الاستسلام
أخذت عدتي ورحلت عبر أغوار نفسي .
مسترشدا بضوء خافت ينبعث من كوة تقع في نهاية جدار الزمن .
نسجت خيوط شبكة العنكبوت ، لأربط بين ضفتي كياني .
أقمت صلة مع عناكب المكان .
نستخلص الغذاء من أشعة الشمس المتسربة عبر شقوق الصرح الشامخ .
نرتوي بارتشاف حبات العرق المتناثرة على وجنتي الشفق البائس .
جدفنا بأجنحة الشقاء نغالب الأمواج الدروج .
نطت يدي اليمنى - بغتة - وهوت ،
تتبعها اليسرى رفيقة درب ،
تشق المجاهل المكشرة عن ضواحك ناتئة متبرجة .
لم تعد يدي .
استوحت هواجسي أنها استبدلت دراعي بصدغ منهك ، استوطن الرمس قبل أوانه .
لعلها ضاقت من طول إصغاء وعناء .
شربت الظلال ثم تجرعت معي الدارس من الكآبة الظلماء .
زارني فقدها .
مر بي متفقدا .
أيقظ أوجاعا سرت في جوانحي تيارا حارقا بلا لهيب ولا هابية .
سمومها يدرو رمادي فوق رؤوس الشوامخ .
يسقي - على مهل - بدمي حقول الزقوم الطافح .
مزقت ليالي اللظى أشلائي .
حولتها هباء تسوقه الرياح ، ليشهد مجزرة انتحار الأمواج بين يدي الرضام الصماء .
سحوب هبائي تراكمت ،
شكلت سفحا قاتما مدلهما ،
تكسوه أردية السراب الخادع .
ظللت أسرابه مخيلتي ردحا ،
تاهت عناكيبها بسماء رسمتها بحبر التيار الذي عبرني ،
تجاوزني .
تدفق مطرا غزيرا تهاطل من منابع جسمي .
سقى دوحة الروح التي نمت وترعرعت على جبيني .
طفقت واجما .
أحدث بصمتي الدجى .
أحاور حفيف الخمائل المعانقة لباحة فكري .
أرتب أحلام المارين .
أرمم طين الخطوات .
أحفز هواجسي .
أخضبها بحناء العرس المقام على حافة قبري .
أنظف وجوه القمر المشظى بنحيب البراءة .
أرعى الليل الذي نام في كفي واسترسل يئن بغطيط متعب .
كسر هدوء ليلي البهيم صوت رافق غطيطه .
نفذ عبر التصدعات التي انتابت جدار نفسي الهرم.
تخللته ومضات نافذة تضيئ أغوار نفسي .
استمرالترنيم المدوي .
توالت الرسائل الوامضة بوتيرة متصاعدة باطراد .
اختنقت العناكيب واختفت.
انسحبت أسراب الطيور وولت .
اختلطت الأصوات وتعانقت .
يتناهى إلى سمعي ،
مزيج من النواح والتهليل والزغاريد ،
لم أعد قادرا على التمييز ...
ولا على التقدير...
ألازم كوة المكان ،
أختفي خلف أشباح شبيهة مهجورة .
أحتمي برداء الوجوم .
أحكم إغلاق منافذ الحواس من جسدي .
أستسلم قسرا
للنوم العميق .