى الملك، وجاءت بكر بالنعمان بن هرم، وهو أحد بني ثعلبة بن غنيم بن يشكر، فلما اجتمعوا عند الملك قال عمرو بن كلثوم للنعمان: يا أصمّ جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم وهم يفخرون عليك. فقال النعمان: وعلى من أظلّت السماء كلها يفخرون ثم لا ينكر ذلك. فقال عمرو بن كلثوم: أما والله لو لطمتك لطمةً ما أخذوا لك بها. فقال له النعمان: والله لو فعلت ما أفلتّّ بها أنت ومن فضّلك. فغضب عمرو بن هند، وكان يؤثر بني تغلب على بكر، فقال لابنته: يا حارثة، أعطيه لحناً بلسان أنثى، أي شبيه بلسانك. فقال النعمان: أيها الملك، أعطِ ذلك أحبَّ أهلك إليك. فقال: يا نعمان أيسرُّك أني أبوك? قال: لا، ولكن وددت أنك أمي، فغضب عمرو غضباً شديداً حتى همّ بالنعمان وطرده. وقام عمر بن كلثوم وأنشد معلقته، وقام بإثره الحارث بن حلّزة وارتجل قصيدته.
وقصيدة عمرو بن كلثوم لم ينشدها على صورتها، كما وردت في أثناء المعلقات، وإنما قال منها ما وافق مقصوده، ثم زاد عليها بعد ذلك أبياتاً كثيرة، وافتخر بأمور جرت له بعد هذا العهد، وفيها يشير إلى شتم عمرو بن هند لأمه ليلى بنت مهلهل. وقد قام بمعلقته خطيباً بسوق عكاظ، وقام بها في موسم مكة. إلا أن عمرو بن هند آثر قصيدة الحارث بن حلزة وأطلق السبعين بكرياً، فضغن عمرو بن كلثوم على الملك، وعاد التغلبيون إلى أحيائهم. وما تفضيل الملك عمرو لقصيدة الحارث إلا لأنه كان جباراً متكبّراً مستبدّاً، وكان يريد إذلال عمرو بن كلثوم وإهانته ويضمر ذلك في نفسه، فقضى لبكر حسداً لعمرو لإذلاله بشرفه وحسبه ومجده.
ثم إن الملك عمراً كان جالساً يوماً مع ندمائه، فقال لهم: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي هند? فقالوا: نعم، أم عمرو بن كلثوم. قال: وَلِمَ? قالوا: لأنّ أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب بن وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيّد قومه، وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل هي بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس وبينهما هذا النسب. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو بن كلثوم من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأقبلت ليلى أمه في ظعن من بني كلثوم من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأم عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب، فدخل عمرو بن كلثوم على الملك عمرو في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا الطُرُف وتستخدم ليلى. ودعا الملك عمرو بمائدة، ثم دعا بطرف، فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق، فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها، فأعادت عليها فصاحت ليلى: واذلاّه، يا لتغلب! فسمعها ابنها عمرو، فثار الدم في وجهه. ونظر إليه عمرو بن هند فعرف الشرَّ في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف لعمرو بن هند معلق بالرواق، ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس ابن هند وقتله، وكان ذلك نحو سنة 569م، ثم نادى عمرو في بني تغلب فانتبهوا ما في الرواق وساقوا نجائبه وساروا نحو الجزيرة، وجاشت نفس عمرو وحمي غضبه وأخذته الأنفة والنخوة فنظم بعض معلقته في هذه الحادثة يصف فيها حديثه مع ابن هند ويفتخر بأيام قومه وغاراتهم المشهورة.
ومن أخبار عمرو بن كلثوم بعد ذلك أنه أغار على بني تميم، ثم مرّ من غزوه ذلك على حي من بني قيس بن ثعلبة، فملأ يديه منهم وأصاب أسارى وسبايا، وكان فيمن أصاب أحمر بن جندل السعدي، ثم انتهى إلى بني حنيفة باليمامة وفيهم أناس من عجل، فسمع بها أهل حجر، فكان أول من أتاه من بني حنيفة بنو سحيم عليهم يزيد بن عمرو بن شمر، فلما رآهم عمرو بن كلثوم ارتجز وقال:
مَن عالَ منا بعدها فلا اجتَبَرْ- ولا سقى الماءً ولا أرعى الشَّجَرْ
بنو لُجيمٍ وجعاسيسُ مُضَرْ- بجانب الدوِّ يُديهونَ العَكَرْ
فانتهى إليه يزيد بن عمرو فطعنه فصرعه عن فرسه وأسره، وكان يزيد شديداً جسيماً، فشدّه في القدّ وقال له: أنت الذي تقول:
متى تُعقد قرينتُنا بحبلٍ- نجذّ الحبلَ أو نَقْصِ القرينا
أما إني سأقرنك إلى ناقتي هذه فأطردكما جميعاً. فنادى عمرو بن كلثوم: يا لربيعة، أمثلة! قال: فاجتمعت بنو لجيم فنهوه، ولم يكن يريد ذلك به، فسار به حتى أتى قصراً بحجر من قصورهم، وضرب عليه قبّة ونحرَ له وكساه وحمله على نجيبة وسقاه الخمر، فلما أخذت برأسه تغنّى:
أأجمعُ صُحبتي الشَّحَرَ ارتحالاً- ولم أشْعُرْ بِبَينٍ منك هالا
ولم أرَ مثلَ هالَةَ في معَدٍّ- أُشَبّهُ حسْنَها إلاَّ الهِلالا
ألا أبْلِغ بني جُشَمِ بْنَ بكرٍ- وتغلبَ كلّما أتَيا حَلالا
بأنَّ الماجدَ القرْمَ ابن عمرو- غداة نُطاعُ قد صدَقَ القِتالا
كتيبَتُهُ مُلَمْلمَةٌ رَداحٌ- إذا يرمونها تُفني النّبالا
جزى الله الأغَرَّ يزيدَ خيراً- ولقَّاه المسَرَّة والجمالا
بمآخذِه ابنَ كُلثومَ بنَ عمرٍو- يزيدُ الخيرِ نازَلَهُ نِزالا
بِجمعٍ مِن بني قرَّان صِيدٍ- يُجيلونَ الطّعانَ إذا أجالا
يزيدُ يُقَدّم السُّفراءَ حتى- يُروّي صدرها الأسَلَ النِّهالا
وعنه أخبر ابن الأعرابي، قال: إن بني تغلب حاربوا المنذر بن ماء السماء، فلحقوا بالشام خوفاً، فمرّ بهم عمرو بن أبي حجر الغسّاني فلم يستقبلوه. وركب عمرو بن كلثوم فلقيه، فقال له الملك: ما منع قومك أن يتلقوني? قال: لم يعلموا بمرورك. فقال: لئن رجعت لأغزونّهم غزوة تتركهم أيقاظاً لقدومي. فقال عمرو: ما استيقظ قوم قط إلاّ نبلُ رأيهم وعزّت جماعتهم، فلا توقظن نائمهم. فقال: كأنك تتوعّدني بهم، أما والله لتعلمنّ إذا نالت غطاريف غسّان الخيل في دياركم أن أيقاظ قومك سينامون نومة لا حلم فيها تجتثُّ أصولهم وينفى فلُّهم إلى اليابس الجرد والنازح الثمد. ثم رجع عمرو بن كلثوم عنه وجمع قومه وقال:
ألا فاعلم أبيت اللعن أنّا- على عمدٍ سنأتي ما نريدُ
تعلّمْ أنّ محملنا ثقيلٌ- وأنّ زِنادَ كبَّتنا شديدُ
وأنّا ليس حيٌّ من مَعِدٍّ- يوازينا إذا لُبسَ الحديدُ
فلما عاد الحارث الأعرج غزا بني تغلب، فاقتتلوا واشتد القتال بينهم. ثم انهزم الحارث وبنو غسّان وقتل أخو الحارث في عدد كثير، فقال عمرو بن كلثوم:
هلاّ عطفتَ على أخيك إذا دعا- بالثكل ويل أبيك يا ابنَ أبي شَمِرْ
قذفَ الذي جشّمت نفسك واعترف- فيها أخاك وعامر بن أبي حُجُرْ
هكذا عاش عمرو بن كلثوم عظيماً من عظماء الجاهلية وأشرافهم وفرسانهم، عزيز النفس، مرهوب الجانب، شاعراً مطبوعاً على الشعر. وقد عمّر طويلاً حتى إنهم زعموا أنه أتت عليه خمسون ومائة سنة، وكانت وفاته في حدود سنة 600 م. وقد روى ابن قتيبة خبر وفاته، قال: فانتهى (ويعني يزيد بن عمرو) به إلى حجر فأنزله قصراً وسقاه، فلم يزل يشرب حتى مات. وذكر ابن حبيب خبراً آخر في موت عمر بن كلثوم فقال: وكانت الملوك تبعث إليه بحبائه وهو في منزله من غير أن يفد إليها، فلما ساد ابنه الأسود بن عمرو، بعث إليه بعض الملوك بحبائه كما بعث إلى أبيه، فغضب عمرو وقال: ساواني بعَوْلي! ومحلوفه لا يذوق دسماً حتى يموت، وجعل يشرب الخمر صرفاً على غير طعام، فلما طال ذلك قامت امرأته بنت الثُوير فقتّرت له بشحم ليقرم إلى اللحم ليأكله، فقام يضربها ويقول:
معاذَ الله تدعوني لِحنْثٍ- ولو أقْفَرْتُ أيّاماً قُتارُ
فلم يزل يشرب حتى مات.
