الربع الخالي.. بحر الرمال العظيم ومثير الرعب قبل النفط
المساحة الأكبر منه تقع داخل الأراضي السعودية بما يمثل 78% * أضخم التجمعات الرملية المتصلة في العالم.. الطارد يتحول إلى منتج وجاذب * الذهب الأسود والثروات المعدنية وتوحيد البلاد.. تزيل الغموض الذي اكتنفه لفترات طويلة
الكثبان المموجة في الربع الخالي أضخم التجمعات الرملية المتصلة في العالم
رمال الدهناء الممتدة على طول هضاب الصمان تتميز بكثبانها المرتفعة ذات اللون البني المائل إلى الزهري
يعد الربع الخالي من أكبر التجمعات الرملية المتصلة في العالم، ويقع في جنوب شرقي وأجزاء من جنوب السعودية، وينحصر حوضه بين جبال الحجر من الشرق، وجبال ظفار وحضرموت من الجنوب، وجبال السروات وجبال طويق من الغرب، وهضبة الصمان من الشمال.
ويبلغ أقصى طول له نحو 1200 كيلومتر، في حين يبلغ أقصى عرض له نحو 650 كيلومترا، وتبلغ مساحته نحو 550 ألف كيلومتر مربع، منها 430 ألف كيلومتر مربع داخل السعودية، بما يمثل نحو 78 في المائة من مساحته.
والربع الخالي واحد من أربع تجمعات رئيسة للرمال في السعودية وهي، إضافة إليه: النفود الكبير، والدهناء، والجافورة، وقد شبه بعض الجغرافيين الربع الخالي بالبحر، لوجود بعض الصفات المتشابهة بينهما؛ كسعتهما، وتشابه أشكال مكوناتهما، وحركتيهما، وصعوبة الحركة فيهما إلا عن طريق الخبرة والمهارة.
ونجحت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية في سبر أغوار الربع الخالي واكتشاف كنوزه وتصحيح الصورة السائدة عنه بكونه منطقة كثبان رملية موحشة ومقفرة من خلال كتاب: «الربع الخالي.. بحر الرمال العظيم» الذي أماط اللثام عن مكونات هذا البحر الرملي الجيولوجية والجغرافية والهيدرولوجية والبشرية والبيئية والأثرية ومقوماته الاقتصادية والسياحية الواعدة.
وأنجز الكتاب الباحثان محمد بن أحمد الراشد وعبد الله بن صالح العنيزان، وأشرف على المشروع الدكتور زهير بن عبد الحفيظ نواب، رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، الذي أكد على أن الكتاب يعد دليلا شاملا ومرجعا دقيقا يعرف بالربع الخالي ويوضح مظاهره ومعالمه الطبيعية والبشرية بشكل مفصل، خدمة للجهات الحكومية والباحثين والمهتمين، وأساسا لأي دراسات وأبحاث مستقبلية لتنميته وتطويره، ويحتوي الكتاب على تحديد موقع الربع الخالي، ومساحته، وتسميته، ونشأته وتكوينه، وأهميته ومراحل استكشافه، وسكانه، وبلدانه، ودروبه ومسالكه، ونباتاته وثرواته الطبيعية، ومياهه، وأوديته، وأهم مظاهره الرملية، وجداول تضم أسماءه مرتبة هجائيا وموضحة إحداثياتها، وتصنيفها، وتبيعتها الإدارية، مدعما بالصور والخرائط التوضيحية والتفصيلية.
وشدد على القول: «ولعلني أغتنم مناسبة إصدار هذا الكتاب للتذكير بأهمية تصحيح صورة الصحراء في بلادنا، وتعميق الاهتمام بها، وذلك من خلال إنشاء مركز وطني علمي متخصص يعنى بدراسة المشكلات الخاصة بالبيئة الصحراوية، والتعريف بها، والتي منها ظاهرة الاحتباس الحراري التي نتج عنها تغير المناخ الذي أدى إلى الجفاف والتصحر الذي يسير بوتيرة متسارعة في العقود الأخيرة، وتصحيح بعض السلوكيات الخاطئة والمدمرة للبيئة كالاحتطاب والرعي الجائرين، والتلوث والتدمير، إضافة إلى تطوير طرق تنمية المناطق الصحراوية واستغلال مواردها المختلفة مع عدم الإخلال بالبيئة الطبيعية والمحافظة عليها».
