بعد أن لاحت لهم أنوار مكة المكرمة عائدين من المدينة النبوية .. فجأة : صوت صرير .. تبعه صوت ارتطام ملأ المكان دويّاً .. أعقبها لحظة سكون ..
كانت تلك حافلة أقلت فتية امنوا بربهم انفجر احد إطاراتها مما تسبب في انحرافها عن مسار الطريق وانقلابها عدة قلبات .
كانوا قد حدثوا أنفسهم بزيارة المسجد النبوي .. ومن ثم السلام على معلم البشرية وهاديها المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه .. طارت نفوسهم فرحا بتلك الزيارة .. واشرأبت شوقا للسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم .
فانطلقت بهم حافلتهم من مكة المكرمة يوم الأربعاء 11/7/1428هـ متجهين صوب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. عانقت نفوسهم السماء في تلك اللحظات ..
اختلجت قلوبهم مشاعر إيمانية اختلطت معها الدموع وهم يشاهدون أضواء طيبة حين تلألأت لهم من وسط ذلك الليل البهيم ..
يا الله .. لحظات لايعرف انسها إلا من عايشها ..
قضوا تلك اليومين في يثرب بين صلاة وعبادة وذكر وإنابة .. دموع وخشية ..
على مقربة من روضة من رياض الجنة وجوار حجرة شريفة وخلف منبر يحن حنينا للنبي الرحيم وعلى ارض كانت مسجدا لجيل فريد .. هناك صلوا .. تدارسوا كتاب الله .. بكوا واخبتوا .. تحدثوا عن أيام النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الرعيل الأول .. خنقتهم عبرة .. ارتفعت اكفهم تدعوا الله بأن يجمعهم مع من أحبوا ..
قفلوا عائدين إلى مكة .. بعد الساعة الثامنة من يوم الجمعة كانت أجسادهم الطاهرة قد تطايرت على الطريق وجانبه ..
صعدت أرواح ثلاثة منهم إلى ربها في تلك الليلة : أنس القرشي وعبدالله القرشي ونعيم الثبيتي اثنان منهم قضوا في الحال والأخر في الطريق إلى المستشفى .. أصيب البقية .. اثنان منهم إصاباتهم خطيرة .. أخطرها إصابة احمد ..
اسلم الروح احمد إلى بارئها بعد قرابة أربع وعشرين ساعة ..
سرى الخبر إلى مكة وأوديتها والطائف وقراه .. وقع الخبر كالصدمة على متلقيه .. هرع الجميع ظهر السبت والاثنين إلى الحرم ..
مقبرة الشرائع شهدت خلقا كثيرا حتى يخيل إليك أول وهلة أن مكة خرجت إلى الشرائع .. الصغار والكبار .. الشيوخ والشباب .. الكل قدموا .. كان اثر فقدهم باديا على وجه الجميع .. كثيرون لم يستطيعوا التمييز بين ذوي المتوفين والمعزين إذ ملامح الجميع متأثرة .. لم يكونوا ليحزنوا على موتهم ، فهم على خير كذلك نحسبهم والله حسيبهم .. الحزن من اجل الفراغ الذي تركوه .. الحزن على المصلحين يأخذ لونا مختلفا ..
دفن الثلاثة ظهر يوم السبت 14/7/1428هـ ودفن احمد ظهر يوم الاثنين 16/8/1428هـ رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته .
جموع المعزين الذين اكتظت بهم مقبرة الشرائع بمكة تفرقت بعد أن تم الدفن وبعد أن قاموا بتعزية ذويهم ولسان حالهم :
بنتم وبنا فما ابتلت جوارحنـــا شوقا إليكم وما جفت مآقيــــــنـــا
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
وقد غطت الخبر جريدة المدينة في عددها16167 الصادر يوم الاحد 15/7/1428هـ وكان كالتالي :
طلاب جامعة أم القرى يودعون ثلاثة من زملائهم إثر حادث مروع بطريق مكة - المدينة
فهد الحسني-جدة
اديت في الحرم المكي الشريف ظهر امس السبت صلاة الميت على ثلاثة من طلاب جامعة ام القرى الذين لقوا حتفهم في حادث مروري تعرضوا له اثناء عودتهم من المدينة المنورة مساء امس الاول ، اسفر عن وفاة ثلاثة واصابة سبعة من زملائهم يتلقون العلاج في العناية المركزة في مستشفى حراء العام بمكة المكرمة. وكان الطلاب في طريق عودتهم من المدينة المنورة بعد ان ادوا صلاة الجمعة وحضروا العديد من المحاضرات الدينية لعدد من المشائخ في المسجد النبوي الشريف ، واكد العديد من زملائهم ان الطلاب يسكنون في شقة سكنية واحدة في حي العزيزية بمكة المكرمة ويدرسون فصلا صيفيا بجامعة ام القرى ومعظمهم من محافظة الطائف والقرى التابعة لها ، وقد قرروا يوم الاربعاء الماضي القيام برحلة الى المدينة المنورة في عطلة نهاية الاسبوع وبعد ان قضوا يومي الخميس والجمعة في المدينة المنورة تخللها زيارة المسجد النبوي الشريف والصلاة فيه وحضور بعض الدروس العملية لعدد من المشائخ والعلماء واثناء عودتهم من المدينة في ساعة متأخرة من مساء امس الاول الجمعة انحرفت الحافلة التي كانوا يستقلونها جراء انفجار احد الاطارات مما تسبب في وفاة اثنين منهم في الحال على طريق مكة المدينة السريع فيما توفى الثالث اثناء نقله للمستشفى ، ولا يزال السبعة المصابون يتلقون العلاج في غرفة العناية المركزة في مستشفى حراء العام . وشهد زملاءهم ان هؤلاء الطلاب من خيرة طلاب جامعة ام القرى بما عرف عنهم من دماثة الخلق وجلهم من الاقسام الشرعية بالجامعة وقد كانوا من انشط الطلاب في المشاركة في انشطة الجامعة وحضور الدروس العلمية في الحرم المكي والجامعة مؤكدين ان حي العزيزية تحول الى مأتم بين طلاب الفصل الصيفي بجامعة ام القرى بعد خسارة الطلاب لنخبة من زملائهم
رحمهم الله رحمة واسعة واسكنهم فسيح جناته .