ولعمرو ابن اسمه عبّاد بن عمرو بن كلثوم، كان كأبيه شجاعاً فارساً، وهو الذي قتل بشر بن عمرو بن عدس، كما أنّ مرة بن كلثوم، أخا عمرو، هو الذي قتل المنذر بن النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وفي ذلك يقول الأخطل التغلبي مفتخراً:
أبني كليب إنّ عميَّ اللذا- قتلا الملوكَ وفكّكا الأغلالا
وله عقب اشتهر منهم كلثوم بن عمرو العتّابي الشاعر المترسّل، من شعراء الدولة العباسية.
وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء المعلقات وأولوا اهتماماً خاصاً بالتعرف على حياتهم، فقد قالت ليدي آن بلنت وقال فلفريد شافن بلنت عن عمرو بن كلثوم في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في بداية القرن العشرين: يقف عمرو بن كلثوم، شيخ قبيلة بني تغلب، في الصف الأول لشعراء ما قبل الإسلام. يقال إنه ولد قبل بداية القرن السادس وأصبح شيخاً لقبيلة في سن الخامسة عشرة وتوفي قرابة نهاية القرن، اثنا وعشرون سنة قبل الهجرة.
يقال إن والد أمه ليلى بنت المهلهل، سيدة أصبحت لها مكانة مرموقة بين العرب لاحقاً، قد أمر بوأدها كما كانت عادة العرب آنذاك، لكنه أبقى على حياتها بعد تحذير رآه في حلم.
كان عمرو شخصاً حاد الطبع، متكبراً، كريماً، محبوباً من أبناء قبيلته وشاعراً منذ نعومة أظافره. ذكر سبب نظم معلقته في كتاب الأغاني على النحو التالي:
قصة قتله لعمرو بن هند: قال أبو عمرو حدثني أسد بن عمرو الحنفي وكرد بن السمعي وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدثني أبي وشرقي بن القطامي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة: أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي، فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم، قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب. فدخل عمرو بن كلثوم على عمر بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت. فصاحت ليلى: واذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمر بن هند فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند معلقٍ بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة.
هكذا وردت الحكاية. وزن معلقة عمرو بن كلثوم والحارث أقصر من الآخرين، لكن معلقة عمرو ليست بأقل من الأخريات. لعلها أفضل للسمة الجدلية للقصائد وبها إيقاع ما ورنين في غاية الجاذبية. تروق المواضيع التي تتطرق إليها المعلقات، سياسية في معظمها، بقوة إلى القارىء الإنجليزي المعاصر، غير أنها تتحلى بالنسبة لمن يعرف الشعر العربي المعاصر بأهمية خاصة جداً لأنها تظهر كم قليلاً تغير عالم البدو في أفكاره السياسية أو حتى في وضعه السياسي في 1400 سنة الماضية. يصعب وجود فكرة عبر عنها المدافعون عن قضية لا تسمع اليوم من أفواه شيوخ القبائل المتنازعة الذين ارتحلوا إلى حايل لإنهاء خلافاتهم أمام ابن رشيد. الفرق الوحيد أن خطب المتنافسين اليوم لم تعد تقدم عبر القصائد.
وقال عنه دبليو إى كلوستون في كتاب من تحريره عن الشعر العربي: كان عمرو بن كلثوم أميراً من قبيلة أرقم، أحد فخوذ بني تغلب. كانت أمه ليلى ابنة المهلهل وهند، التي أراد والدها وأدها كما كانت عادة العرب، لكنه سمع صوتاً في منامه يقول له إن ابنته ستصبح أم بطل. طلب إعادتها إلى البيت وكانت ما تزال على قيد الحياة. تزوجت ليلى من كلثوم وحلمت بعد مولد عمرو أنه سيكون أشجع المحاربين.
دارت حرب طويلة بين تغلب وبني بكر إثر مقتل كليب بن ربيعة. اتفق على وقف الحرب وليحكم فيها عمرو بن هند، ملك الحيرة، الملك نفسه الذي أمر بقتل طرفه. كان عمرو بن كلثوم المدافع عن بني تغلب والحارث بن حلزة المدافع عن بني بكر. يورد النقاش في معلقته. وحيث إن الملك لم يسر بتفاخر عمرو بن كلثوم، حكم لصالح بني بكر، فقتله عمرو بن كلثوم ثأراً، كما يظن لقتله طرفه، آخرون يرون وربما هم أصوب، لحكمه ضد بني تغلب.
ذكرت ظروف مقتل الملك على النحو التالي:
قصة قتله لعمرو بن هند: قال أبو عمرو حدثني أسد بن عمرو الحنفي وكرد بن السمعي وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدثني أبي وشرقي بن القطامي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة: أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي? فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم? قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب ?. فدخل عمرو بن كلثوم على عمر بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت. فصاحت ليلى: واذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمر بن هند فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند معلقٍ بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة.
نظم عمرو بن كلثوم علاوة على معلقته بعض قصائد الهجاء المرير للنعمان ملك الحيرة وأمه التي كانت ابنة صائغ.
لما حضرت عمرو بن كلثومٍ الوفاة وقد أتت عليه خمسون ومائة سنة، جمع بنيه فقال: يا بني، قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولا بد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت. وإني والله ما عيرت أحداً بشيء إلا عيرت بمثله، إن كان حقاً فحقاً، وإن كان باطلاً فباطلاً. ومن سب سب؛ فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم، وامنعوا من ضيم الغريب؛ فرب رجلٍ خير من ألف، ورد خير من خلف. وإذا حدثتم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا؛ فإن مع الإكثار تكون الأهذار . وأشجع القوم العطوف بعد الكر، كما أن أكرم المنايا القتل. ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب . ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شره؛ فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره. ولا تتزوجوا في حيكم فإنه يؤدي إلى قبيح البغض."
