القهـــوة...........
الكافئين في القهوة عادة أم إدمان
قد يختل الإنسان نفسيا لسبب ما ، فبدلا من أن يوظف إيمانه بالله تعالى ، فيستعين بالصبر والصلاة ، تراه يهرب من حالته النفسية بعدم الصبر والصلاة ، فيتناول ما يسرع تثبيط الألم أو ما يزيد تنبيه الشعور بالغبطة أو النوم أو اليقظة ، فيواجه الاختلال باختلال اكبر في الحالة النفسية ، ولو انه استعان بالصبر قليلا لصرف عنه ما أصابه ، وما الكافئين في القهوة إلا مادة مثيرة للجهاز العصبي المركزي ، إلا أن التعود على ارتشاف فنجان من القهوة قد ينتهي بالإدمان النسبي ، الذي يختلف عن أشكال الإدمان الأخرى .
القهوة والراعي والراهب :
يعتبر نبات القهوة من النباتات حديثة الانتشار في قارتي أوربا وأمريكا ، و كانت بداية اكتشاف ذلك النبات في اليمن السعيد ، هناك عرف الراعي خالد أن قطيعه من المعز وهو يرعى الكلأ ، أنه رعى مع الكلأ أغصانا من شجيرات كانت تنتشر في المرتفعات ، فالمعز يفضل أغصان الشجيرات على نبات الأرض ، فهو من أسباب التصحر في كثير من مناطق العالم ذات المناخ الجاف ، لكونه سببا في زوال الشجيرات .
عرف الراعي خالد أن قطيعه أمضى ليله يقظا ، ما عرف طعم النوم في ليلة وأختها ، فأوجس في نفسه خيفة مما حصل لقطيعه ، فضرب الأرض باحثا عن مخرج لحيرته ، فلم يكن أمام حيرة نفسه إلا اللجوء إلى دور العبادة ، فالتقى هناك بالراهب فشكى إليه ما جرى ، فنصحه أن يعود إلى حيث رعى ، وان يعود حاملا معه غصنا من شجيرات كان قطيعه قد رعى ، فرجع إليه يحمل في يده غصنا فيه ثمار ناضجة حمراء اللون ، عندئذ امسك بها الراهب متفحصا والراعي منتظرا أن يفك له سر ما جرى ، نطق الراهب بقوله : إنه غصن نبات من منطقة فاقا بالحبشة ، فأطلق عليها اسم الكافي أي الكوفي عالميا والقهوة عربيا ، ومن ذلك الحين بدأت تلك النبتة في الانتشار من اجل ثمارها .
لقد كانت بداية القهوة في العالم العربي ، إذ استخدم ثمارها في تحضير ما عرف بالشراب الأسود ، وكانت نخبة من المتصوفة يتجرعونها رغبة في استمرار حالة اليقظة ، ومن ثم انتشرت في بيوتات لتقديم القهوة في مكة المكرمة عام 1430 م ، ومن ثم اشتهر بها الأتراك بعد احتلالهم مصر واسيا العربية ، وذلك باستخدامهم لثمار تلك النبة عام 1517 م ، ومنهم ومن العرب انتقلت نبتة القهوة وصناعة مشروبها إلى فينسيا عام 1615 ، وبعد نصف قرن من الزمان شوهدت القهوة في قاعة لويس الرابع عشر هدية من سفير تركيا ، وفي عام 1658 م نقل الهولنديون نبات القهوة من اليمن والحبشة إلى سيلان والهند ، ومن ثم نقلها الفرنسيون إلى جزر الانتيل ومنها إلى البرازيل عام 1727 ، فانحصرت تجارتها بيد الفرنسيين والأتراك ردحا من الزمان ، ومن ثم جاء دور الانكليز في نقلها إلى جاميكا.