ويقول المؤلفان الراشد والعنيزان في تقديمهما للكتاب: «كان مجرد ذكر اسم الربع الخالي يثير الرعب والخوف والوحشة في النفوس، بسبب تكوينه، ووعورته، وسعته، وقلة مسالكه، وظروفه المناخية، والأمنية، وندرة أمطاره، وقلة مياهه الصالحة للشرب، والتي أدت إلى ندرة سكانه، لذلك ظل لفترات طويلة مجهولا يكتنفه الغموض، فكان اقتحامه مغامرة ليست سهلة أو مأمونة العواقب، حيث يعد داخله مفقودا والخارج منه مولودا، لذا نسجت حوله الأساطير والحكايات.. يسوده مناخ لا يخضع لنظام الفصول، فشتاؤه قارس البرودة، قد تنخفض درجة حرارته إلى قرب الصفر المئوي، وصيفه لاهب شديد الحرارة، تصل حرارته في الظل إلى نحو 50 درجة مئوية، كما تصل درجة حرارة الرمال إلى نحو 80 درجة مئوية، مع عواصف رملية شديدة تهب معظم أيام الصيف، لذا، فإن القبائل المحيطة به ترعى في أطرافه ولا تتوغل في داخله إلا في فصل الشتاء».
وتكتسب بيئة الربع الخالي سمات وصفات خاصة به، ألفها سكانه وأحبوها، وتعلقوا بها وتكيفوا معها رغم قساوتها، وفهموا أسرارها وقوانينها، وأكسبتهم صفات عديدة منها: الفطنة، والذكاء، والشجاعة، والكرم، والفراسة، وقص الأثر، وتعلموا منها الصبر وتحمل الشدائد، ورغم شظف العيش، وقحولة الأرض ووعورتها، ورمالها المتحركة، وصعوبة المناخ، وندرة المطر، وقلة مناهل المياه العذبة، فإن فيها صفاء ونقاء، ومواسم خير وجودة مراعي ينتظرها الأهالي - رغم قلتها - بشوق وصبر، ويفرحون بها ويستمتعون بخيرها، حيث يستمر ربيعه بضع سنوات.
وقد ألهبت هذه الصفات، إضافة إلى عوامل أخرى منها محاولة البحث عن مواقع الحضارات المفقودة التي ذكرتها الأساطير كموقع وبار أو جنة شداد بن عاد، مشاعر بعض الرحالة والمستشرقين الذين جذبهم سحر الصحراء في شبه الجزيرة العربية ومنها الربع الخالي، فحاولوا كسب قصب السبق لكشف أسرار الربع الخالي وغموضه، من خلال عبوره والتوغل فيه، فلم يعبره أو يسبر أغواره - من غير سكانه - حتى قرابة منتصف القرن العشرين الميلادي، سوى قلة من الرحالة الغربيين بمرافقة بعض الأشخاص من القبائل المحيطة به، الذين يعرفون مسالكه وموارده، فكانت المحاولات الأولى للبعض عبور أطرافه، ثم توغل البعض الآخر فيه قدر المستطاع وحسب الإمكانات المتاحة، وما كان يتم لهم ذلك - بسبب قلة الإمكانات والظروف الأمنية السائدة - لولا الدعم من حكام المناطق المحيطة به في ذلك الوقت.
ومنذ منتصف القرن الميلادي العشرين تقريبا، وبعد توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - واستقرارها، بدأ الاهتمام بالبحث والتنقيب عن الثروات النفطية والمعدنية في مناطق المملكة المختلفة، ومنها الربع الخالي، وقد ساعد على ذلك تطور وسائل التقنية والمواصلات، ثم بدأت عمليات المسح والتنقيب عن الثروات في أجزائه المختلفة، وأصبح الربع الخالي، ورشة عمل تعج بوسائل التنمية والتطوير، وتحول بعد ذلك من جزء خال مقفر طارد، إلى جزء غال منتج وجاذب، نابض بالحركة والحياة؛ إذ بدأت تشقه شرايين الحياة الاقتصادية (الطرق المعبدة) وأنشئت المطارات والمهابط المعبدة، وبدأت تنمو على أطرافه التجمعات السكانية التي توفرت فيها مقومات الحياة الحديثة، وارتبطت مع الحواضر السكانية الكبيرة الواقعة بالقرب من أطرافه، وأنشئت داخله أحدث ما توصلت إليه التقنية من معامل إنتاج وفزر البترول والغاز، وسط بحر هائل من الرمال كما في حقل الشيبة، ونمت واحات غناء وسط رمال مقفرة موحشة كما في الشيبة وشرورة والخرخير وخباش، وأقيمت معامل استخراج المياه وتنقيتها وسط كثبان الرمال لتدفع الماء الزلال لسقيا مدينة كبيرة بحجم نجران، وبدأت تعود الحياة الفطرية المنقرضة من الحيوان والنبات إلى بيئتها في الربع الخالي من خلال محمية عروق بني معارض، ولا نبالغ إذا قلنا إنه لا يوجد في الوقت الحاضر جزء من الربع الخالي يخلو من تجمع سكاني أو معسكر لشركة تعمل في مجالات اقتصادية مختلفة، وهذا ما يؤكد بحق أنه ربع غال بمقوماته البشرية والاقتصادية.