المعلقة :
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا
وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَـا
إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَـا
تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَـوَاهُ
إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِيْنَـا
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ
عَلَيْـهِ لِمَـالِهِ فِيْهَـا مُهِيْنَـا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو
وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا
وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو
بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَـا
وَكَأْسٍ قَدْ شَـرِبْتُ بِبَعْلَبَـكٍّ
وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصرِيْنَـا
وَإِنَّا سَـوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَـايَا
مُقَـدَّرَةً لَنَـا وَمُقَـدِّرِيْنَـا
قِفِـي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنـَا
نُخَبِّـرْكِ اليَقِيْـنَ وَتُخْبِرِيْنَـا
قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صَرْماً
لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأَمِيْنَـا
بِيَـوْمِ كَرِيْهَةٍ ضَرْباً وَطَعْنـاً
أَقَـرَّ بِـهِ مَوَالِيْـكِ العُيُوْنَـا
وَأنَّ غَـداً وَأنَّ اليَـوْمَ رَهْـنٌ
وَبَعْـدَ غَـدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِيْنَـا
تُرِيْكَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى خَـلاَءٍ
وَقَدْ أَمِنْتَ عُيُوْنَ الكَاشِحِيْنَـا
ذِرَاعِـي عَيْطَلٍ أَدَمَـاءَ بِكْـرٍ
هِجَـانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِيْنَـا
وثَدْياً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخِصـاً
حَصَـاناً مِنْ أُكُفِّ اللاَمِسِيْنَـا
ومَتْنَى لَدِنَةٍ سَمَقَتْ وطَالَـتْ
رَوَادِفُهَـا تَنـوءُ بِمَا وَلِيْنَـا
وَمأْكَمَةً يَضِيـقُ البَابُ عَنْهَـا
وكَشْحاً قَد جُنِنْتُ بِهِ جُنُونَـا
وسَارِيَتِـي بَلَنْـطٍ أَو رُخَـامٍ
يَرِنُّ خَشَـاشُ حَلِيهِمَا رَنِيْنَـا
فَمَا وَجَدَتْ كَوَجْدِي أُمُّ سَقبٍ
أَضَلَّتْـهُ فَرَجَّعـتِ الحَنِيْنَـا
ولاَ شَمْطَاءُ لَم يَتْرُك شَقَاهَـا
لَهـا مِن تِسْعَـةٍ إلاَّ جَنِيْنَـا
تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّـا
رَأَيْتُ حُمُـوْلَهَا أصُلاً حُدِيْنَـا
فَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَـرَّتْ
كَأَسْيَـافٍ بِأَيْـدِي مُصْلِتِيْنَـا
أَبَا هِنْـدٍ فَلاَ تَعْجَـلْ عَلَيْنَـا
وَأَنْظِـرْنَا نُخَبِّـرْكَ اليَقِيْنَــا
بِأَنَّا نُـوْرِدُ الـرَّايَاتِ بِيْضـاً
وَنُصْـدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَـا
وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِــوَالٍ
عَصَيْنَـا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَـا
وَسَيِّـدِ مَعْشَـرٍ قَدْ تَوَّجُـوْهُ
بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِيْنَـا
تَرَكْـنَ الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْـهِ
مُقَلَّـدَةً أَعِنَّتَهَـا صُفُـوْنَـا
وَأَنْزَلْنَا البُيُوْتَ بِذِي طُلُـوْحٍ
إِلَى الشَامَاتِ نَنْفِي المُوْعِدِيْنَـا
وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّـا
وَشَـذَّبْنَا قَتَـادَةَ مَنْ يَلِيْنَـا
مَتَى نَنْقُـلْ إِلَى قَوْمٍ رَحَانَـا
يَكُوْنُوا فِي اللِّقَاءِ لَهَا طَحِيْنَـا
يَكُـوْنُ ثِقَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْـدٍ
وَلُهْـوَتُهَا قُضَـاعَةَ أَجْمَعِيْنَـا
نَزَلْتُـمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّـا
فَأَعْجَلْنَا القِرَى أَنْ تَشْتِمُوْنَـا
قَرَيْنَاكُـمْ فَعَجَّلْنَـا قِرَاكُـمْ
قُبَيْـلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُوْنَـا
نَعُـمُّ أُنَاسَنَـا وَنَعِفُّ عَنْهُـمْ
وَنَحْمِـلُ عَنْهُـمُ مَا حَمَّلُوْنَـا
نُطَـاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّـا
وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوْفِ إِذَا غُشِيْنَـا
بِسُمْـرٍ مِنْ قَنَا الخَطِّـيِّ لُـدْنٍ
ذَوَابِـلَ أَوْ بِبِيْـضٍ يَخْتَلِيْنَـا
كَأَنَّ جَمَـاجِمَ الأَبْطَالِ فِيْهَـا
وُسُـوْقٌ بِالأَمَاعِـزِ يَرْتَمِيْنَـا
نَشُـقُّ بِهَا رُؤُوْسَ القَوْمِ شَقًّـا
وَنَخْتَلِـبُ الرِّقَـابَ فَتَخْتَلِيْنَـا
وَإِنَّ الضِّغْـنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَبْـدُو
عَلَيْـكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِيْنَـا
وَرِثْنَـا المَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَـدٌّ
نُطَـاعِنُ دُوْنَهُ حَـتَّى يَبِيْنَـا
وَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَـرَّتْ
عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِيْنَـا
نَجُـذُّ رُؤُوْسَهُمْ فِي غَيْرِ بِـرٍّ
فَمَـا يَـدْرُوْنَ مَاذَا يَتَّقُوْنَـا
كَأَنَّ سُيُـوْفَنَا منَّـا ومنْهُــم
مَخَـارِيْقٌ بِأَيْـدِي لاَعِبِيْنَـا
كَـأَنَّ ثِيَابَنَـا مِنَّـا وَمِنْهُـمْ
خُضِبْـنَ بِأُرْجُوَانِ أَوْ طُلِيْنَـا
إِذَا مَا عَيَّ بِالإِسْنَـافِ حَـيٌّ
مِنَ الهَـوْلِ المُشَبَّهِ أَنْ يَكُوْنَـا
نَصَبْنَـا مِثْلَ رَهْوَةِ ذَاتَ حَـدٍّ
مُحَافَظَـةً وَكُـنَّا السَّابِقِيْنَـا
بِشُبَّـانٍ يَرَوْنَ القَـتْلَ مَجْـداً
وَشِيْـبٍ فِي الحُرُوْبِ مُجَرَّبِيْنَـا
حُـدَيَّا النَّـاسِ كُلِّهِمُ جَمِيْعـاً
مُقَـارَعَةً بَنِيْـهِمْ عَـنْ بَنِيْنَـا
فَأَمَّا يَـوْمَ خَشْيَتِنَـا عَلَيْهِـمْ
فَتُصْبِـحُ خَيْلُنَـا عُصَباً ثُبِيْنَـا
وَأَمَّا يَـوْمَ لاَ نَخْشَـى عَلَيْهِـمْ
فَنُمْعِــنُ غَـارَةً مُتَلَبِّبِيْنَــا
بِـرَأْسٍ مِنْ بَنِي جُشْمٍ بِنْ بَكْـرٍ
نَـدُقُّ بِهِ السُّـهُوْلَةَ وَالحُزُوْنَـا
أَلاَ لاَ يَعْلَـمُ الأَقْـوَامُ أَنَّــا
تَضَعْضَعْنَـا وَأَنَّـا قَـدْ وَنِيْنَـا
أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا
فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا
بِاَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرُو بْنَ هِنْـدٍ
نَكُـوْنُ لِقَيْلِكُـمْ فِيْهَا قَطِيْنَـا
بِأَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرَو بْنَ هِنْـدٍ
تُطِيْـعُ بِنَا الوُشَـاةَ وَتَزْدَرِيْنَـا
تَهَـدَّدُنَـا وَتُوْعِـدُنَا رُوَيْـداً
مَتَـى كُـنَّا لأُمِّـكَ مَقْتَوِيْنَـا
فَإِنَّ قَنَاتَنَـا يَا عَمْـرُو أَعْيَـتْ
عَلى الأَعْـدَاءِ قَبَلَكَ أَنْ تَلِيْنَـا
إِذَا عَضَّ الثَّقَافُ بِهَا اشْمَـأَزَّتْ
وَوَلَّتْـهُ عَشَـوْزَنَةً زَبُـوْنَـا
عَشَـوْزَنَةً إِذَا انْقَلَبَتْ أَرَنَّـتْ
تَشُـجُّ قَفَا المُثَقِّـفِ وَالجَبِيْنَـا
فَهَلْ حُدِّثْتَ فِي جُشَمٍ بِنْ بَكْـرٍ
بِنَقْـصٍ فِي خُطُـوْبِ الأَوَّلِيْنَـا
وَرِثْنَـا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بِنْ سَيْـفٍ
