مشاهدة النسخة كاملة : في رحاب الأدب العربي الفصيح .
أبو رائد
22-08-2010, 06:45 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مفاهيم أدبية .. نقلتها لكم من الأستاذ : حسام الله يجزاه خير .. عسى أن ينتفع بها بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأحبة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حياكم الله ووقاكم مما يزري بالكريم ، وأدام سعادتكم وهناءكم في هذه الأيام المباركة ، نتوجه إليه سبحانه وتعالى مخلصين وملحين في دعائنا أن يجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه.
هذه الأسطر التي أضعها بين أيدي إخواني لم أدع فيها علما ولا معرفة وإنما هي محاولة لتقريب بعض المفاهيم الأدبية والنقدية لإخواني عسى أن تفيدهم أو توضح لهم على الأقل معالم الطريق .
منذ مدة وهذه الفكرة تراودني حاولت أن تعرف النور حينها ، لكن الظروف كانت أقوى من ذلك .
واليوم وقد تيسر ما تعسر بالأمس ، وعادت الفكرة القديمة المتجددة إلى الظهور من جديد، طاغية على غيرها من الأفكار، وفارضة نفسها أكثر من أي وقت مضى فلم أجد مانعا من تنفيذها حتى ينتفع بها الإخوان.
ولم أقصد أثناء جمع مادتها التأليف لأن ذلك له شروطه ومنهجيته، وإنما أن تكون أفكارا قد ترفع لبسا ، أو تزيد فهما وإدراكا ، وحسبي إن حققت هذا الهدف المنشود وهذا مصداقا للحكمة القائلة : ( علم علمك من يجهل ، وتعلم ممن يعلم ، فإذا فعلت ذلك حفظت ما علمت، وعلمت ما جهلت ) .
وما أطلبه من إخواني إلا الدعاء الصادق بأن ييسر لي الله ما قد تعسر ، حتى أنعم بجوار الحبيب هناك ولو لساعات معدودات وهي أمنية يتمناها كل مسلم .
وما تفيقي إلا بالله، عليه توكلت ، ومنه نرجو السداد والرشاد.
خصـــائص الشعر ومقوماته الفنية
مفهوم الشعر : الشعر تعبير عن الحياة كما يحسها الشاعر من خلال وجدانه وتصوير لانعكاسها على نفسه ولقد لجأ الانسان إلى الشعر منذ نشأته الأولى ليصور إحساسه مدفوعا بحاجته الفطرية إلى التعبير عما يجيش بداخله مستعينا بالغناء و الإيقاع ، ثم عمق إحساسه ونضج إدراكه واتسعت آفاق دنياه وانفسحت آماله وتعقدت عواطفه وظل الشعر مع ذلك – وسيظل – يعبر عن عالمه النفسي و يساير عمق إدراكه للوجود و انفعاله بالحياة و اندماجه في الكون.
و كلما تقدم الانسان وصقل ذوقه ورهف حسه إزدادت حاجته إلى الشعر وإلى الفن بوجه عام تبعا لازدياد شعوره بمعنوياته ووعيه لإنسانيته التي تميزه عن الحيوان الأعجم الذي يقوم وجوده على الضروريات المادية، ويخطئ من يظن أو يعتقد أن زمن الشعر قد ولى إلى الأبد ، لأننا في عصر التكنولوجيا والمعلوماتية والتطور العلمي الرهيب.
المقومات الفنية للشعر هي :
1 - التجربة الشعرية .
2- الوحدة العضوية
3- الصور التعبيرية بما فيها من الألفاظ و العبارات و الصور و الأخيلة و الموسيقى .
مفهوم التجربة الشعرية :إذا سيطر على نفس الشاعر موضوع أو فكرة أو مشهد من مشاهد الحياة و عمق شعوره و انفعاله به و استغرق فيه متأملا مفكرا و أصغى إلى إيقاع النغم لهذه المعاناة في أعماق نفسه فهذه هي التجربة الشعرية .
نرى مثلا "إيليا أبو ماضي" في قصيدة" الطلاسم " و خاصة في طلاسم البحر يقف أمام ألغاز الوجود حائرا فيسائل البحر ويدير معه الحوار إلتماسا للوصول إلى أسرار الكون .
