الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فمما ينبغي على المؤمن أن يحرص عليه هو اغتنام الأوقات قبل الفوات فالأيام أنفاس معدودة وآجال محدودة فالسعيد من عمرها بطاعة مولاه والشقي من مات وهو مفرطاً في أمر أخراه ، ومما يجدر بالمؤمن المتبع لنبيه المحب لهديه أن يحرص على ما كان يحرص عليه من "غفر الله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر" r ، وفي هذه الأيام نستقبل يوماً هو من خير الأيام عند الله وهو يوم عاشوراء ويتعلق به أكثر من موضوع وهنا باذن الله سنتكلم عن "الموضوع الأول" وهو على فقرات كما ترى :
الفقرة الأولى : سبب صيام يوم عاشوراء.
عَنْ ابْن ِعَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ" رواه البخاري.
قوله : "هذا يوم صالح" وفي رواية مسلم " هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه".
قوله : ( فصامه موسى ) وفي رواية مسلم " شكراً لله تعالى فنحن نصومه".وفي رواية للبخاري " ونحن نصومه تعظيما له".
قوله : ( وأمر بصيامه ) وفي رواية للبخاري أيضا : " فقال لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا ."
الفقرة الثانية : فضل صيامه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم عاشوراء ؛لما له من المكانة ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَارَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ . " رواه البخاري.ومعنى " يتحرى " أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
وفضل صيام يوم عاشوراء أنه يكفر السنة الماضية لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَالَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " رواه مسلم.قال ابن حجر في فتح الباري: (وظاهر أن صيام عرفة أفضل من صيام عاشوراء، وقد قيل: الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل).
تنبيه:تكفير الذنوب الحاصل بصيام يوم عاشوراء المراد به الصغائر ، أما الكبائر فتحتاج إلى توبة خاصة بشروط التوبة المعروفة ومنها رد المظالم إلى أهلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ , وَالصَّلاةِ , وَصِيَامِ رَمَضَانَ , وَعَرَفَةَ , وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ . "الفتاوى الكبرى" .
وقال النووي رحمه الله:صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ , وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ , وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ... كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ , وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ , .. وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ , رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ . "المجموع شرح المهذب" .
الفقرة الثالثة : كيفية صيامه.
فقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه قال: " حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومعاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا كان العام المقبل إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواهمسلم، وعند الإمام أحمد في المسند، والبيهقي في السنن عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود: صوموا قبله يوماً، وبعده يوماً)، وعند الإمام أحمد أيضاً وابن خزيمة ( صوموا يوماً قبله أو يوماًبعده ) .
ومراتب صوم يوم عاشوراء ثلاثة كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد:
1- أكملها وأفضلها : أن يصام قبله يوم وبعده يوم.
2- أن يصام التاسع والعاشر.
3- إفراد العاشر وحده بالصوم.
تنبيه : وقد كره أبو حنيفة رحمه الله إفراد يوم عاشوراء بالصيام ، بل يصام يوماً قبله أوبعده واختار ابن تيمية أنه لايكره. والصحيح أن افراده بالصيام خلاف الأفضل والأَولى.
وبإذن الله للحديث بقية، والله أعلى وأعلم ونسبة العلم إليه أسلم وأحكم وصلى الله على نبينا وسلم.