أَبَـاحَ لَنَا حُصُوْنَ المَجْدِ دِيْنَـا
وَرَثْـتُ مُهَلْهِـلاً وَالخَيْرَ مِنْـهُ
زُهَيْـراً نِعْمَ ذُخْـرُ الذَّاخِرِيْنَـا
وَعَتَّـاباً وَكُلْثُـوْماً جَمِيْعــاً
بِهِـمْ نِلْنَـا تُرَاثَ الأَكْرَمِيْنَـا
وَذَا البُـرَةِ الذِي حُدِّثْتَ عَنْـهُ
بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلتَجِينَــا
وَمِنَّـا قَبْلَـهُ السَّاعِي كُلَيْـبٌ
فَـأَيُّ المَجْـدِ إِلاَّ قَـدْ وَلِيْنَـا
مَتَـى نَعْقِـد قَرِيْنَتَنَـا بِحَبْـلٍ
تَجُـذَّ الحَبْلَ أَوْ تَقْصِ القَرِيْنَـا
وَنُوْجَـدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَـاراً
وَأَوْفَاهُـمْ إِذَا عَقَـدُوا يَمِيْنَـا
وَنَحْنُ غَدَاةَ أَوْقِدَ فِي خَـزَازَى
رَفَـدْنَا فَـوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِيْنَـا
وَنَحْنُ الحَابِسُوْنَ بِذِي أَرَاطَـى
تَسَـفُّ الجِلَّـةُ الخُوْرُ الدَّرِيْنَـا
وَنَحْنُ الحَاكِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا
وَنَحْنُ العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا
وَنَحْنُ التَّارِكُوْنَ لِمَا سَخِطْنَـا
وَنَحْنُ الآخِـذُوْنَ لِمَا رَضِيْنَـا
وَكُنَّـا الأَيْمَنِيْـنَ إِذَا التَقَيْنَـا
وَكَـانَ الأَيْسَـرِيْنَ بَنُو أَبَيْنَـا
فَصَالُـوا صَـوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْهِـمْ
وَصُلْنَـا صَـوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْنَـا
فَـآبُوا بِالنِّـهَابِ وَبِالسَّبَايَـا
وَأُبْـنَا بِالمُلُـوْكِ مُصَفَّدِيْنَــا
إِلَيْكُـمْ يَا بَنِي بَكْـرٍ إِلَيْكُـمْ
أَلَمَّـا تَعْـرِفُوا مِنَّـا اليَقِيْنَـا
أَلَمَّـا تَعْلَمُـوا مِنَّا وَمِنْكُـمْ
كَتَـائِبَ يَطَّعِـنَّ وَيَرْتَمِيْنَـا
عَلَيْنَا البَيْضُ وَاليَلَبُ اليَمَانِـي
وَأسْيَـافٌ يَقُمْـنَ وَيَنْحَنِيْنَـا
عَلَيْنَـا كُـلُّ سَابِغَـةٍ دِلاَصٍ
تَرَى فَوْقَ النِّطَاقِ لَهَا غُضُوْنَـا
إِذَا وَضِعَتْ عَنِ الأَبْطَالِ يَوْمـاً
رَأَيْـتَ لَهَا جُلُوْدَ القَوْمِ جُوْنَـا
كَأَنَّ غُضُـوْنَهُنَّ مُتُوْنُ غُـدْرٍ
تُصَفِّقُهَـا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَيْنَـا
وَتَحْمِلُنَـا غَدَاةَ الرَّوْعِ جُـرْدٌ
عُـرِفْنَ لَنَا نَقَـائِذَ وَافْتُلِيْنَـا
وَرَدْنَ دَوَارِعاً وَخَرَجْنَ شُعْثـاً
كَأَمْثَـالِ الرِّصَائِـعِ قَدْ بَلَيْنَـا
وَرِثْنَـاهُنَّ عَنْ آبَـاءِ صِـدْقٍ
وَنُـوْرِثُهَـا إِذَا مُتْنَـا بَنِيْنَـا
عَلَـى آثَارِنَا بِيْـضٌ حِسَـانٌ
نُحَـاذِرُ أَنْ تُقَسَّمَ أَوْ تَهُوْنَـا
أَخَـذْنَ عَلَى بُعُوْلَتِهِنَّ عَهْـداً
إِذَا لاَقَـوْا كَتَـائِبَ مُعْلِمِيْنَـا
لَيَسْتَلِبُـنَّ أَفْـرَاسـاً وَبِيْضـاً
وَأَسْـرَى فِي الحَدِيْدِ مُقَرَّنِيْنَـا
تَـرَانَا بَارِزِيْـنَ وَكُلُّ حَـيٍّ
قَـدْ اتَّخَـذُوا مَخَافَتَنَا قَرِيْنـاً
إِذَا مَا رُحْـنَ يَمْشِيْنَ الهُوَيْنَـا
كَمَا اضْطَرَبَتْ مُتُوْنُ الشَّارِبِيْنَـا
يَقُتْـنَ جِيَـادَنَا وَيَقُلْنَ لَسْتُـمْ
بُعُوْلَتَنَـا إِذَا لَـمْ تَمْنَعُـوْنَـا
ظَعَائِنَ مِنْ بَنِي جُشَمِ بِنْ بِكْـرٍ
خَلَطْـنَ بِمِيْسَمٍ حَسَباً وَدِيْنَـا
وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثْلُ ضَـرْبٍ
تَـرَى مِنْهُ السَّوَاعِدَ كَالقُلِيْنَـا
كَـأَنَّا وَالسُّـيُوْفُ مُسَلَّـلاَتٌ
وَلَـدْنَا النَّـاسَ طُرّاً أَجْمَعِيْنَـا
يُدَهْدِهنَ الرُّؤُوسِ كَمَا تُدَهْـدَي
حَـزَاوِرَةٌ بِأَبطَحِـهَا الكُرِيْنَـا
وَقَـدْ عَلِمَ القَبَـائِلُ مِنْ مَعَـدٍّ
إِذَا قُبَـبٌ بِأَبطَحِـهَا بُنِيْنَــا
بِأَنَّـا المُطْعِمُـوْنَ إِذَا قَدَرْنَــا
وَأَنَّـا المُهْلِكُـوْنَ إِذَا ابْتُلِيْنَــا
وَأَنَّـا المَانِعُـوْنَ لِمَـا أَرَدْنَـا
وَأَنَّـا النَّـازِلُوْنَ بِحَيْثُ شِيْنَـا
وَأَنَّـا التَـارِكُوْنَ إِذَا سَخِطْنَـا
وَأَنَّـا الآخِـذُوْنَ إِذَا رَضِيْنَـا
وَأَنَّـا العَاصِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا
وَأَنَّـا العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً
وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا
أَلاَ أَبْلِـغْ بَنِي الطَّمَّـاحِ عَنَّـا
وَدُعْمِيَّـا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُوْنَـا
إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفـاً
أَبَيْنَـا أَنْ نُقِـرَّ الـذُّلَّ فِيْنَـا
مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا
وَظَهرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا
إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ
تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُسَاجِديْنَـا
ـ منقول ـ
عمرو بن كلثوم
نحو (... - 39 ق. هـ = ... - 584 م)
هو عمرو بن كلثوم بن عمرو بن مالك بن عتّاب بن سعد بن زهير بن جُشَم بن حُبيب بن غنم بن تغلب بن وائل، أبو الأسود ، شاعر جاهلي مشهور من شعراء الطبقة الأولى، ولد في شمالي جزيرة العرب في بلاد ربيعة، وتجول فيها وفي الشام والعراق ونجد. كان من أعز الناس نفساً، وهو من الفتاك الشجعان، ساد قومه تغلب وهو فتى، وعمر طويلاً، وهو الذي قتل الملك عمرو بن هند، فتك به وقتله في دار ملكه وانتهب رحله وخزائنه وانصرف بالتغالبة إلى بادية الشام، ولم يصب أحد من أصحابه.
وأمُّ عمرو، كما قالت رحاب عكاوي في سيرته، هي ليلى بنت المهلهل أخي كليب، اشتهرت بالأنفة وعظم النفس، كما كانت لجلالة محتدها من فضليات السيدات العربيات قبل الإسلام. قيل إنّ المهلهل لما تزوج هنداً بنت بعج بن عتبة ولدت له ليلى فقال المهلهل لامرأته هند: اقتليها، على عادة عرب الجاهلية، فلم تفعل أمها، وأمرت خادماً لها أن تغيّبها عنها. فلما نام المهلهل هتف به هاتف يقول:
كم من فتى مؤمَّلِ- وسيّد شَمَرْدَلِ
وعُدّةٍ لا تجْهَلِ- في بطنِ بنتِ مهلهلِ
فاستيقظ مذعوراً وقال: يا هند أين ابنتي، فقالت: قتلتها. قال: كلاّ وإله ربيعة، وكان أول من حلف بها، فأصدقيني. فأخبرته، فقال: أحسني غذاءها، فتزوّجها كلثوم بن عمرو ابن مالك بن عتّاب. فلما حملت بعمرو، قالت: إنه أتاني آتٍ في المنام فقال:
يا لك ليلى من ولد- يُقدِمُ إقدام الأسدْ
من جُشمٍ فيه العددْ- أقول قيلاً لا فَنَدْ
فولدت عمراً. ولما أتت عليه سنة قالت: أتاني ذلك الآتي في الليل فأشار إلى الصبيّ وقال:
إني زعيمُ لكِ أمَّ عمرو- بماجدِ الجدّ كريم النَّجْرِ
أشجعُ من ذي لبيدٍ هزبرِ- وقّاص آدابٍ شديد الأشْرِ
يسودُهم في خمسةٍ وعشرِ
وقد قيل إنه كان الأمر كما سمعت وساد عمرو بن كلثوم قومه تغلب وهو ابن خمس عشرة سنة. وتغلب هم من هم في الشرف والسيادة والمجد وضخامة العدد وجلال المحتد والأرومة. وأسرة عمرو سادات تغلب ورؤساؤها وفرسانها حتى قيل: لو أبطأ الإسلام لأكلت تغلب الناس. ولد ونشأ في أرض قومه التغلبيين، وكانوا يسكنون الجزيرة الفراتية وما حولها، وتخضع قبيلته لنفوذ ملوك الحيرة مع استقلالهم التام في شؤونهم الخاصة والعامة، والحيرة كما نعلم إمارة عربية أقامها الفرس على حدود الجزيرة العربية وحموها بالسلاح والجنود.