فهذه تجربة شعرية انفعل فيها الشاعر بهذا الموقف فجاءت قصيدة معبرة عن معاناة نفسية و صدى للنغم الداخلي الذي هز وجدانه .
ومن التجارب الشعرية ما هو ذاتي محض ، ومنها ما يتجاوز حدود الذاتية الخاصة للشاعر إلى آفاق عامة اجتماعية و إنسانية .
ومو ضوعات هذه التجارب لا يمكن حصرها ، فهي تتسع لكل ما تتسع له الحياة ، ولا يشترط أن يكون موضوعها شيئا عظيما ، فقد يكون عاديا أو أمرا هينا ، و الشاعر الأصيل هو الذي يستطيع أن يجد موضوعات تجاربه في كل ما حوله ، ما دام ينفعل به و يحس وقعه على وجدانه .
و الشعر فن جميل ولهذا يتجه – أو يجب أن يتجه - إلى المثل العليا ليحقق شرط جماله وقوام فنيته ، و المقصود بالجمال هنا هو الجمال المعنوي الذي يجده الانسان في الخير و الفضيلة و الحق و الشرف العدل .
أبو رائد
22-08-2010, 06:45 PM
الصدق في التجربة الشعرية : و المراد بالصدق هو الصدق الفني بمعنى أن يكون الشاعر صادق الشعور و الانفعال بتجربته و أن يعبر عما يجده فعلا في نفسه و يؤمن به، فلا تزييف، ولا تقليد لغيره .
و إذا انعدم الصدق في الشعر فقد قيمته الأدبية والجمالية ، كشعر المناسبات الذي يدفع إليه الشاعر دفعا لا عن إحساس صادق وإلهام، و لكن لمجرد إظهار البراعة في القول ، وكشعر الشعراء المقلدين الذين ينظمون فيما لا يحسون فيأتي كلامهم فاترا جامدا هامدا لا حياة ولا روح فيه.
و الصدق في التجربة لا يستلزم أن يعانيها الشاعر بنفسه بل يكفي أن يتمثلها و يقوي شعوره بها و أن يتوافر له من الحس المرهف و المقدرة الفنية ما يمكنه من تصوير تجربته تصويرا حيا مؤثرا ورائعا يزرع فيها الروح والجمال وينقل القارئ إلى عوالم من الجمال والإبداع والعبقرية الفنية.
الفكر في التجربة الشعرية : الشعر ليس مجردا من الفكر فالشاعر حين يصور تجربته و يعبر عن ذاته إنما يعبر في الوقت نفسه عن موقفه تجاه الحادث الذي أثر فيه و المشهد الذي انفعل به و هو بهذا يقدم لنا آراءه وأفكاره حتى لو لم يقصد إلى ذلك عمدا .
و بقدر ما يتاح للشاعر من خصب الفكر و عمق النظرة إلى الكون يتجاوز شعره حدود مكانه وزمانه فيؤثر فيمن لا تربطهم به رابطة الاقليم أو العصر .
و الأفكار لاتساق في الشعر سوقا تقريريا بل تأتي عبر وجدان الشاعر كما هو الحال في قصائد الشعر السياسي و الاحتماعي التي نجدها خصوصا في الكتب المدرسية ، فقد عبرت عن موقف الشعراء من قضايا المجتمع بأسلوب فني لا يقوم على السرد و التقرير فإذا ساق الشاعر الأفكار في شعره سوقا مجردا صارت ذهنية جافة و تحول الشعر إلى نظم لا روح فيه . ومن هذا اللون بعض الحكم و الأمثال التي ترد لبعض الشعراء غير ممتزجة بسيء من تجاربهم النفسية .
ماانتفع المرء بمثل عقلــــه ***** و خير ذخر المرء حسن فعله
اصحب ذوي الفضل أهل الدين ***** فالمرء منــسوب إلـى القرين
و لكن الحكمة إذا امتزجت تماما بتجربة الشاعر الذاتية ظلت في نطاق الشعر .