ويرجع بعض البلدانيين والجغرافيين سبب تسمية الربع الخالي بهذا الاسم إلى تغطيته نحو ربع مساحة شبه الجزيرة العربية، ولخلوه من الاستيطان البشري في السابق، بسبب تكوينه الطبيعي من المرتفعات الرملية الوعرة والواسعة، التي شكلت عائقا أمام الاستيطان فيه، إضافة إلى ظروفه المناخية حيث شدة الحرارة وقلة الأمطار، التي أدت إلى قلة غطائه النباتي وندرة مياهه العذبة.
ولم يعرف على وجه الدقة مصدر هذه التسمية، ومتى أطلقت ومن أطلقها، حيث يرى بعض الباحثين أن هذه التسمية عربية الأصل؛ إذ وردت في مصدر عربي قديم هو كتاب «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» لمؤلفه البحار العربي الشهير شهاب الدين أحمد بن ماجد في عام 895هـ، حيث حدد الربع الخالي «الربع الخلي» بأنه على مشارف مأرب والجوف، لذلك كان أكثر من استخدم هذه التسمية ربابنة الخليج العربي في تحديد اتجاهاتهم. في حين يرى بعض الباحثين أن هذا الاسم مصطلح حديث معرب من ترجمة لكتابات بعض الرحالة الأوروبيين الذين أطلقوا عليه اسم (THE EMPTY QUARTER) مستدلين على ذلك بعدم ورود ذكر لهذه التسمية في كتب وخرائط الجغرافيين العرب القدامى كالإصطخري والمقدسي والإدريسي، وكان قد أطلق عليه ابن فضل الله العمري المتوفى سنة 749هـ في كتابه «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار»: «الفج الخالي»، كما أطلق عليه قبل ذلك أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندري المتوفى سنة 561 هـ في كتابه «الأمكنة والمياه والجبال والآثار ونحوها المذكورة في الأخبار والأشعار»: «رمل الجزء» حيث قال: «رمل الجزء بين الشحر ويبرين، طوله مسيرة شهر.. وسمي بذلك لأن الإبل تجزأ فيه بالكلأ أيام الربيع». كما أطلق عليه في قصص ألف ليلة وليلة في كتاب «كليلة ودمنة» اسم «الربع الخراب» أو «الربع الخرب». وكانت العرب تطلق عليه قبل أن يشتهر بهذه التسمية أسماء بعض أطرافه التي تسمى بأسماء المعالم والمظاهر القريبة منها، حيث كان يطلق على أطرافه الجنوبية الغربية صحراء صيهد، وعلى أطرافه الجنوبية رمال وبار، ورمال الأحقاف، ورمل الحوش، وعلى أطرافه الشمالية رملة يبرين. وفي الوقت الحاضر يطلق عليه السكان المحيطون به من الشمال والغرب اسم الرملة، في حين يطلق عليه السكان المحيطون به من الجنوب والشرق اسم الرمال.
تكونت معظم الصحارى الرملية في الجزيرة العربية خلال فترات الجفاف التي أعقبت العصور المطيرة في الزمنين: الثالث والرابع، وقد كشفت الدراسات عن تواريخ مختلفة لنشأة هذه الرمال، حيث يرى مكلور (Mc Clure) أن الربع الخالي كان سهلا غرينيا خلفه العصر الباليوسيني واستمر خلال أغلب فترات الزمن الرابع، فتكونت الكثبان الرملية خلال فترات الجفاف الشديد التي حدثت في أواخر عصر البلايستوسين قبل نحو 17 ألف سنة، في حين يرى ويتني (Whitney) وزملاؤه أن نمو مناطق الرمال إلى حجمها الحالي قد تم بالتدرج وعلى فترات متقطعة ابتداء من أواخر العصر المايوسيني حتى أواخر عصر البلايستوسين. ويعود سبب تكون الكثبان الرملية ونموها إلى عوامل عديدة، منها: وجود مصادر للرواسب، والمناخ الجاف، وأنظمة مجار مائية، وأنظمة رياح قوية، إضافة إلى تضاريس متنوعة تؤدي إلى الإرساب، ويشكل الربع الخالي نموذجا فريدا باجتماع تلك العوامل فيه.