ولد عمرو إذاً بين مجد وحسب وجاه وسلطان، فنشأ شجاعاً هماماً خطيباً جامعاً لخصال الخير والسؤدد والشرف، وبعد قليل ساد قومه وأخذ مكان أبيه، وقال الشعر وأجاد فيه وإن كان من المقلّين.
ويقال إنّ قصيدته المعلقة كانت تزيد على ألف بيت وإنها في أيدي الناس غير كاملة وإنما في أيديهم ما حفظوه منها. وكان خبر ذلك ما ذكره أبو عمر الشيباني، قال: إنّ عمرو بن هند لما ملك، وكان جبّاراً عظيم الشأن والملك، جمع بكراً وتغلب ابني وائل وأصلح بينهم بعد حرب البسوس، وأخذ من الحيّين رهناً من كل حيّ مائة غلام من أشرافهم وأعلامهم ليكفّ بعضهم عن بعض. وشرط بعضهم على بعض وتوافقوا على أن لا يُبقي أحد منهم لصاحبه غائلةً ولا يطلبه بشيءٍ مما كان من الآخر من الدماء. فكان أولئك الرهن يصحبونه في مسيره ويغزون معه، فمتى التوى أحد منهم بحق صاحبه أقاد من الرهن.
وحدث أن سرّح عمرو بن هند ركباً من بني تغلب وبني بكر إلى جبل طيّئ في أمر من أموره، فنزلوا بالطرفة وهي لبني شيبان وتيم اللات أحلاف بني بكر. فقيل إنهم أجلوا التغلبيين عن الماء وحملوهم على المفازة فمات التغلبيون عطشاً، وقيل بل أصابتهم سموم في بعض مسيرهم فهلك عامّة التغلبيين وسلم البكريون. فلما بلغ ذلك بني تغلب غضبوا وطلبوا ديات أبنائهم من بكر، فأبت بكر أداءها. فأتوا عمرو بن هند فاستعدوه على بكر وقالوا: غدرتم ونقضتم العهد وانتهكتم الحرمة وسفكتم الدماء. وقالت بكر: أنتم الذين فعلتم ذلك، قذفتمونا بالعضيهة وسوّمتم الناس بها وهتكتم الحجاب والستر بادعائكم الباطل علينا. قد سبقنا أولادكم إذ وردوا وحملناهم على الطريق إذ خرجوا، فهل علينا إذ حار القوم وضلّوا أو أصابتهم السموم! فاجتمع بنو تغلب لحرب بكر واستعدت لهم بكر، فقال عمرو بن هند: إني أرى الأمر سينجلي عن أحمر أصمّ من بني يشكر.
فلما التقت جموع بني وائل كره كل صاحبه وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت. فدعا بعضهم بعضاً إلى الصلح وتحاكموا إلى الملك عمرو. فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم حتى تأتوني بسبعين رجلاً من أشراف بكر فأجعلهم في وثاق عندي، فإن كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليهم، وإن لم يكن لهم حق خلّيت سبيلهم. ففعلوا وتواعدوا ليوم يعيّنه يجتمعون فيه. فقال الملك لجلسائه: من ترون تأتي به تغلب لمقامها هذا? قالوا: شاعرهم وسيّدهم عمرو بن كلثوم. قال: فبكر بن وائل? فاختلفوا عليه وذكروا غير واحد من أشراف بكر. قال عمرو: كلا والله لا تفرجُ بكر إلا عن الشيخ الأصمّ يعتز في ريطته فيمنعه الكرم من أن يرقعها قائده فيضعها على عاتقه، وأراد بذلك النعمان بن هرم. فلما أصبحوا جاءت تغلب يقودها عمر بن كلثوم حتى جلس إلى الملك، وجاءت بكر بالنعمان بن هرم، وهو أحد بني ثعلبة بن غنيم بن يشكر، فلما اجتمعوا عند الملك قال عمرو بن كلثوم للنعمان: يا أصمّ جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم وهم يفخرون عليك. فقال النعمان: وعلى من أظلّت السماء كلها يفخرون ثم لا ينكر ذلك. فقال عمرو بن كلثوم: أما والله لو لطمتك لطمةً ما أخذوا لك بها. فقال له النعمان: والله لو فعلت ما أفلتّّ بها أنت ومن فضّلك. فغضب عمرو بن هند، وكان يؤثر بني تغلب على بكر، فقال لابنته: يا حارثة، أعطيه لحناً بلسان أنثى، أي شبيه بلسانك. فقال النعمان: أيها الملك، أعطِ ذلك أحبَّ أهلك إليك. فقال: يا نعمان أيسرُّك أني أبوك? قال: لا، ولكن وددت أنك أمي، فغضب عمرو غضباً شديداً حتى همّ بالنعمان وطرده. وقام عمر بن كلثوم وأنشد معلقته، وقام بإثره الحارث بن حلّزة وارتجل قصيدته.
وقصيدة عمرو بن كلثوم لم ينشدها على صورتها، كما وردت في أثناء المعلقات، وإنما قال منها ما وافق مقصوده، ثم زاد عليها بعد ذلك أبياتاً كثيرة، وافتخر بأمور جرت له بعد هذا العهد، وفيها يشير إلى شتم عمرو بن هند لأمه ليلى بنت مهلهل. وقد قام بمعلقته خطيباً بسوق عكاظ، وقام بها في موسم مكة. إلا أن عمرو بن هند آثر قصيدة الحارث بن حلزة وأطلق السبعين بكرياً، فضغن عمرو بن كلثوم على الملك، وعاد التغلبيون إلى أحيائهم. وما تفضيل الملك عمرو لقصيدة الحارث إلا لأنه كان جباراً متكبّراً مستبدّاً، وكان يريد إذلال عمرو بن كلثوم وإهانته ويضمر ذلك في نفسه، فقضى لبكر حسداً لعمرو لإذلاله بشرفه وحسبه ومجده.
ثم إن الملك عمراً كان جالساً يوماً مع ندمائه، فقال لهم: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي هند? فقالوا: نعم، أم عمرو بن كلثوم. قال: وَلِمَ? قالوا: لأنّ أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب بن وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيّد قومه، وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل هي بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس وبينهما هذا النسب. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو بن كلثوم من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأقبلت ليلى أمه في ظعن من بني كلثوم من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأم عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب، فدخل عمرو بن كلثوم على الملك عمرو في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا الطُرُف وتستخدم ليلى. ودعا الملك عمرو بمائدة، ثم دعا بطرف، فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق، فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها، فأعادت عليها فصاحت ليلى: واذلاّه، يا لتغلب! فسمعها ابنها عمرو، فثار الدم في وجهه. ونظر إليه عمرو بن هند فعرف الشرَّ في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف لعمرو بن هند معلق بالرواق، ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس ابن هند وقتله، وكان ذلك نحو سنة 569م، ثم نادى عمرو في بني تغلب فانتبهوا ما في الرواق وساقوا نجائبه وساروا نحو الجزيرة، وجاشت نفس عمرو وحمي غضبه وأخذته الأنفة والنخوة فنظم بعض معلقته في هذه الحادثة يصف فيها حديثه مع ابن هند ويفتخر بأيام قومه وغاراتهم المشهورة.
