سعادة .. ماذا يعقبها ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ما أجمل الإنسان أن يُشارك الآخرين أفراحهم في مختلف المناسبات التي يلبون دعوتها , فما إن يصل خبر الدعوة , إلا وحالة من الاستنفار تجتاح المدعويين , وما أن ينتهون من جمع المعلومات عن هذه المناسبة , إلا ورحلة الشقاء تبدأ باقتحام الأسواق لاختيار ما يُناسب هذه الدعوة من الملابس وبقيّة الكماليات , وهذا شيء لا بأس به رغم الاعتراف في قرارة النفس بتحميل كاهل ربّ الأسرة الكثير من النفقات التي لا طائل منها , والإصرار تظاهرياً بأنّ هذا من الواجبات المحتّمة عليهم .
تكتمل التجهيزات لهذه المناسبة أو غيرها , والكلّ يبدأ في كامل أناقته سواءٌ من الرجال أو النساء , وهذا أيضاً مطلب مهمّ جدّاً , فهناك حفل سيضمّ عدداً كبيراً من الناس , إلا أنّ ما سيرتديه الرجال في هذه المناسبات , لا يُقاس بما سيرتدينه النساء , وخصوصاً من ناحية التكلفة الماديّة , وهذا امرٌ مسلّم به , ولا يُعتبر شُغلاً شاغلاً لهم , فقد يرتدي الرجل الملابس نفسها لأكثر من مناسبة , ولكنّ الأمر هنا يختلف بالنسبة للنساء , وهو محور مقالي لكم في هذا الموضوع .
هناك مفارقات تحصل عادةً , فعند انتهاء النساء من التسوّق واقتناءهنّ لكلُّ الأغراض المخصّصة لهذه المناسبة , نجد أنّ نشوة الفرح تستشري في نفوسهنّ , والبسمة تعتلي محياهنّ , والسرور يعمّ جميع أفراد الأسرة في مشاعر وجدانيّة , نتيجة الانتهاء من رحلة الشقاء المتعاقبة بين المنزل والأسواق , بل وأنّ تلك الأيام يقضيها الجميع بارتياح تامّ , وخصوصاً أنّ المظاهر أصبحت من أولويات اهتمامهنّ , وقد يكون حضورهنّ في كامل زينتهّن وعرضها على الأخريات من النساء , أهمّ من المناسبة نفسها , وكلّ هذه الاستعدادات وما يتكبّده الجميع من المتاعب في سبيل حضورها , لا تكون هذه الاستعدادات إلا لمناسبة واحدة فقط , وسوف يتكرر السيناريو لكلّ مناسبة لاحقة , حتى وإن كان لا يفصل بينهما سوى أيامٍ قليلة , فهنا نجد أنّ الخِزانات في المنازل قد اكتضّت بمختلف أنواع الملابس والكماليات الأخرى , فلماذا كلُّ هذا ؟
الجواب لايخفى على الجميع , وهي المقولة الشهيرة المتداولة بين النساء على مختلف الأعمار (( لا يُمكن إعادة لبس هذا الزيّ , فقد شاهدوني أرتديه في مناسبة سابقة )) , وهذا هو السبب الرئيسي من وجهة نظرهنّ , ولكن في حقيقة الأمر هو ليس كذلك , فكثير من النساء يعتزمنّ حضور مناسبة أخرى بنفس الزيّ , وما أن تمتدّ يدها لترتديه , إلا وتشعر بالضيق وعدم الارتياح , وإن ضغطت على نفسها وتمكّنت من ارتداءه , فستشعر بعدم الثقة بنفسها , والشّك في أناقتها .
يستعّد الجميع لحضور المناسبة المعنيّة , ويتمّ الحضور بنفوس طيّبة وارتياح تامّ , وشعور بالسعادة الغامرة , ويتربّع على قمّة هذه الأحاسيس انتظار ردّة الفعل من الأخريات عن جمال أناقة المظهر في اللباس وبقيّة الكماليات الأخرى المكمّلة لهذا المظهر .
وما أن تنتهي المناسبة , ويعدّن أدراجهنّ إلى منازلهنّ , إلا ونفوسهنّ قد انقلبت من سرور وفرح إلى همٍّ وكدر , ومن إعجاب بالملابس إلى كرهٍ , ومن تودّد بالزوج إلى ابتعاد وتنافر , ومن راحة نفسية إلى قلق واضطراب , كل هذه المتغيّرات تحدث فجأة , وما يترتّب عليها أدهى وأمرّ , فقد يصل الأمر إلى الانفصال بين الزوجين , فضلاً عن كثير من الأمراض التي تقلب حياة بعض الأسرّ رأساً على عقب , وما يليها من هموم وأحزان , والبحث عن طرق ووسائل للتداوي من كلِّ ذلك .
إنّ هذه المفارقات نتيجة أسباب كثيرة جدّاً , لعلّ أهمّها هو الغفلة عن الآداب الإسلامية في التعامل مع كلّ ما نؤديه في حياتنا من مختلف الأفعال , ففي هدي النبي صلى الله عليه وسلم , الخلاص من منغّصات الحياة وكدرها .
نحن ننعم بحياتنا ولله الحمد في رغدٍ من العيش , ولكن العين حقّ , والحساد كثيرون , والابتعاد عن التحصين وذكر الله , والتحدّث عن النفس أمام الآخرين بحسن نيّة , كلّها عوامل تؤدي إلى النتائج العكسيّة التي تعقب المناسبات , فكم من حالات مأساوية حصلت لكثير من النساء , وخصوصاً عندما تُصبح هذه المناسبات ميداناً للانتقام من بعضهنّ البعض , باستخدام السّحر , دون خوفاً من الله , وإشباعاً لغريزة الحقد والحسد المتأصّلة في نفوس دنيئة أضحت أسيرة للشيطان يديرها كيف شاء .
حديثي عن الأزياء وهذه المناسبات مجرّد مثالاً لحالات كثيرة يتعرضنّ لها النساء , وما ذكرته أيضاً لا ينطبق على جميع النساء , فهناك الكثير من النساء ممن يُغبطن على استقرار حياتهنّ , وإن كان ذلك على حساب مشاعرهنّ , فقد آثرنّ التضحية بهذه المظاهر , على أن يجنين في النهاية العواقب السليمة .
كلّ مظاهر الإسراف لحضور المناسبات أصبحت من المؤرقات لكلِّ امرأة ضعفت أمام إشباع رغباتها , في لحظات تفقد فيها السيطرة على كبح جماح هذه الرغبات , وعندما يعلمنّ وبقناعةٍ بأنّ كلّ هذه المظاهر تتلاشى في حينها , وما يعقبها اسوأ بكثير , لوجدنّ أنّ حياتهنّ ستكون أكثر استقراراً وراحة .
التحصين ثمّ التحصين , وكلها أمورٌ سهلة وفي متناول الجميع , ويقع على الآباء مسئولية كبيرة جدّاً في تحصين أفراد الأسرة , وتذكيرهم بذلك , مع أمنياتي بأوقاتٍ سعيدة عامرة بالفرح والسعادة للجميع , وأنني إذ استقطع جزءً ثميناً من أوقاتكم في قراءة الموضوع بعد أن أطلتُ عليكم ,
أرجو قبول تحياتي .