2- الوحدة العضوية : المقصود بها وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي للقصيدة ، فلا يبدأ الشاعر مثلا بذكر أحباب له فارقهم ثم ينتفل فجأة إلى مدح أو هجاء دون أن تكون هناك صلة معنوية بين ما بدأ به و ما انتقل إليه .
و ليس معنى وحدة الجو النفسي ثبات الشاعر على إحساس واحد في الموقف الشعري ، بل إن الشاعر قد تعتريه في هذا الموقف حالات شعورية متفاوتة ؛ من تهلل و إشراق أو حزن و انقباض ، من سخط و غضب أو استسلام و ضراعة و للتقريب نقول : إن القطعة الموسيقية تتفاوت أنغامها و قد تتعدد آلاتها لكنها تظل مع هذا التفاوت و التعدد مترابطة العناصر منسجمة الايقاع لا تحس فيها نشازا أو تنافرا أو تبديل بيت مكان آخر ، من تقديم و تأخير ،أو حذف بيت من القصيدة فهي وحدة متكاملة .
و الوحدة العضوية للقصيدة بهذا المفهوم الحديث ، لم تكن معروفة في أكثر من موضوع واحد ، كالغزل و الوصف و المديح و غيرها ، غبر أننا نلاحظ أن قصائد فحول الشعراء في مختلف العصور – وإن لم تظهر فيها الوحدة العضوية بهذا المفهوم – كان يسيطر عليها جو نفسي واحد يوجه القصيدة و ينتقل بها من موضوع إلى موضوع .
فمثلا قصيدة البارودي " في سرنديب " نرى الشاعر قد تنقل من الحديث عن الطيف إلى شكوى الأيام ، إلى الحديث عن الآمال التي تراوده ، إلى التأسي ورياضة النفس على الصبر و قد تنقل هذ التنقل دون أن ينفصل عن عالمه النفسي الذي يموج بهمومه و أشجانه ، موزعا بين اليأس و الرجاء ، مما يحفظ للقصيدة وحدتها النفسية على الرغم مما يبدو من تفاوت الأجواء التي تنقل فيها الشاعر .
وتعد الوحدة العضوية من مظاهر التجديد في الشعر العربي الحديث أخذ بها جيل الشعراء المجددين في الشرق العربي و في المهجر و حمل لواء الدعوة إليها و إلى غيرها من مظاهر التجديد طائفة من النقاد منهم : العقاد الذي يقول :"إن القصيدة ينبغي أن تكون عملا فنيا تاما يكمل فيها تصوير خاطر أو خواطر متجانسة ، كما يكمل التمثال بأعضائه و الصورة بأجزائها و اللحن و الموسيقى بأنغامه بحيث إذا اختلف الوضع أو تغيرت النسبة أخل ذلك بوحدة القصيدة و أفسدها فالقصيدة من الاشعر كالجسم الحي يقوم كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته " و يقول : " القصيدة بنية حية و ليست قطعا متناثرة يجمعها إطار واحد فليس من الشعر الرفيع تغير أوضاع الأبيات فيه و لا تحس منه ثم تغيير في قصد الشاعر و معناه "
أبو رائد
22-08-2010, 06:46 PM
الصورة التعبيرية ( الصياغة الشعرية ) :
ا- الألفاظ و العبارات : الكلمة آداة التعبير للشاعر ، كما أن النغمة أداة للتعبير للموسيقى ، و اللون آداة التعبير للرسام ، وليس بين يدي الشاعر سوى تلك الكلمات التي لا تخرج كثيرا عما يستعمله الناس في كتاباتهم و أحاديثهم .
لكن الكلمة في الشعر لا تقف عند دلالتها التي و ضعت لها بأصل اللغة ، بل أنها تحمل شحنة من العواطف و المشاعر ، ليتسنى لها أن تحقق غاية الشعر الذي هو لغة العاطفة و الوجدان قبل أن يكون لغة الفكر و العقل .
فالشاعر يبث في لغته روحا جديدة يستطيع أن يؤدي بها ما يزخر به عالم النفس من مشاعر و أحاسيس ، لا حدود لها وهو يمنح من الألفاظ و الدلالات الشعورية ما لا تعطيه دلالتها الذهنية المحدودة .
و الشاعر يمتلك سر الكلمة بفطرته الملهمة ، وموهبته الأصيلة و ذوقه الفني المرهف .
و لا بد هنا التنبيه أول الأمر إلى أنه لا يراد بالكلمة اللفظة المفردة لأن هذه لا تحيا وحدها ، ولا تستكمل قدرتها التعبيرية إلا في سياق خاص ترتبط فيه بأخواتها و تتفاعل معها مؤثرة فيها و متأثرة بها .
فالشاعر في اختيارألفاظه و تنسيق عباراته يعي القوانين العامة للغة من حيث فصاحة الكلمات و خلوها من تنافر الحروف و بعدها عن الغرابة كما يدرك ما يقتضيه الموقف الذي يعبر عنه من إيجاز و إطناب و إظهار و إضمار و تقديم وتأخير و نحو ذلك مما يعرف في مصطلح البلاغة بمقتضى الحال و المقام .
و الآداء الشعري يعتمد على الإيحاء و التصوير لأحداث التأثير الانفعالي و المشاركة الوجدانية المطلوبة .
ولعل الشعر هو الفن الوحيد الذي يمكن أن تلتقي فيه الفنون الجميلة على إختلاف أنواعها ؛ ففيه من الآداب من الكلمة و من الموسيقى ايقاع النغم ، ومن النحت تجسيم المعاني و تشخيص الخواطر و المشاعر ، ومن الرسم تصوير المواقف الشعرية ، ففي قصيدة " إلى طغاة العالم " للشابي مثلا نحس الأثر الذي تشعه الألفاظ و العبارات في جو القصيدة ، ففي قوله :
ألا أيهــا الظالم المستبد ***** حبيب الفناء عدو الحيــاة
نجد أن كلمة ( جبيب الفناء عدو الحياة ) توحي بحرص أولئك الظالمين على تخريب العالم و تدمير حياته حرص من يحب الفناء ويغرم به لما تأصل في طبعه من عداء للانسانية .
كما نجد المقابلة في العبارة ساعدت على توضيح الفكرة و تأكيدها و التأثير بها ، وفي قوله :
رويدك لا يخدعنك اـــــلربيـع ***** وصحو الفضاء و ضوء الصبــاح
ففي الأفق الرحب هول الظلام ***** و قصف الرعود وعصف الرياح
إيحاد قوي يهول ما ينتظر الطغاة المستبدين عندما تستيقظ الشعوب و ذلك في هذه اللوحة الفنية المصورة للجو المكفهر المظلم ، المجسمة لمشهد العاصفة تقصف فيها الرعود و تعصف الرياح .
و سلامة المعنى الشعري ضرورية في الشعر ، ولا يعاب الشعر بالغموض الرمزي و لكن يعاب عليه فساد المعنى أو قصور العبارة عن آدائه .
وقد لاحظنا في قصيدة " الحجر الصغير " لإيليا أبي ماضي بساطة في التعبير مع بعض الخيال وسهولة في الألفاظ مع عمق الفكرة .
و الشاعر الذي يستمد ألفاظه و عباراته من لغة الحياة في عصره أقدر على التأثير ممن يستعمل ألفاظا مهجورة لأن الألفاظ الحية الأقدر على تصوير الانفعال و الايحاء .
و ألفاظ اللغة كالكائنات الحية ، تتطور باختلاف العصور و البيئات فيحيا بعضها و يكسب بعضها دلالة جديدة و ينزوي بعضها الآخر في طيات المعاجم ، وإذا كان الشعر تعبيرا عن الحياة فإن ذلك يقتضي أن يتحدث الشاعر بلغة عصره الذي يحيا فيه ، بحيث لا يحتاج في قراءة الشعر المعاصر إلى الرجوع إلى المعاجم اللغوية
على أن المقياس في ذلك هو القارئ المثقف المطلع على الأدب بشعره ونثره المتصل بالتراث الأدبي للقارئ العادي ، وتطبيقا على ذلك نرى أنه لا ينقص من قدر الشعر القديم ما يلحظ فيه من غرابه الألفاظ و التعبيرات ، لأنه صور بيئته ، وتحدث بلغة عصره ، وإذا كنا مطالبين بإحياء التراث الأدبي القديم ، والوقوف الدقيق على أساليب التعبير لدى الأدباء السابقين ، فليس معنى ذلك أن نتقيد بهذه الألفاظ و الأساليب و نجمد عليها ، بل نحاول بها أن نكسب ذوق العربية ، و أن ندرك حسها اللغوي في الأداء و أسرارها في البيان .