ومن أخبار عمرو بن كلثوم بعد ذلك أنه أغار على بني تميم، ثم مرّ من غزوه ذلك على حي من بني قيس بن ثعلبة، فملأ يديه منهم وأصاب أسارى وسبايا، وكان فيمن أصاب أحمر بن جندل السعدي، ثم انتهى إلى بني حنيفة باليمامة وفيهم أناس من عجل، فسمع بها أهل حجر، فكان أول من أتاه من بني حنيفة بنو سحيم عليهم يزيد بن عمرو بن شمر، فلما رآهم عمرو بن كلثوم ارتجز وقال:
مَن عالَ منا بعدها فلا اجتَبَرْ- ولا سقى الماءً ولا أرعى الشَّجَرْ
بنو لُجيمٍ وجعاسيسُ مُضَرْ- بجانب الدوِّ يُديهونَ العَكَرْ
فانتهى إليه يزيد بن عمرو فطعنه فصرعه عن فرسه وأسره، وكان يزيد شديداً جسيماً، فشدّه في القدّ وقال له: أنت الذي تقول:
متى تُعقد قرينتُنا بحبلٍ- نجذّ الحبلَ أو نَقْصِ القرينا
أما إني سأقرنك إلى ناقتي هذه فأطردكما جميعاً. فنادى عمرو بن كلثوم: يا لربيعة، أمثلة! قال: فاجتمعت بنو لجيم فنهوه، ولم يكن يريد ذلك به، فسار به حتى أتى قصراً بحجر من قصورهم، وضرب عليه قبّة ونحرَ له وكساه وحمله على نجيبة وسقاه الخمر، فلما أخذت برأسه تغنّى:
أأجمعُ صُحبتي الشَّحَرَ ارتحالاً- ولم أشْعُرْ بِبَينٍ منك هالا
ولم أرَ مثلَ هالَةَ في معَدٍّ- أُشَبّهُ حسْنَها إلاَّ الهِلالا
ألا أبْلِغ بني جُشَمِ بْنَ بكرٍ- وتغلبَ كلّما أتَيا حَلالا
بأنَّ الماجدَ القرْمَ ابن عمرو- غداة نُطاعُ قد صدَقَ القِتالا
كتيبَتُهُ مُلَمْلمَةٌ رَداحٌ- إذا يرمونها تُفني النّبالا
جزى الله الأغَرَّ يزيدَ خيراً- ولقَّاه المسَرَّة والجمالا
بمآخذِه ابنَ كُلثومَ بنَ عمرٍو- يزيدُ الخيرِ نازَلَهُ نِزالا
بِجمعٍ مِن بني قرَّان صِيدٍ- يُجيلونَ الطّعانَ إذا أجالا
يزيدُ يُقَدّم السُّفراءَ حتى- يُروّي صدرها الأسَلَ النِّهالا
وعنه أخبر ابن الأعرابي، قال: إن بني تغلب حاربوا المنذر بن ماء السماء، فلحقوا بالشام خوفاً، فمرّ بهم عمرو بن أبي حجر الغسّاني فلم يستقبلوه. وركب عمرو بن كلثوم فلقيه، فقال له الملك: ما منع قومك أن يتلقوني? قال: لم يعلموا بمرورك. فقال: لئن رجعت لأغزونّهم غزوة تتركهم أيقاظاً لقدومي. فقال عمرو: ما استيقظ قوم قط إلاّ نبلُ رأيهم وعزّت جماعتهم، فلا توقظن نائمهم. فقال: كأنك تتوعّدني بهم، أما والله لتعلمنّ إذا نالت غطاريف غسّان الخيل في دياركم أن أيقاظ قومك سينامون نومة لا حلم فيها تجتثُّ أصولهم وينفى فلُّهم إلى اليابس الجرد والنازح الثمد. ثم رجع عمرو بن كلثوم عنه وجمع قومه وقال:
ألا فاعلم أبيت اللعن أنّا- على عمدٍ سنأتي ما نريدُ
تعلّمْ أنّ محملنا ثقيلٌ- وأنّ زِنادَ كبَّتنا شديدُ
وأنّا ليس حيٌّ من مَعِدٍّ- يوازينا إذا لُبسَ الحديدُ
فلما عاد الحارث الأعرج غزا بني تغلب، فاقتتلوا واشتد القتال بينهم. ثم انهزم الحارث وبنو غسّان وقتل أخو الحارث في عدد كثير، فقال عمرو بن كلثوم:
هلاّ عطفتَ على أخيك إذا دعا- بالثكل ويل أبيك يا ابنَ أبي شَمِرْ
قذفَ الذي جشّمت نفسك واعترف- فيها أخاك وعامر بن أبي حُجُرْ
هكذا عاش عمرو بن كلثوم عظيماً من عظماء الجاهلية وأشرافهم وفرسانهم، عزيز النفس، مرهوب الجانب، شاعراً مطبوعاً على الشعر. وقد عمّر طويلاً حتى إنهم زعموا أنه أتت عليه خمسون ومائة سنة، وكانت وفاته في حدود سنة 600 م. وقد روى ابن قتيبة خبر وفاته، قال: فانتهى (ويعني يزيد بن عمرو) به إلى حجر فأنزله قصراً وسقاه، فلم يزل يشرب حتى مات. وذكر ابن حبيب خبراً آخر في موت عمر بن كلثوم فقال: وكانت الملوك تبعث إليه بحبائه وهو في منزله من غير أن يفد إليها، فلما ساد ابنه الأسود بن عمرو، بعث إليه بعض الملوك بحبائه كما بعث إلى أبيه، فغضب عمرو وقال: ساواني بعَوْلي! ومحلوفه لا يذوق دسماً حتى يموت، وجعل يشرب الخمر صرفاً على غير طعام، فلما طال ذلك قامت امرأته بنت الثُوير فقتّرت له بشحم ليقرم إلى اللحم ليأكله، فقام يضربها ويقول:
معاذَ الله تدعوني لِحنْثٍ- ولو أقْفَرْتُ أيّاماً قُتارُ
فلم يزل يشرب حتى مات.
ولعمرو ابن اسمه عبّاد بن عمرو بن كلثوم، كان كأبيه شجاعاً فارساً، وهو الذي قتل بشر بن عمرو بن عدس، كما أنّ مرة بن كلثوم، أخا عمرو، هو الذي قتل المنذر بن النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وفي ذلك يقول الأخطل التغلبي مفتخراً:
أبني كليب إنّ عميَّ اللذا- قتلا الملوكَ وفكّكا الأغلالا
وله عقب اشتهر منهم كلثوم بن عمرو العتّابي الشاعر المترسّل، من شعراء الدولة العباسية.
وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء المعلقات وأولوا اهتماماً خاصاً بالتعرف على حياتهم، فقد قالت ليدي آن بلنت وقال فلفريد شافن بلنت عن عمرو بن كلثوم في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في بداية القرن العشرين: يقف عمرو بن كلثوم، شيخ قبيلة بني تغلب، في الصف الأول لشعراء ما قبل الإسلام. يقال إنه ولد قبل بداية القرن السادس وأصبح شيخاً لقبيلة في سن الخامسة عشرة وتوفي قرابة نهاية القرن، اثنا وعشرون سنة قبل الهجرة.
يقال إن والد أمه ليلى بنت المهلهل، سيدة أصبحت لها مكانة مرموقة بين العرب لاحقاً، قد أمر بوأدها كما كانت عادة العرب آنذاك، لكنه أبقى على حياتها بعد تحذير رآه في حلم.
كان عمرو شخصاً حاد الطبع، متكبراً، كريماً، محبوباً من أبناء قبيلته وشاعراً منذ نعومة أظافره. ذكر سبب نظم معلقته في كتاب الأغاني على النحو التالي:
قصة قتله لعمرو بن هند: قال أبو عمرو حدثني أسد بن عمرو الحنفي وكرد بن السمعي وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدثني أبي وشرقي بن القطامي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة: أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي، فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم، قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب. فدخل عمرو بن كلثوم على عمر بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت. فصاحت ليلى: واذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمر بن هند فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند معلقٍ بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة.
هكذا وردت الحكاية. وزن معلقة عمرو بن كلثوم والحارث أقصر من الآخرين، لكن معلقة عمرو ليست بأقل من الأخريات. لعلها أفضل للسمة الجدلية للقصائد وبها إيقاع ما ورنين في غاية الجاذبية. تروق المواضيع التي تتطرق إليها المعلقات، سياسية في معظمها، بقوة إلى القارىء الإنجليزي المعاصر، غير أنها تتحلى بالنسبة لمن يعرف الشعر العربي المعاصر بأهمية خاصة جداً لأنها تظهر كم قليلاً تغير عالم البدو في أفكاره السياسية أو حتى في وضعه السياسي في 1400 سنة الماضية. يصعب وجود فكرة عبر عنها المدافعون عن قضية لا تسمع اليوم من أفواه شيوخ القبائل المتنازعة الذين ارتحلوا إلى حايل لإنهاء خلافاتهم أمام ابن رشيد. الفرق الوحيد أن خطب المتنافسين اليوم لم تعد تقدم عبر القصائد.
وقال عنه دبليو إى كلوستون في كتاب من تحريره عن الشعر العربي: كان عمرو بن كلثوم أميراً من قبيلة أرقم، أحد فخوذ بني تغلب. كانت أمه ليلى ابنة المهلهل وهند، التي أراد والدها وأدها كما كانت عادة العرب، لكنه سمع صوتاً في منامه يقول له إن ابنته ستصبح أم بطل. طلب إعادتها إلى البيت وكانت ما تزال على قيد الحياة. تزوجت ليلى من كلثوم وحلمت بعد مولد عمرو أنه سيكون أشجع المحاربين.
دارت حرب طويلة بين تغلب وبني بكر إثر مقتل كليب بن ربيعة. اتفق على وقف الحرب وليحكم فيها عمرو بن هند، ملك الحيرة، الملك نفسه الذي أمر بقتل طرفه. كان عمرو بن كلثوم المدافع عن بني تغلب والحارث بن حلزة المدافع عن بني بكر. يورد النقاش في معلقته. وحيث إن الملك لم يسر بتفاخر عمرو بن كلثوم، حكم لصالح بني بكر، فقتله عمرو بن كلثوم ثأراً، كما يظن لقتله طرفه، آخرون يرون وربما هم أصوب، لحكمه ضد بني تغلب.
