منسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه
الله تعالى
إلى فضيلة الشيخ سعد بنعبد الرحمن الحصين حفظه
الله تعالى
برقم 414/خ المؤرخ 11/4/1408هـ
بسم اللهالرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلةالشيخ سعد بن عبد الرحمن الحصين وفقه الله لكلمته الحق في الغضب والرضا, وأعاذناوإياه من شرور النفس والهوى, آمين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أما بعد:
فقد وصلني كتابك المؤرخ 3/3/1408هـ، ومشفوعاته كتابك لفضيلة الشيخ أبي بكرالجزائري, وفضيلة الشيخ يوسف الملاحي, وما أرفقت بهما، واطلعت عليها كلها .
ولاأكتمك سراً إذا قلت إني لم ارتح لها ولم ينشرح لها صدري، لأن هذه الطريقة التي سلكتلا تفيد الدعوة شيئاً، لأنها تهدم ولا تبني, وتفسد ولا تصلح، وضرها أقرب من نفعها,ولم يعد ضررها إلا على الدعوة وعلى إخوانك في الله من خيرة المشايخ وطلبة العلم, نشأوا على التوحيد والعقيدة الصحيحة علماً وتعليماً ودعوى وإرشاد, وقد استغلها من لابصيرة له في مناصبتهم العداء وتكفير بعضهم لهم، واستباحة بعضهم لدمائهم، والعياذ باللهّ مع الوشاية بهم, واستعداء المسؤولين عليهم, وتهويل أمرهم عندهم, وتخويفهم منهم, ورميهم بالعظائم، وإلصاق التهم بهم مما هم برآء منه، حتى حصل على الدعوة والدعاة منالضرر ما الله به عليـم، أما من أقمتم الدنيا وأقعدتموها من أجلهم, فينطبق عليكم قولالشاعر:
وناطح صخرة يوما ليوهنها… فلم يضرّها وأوى قرنه الوعل
لكونهمبمنأى عنكم في بلادهم سائرين في دعوتهم في حماية من دولتهم لاحترامها لهم, لأنكذكرت في بعض كتابتك لنا أن رئيس الحكومة يحضر اجتماعاتهم ويشجعهم .
كما ذكر لناهذه الأيام بعض أبنائنا المتخرجين من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية ممن شاركهمفي الدعوة سنين طويلة، أن مركزهم في رايوند مفتوح 24 ساعة، وجماعات تخرج في سبيل الله، وجماعات ترجع .
فما دام الأمر هكذا فلن تخضعهم كتاباتك وكتابات أمثالكالمشتملة على الفظاظة والغلظة والسب والشتم, بل أن هذه الكتابات ستكون سببا فينفرتهم من الحق وبعدهم عنه، لقول الله سبحانه لنبيه محمد رسول اللهالذي أدبه ربه فأحسنتأديبه: (فبما رحمةمن الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)،وقول النبي: “إن الله رفيق يحب الرفقفي الأمر كله”, و”إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شأنه”, ” ويعطي على الرفق مالا يعطى على العنف ولا على ما سواه.”
والله سبحانهوتعالى نهى عن سب الكفار إذا كان يفضي إلى سب الله، فكيف بسب المسلمين إذا كان يفضيإلى تنفيرهم من الحق وبعدهم عنه وعن الداعين إليه ؟
فالواجب أن تسعوا في الإصلاح،لا في الإفساد وأن تخالطوهم وتنبهوهم على ما قد يقع من بعضهم من الخطأ بالرفقواللين، لا بالعنف والقسوة .
أما تشديدك في إنكار البيعة على التوبة فقد اقترحتعلى قادتهم لمّااجتمعت بهم في موسم الحج الماضي بمكة، وحصل بيني وبينهم من التفاهمما نرجو فيه الفائدة، أن يكون عهداً بدل بيعة، فقبلوا ذلك ولعلهم تعلقوا بما قررهشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجزء 28 ص21 من الفتاوى من عدم إنكارذلك.
وكذلك تشديدك النكير عليهم في إبقائهم أحد الدعاة في المسجد للدعاء لهم،ولعل قصدهم الاقتداء بالنبيحين بقي في العريش يوم بدر مع الصديق يناشد ربه النصر حتى سقط رداؤه عنمنكبيه، فرده الصديق وقال:” يا نبي اللهكفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك “.
وقد تمنيت أنك قبلت نصيحتي المتكررة لك، وما أشرت به عليك سابقاًولاحقاً في كتبي المرفق بعضها مع بعض صور، مما صدر منك في الموضوع لأني كتبتها عنبصيرة وتأني ونظر في العواقب وموازنة بين جلب المصالح ودفع المضار، وخبرة تامة بهملتكرر اجتماعي بهم في مكة والمدينة والرياض مع ما استفدته من ثقات المشائخ الذينسافروا إليهم وحضروا اجتماعاتهم واطلعوا عليها عن كثب واعجبوا بها .
وكنت نصحتكبما نصحت به محمود إستانبولي لمّا تهجم عليهم على غير بصيرة, كحال أكثر من شنّ عليهمالغارة في هذا الوقت بدافع الجعل والهوى، نعوذ بالله من ذلك .
وقد قلت في رسالتك المذكورة لمحمود:” وصلتني رسالة منك حول جماعة التبليغ, ويؤسفني أن ينهج أحد الدعاة إلى الله هذا المنهج المخالف لشرع الله في سب أقرانه في الدعوة إلىالله وشتمهم وتضليلهم واتهامهم بتنفيذ مخططات أعداء الله في الكيد للإسلام والمسلمين .
كل ما في الأمر أن جماعة التبليغ نهجت في الدعوة إلى الله منهجاً،أخطأت (فيما نرى) في بعض جوانب منه، ونرى من الواجب أن ننبههم على هذا الخطأ، كمانرى من الواجب الاعتراف بما في منهجهم من صواب.وليت أخي ! يخرج معهم ليتعلم منهم اللين بدل القسوة، والدعاء للمسلمين بدل الدعاء عليهم، والجدال بالتي هي احسن بدل الجهر بالسوء، وكلنا محتاج لتفقد نفسه وتصحيح منهجه والرجوع إلى الله وإلى سنةرسوله في طاعة الله والدعوة إليه”, انتهى كتابك بحروفه .
وقد كتبته قبلاختلافك معهم في الرأي, ولكن الله أنطقك بالحق فالحمد لله على ذلك, وإليك رسالتكالمذكورة مع شكرنا لك عليها برفقه، وربما اغتر بكتاباتك القاسية ووثق بك، من لميخالطهم في عمره ولم يخرج معهم ولم يعرف عنهم شيئاً إلا من كلامك, فيكون عليك وزركومثل أوزار من انخدع بما كتبت إلى يوم القيامة. فاتهم الرأي يا بني ! واعلم أن اللهعند لسان كل قائل وقلبه، وأن الله سيحاسب الإنسان عما يلفظ به أو يعمله، والجأ إلىربك واضرع إليه أن لا يجعلك سبباً في الصد عن سبيله وأذية المسلمين .
وأسألالله عز وجل أن يشرح صدرك لما هو الأحب إليه والأنفع لعباده, وأن يختم لي ولك بالخاتمة الحسنة إنه جواد كريم,
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوةوالإرشاد