[align=center][table1="width:80%;background-color:black;"][cell="filter:;"][align=center]
رابعه العدوية العابده الزاهده
إنها رابعة بنت إسماعيل العدوية، وُلدت بالبصرة لرجل فقير صالح، ومات أبواها، وتركاها صغيرة.
و مرة قالت لأبيها: يا أبتِ، لستُ أجعلك في حلٍّ من حرام تطعمنيه. فقال لها: أرأيت إن لم أجد إلا حراما؟ قالت: نصبر فى الدنيا على الجوع، خير من أن نصبر في الآخرة على النار
انصرفت رابعة بعد ذلك للزهد والعبادة وقراءة القرآن، وظل ذلك دأبها طوال عمرها.
زهدها وورعها
وجاء أحد التجار يطلبها للزواج، فقال لها: إنني أربح في اليوم ثمانين ألف درهم وأنا أخطبك لنفسي. فقالت له: إن الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن، والرغبة فيها تورث الهم والحزن. صُم دهرك، واجعل الموت فطرك، فما يسرني أن اللّه خولني أضعاف ما خولك، فيشغلني به عنه طرفة عين، والسلام.
وعندما أتى رجل إليها ليعطيها أربعين دينارًا وقال لها: تستعينين بها على بعض حوائجك. بكت، ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت: هو يعلم أنى استحي منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها، فكيف أريد أن آخذها ممن لا يملكها؟ يا هذا وما ترى من سوء حالي؟! ألستُ على الإسلام؟! فهو العز الذي لا ذُل بعده، والغنى الذي لا فقر معه، والأنس الذي لا وحشة معه. فقام الرجل وهو يقول: ما سمعتُ مثل هذا الكلام. فقالت له: إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكلُّ، وأنت تعلم فاعمل.
قال خالد بن خداش: سمعت رابعة صالحا المري يذكر الدنيا في قصصه فنادته: يا صالح, من أحب شيئا أكثر من ذكره.
واستأذن ناس على رابعة وفيهم سفيان الثوري فتذاكروا عندها ساعة وذكروا شيئا من الدنيا فلما انصرفوا قالت لخادمتها:إذا جاء هذا الشيخ وأصحابه فلا تأذني لهم فإني رأيتهم يحبون الدنيا.
عبادتها وبكاؤها
روى ابن الجوزي بسنده إلى عبد الله بن عيسى انه قال: دخلت على رابعة بيتها فرأيت على وجهها النور وكانت كثيرة البكاء فقرأ رجل عندها آية ذكر فيها النار فصاحت ثم سقطت.
ودخلت عليها وهي جالسة على قطعة بوري خلق فتكلم رجل عندها بشيء فجعلت اسمع وقع دموعها على البوري ثم اضطربت وصاحت فقمنا وخرجنا.
وروى ابن الجوزي بسند له متصل إلى عبدة, خادمة رابعة العدوية, قالت: كانت رابعة تصلي الليل كله, فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر, فكنت اسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي فزعة: يا نفس إلى كم تنامين؟ والى كم تقومين؟ يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور وكان هذا دأبها دهرها حتى ماتت.
وقال لها رجل: ادعي لي, فالتصقت بالحائط وقالت: من أنا يرحمك الله ,اطع ربك وادعه فانه يجيب دعوة المضطر.
وقالت لها امرأة: يا رابعة، إني أحبك في اللّه. فقالت لها: فلا تعصي وأطيعي من أحببتني فيه.
وكان سفيان الثوري يقول: مروا بنا إلى المؤدبة التي لا اجد من أستريح إليه إذا فارقتها,
وقال عندها يوماً سفيان الثوري: وا حزناه فقالت: لا تكذب بل قل: وا قلة حزناه.
لو كنت محزوناً لم يتهيأ لك أن تتنفس.
وروي أنها سمعته مرة يقول: اللهم إنا نسألك رضاك. فقالت: أما تستحي أن تسال رضا من لست عنه براض.
وكانت تقول: ما ظهر من أعمالي لا أعده شيئاً.
وقيل لها: هل عملت عملًا ترين انه يقبل منك فقالت: إن كان فمخافتي أن يرد علي.
ومن أقوالها المأثورة
أستغفر اللَّه العظيم من قلة صدقي في قولي أستغفر اللَّه.
كلوا خبز الدنيا واعملوا للآخرة.
مُحِبُّ الله لا يَسْـكُنُ أنينُه وحنينُه حتى يسكن في جنة محبوبه.
وكانت توصى الناس بقولها: اكْـتُمُوا حسناتِـكُمْ كما تكتمون سيئاتكم.
قالت رحمها الله:
"ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي"
فنسبها بعضهم إلى الحلول بنصف البيت والى الإباحة بتمامه.
وقال الذهبي رحمه الله منصفا : فهذا غلو وجهل, ولعل من نسبها إلى ذلك مباحي حلولي ليحتج به على كفره كاحتجاجهم بخبر :" وكنت سمعه الذي يسمع به"
وفاتها
لما حضرتها الوفاة دعت خادمتها وقالت: يا عبدة لا تؤذني بموتي أحدا وكفنيني في جبتي هذه "جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون" قالت: فكفناها في تلك الجبة وفي خمار صوف كانت تلبسه.
توفيت رحمها الله في سنة خمس وثلاثين ومائة.
[/align][/cell][/table1][/align]