شجيرة القهوة العربية في مرحلة الإزهار
الإنتاج العالمي من الكوفي :
قدر الاستهلاك العالمي من الكوفي نحو 6.5 مليون طن ، وان ما هو مستهلك في عام 2002 كان اقل مما هو منتج ، إذ قدر الإنتاج العالمي في ذلك العام نحو 7 مليون طن ،انه عدم التوازن بين المنتج والمستهلك ، فهو تراجع في الاستهلاك العالمي من ارابيكا وربوستا نتج عنه تراجع في سعر السوق ارابيكا وربوستا نحو اقل من نصف دولار في بورصة لندن ونيويورك ، مما سمح بتنظيم الكميات المدخرة في السوق العالمي ، وبالتالي المحافظة على سعر السوق ، إذ تقدم البرازيل ثلث الإنتاج العالمي من محصول البن ، ويتركز الإنتاج العالمي حول قيمة قدرها 6.5 مليون طن سنويا ، ويأتي من بعد البراز بل ( 2.2 مليون طن )فيتنام( 850000 طن ) وكولومبيا ( 660000 طن ) واندونيسيا( 376000 طن ) ثم المكسيك (319000 طن ) ، ويعتبر نوع الارابيكاArabica المحصول الشائع في المناطق المرتفعة ما بين المدارية في أفريقيا ( أثيوبيا- كينيا – زمبابوي ... ) وأمريكا الوسطى والجنوبية ( المكسيك – برازيل – كولومبيا – جامايكا ... ) واسيا ( الهند – فلبين ... ) أما روبستا Robusta فهو قد تأقلم مع السهول الدافئة والرطبة في فيتنام واندونيسيا وغرب أفريقيا
التركيب الكيميائي لحبوب الكوفي العربي
وتحولات التحميص :
تحصد الثمار وهي ذات مصراعين ، في كل حبتان ، فتجفف بأشعة الشمس أو تنقع للتخمر في الماء ، وذلك لإزالة القشرة ، ثم يحصل على حب الكوفي ، وتتركب حبة الكوفي ارابيكا من المواد السكرية 30 % والدهنية 12- 20 % والبروتينية 10% والماء 6-12 % وأشباه القلويات alcaloides ومنه الكافين 1.2 % في ارابيكا و 2.2 % في روبستا وأحماض وأملاح معدنية ، ومن ثم يشرع في تحميص حبات الكوفي( 185 درجة مئوية ) ، فيحصل لها تحولات ، منها تبخر قدرا كبيرا من الماء ، وتفاعلات كيميائية تعرف بتفاعلات ميارد Maillard بين الأحماض الامينية ( مكونات البروتين ) والمواد السكرية ، مما يؤدي إلى تضاعف نسبة المواد القابلة للتطاير داخل حبات الكوفي ، فإذا كانت المركبات العطرية في الحبة الخضراء تقدر بنحو 250 جزيء قابل للتطاير ، فالحبة المحمصة تحوي 900 جزيء ، بل أكثر من ذلك إذا ما سمحت تقنيات الكشف بمعرفتها ، وتنتج هذه التفاعلات أيضا مركبات متبلمرة melanoidines تكسب الحب الأخضر المحمص لونه البني .
إن تشكل بخار الماء وCO2 في حبات الكوفي خلال فترة التحميص ، سوف يجعل حبات الكوفي تحت ضغط كبير تنتهي الحبات بالانفجار ، مما يجعل عملية الطحن ميسرة ، فلقد كانت عملية التحميص تتم قديما في أوعية نحاسية ، إلا أنها تجري حاليا في محمصة اسطوانية تدور بانتظام تسخن فيها حبات الكوفي على درجة حرارة قدرها 240 درجة مئوية وذلك خلال فترة زمنية محددة قدرها 12 دقيقة وسطيا ، اقل من ذلك تكتسب حبات الكوفي الحموضة ، وتكون القهوة حمضية المذاق والمواد العطرية لا تتحرر كليا ، وأكثر من ذلك تنطلق المواد العطرية من الحبات كليا وتصبح القهوة مرة المذاق amer
فنجان من القهوة العربية
تعتبر مادة الكافئين من العقاقير الطبية ، وتستعمل مضادة للصداع ومحفزة للجهاز العصبي المركزي وعضلة القلب والجهاز التنفسي ومدرة للبول ومؤخرة للتعب ، و يحسن عند الرياضيين قدرتهم التنفسية وتحملهم للجهد ، ولذا فهو محظور عليهم لأنه من المواد المنشطة، وتوجد تلك المادة في معاجين التنحيف ، وذلك لكونها تمتص بسهولة من البشرة ، فتسهم في تحطيم المواد الدهنية المتراكمة في الخلايا الدهنية ، وتتثبت تلك المادة على مستقبلات الادينوزين ، فتنشط أنزيم تخريب الدهون .
فعل مادة الكافئين في بعض مراكز المخ العصبية
محققة ما يعرف بالإدمان النسبيdependence relative
إن التوقف الفجائي عن تناول القهوة ، يكسب المرء الشعور بالتعب وألام في الرأس ، وما سبب هذه الإعراض إلا الفطام ، وقد تستمر هذه الأعراض فترة زمنية تمتد من 24 ساعة إلى 48 ساعة بعد آخر فنجان تناوله الإنسان من القهوة ، وهذا يحصل لمن توقف عن تناول القهوة خلال إجازة نهاية الأسبوع أو خلال فترة الصيام أو نفاد مادة الكوفي لفترة قصيرة من الزمن بعد أن كانت تحمص وتطحن في المنزل .
إن التوقف عن عادة شرب القهوة لفترة قصيرة يفسر بالحرمان من الكافئين ، وهذا ينتج عنه تمدد في الأوردة الدموية في الدماغ ، ويصحب ذلك تزايد في الضغط داخل الجمجمة ، مما يكون سببا في معاناة الإنسان من الآلام في الرأس ، وهذا النوع من ألالم يؤدي إلى التبعية أو الخضوع أو الإدمان ، إلا انه إدمان من نوع آخر يختلف عن الإدمان الذي يولده النيكوتين أو الكحول أو بعض المخدرات . ولن يكون هناك ما يعرف بالتعود الحيوي أو الإدمان وإنما هو إدمان نسبي .