الانحرافات النفسية أمراض وظيفية، تكون بدون تلف في تركيب المخ، كما أنها لا تنتج
عن اختلال عضوي ولا تستند إلى أساس تشريحي معروف. تلك هي، على سبيل
المثال، الأفكار السوداء، القلق، الكآبة، وهن الأعصاب (أستينيا)، نهك العزيمة،
الحصار النفسي، المخاوف المرضية، الهستيريا، البارانويا... إلخ.
يتميز المريض النفسي عن المريض العقلي (المجنون) بأشياء كثيرة: الأول أنه يعي
مرضه أو ما به من حالات نفسية غير سوية، كما يعي جيدًا سلوكه ونشاطاته
الفردية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال، إن المصاب بالهلوسة (هي انحراف
بالحس والإدراك) قد يرى أو يسمع أشياء لا وجود لها في الواقع، إلا أنه يعلم جيدًا أن
هذه الأشياء التي يسمعها أو يراها لا وجود لها، لذلك يكون سلوكه طبيعيًا وعاديًا.
أما المريض العقلي (أنواع الجنون الكثيرة) فهو، بالعكس، قد يرى أو يسمع أشياء لا
وجود لها ولكنه ـ وهذا ما يميزه ـ يقتنع فعلاً بوجودها ويكون بموجب ذلك سلوكه
ونشاطه وحركاته.
ففي بعض أنواع الجنون يقول المريض بها، إنه يسمع صوتًا أو يرى قادمًا من بعيد،
لذلك فهو يصغي لهذا الصوت أو يجيب عن أسئلة وهمية أو يخاطب هذا الصوت غير
الموجود. كما أنه قد يتقدم لمقابلة أو للهجوم على القادم أو يشير إليه.. إن المجنون
هنا، يظن وجود أشياء غير موجودة ويبني سلوكه على هذا. في الفصام، وهو نوع
من الجنون، يكون المريض منطويًا على نفسه، جامدًا يهمل حاجياته الغريزية، إلا أنه
ينقلب أحيانًا إلى وحش فيهجم ليقتل طبيبه، أو الممرض، أو من يقع تحت يديه،
بسبب ظنه أن هذا يريد به سوءًا .
المريض النفسي، عكس المريض العقلي، يعي ويعرف، فالذي يخشى أن يكون قد نسي
باب غرفته ثم يرجع ليغلقه، ثم يكرر ذلك وبشكل دائم، هو مريض نفسي يعرف
سلوكه هذا ووعيه وحالته، إلا أنه لا يستطيع الفكاك من هذا السلوك. كذلك القول
بالذي ينسى مكان بيته فهو مريض نفسي مع سلامة عقله. إنه ينسى بيته لوجود
صراع داخلي بين نفسه وبين البيئة أو الحقل الاجتماعي الذي هو هنا البيت أو ما فيه
أو ما يمثله. بمعنى، أن نسيان البيت هو الرغبة الدفينة لنسيان ما يسببه البيت من
آلام وصراع وعدم تكيف.
تمامًا هي حال الذي يخاف من الكلاب، مثلاً، أو من الأماكن العالية أو من الظلام أو من
الماء.. إنه يخاف الكلب، أو المكان العالي، أو الظلام.. لأن هذا قد سبب له في
طفولته حادثًا أليمًا كبت في اللاوعي.
الخوف، إذًا، يكون خوفًا من هذا الخوف الأول أي من الحادث القديم المؤلم والمكبوت.
والقضية، إذًا، هي عدم تلاؤم بين المريض وبين واقع يمثله الكلب الذي هو سبب
نشوء العقدة النفسية ـ أو المرض النفسي الذي هو هنا خوف ـ الموجهة للسلوك بلا
وعي وبتسلط اللاوعي ـ الذي هنا هو القوة ـ التي تقود السلوك الاجتماعي والواعي
للشخص المصاب نفسيًا
يبدأ العلاج بالفحوصات الفيزيولوجية العامة ثم بفحوصات للغدد الصماء وما أشبه...
وفي المرحلة الثانية يُبحث عن كوامن العقدة النفسية، أي عن أسباب الصراع
الانفعالي داخل المريض وعن مكونات أسباب اللاتلاؤم مع البيئة.
أما العلاج الحقيقي فيبدأ بعد تشخيص هذه الأمور كلها وبعد المعرفة. وفي جعبة
الطب السيكوسوماتي (النفسي ـ البدني) الكثير من الأدوية والمعالجات، وهي اليوم
ذات أثر علاجي فعال.