الحمد لله ، هدانا للإسلام ، وعلَّمنا الحكمة والقرآن ،وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس ، وألبسنا لباس التقوى خير لباس . وأشهد أن لا إلهإلا الله وحده لا شريك له ، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ، شهادة أرجوا بهاالنجاة ، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم
وأشهد أنمحمداً عبد الله ورسوله ، وخيرته من خلقه ، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً ،وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، فهدى الله به أعيناً عمياً , وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً .
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه ، والتابعينلهم بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد :
فاتقوا الله أيها المسلمون
اتقوهتقوى رجل ، يريد الجنة ، والنجاة من النار ، وهو يعلم أن يوم القيامة ، مصيران لاثالث لهما ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ )
أيها المسلمون :
في صحيح الإمام مسلم : قصَّ علينا رسولنا صلى الله عليه وسلم حديثاً عجيباً فيمجادلة العبد لربِّه وسيده ومولاه فقال :
( يقول العبد يوم القيامة : يا رب ألمتُجرني من الظلم ؟
فيقول : بلى ،
فيقول : إني لا أجيز على نفسي إلا شاهداًمني ،
فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً ، وبالكرام الكاتبين شهوداً ، فيختمعلى فيه ،
ويقال لأركانه ( يعني جوارحه ) : انطقي ، فتنطق بأعماله ، ثم يخلَّىبينه وبين الكلام فيقول : بعداً لكنَّ وسحقاً ، فعنكنَّ كنتُ أناضل )
هكذا يظنالإنسان أن الكلّ عدوه يوم القيامة ، فلا يرضى بشهادة أحد من الناس عليه ، لكنهيتفاجأ : بشهادة جوارحه عليه
يا عبد الله :
تخيَّل نفسك أنك ذلك الرجل الذيشهد عليه لسانه بما قال :
فكم هي الكلمات من رضوان الله التي قلتها ؟
وكم هيالكلمات التي تسخط الله وقد زلَّ بها اللسان ؟
وأنك ذلك الرجل الذي شهد عليهسمعه وبصره ، ويده ورجله ، وجلده وفرجه ، فكيف سيكون الحال يومئذ ؟
إني لأتخيلذلك الرجل ، وقد وقف مبهوتاً مدهوشاً ، فاغراً فاه ، لهول ما يسمع ويرى .
ياالله :
كلُّ ما وصل إلى سماعك من أصوات سيظهر
كلُّ ما أبصرته عيناكسيظهر
كلُّ ما بطشته يداك سيظهر
كلُّ ما مشت إليه قدماك سيظهر
كلُّ ماعملته بفرجك سيظهر
وما من حيلة لهذه الجوارح إلا الاعتراف ، فالذي أنطقها هوالله (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْوَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{20} وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَشَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍوَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
(الْيَوْمَ نَخْتِمُعَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَاكَانُوا يَكْسِبُونَ) .
أيها المسلمون :
وزيادة في كمال العدل من الله تعالىعلى ابن آدم ، فهناك شاهد ثاني .
إنهم الملائكة الكرام الكاتبون .
وهل نسيتيا مسلم أن معك ملكان يسجلان الأعمال ؟
فصاحب اليمين يسجل الحسنات ، وصاحبالشمال يسجل السيئات .
(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ{10} كِرَاماًكَاتِبِينَ{11} يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) .
ويقول جل وعلا :
(مَايَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) .
ويقول :
(اقْرَأْكَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً).
فإذا أنكر الإنسانشيئا من أعماله ، نشرت صحيفته وكتبه ، فيرى كل عمل عمله في هذه الدنيا فيقول :
(مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّاأَحْصَاهَا )
فتنبه يا عبد الله ولا تُمْلِ على الكتبة إلا خيرا .
وإياكوالغفلة عن الكتاب ، فأنت آخذ كتابك باليمين أو آخذه بالشمال .
فإن كنت صاحب عملصالح : من صلاة وصيام وصدقة وصلة رحم وحسن جوار وكلمة طيبة وذكر وتسبيح ونظافة قلبفابشر بالفرج من الله فأنت ممن يتسلم كتابه بيمينه ، فيقول للناس والفرحة تعلواوجهه :
(هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍحِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِيالْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) .
وأما من طاوع هوى نفسه والشيطان ، سواء طاوع شياطينالجن ، أو طاوع شياطين الإنس فيقول :
(يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27}مَاأَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ) .
فيأتيه الجواب منالله :
(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِيسِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ) .
أيها الإخوة الكرام :
وزيادة في كمال العدل من الله فهناك شاهد ثالث .
فيا ترى من سيشهد عليك غيرجوارحك ، وغير الكتاب التي كتبته الملائكة ؟
إنها الأرض التي تمشي عليها في هذهالدنيا.
(إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا{1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُأَثْقَالَهَا{2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا{3} يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُأَخْبَارَهَا{4} بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) .
والآن يا عبد الله : عُدْبالذاكرة إلى الوراء .
كم من خطوة مشيتها إلى بيوت الله لأداء الصلاة جماعة معالمسلمين ؟ فهذه لك .
كم من خطوة مشيتها لتصلح بين المتخاصمين ؟ فهذه لك 0
كممن خطوة مشيتها إلى أمر بمعروف أو نهي عن منكر ؟ فهذه لك .
كم من خطوة مشيتهالتأكل بالحلال ، وتطعم أولادك وأهلك الحلال ؟ فهذه لك
وهكذا فأنت أدرى بما هو لك، و ما هو عليك من الخطوات ،
فغدا تنطق الأرض بخطواتك التي مشيتها عليها
أيهاالإخوة الكرام :
وزيادة في كمال العدل من الله ، فهناك شاهد رابع :
إنه محمدصلى الله عليه وسلم
وفي الحديث :
أن أعمال أمته تعرض عليه في قبره كل يوم ،وفي كل جمعة ، وسيشهد على كل عامل بما عمله .
( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنكُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً)
فانظر يا مسلم، يا من رضيت بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً :
انظر إلى العمل الصالح ،الذي تريد به مقابلة هذا النبي الكريم .
وفي المقابل : احذر من كل عمل سوء ،تستحي من مقابلتي هذا النبي به
وبذلك يا عبد الله يا مسلم يكون هناك شهود أربعةيوم القيامة :
جوارحك التي بين جنبيك .
وكتابك الذي سجلته الملائكة .
والأرض التي تمشي عليها .
ومحمد صلى الله عليه وسلم .
فاجعل هؤلاء الشهود ، يشهدون لك يوم القيامة لا عليك .
استغفر الله لي ولكم من كلذنب فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم .