باب ما جاء في التغني بالقرآن
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن وفي رواية :
لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به أخرجاه.
وعن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
ليس منا من لم يتغن بالقرآن رواه أبو داود بسند جيد .
هذا الباب هو آخر الأبواب، وفيه الحث على تحسين الصوت بقراءة القرآن الكريم، وإذا قيل تحسين الصوت لا يدخل في ذلك التكلف المنهي عنه من التقعر والتنطع في ألفاظ القرآن الكريم لحروفه وإخراجها عن مخارجها الصحيحة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ومعنى: ما أذن، أي ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن، هذا معنى الحديث، دل على ذلك قوله في الحديث: يجهر به، جاء في بعض الروايات أي يتلوه ويجهر به، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء عليهم السلام، لما قال ما أذن الله لنبي، يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت وحسن الكمال لكمال خلقهم وتمام خشيتهم لربهم وذلك هو الغاية، فالأنبياء أعطاهم الله صوتا حسنا لتلاوة القرآن الكريم، والله جل وعلا يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم كما قالت عائشة رضي الله عنها عند البخاري: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين هي أعظم، ثم استماعه لصوت أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، أبلغ وأشد وأعظم كذلك أبلغ وأعظم كما دل عليه هذا الحديث، يدل على كمال الأنبياء وتمام خشيتهم لله تعالى.
ويدل على ذلك أن الله تعالى يقول:
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ
فهو سبحانه مطلع على عباده ويسمع أصواتهم كلهم دقيقها وجليلها سرها وعلانيتها، أحاط علمه بكل شيء ووسع سمعه الأصوات، والإذن هنا بمعنى قيل أيضا الأمر ولكن الصحيح هو الأول، الأول هو الصحيح وهو السماع، ما هو القرينة ؟ القرينة قوله: يجهر به في الحديث، قال: يجهر به، يدل على أنه يستمع لقراءته، ودل على ذلك أيضا قوله تعالى : إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ وأذنت هنا استماع فالإذن هنا بمعنى الاستماع ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ وحق لها أيضا أن تستمع، والتغني الوارد في الحديث كما فسره سفيان بن عيينة المراد به الاستغناء بالقرآن عن غيره، والاستغناء أيضا بالقرآن عن أعراض الدنيا، ويدخل في ذلك أيضا تحسين الصوت بالقرآن الكريم، يسعى الإنسان في تحسين صوته وترتيله وقراءته ؛ لأن الله تعالى يقول: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا فتحسين الصوت بالقرآن الكريم جاء الأمر به في حديث زينوا القرآن بأصواتكم أو زينوا أصواتكم بالقرآن فالمؤمن القارئ يسعى إلى تحسين صوته بالقرآن الكريم، ويحاول أن يسعى إلى إخراج الحروف من مخارجها الصحيحة ويكمل الصفات ويؤدي الأحكام ويحرص على حسن الأداء، لكن لا يخرج عن الحد المعقول والمطلوب فيقع في الألحان المحرمة أو فيما يتعلق بالطرب بالأصوات.
وبهذا هناك مسألة يعني يكثر السؤال فيها وهي القراءة بالألحان، فهذه من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء، قد ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، والعلماء فيها على ثلاثة أقوال، قراءة القرآن بالألحان:
الأول: القول الأول أجاز بعضهم تلحين القرآن ولو بالغ الإنسان في ذلك لكن لا يخرج القرآن عن صيغته وصفته وألفاظه وحروفه، أجازوا المبالغة، وهذا فريق من الأحناف أجازوا المبالغة بالقراءة بالألحان.
والثاني: قالوا يكره تلحين القرآن تلحينا غير مفرط، يكره ؛ لأنه قد يترتب على ذلك إخراج القرآن إخراج حروف القرآن عن مخارجها الصحيحة، وهذا قول مالك وقول أحمد وهو القول الظاهر.
الثالث: أنه يستحب تلحين القرآن تلحينا غير مفرط بحيث لا يخرجه عن صيغته، وهذا قال به بعض الفقهاء والمتأخرين، والمختار في هذه المسألة أن قراءة القرآن تقرأ بالألحان بقدر معلوم وليس بتكلف قوي، والمقصود بالقدر هو إعطاء الحروف حقها ومستحقها من المخارج والصفات ومعرفة المواقف موقف الآية والابتداء فيها، ولا أن يكون فيها تكلف أيضا ولا خروج عن الحد المعقول في القراءة، قالوا: وذلك إذا قصد به الاتعاظ والاعتبار وتقريب قلوب الناس إلى القرآن الكريم حتى يتأثروا به أيضا فيكون سبيلا لأن يعملوا به، وأما إذا قصد بالتلحين في القراءة الاهتزاز واعتلاء الصوت وخفضه ورفعه بقوة، وكذلك الطرب والأصوات التي تحدث بعد القارئ بالتكبير أو التهليل أو الإعجاب أو غير ذلك فهذا لا يجوز، هذا محرم هذا لا يجوز، ولكن إذا قصد بذلك الاتعاظ والعبرة وتقريب قلوب الناس وتأثير الناس، وقد أعطى الله هذا القارئ صوتا حسنا وتأثيرا في قراءته فإذا قرأ على من حوله بقراءة فيها لحن باعتدال واتزان وتوسط فهذا لا بأس به كما أشار إلى ذلك ابن القيم في زاد المعاد.
