للمرة الثالثة على التوالي،في غضون خمس سنوات، يخرج موضوع خصخصة الآثار الى حيز الوجود، ضمن محاولات لجهات معينة في وزارة السياحة بالشراكة مع بعض المستثمرين وضع آثار الدولة تحت يد القطاع الخاص.
هذه المحاولات المتكررة تأتي الآن من قبل النسور الذي يحاول تعديل بعض الانظمة التي تسمح له بادخال تعريفات جديدة للمواقع السياحية، من خلال توسيع تعريفها ليشمل عددا كبيرا من المواقع الاثرية التي تنحصر ادارتها في جميع دول العالم بالدولة ذاتها واجهزتها، فالآثار تاريخ وحاضارة الدولة، لا يجوز التفريط بها والسماح لاي جهة كانت بالعبث بها او حتى استثمارها.
في الدول الغريبة الرأسمالية نجد حكوماتها تشرف اشرافا كاملا على ادارة المواقع الاثرية، وتدير المتاحف، وتخصص من ميزانياتها السنوية مخصصات كاملة لادامة خدمات تلك المواقع الاثرية التي لا تقدر بثمن، وتخصص الاموال لترميمها، وتتعاون في كثير من الاحيان مع المؤسسات الدولية للاشراف على وضع مخططات للحفاظ على تلك الآثار، لا التنازل عنها للقطاع الخاص بحجة عدم قدرة الدولة على تشغيلها واستدامة صيانتها.
بالرجوع الى قانون الآثار فان جميع المواقع الأثرية تتبع لدائرة الآثار العامة وهذا القانون يقف عثرة بوجه كل من يحاول القيام ببيع هذا التاريخ، وفي الحقيقة فان اي محاولة للالتفاف عليه يعتبر خطأ فادحا بحق الوطن، فالاثار لا تخصخص وعدم المحافظة عليها كارثة للدولة، ولا يجوز لاحد وضع يده عليها، فلم نر في اي دولة بالعالم او نسمع بان اثار الدولة التاريخية تدار من جهات غير رسمية على الاطلاق.
لا يوجد اية حجة لخصخصة اثار الدولة، سوى انه مشروع مبطن بشبهات فساد ناتجة من تحالفات لبعض المسؤولين مع مستثمرين يدركون اهمية هذه المواقع الاثرية في زيادة مكاسبهم نتيجة لقدرتهم على ترويجها واستقطاب مئات الالاف من السياح لها.
ان محاولة الزج بالمواقع الاثرية على اعتبار انها مشاريع سياحية، امر فيه خطا كبير واجحاف بحق الخزينة وبحق تاريخ الدولة، فهذا التاريخ الممتد لالاف السنين، لا يمكن ان يختزل من قبل الحكومة في نظام تعليمات يسمح بنقل ادارتها الى القطاع الخاص بحجة الاستثمار وتطوير العملية السياحية، فجميع الاثار تكون مرفقا اساسيا في زيارات السياح وضمن فعاليات يتم التخطيط لها مسبقا بين ادارات تلك المواقع، ومستثمري المرافق السياحية، اما ان يتم حصر وادارة تشغيل المرافق السياحية والاثرية بجهة استثمارية خاصة واحدة، فهذا فيه غبن كبير بحقوق الدولة وتنازل على تاريخها، فالدول تسخر مخابراتها وجنودها وعملائها للحصول على اثارها المسروقة في الخارج، فكيف الحالبنا، نعد نظاما يسمح بسلخ المواقع الاثرية من حضن الدولة وادارتها، وتعطيه للقطاع الخاص بحجة الاستثمار والتشغيل.
اعتقد ان الحكومة غير القادرة على ادارة مرافقها الاثرية والتي لا تحتاج الى ذلك العلم او الادارة الاستراتيجية العميقة، وتنازل عن تلك الحقوق الى القطاع الخاص هي حكومة غير قادرة على ادارة الولاية العامة، ولا تستحق ثقة المرجعيات العليا.
المصدر:http://www.maqar.com/?id=61259&&head...AB%D8%A7%D8%B1