ذكرت ظروف مقتل الملك على النحو التالي:
قصة قتله لعمرو بن هند: قال أبو عمرو حدثني أسد بن عمرو الحنفي وكرد بن السمعي وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدثني أبي وشرقي بن القطامي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة: أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي? فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم? قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب ?. فدخل عمرو بن كلثوم على عمر بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت. فصاحت ليلى: واذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمر بن هند فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند معلقٍ بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة.
نظم عمرو بن كلثوم علاوة على معلقته بعض قصائد الهجاء المرير للنعمان ملك الحيرة وأمه التي كانت ابنة صائغ.
لما حضرت عمرو بن كلثومٍ الوفاة وقد أتت عليه خمسون ومائة سنة، جمع بنيه فقال: يا بني، قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولا بد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت. وإني والله ما عيرت أحداً بشيء إلا عيرت بمثله، إن كان حقاً فحقاً، وإن كان باطلاً فباطلاً. ومن سب سب؛ فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم، وامنعوا من ضيم الغريب؛ فرب رجلٍ خير من ألف، ورد خير من خلف. وإذا حدثتم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا؛ فإن مع الإكثار تكون الأهذار . وأشجع القوم العطوف بعد الكر، كما أن أكرم المنايا القتل. ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب . ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شره؛ فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره. ولا تتزوجوا في حيكم فإنه يؤدي إلى قبيح البغض."
المعلقة :
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا
وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَـا
إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَـا
تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَـوَاهُ
إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِيْنَـا
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ
عَلَيْـهِ لِمَـالِهِ فِيْهَـا مُهِيْنَـا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو
وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا
وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو
بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَـا
وَكَأْسٍ قَدْ شَـرِبْتُ بِبَعْلَبَـكٍّ
وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصرِيْنَـا
وَإِنَّا سَـوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَـايَا
مُقَـدَّرَةً لَنَـا وَمُقَـدِّرِيْنَـا
قِفِـي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنـَا
نُخَبِّـرْكِ اليَقِيْـنَ وَتُخْبِرِيْنَـا
قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صَرْماً
لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأَمِيْنَـا
بِيَـوْمِ كَرِيْهَةٍ ضَرْباً وَطَعْنـاً
أَقَـرَّ بِـهِ مَوَالِيْـكِ العُيُوْنَـا
وَأنَّ غَـداً وَأنَّ اليَـوْمَ رَهْـنٌ
وَبَعْـدَ غَـدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِيْنَـا
تُرِيْكَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى خَـلاَءٍ
وَقَدْ أَمِنْتَ عُيُوْنَ الكَاشِحِيْنَـا
ذِرَاعِـي عَيْطَلٍ أَدَمَـاءَ بِكْـرٍ
هِجَـانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِيْنَـا
وثَدْياً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخِصـاً
حَصَـاناً مِنْ أُكُفِّ اللاَمِسِيْنَـا
ومَتْنَى لَدِنَةٍ سَمَقَتْ وطَالَـتْ
رَوَادِفُهَـا تَنـوءُ بِمَا وَلِيْنَـا
وَمأْكَمَةً يَضِيـقُ البَابُ عَنْهَـا
وكَشْحاً قَد جُنِنْتُ بِهِ جُنُونَـا
وسَارِيَتِـي بَلَنْـطٍ أَو رُخَـامٍ
يَرِنُّ خَشَـاشُ حَلِيهِمَا رَنِيْنَـا
فَمَا وَجَدَتْ كَوَجْدِي أُمُّ سَقبٍ
أَضَلَّتْـهُ فَرَجَّعـتِ الحَنِيْنَـا
ولاَ شَمْطَاءُ لَم يَتْرُك شَقَاهَـا
لَهـا مِن تِسْعَـةٍ إلاَّ جَنِيْنَـا
تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّـا
رَأَيْتُ حُمُـوْلَهَا أصُلاً حُدِيْنَـا
فَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَـرَّتْ
كَأَسْيَـافٍ بِأَيْـدِي مُصْلِتِيْنَـا
أَبَا هِنْـدٍ فَلاَ تَعْجَـلْ عَلَيْنَـا
وَأَنْظِـرْنَا نُخَبِّـرْكَ اليَقِيْنَــا
بِأَنَّا نُـوْرِدُ الـرَّايَاتِ بِيْضـاً
وَنُصْـدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَـا
وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِــوَالٍ
عَصَيْنَـا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَـا
وَسَيِّـدِ مَعْشَـرٍ قَدْ تَوَّجُـوْهُ
بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِيْنَـا
تَرَكْـنَ الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْـهِ
مُقَلَّـدَةً أَعِنَّتَهَـا صُفُـوْنَـا
وَأَنْزَلْنَا البُيُوْتَ بِذِي طُلُـوْحٍ
إِلَى الشَامَاتِ نَنْفِي المُوْعِدِيْنَـا
وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّـا
وَشَـذَّبْنَا قَتَـادَةَ مَنْ يَلِيْنَـا
مَتَى نَنْقُـلْ إِلَى قَوْمٍ رَحَانَـا
يَكُوْنُوا فِي اللِّقَاءِ لَهَا طَحِيْنَـا
يَكُـوْنُ ثِقَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْـدٍ
وَلُهْـوَتُهَا قُضَـاعَةَ أَجْمَعِيْنَـا
نَزَلْتُـمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّـا
فَأَعْجَلْنَا القِرَى أَنْ تَشْتِمُوْنَـا
قَرَيْنَاكُـمْ فَعَجَّلْنَـا قِرَاكُـمْ
قُبَيْـلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُوْنَـا
نَعُـمُّ أُنَاسَنَـا وَنَعِفُّ عَنْهُـمْ
وَنَحْمِـلُ عَنْهُـمُ مَا حَمَّلُوْنَـا
نُطَـاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّـا
وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوْفِ إِذَا غُشِيْنَـا
بِسُمْـرٍ مِنْ قَنَا الخَطِّـيِّ لُـدْنٍ
ذَوَابِـلَ أَوْ بِبِيْـضٍ يَخْتَلِيْنَـا
كَأَنَّ جَمَـاجِمَ الأَبْطَالِ فِيْهَـا
وُسُـوْقٌ بِالأَمَاعِـزِ يَرْتَمِيْنَـا
نَشُـقُّ بِهَا رُؤُوْسَ القَوْمِ شَقًّـا
وَنَخْتَلِـبُ الرِّقَـابَ فَتَخْتَلِيْنَـا
وَإِنَّ الضِّغْـنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَبْـدُو
عَلَيْـكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِيْنَـا
وَرِثْنَـا المَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَـدٌّ
نُطَـاعِنُ دُوْنَهُ حَـتَّى يَبِيْنَـا
وَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَـرَّتْ
عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِيْنَـا
نَجُـذُّ رُؤُوْسَهُمْ فِي غَيْرِ بِـرٍّ
فَمَـا يَـدْرُوْنَ مَاذَا يَتَّقُوْنَـا
كَأَنَّ سُيُـوْفَنَا منَّـا ومنْهُــم
مَخَـارِيْقٌ بِأَيْـدِي لاَعِبِيْنَـا
كَـأَنَّ ثِيَابَنَـا مِنَّـا وَمِنْهُـمْ
خُضِبْـنَ بِأُرْجُوَانِ أَوْ طُلِيْنَـا
إِذَا مَا عَيَّ بِالإِسْنَـافِ حَـيٌّ
مِنَ الهَـوْلِ المُشَبَّهِ أَنْ يَكُوْنَـا
نَصَبْنَـا مِثْلَ رَهْوَةِ ذَاتَ حَـدٍّ
مُحَافَظَـةً وَكُـنَّا السَّابِقِيْنَـا
بِشُبَّـانٍ يَرَوْنَ القَـتْلَ مَجْـداً
وَشِيْـبٍ فِي الحُرُوْبِ مُجَرَّبِيْنَـا
حُـدَيَّا النَّـاسِ كُلِّهِمُ جَمِيْعـاً
مُقَـارَعَةً بَنِيْـهِمْ عَـنْ بَنِيْنَـا
فَأَمَّا يَـوْمَ خَشْيَتِنَـا عَلَيْهِـمْ
فَتُصْبِـحُ خَيْلُنَـا عُصَباً ثُبِيْنَـا
وَأَمَّا يَـوْمَ لاَ نَخْشَـى عَلَيْهِـمْ
فَنُمْعِــنُ غَـارَةً مُتَلَبِّبِيْنَــا
بِـرَأْسٍ مِنْ بَنِي جُشْمٍ بِنْ بَكْـرٍ
نَـدُقُّ بِهِ السُّـهُوْلَةَ وَالحُزُوْنَـا
أَلاَ لاَ يَعْلَـمُ الأَقْـوَامُ أَنَّــا
تَضَعْضَعْنَـا وَأَنَّـا قَـدْ وَنِيْنَـا
أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا
فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا
بِاَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرُو بْنَ هِنْـدٍ
نَكُـوْنُ لِقَيْلِكُـمْ فِيْهَا قَطِيْنَـا
بِأَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرَو بْنَ هِنْـدٍ
تُطِيْـعُ بِنَا الوُشَـاةَ وَتَزْدَرِيْنَـا
تَهَـدَّدُنَـا وَتُوْعِـدُنَا رُوَيْـداً
مَتَـى كُـنَّا لأُمِّـكَ مَقْتَوِيْنَـا
فَإِنَّ قَنَاتَنَـا يَا عَمْـرُو أَعْيَـتْ
عَلى الأَعْـدَاءِ قَبَلَكَ أَنْ تَلِيْنَـا
إِذَا عَضَّ الثَّقَافُ بِهَا اشْمَـأَزَّتْ
وَوَلَّتْـهُ عَشَـوْزَنَةً زَبُـوْنَـا
عَشَـوْزَنَةً إِذَا انْقَلَبَتْ أَرَنَّـتْ
تَشُـجُّ قَفَا المُثَقِّـفِ وَالجَبِيْنَـا
فَهَلْ حُدِّثْتَ فِي جُشَمٍ بِنْ بَكْـرٍ
بِنَقْـصٍ فِي خُطُـوْبِ الأَوَّلِيْنَـا
وَرِثْنَـا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بِنْ سَيْـفٍ
أَبَـاحَ لَنَا حُصُوْنَ المَجْدِ دِيْنَـا
وَرَثْـتُ مُهَلْهِـلاً وَالخَيْرَ مِنْـهُ
زُهَيْـراً نِعْمَ ذُخْـرُ الذَّاخِرِيْنَـا
وَعَتَّـاباً وَكُلْثُـوْماً جَمِيْعــاً
بِهِـمْ نِلْنَـا تُرَاثَ الأَكْرَمِيْنَـا
وَذَا البُـرَةِ الذِي حُدِّثْتَ عَنْـهُ
بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلتَجِينَــا
وَمِنَّـا قَبْلَـهُ السَّاعِي كُلَيْـبٌ
فَـأَيُّ المَجْـدِ إِلاَّ قَـدْ وَلِيْنَـا
مَتَـى نَعْقِـد قَرِيْنَتَنَـا بِحَبْـلٍ
تَجُـذَّ الحَبْلَ أَوْ تَقْصِ القَرِيْنَـا
وَنُوْجَـدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَـاراً
وَأَوْفَاهُـمْ إِذَا عَقَـدُوا يَمِيْنَـا
وَنَحْنُ غَدَاةَ أَوْقِدَ فِي خَـزَازَى
رَفَـدْنَا فَـوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِيْنَـا
وَنَحْنُ الحَابِسُوْنَ بِذِي أَرَاطَـى
تَسَـفُّ الجِلَّـةُ الخُوْرُ الدَّرِيْنَـا
وَنَحْنُ الحَاكِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا
وَنَحْنُ العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا
وَنَحْنُ التَّارِكُوْنَ لِمَا سَخِطْنَـا
وَنَحْنُ الآخِـذُوْنَ لِمَا رَضِيْنَـا
وَكُنَّـا الأَيْمَنِيْـنَ إِذَا التَقَيْنَـا
وَكَـانَ الأَيْسَـرِيْنَ بَنُو أَبَيْنَـا
فَصَالُـوا صَـوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْهِـمْ
وَصُلْنَـا صَـوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْنَـا
فَـآبُوا بِالنِّـهَابِ وَبِالسَّبَايَـا
وَأُبْـنَا بِالمُلُـوْكِ مُصَفَّدِيْنَــا
إِلَيْكُـمْ يَا بَنِي بَكْـرٍ إِلَيْكُـمْ
أَلَمَّـا تَعْـرِفُوا مِنَّـا اليَقِيْنَـا
أَلَمَّـا تَعْلَمُـوا مِنَّا وَمِنْكُـمْ
كَتَـائِبَ يَطَّعِـنَّ وَيَرْتَمِيْنَـا
عَلَيْنَا البَيْضُ وَاليَلَبُ اليَمَانِـي
وَأسْيَـافٌ يَقُمْـنَ وَيَنْحَنِيْنَـا
عَلَيْنَـا كُـلُّ سَابِغَـةٍ دِلاَصٍ
تَرَى فَوْقَ النِّطَاقِ لَهَا غُضُوْنَـا
إِذَا وَضِعَتْ عَنِ الأَبْطَالِ يَوْمـاً
رَأَيْـتَ لَهَا جُلُوْدَ القَوْمِ جُوْنَـا
كَأَنَّ غُضُـوْنَهُنَّ مُتُوْنُ غُـدْرٍ
تُصَفِّقُهَـا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَيْنَـا
وَتَحْمِلُنَـا غَدَاةَ الرَّوْعِ جُـرْدٌ
عُـرِفْنَ لَنَا نَقَـائِذَ وَافْتُلِيْنَـا
وَرَدْنَ دَوَارِعاً وَخَرَجْنَ شُعْثـاً
كَأَمْثَـالِ الرِّصَائِـعِ قَدْ بَلَيْنَـا
وَرِثْنَـاهُنَّ عَنْ آبَـاءِ صِـدْقٍ
وَنُـوْرِثُهَـا إِذَا مُتْنَـا بَنِيْنَـا
عَلَـى آثَارِنَا بِيْـضٌ حِسَـانٌ
نُحَـاذِرُ أَنْ تُقَسَّمَ أَوْ تَهُوْنَـا
أَخَـذْنَ عَلَى بُعُوْلَتِهِنَّ عَهْـداً
إِذَا لاَقَـوْا كَتَـائِبَ مُعْلِمِيْنَـا
لَيَسْتَلِبُـنَّ أَفْـرَاسـاً وَبِيْضـاً
وَأَسْـرَى فِي الحَدِيْدِ مُقَرَّنِيْنَـا
تَـرَانَا بَارِزِيْـنَ وَكُلُّ حَـيٍّ
قَـدْ اتَّخَـذُوا مَخَافَتَنَا قَرِيْنـاً
إِذَا مَا رُحْـنَ يَمْشِيْنَ الهُوَيْنَـا
كَمَا اضْطَرَبَتْ مُتُوْنُ الشَّارِبِيْنَـا
يَقُتْـنَ جِيَـادَنَا وَيَقُلْنَ لَسْتُـمْ
بُعُوْلَتَنَـا إِذَا لَـمْ تَمْنَعُـوْنَـا
ظَعَائِنَ مِنْ بَنِي جُشَمِ بِنْ بِكْـرٍ
خَلَطْـنَ بِمِيْسَمٍ حَسَباً وَدِيْنَـا
وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثْلُ ضَـرْبٍ
تَـرَى مِنْهُ السَّوَاعِدَ كَالقُلِيْنَـا
كَـأَنَّا وَالسُّـيُوْفُ مُسَلَّـلاَتٌ
وَلَـدْنَا النَّـاسَ طُرّاً أَجْمَعِيْنَـا
يُدَهْدِهنَ الرُّؤُوسِ كَمَا تُدَهْـدَي
حَـزَاوِرَةٌ بِأَبطَحِـهَا الكُرِيْنَـا
وَقَـدْ عَلِمَ القَبَـائِلُ مِنْ مَعَـدٍّ
إِذَا قُبَـبٌ بِأَبطَحِـهَا بُنِيْنَــا
بِأَنَّـا المُطْعِمُـوْنَ إِذَا قَدَرْنَــا
وَأَنَّـا المُهْلِكُـوْنَ إِذَا ابْتُلِيْنَــا
وَأَنَّـا المَانِعُـوْنَ لِمَـا أَرَدْنَـا
وَأَنَّـا النَّـازِلُوْنَ بِحَيْثُ شِيْنَـا
وَأَنَّـا التَـارِكُوْنَ إِذَا سَخِطْنَـا
وَأَنَّـا الآخِـذُوْنَ إِذَا رَضِيْنَـا
وَأَنَّـا العَاصِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا
وَأَنَّـا العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً
وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا
أَلاَ أَبْلِـغْ بَنِي الطَّمَّـاحِ عَنَّـا
وَدُعْمِيَّـا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُوْنَـا
إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفـاً
أَبَيْنَـا أَنْ نُقِـرَّ الـذُّلَّ فِيْنَـا
مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا
وَظَهرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا
إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ
تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُسَاجِديْنَـا
ـ منقول ـ