أبو رائد
22-08-2010, 06:46 PM
الصورة و الأخيلة : الصورة والأخيلة عنصر في الصياغة الشعرية يعتمد عليها الشاعر في التعبير عن تجرته تعبيرا حيا مؤثرا .
ومن الخيال ما هو جزئي في العبارة أو الصورة البيانية ومنه ما هو كلي في الرؤيا تلوح كخيال الشاعر ، فيرسمه أو يؤديها بالألفاظ ، والخيال الجزئي شائع في الشعر قلما تتجرد منه ألفاظه و عباراته ؛ تشبيها و استعارة و مجازا و كناية ، أما الخيال الكلي فتتفاوت فنون الشعر في حظها منه كما يتفاوت الشعراء أنفسهم ، فهو عند شعراء الجديد بوجه عام أكثر منه عند الشعراء القدامى .
و في النصوص التي ندرسها أمثلة كثيرة للتشبيه و الاستعارة و الكناية و ألوان المجاز ، تتبين منها أنها طريقة من طرق التصوير و إن لها قيمتها في جلاء المعاني و المشاعر و قوة تأثيرها إذا جاءت طبيعية غير متكلفة و لا مصطنعة لغرض شكلي لا يؤثر في المعنى و الأخيلة .
و الصور الإيحائية أقوى فنيا من الصور الوصفية المباشرة و أليق بالشعر و أبسط مظاهر الايحاء أن يوحي بالجو الانفعالي للشاعر كما نرى في كثير من النصوص كما هو الحال عند الشابي ، والرصافي وغيرهما من الشعراء.
موسيقى الشعر : الموسيقى عنصر جوهري في الشعر ، لا قوام له بدونها و هي أقوى عناصر الأيحائية فيه ، حتى لقد قيل أن الشعر موسيقى ذات أفكار .
و موسيقى الشعر ترجع أساسا إلى الوزن و القافية إذ ينشأ عنهما وحدة النغم و الإيقاع ( المراد بالنغم الوزن الذي تسير عليه القصيدة و المراد بالايقاع وحدة هذا النغم أي التفعيلة .
فالوزن ( البحر) الذي تسير عليها القصيدة يوفر لها توازنا في جميع العناصر الموسيقية عن طريق نظام محكم في التفاعيل و الحركات و السكنات فتكون تموجات النغم منتظمة متسلسلة ليس فيها اضطراب و لا نشاز و تمضي محتفظة بالرنين نفسه إلى نهاية القصيدة فكأننا حين نسمع إلى موسيقى منتظمة في اهتزازاتها وموجاتها الصوتية يضاف إلى ذلك أن انسجام الألفاظ بعضها مع بعض و دقة اجتماعها بعضها إلى بعض و يمنحها قوة ذاتية و يجعل لها من الإيحاء و التأثير ما لا يكون لها في الكلام غير الموزون .
إننا نتأثر بالموسيقى و نستجيب لها ، و الشعر تنظيم موسيقي للكلام ، فإذا سمعته الأذن شعرت بالطرب الذي تشعر به حين تسمع الموسيقى .
أما القافية فهي توضيح للإيقاع ، وتكرارها يزيد وحدة النغم ظهورا في الأذن فهي تثبيت للوزن بضرباتها المنتظمة ، والقافية هي اتحاد أواخر الأبيات في الحروف و الحركات .
و قد نشأ الشعر العربي منذ القديم ملتزما وحدة النغم و الايقاع إذ تشترك أبيات القصيدة في وزن واحد وقافية واحدة من مبدئها إلى نهايتها .