وبهذا نصل إلى ختام الكتاب نسأل الله تعالى أن يختم لنا بخير، وأن يجعل مآلنا إلى خير، وأن يرزقنا الرحمة فهو خير الراحمين، وأن يحفظنا وهو خير الحافظين، وأن يسلك بنا صراطه المستقيم، وأن يجعلنا هداة مهتدين واقفين عند حدود ربنا لا معتدين متبعين لسنة نبينا لا مبتدعين، ونسأل الله تعالى أن يمن علينا برحمة يهدي بها قلوبنا ويلم بها شعثنا ويرحم بها ضعفنا ويدفع بها الفتن عنا إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أحسن الله إليكم سائل يقول: نرجو بسط الكلام في مسألة الأحرف السبعة، وهل هي موجودة الآن ؟ وما هذه الروايات السبع ؟
الكلام على الأحرف السبعة يكون عند قول النبي عليه الصلاة والسلام : أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه وهذا من الأحاديث المشكلة عند أهل العلم، بعضهم لم يصل إلى جواب في هذا المعنى حتى إن السيوطي وصل فيها إلى اثنين وثلاثين قولا وكذلك ابن الجزري في النشر في القراءات العشر، وقوله عليه الصلاة والسلام : أنزل القرآن على سبعة أحرف يعني أن المراد بذلك كما قال الطبري: سبع لغات من لغات العرب، والعلماء اختلفوا في هذا اختلافا كبيرا جدا البسط فيه يطول، والأحرف السبعة لم يجمع الصحابة رضوان الله عليهم في تدوين المصحف إلا على حرف واحد من هذه الأحرف السبعة كما قلت لكم ونحن نقرأ بقراءة واحدة من القراءات السبع التي هي حرف من الأحرف السبعة، ولكن قد يشكل القراءات السبع مع الأحرف السبعة.
وهذا قد لام العلماء ابن مجاهد عندما ألف كتابه السبعة بسبعة قراء وهم نافع إلى أن ينتهي بالكسائي، قال: يا ليته زاد أو نقص عن هذا، يقول ابن الجزري من العلماء يقول: يا ليته زاد أو نقص، يعني جاب ثمانية قراء أو ستة قراء حتى لا يتوافق اللفظ مع الحديث فيشكل حينئذ، حتى إن بعض الناس ظن أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع وهذا خطأ وغلط لا يصح، القراءات السبع هي حرف من الأحرف السبعة، وأما الأحرف الستة الباقية فكما يقول العلماء إن عثمان رضي الله عنه أحرق تلك المصاحف ولم يبق منها شيء، والناس الآن يقرؤون على حرف واحد سواء قرؤوا بقراءة نافع أو ابن كثير أو قرؤوا بقراءة أبي عمرو أو نافع أو ابن عامر أو قرؤوا بقراءة حمزة أو الكسائي أو عاصم فهذا حرف من الأحرف السبعة .
أحسن الله إليكم يقول السائل: ما حكم القراءة بالمقامات مثل ما يسمى الرست نهاوند وغيرها من مقامات ؟
هذه أدخلوها في الألحان أيضا وهي مصطلح جديد، ما يسمى بالمقامات، يعني: الذي يرفعون أيديهم في المدود ويخفضون كما يفعلون أحيانا أصحاب الموسيقات يتعلمونها الذين يرفعون أيديهم كذا وكذا هذه في المدود وغيرها هذه التي لا ينبغي فعلها، هي لا تأتي بتعلم ولا بتكلف وإنما تأتي بالصوت والقراءة فلا يتعلم هذه الألحان، يتعلمها في أماكن مخصوصة ومعاهد معلومة ويقرأ فيها هذا، قد يخرج القرآن عن هيئته وصورته ويبعد الفائدة والمنفعة فيتأثر الإنسان بالصوت ولا يتأثر بالقرآن، بالمدود ويتأثر بالألحان التي يلحن فيها هذا القارئ، وأقول لا بد أن يؤخذ من هذه الألحان بقدر معلوم وليس بزيادة تخرجها عن حدها .
أحسن الله إليكم يقول: كيف يكون هناك بدعة حسنة لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه نعم البدعة ؟
العلماء قالوا إنه يريد المعنى اللغوي ولا يريد المعنى الشرعي في هذه المسألة، من حيث اللغة وليس من حيث الشرع، وإلا كل البدع ضلالة كما عمم النبي عليه الصلاة والسلام قال : كل بدعة ضلالة هذا من حيث المفهوم اللغوي يصح أن يقال هذا .
سائل يقول: أحسن الله إليكم كيف يكون المؤمن مستحيا من الله حق الحياء ؟
الاستحياء من الله أن يحفظ نفسه من الوقوع في المحارم والمعاصي، ما هو تعريف الإحسان ؟ الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فإذا حدثتك نفسك بمعصية فتذكر العليم الخبير، وما الذي منع يوسف عليه السلام من الوقوع بالمعصية إلا حياؤه وخوفه من الله تعالى، وقد قال تعالى، ومن وقع في معصية فعليه أن يتذكر ربه وأن يتذكر قول الله تعالى : وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ختمها بالسمع والعلم، قال إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ يراك ويطلع على أحوالك الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ فرق بين من يفعل المعصية في مكان خال، وبين إنسان يذكر الله في مكان خال، فهذا من السبعة الذين أظلهم الله : ورجل ذكر الله ففاضت عيناه من البكاء ليس عنده أحد خاليا، فليتذكر الإنسان نفسه وليتذكر أن الله مطلع على أحواله، هذا هو الحياء الذي يمنع الإنسان، والحياء شعبة من شعب الإيمان .
أحسن الله إليكم، سائل يقول: هل هناك شروح على هذا المتن ؟
فيما أعلم الإخوان لم يذكروا لي شيئا ولم أقف على شيء في هذا ونكتفي بهذا القدر وصلى الله وسلم على نبينا محمد
من كتاب فضائل القرآن
لـ د كـتور: عبدالله بن عبد الرحمن الشتري