و قد رأينا الشعراء المجيدين تأتي قصائدهم على قافية تعطي رنيانا موسيقيا مناسبا لجو القصيدة و لعاطفة الشاعر وذلك لا يأتي عمدا ، وإنما يختار الشاعر بحاسته فنجد مثلا قصائد الرثاء تنتهي بحرف الدال المكسورة لأنها تعطي رنينا موسيقيا حزينا مثل قصيدة أبي العلاء المعري و قصيدة ابن الرومي ، وسار على ذلك الشاعر حافظ ابراهيم في قصيدته – في رثاء البارودي - وكذلك البارودي في رثاء زوجته يقول البارودي :
لا لوعتي تدع الفؤاد و لا يدي ***** تقوى على رد الحبيب الغادي
ويقول حافظ:
ردوا علي بياني بعد محمود ***** إني أعييت و أعيا الشعر مجهودي
و يقول المعري :
غير مجد في ملتي و اعتقادي ***** نوح بـــاك و لاترنم شــادي
و يقول ابن الرومي :
بكاؤكما يشفي و إن كان لا يجدي ***** فجودا فقد أودى نظيركما عندي
وقد ساعد العرب على وحدة القافية ما تتمتع به لغتنا من ثروة لغوية و اتحاد في صيغ الاشتقاق
و لقد كان لوحدة القافية أثر في بناء القصيدة إذ صار كل بيت له معنى مستقل عابوا الشاعر الذي يجعل البيت محتاجا لما بعده ليكمل معناه .
وقد خرجت على هذا النظام الموشحات في الأندلس ، لأنها كانت مطبوعة بطابع إقليمي ينزع إلى ثقافة أهل الأندلس و لأنها كانت تنظم للغناء بواسطة فرق غنائية يقوم المغني فيها بأداء فقرة ثم تتابعه المجموعة فقرة أخرى ، ولذلك اتخذت القافية في كل مقطع منها ، ولهذا لم تسر على نسق خاص و إنما تتبع طريقة الآداء ، وحينما ظهرت حركة التجديد في الشعر ثار الشعراء على وحدة القافية خوفا من تكلف كلمة لا تتماشى مع السياق أو الفكرة أو العاطفة .
و قد حاول بعض الباحثين أن يربط في الشعر بين موضوع القصيدة و بين الوزن الذي تنظم فيه فقالوا أن البحور ذات التفعيلات الكثيرة كالطويل و الكامل و البسيط و الوافر تتناسب بموسيقاها الممتدة الموضوعات الجدية كالفخر و المحاسمة و الدعوة إلى القتال وما إلى ذلك و لهذا كثر شعر القدماء على هذه البحور ، و أن البحور المجزوءة أو القصيرة تناسب الأغراض الخفيفة كالغزل و بعض الوصف و الموضوعات التي يتغنى فيها ، ولكن هذه الملاحظات جزئية و عامة على أن اختيار الشاعر البحر الذي ينشئ فيه قصيدته قد يصدر عنه تلقائيا ودون معاناة في أثناء عملية الخلق الفني .
و كذلك لاحظ بعض الباحثين نوعا من الارتباط بين حروف تجود في الشدة و الحرب وطلب الثأر و الدال في الرثاء و الفخر و الحماسة والباء في الغزل و الغناء و المدح و لكن هذه أيضا من قبيل الملاحظات الجزئية و لا تكفي لتحديد علاقة ثابتة بين الموضوع و القافية شأنها في ذلك شأن العلاقة بين البحور وموضوعات القصائد .
أبو رائد
22-08-2010, 06:46 PM
الموسيقى الداخلية : الموسيقى الداخلية في الشعر هي التي يستجيب لها الشا عر في اختيار الألفاظ ذات الوقع الخاص ، وتأليفها في صوتية معينة ، فنحس حين قراءة فنه أن الشاعر يرجع نغما داخليا في أعماق وجدانه ، وهذا النوع من الموسيقى يختلف عن الموسيقى الظاهرة التي تحكمها قوانين الوزن و القافية ،لأن الأولى تحكمها قيم صوتية أوسع من الوزن و النظم وهي تساير الموضوع و تزيده ثراء من العاطفة و قوة في التأثير و نتيجة لها نحس هذا التفاوت في موسيقى الشعر بين اللين أو الشدة و الإيقاع أو الانخفاض و الطول أو القصر .
ومن الموسيقى الداخلية نوع خفي لا يدرك في يسر ووضوح و لكن نحس أثره فيما يشيع في النص من جو يلائم حالة الشاعر النفسية و يتواءم مع تجربته كالذي نحسه من الحزن الخافت و الألم المنغص و اتباع النفس في قصيدة " في سرنديب " للبارودي ومنه الجو المشحون بالحمية الملتهبة بنيران الحرب في قصيدة " إلى" طغات العالم " للشابي و قصيدة " نكبة دمشق " لأحمد شوقي . و يمكن تشبيه هذه الموسيقى بما يسمى الموسيقى التأثيرية التي نسمعها مصاحبة للمواقف المسرحية و مشاهدة الخيال للتعبير عن الأجواء المناسبة لهذه المواقف .
انتهى بحمد الله وعونه وللموضوع مراجع
عمر الدرويش
24-08-2010, 12:55 AM
موضوع جميل لمن أراد التنزه في أفنان الشعر والاستمتاع بهتانه ..
والخيال يا سيدي من أجمل النزهات التي يقضي فيها العقل أوقات ممتعة
وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، فالأمل خيال ..!!
ولكن يا أبا رائد
أليس الشعر ماعانق الشعور .. وغاص في القلوب .؟؟!!
بلى وألف بلى ..!!
ابتسـ ألم ـامة
24-08-2010, 01:36 AM
http://www.alraidiah.net/up/ar/alm1.gif
:101: هلا وغلا :101:
موضوع رائع
سلمت والله يعطيك العافية
دمتم بحفظ الباري
:101: وعلى الخير بإذن الله نلتقي :101:
http://www.alraidiah.net/up/ar/alm2.gif
كلمــات مـن ذهـب
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ)) .
إنّه أمرٌ نبويٌّ ، أكثروا ذكر هاذم اللذات ، مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات .
عش ما شئت فإنك ميت .
وأحبب ما شئت فإنك مفارقه .
واعمل ما شئت فإنك مجزي به .
عاشق القمم
26-08-2010, 04:26 PM
**
رآآآئع
لك الشكر والتقدير
تحيتي ..~:101:
**
~ ليل !
28-08-2010, 11:45 PM
. »
طرح رآأئع ومفيد للغآأيه
الله يعطيك العآفيه أستآذي
كل الشكر لك
« .
hamooood
29-08-2010, 01:06 AM
رائع جدا جدا جدا جدا
صانع الإبداع
29-08-2010, 02:02 AM
الله يعطيك العافية
ع الموضوع
شكرا لك
مجنونة .com
15-09-2010, 01:28 PM
شكرا لكم جميعا
ألف شكر للجميع
موفقين ومبدعين
دمتم بحفظ الله
~أصداف~
01-10-2010, 08:36 PM
.
.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
طرح قيّم ..
بارك الله فيك ..
لك الشكر ..|~
.
.
ليث العقيدة
21-11-2010, 09:43 AM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
أبو الوليد
21-11-2010, 07:33 PM
.
http://www.alraidiah.org/up/up/22951235720081217.gif
كلمات رائعة .. .. سلمت على الموضوع ....!!
والله يعطيك 100 عآفية .. ..!!
لآ حرمنا من كل جديدك المميز
::
:101: وفقك الباري :101:
http://www.alraidiah.org/up/up/22951247020081217.gif
:101: .. .. ومضـــــــــــــــــــــة .. .. :101:
من شجرة واحده تصنع مليون عود كبريت ..!!
ويمكن لعود كبريت واحد أن يحرق مليون شجرة ..!
لذلك
لا تدع أمر سلبي واحد يؤثر على ملايين الإيجابيات في حياتك .
~ نـ غ ـم !
21-03-2011, 09:37 PM
:
:
ـإألف شُكَر لكَ
طرح جداً رائع وّ مفيد ..*
سلمتْ يمينكَـ ..
لإأعدمنإأ هالطرح ..]
*
*انتقاء مميز>>>>>>>> الله يعطيك ألف عااافية *
vBulletin® v3.8.12 by vBS, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.