ويمثل الربع الخالي أحد أضخم التجمعات الرملية المتصلة في العالم، فهو يغطي مساحة تبلغ نحو 550 ألف كيلومتر مربع، وقد تكون في حوض رسوبي واسع، خلال الفترات الجافة في الزمنين: الثالث والرابع، ولا يزال ينمو ويتمدد، في العصور الحديثة بسبب اشتداد عوامل التصحر والجفاف وحركة الرمال، ويعود أصل تلك الرمال إلى متكونات عصور الباليوزوي والمتوسط والحديث، ومصدرها الجرانيت والباثوليت الجرانيتي.
ونظرا لضخامة حجم الرمال واتصالها بعضها ببعض، فإن مكاشف المتكونات الجيولوجية تكاد تنعدم نظرا لتغطيتها بالرمال، إلا في بعض المناطق، مثل: حافات جبال طويق في الجزء الغربي والجنوبي الغربي من الربع الخالي، والدمام في الجزء الجنوبي الشرقي من الربع الخالي، وقد وجدت معظم رواسب المتكونات الجيولوجية متسلسلة في وسط الربع الخالي وأطرافه أثناء حفر شركة «آرامكو» آبارها الاختبارية خلال مسحها وتنقيبها عن البترول والغاز في الربع الخالي.
ومن أهم المتكونات الجيولوجية ذات المنكشفات الظاهرة في الربع الخالي، مرتبة حسب العمر:
متكون جبال طويق، ومتكون حنيفة، ومتكون الجبيلة، ومتكونات الوسيع والبياض، ومتكونات الدمام وأم الروس غير منفصلين، ومتكون الدمام.
ومن مظاهر الربع الخالي الجيولوجية المتميزة، السباخ المنتشرة في شمال وشمال شرقي وشرق الربع الخالي، التي كانت جزءا مغمورا بمياه الخليج خلال الزمن الرابع (البلايستوسين)، والتي تتكون من الملح والجبس والمتبخرات، ومن أشهرها سباخ: أم السميم، ومطي، والحمر، والمنادر.
ويلحظ أن جزءا من جنوب غربي الربع الخالي وأطرافه الغربية، التي تشمل: شقة السحماء، وريدا، وأبو بحر، تمثل أراضي شبه مستوية، تتكون من الرمال والغرين والطمي وحطام الصخور الخشنة التي حملتها ورسبتها الأودية نتيجة فيضانات ضخمة، وتغطي بعض أجزائها الكثبان والعروق الرملية الصغيرة، وقد تكونت في بداية ووسط الزمن الثالث، ويبين تكوينها واتجاه مناسب الميل فيها أنها كانت امتدادا لمجرى واديي: نجران وحبونا وروافدهما قبل أن يلتقيا مع وادي الدواسر وروافده في منطقة ريدا، حيث تكون مجتمعة مجرى واحدا واسعا يسيح باتجاه الشمال الشرقي عبر منخفضات أبو بحر ثم الجوب، حتى يلتقي مع مجري وادي السهباء شمال شرقي يبرين ليكونا مجرى واحدا يصب في الخليج العربي.
وترجع المصادر تكوين رمال الربع الخالي إلى مصدرين رئيسين هما:
الأول: رمال قارية، تتمثل في ما حملته مجاري الأودية المنحدرة إلى حوضه من المرتفعات المحيطة به والمتمثلة في جبال الحجر وظفار وحضرموت والسروات وطويق وهضبة الصمان؛ إذ تنتهي إلى حوضه مجموعة من فحول الأودية التي تنحدر من تلك المرتفعات، إضافة إلى ما تنقله الرياح القادمة من الدرع العربي في المملكة، ومن جبال عمان وحضرموت واليمن خلال فترات الجفاف، وما يوجد في حوض الربع الخالي من صخور فتاتية منذ الزمن الثالث. وتتميز هذه الرمال بلونها الأحمر لتأثرها بأكسيد الحديد، لذلك فهي رمال منبتة، وتتركز تلك الرمال في الأجزاء الشرقية والجنوبية والغربية والشمالية الغربية من الربع الخالي.
الثاني: رمال بحرية، مصدرها الخليج العربي، وقد تكونت نتيجة للانحسارات المتتالية لمياه الخليج العربي خلال العصور الماضية، وقد أدت إلى انكشاف أجزاء من قاعه التي كانت مسرحا لعوامل التعرية المختلفة، وعند ارتفاع منسوبه نقلت مياه الأمواج الرواسب الفتاتية من قاعه إلى الساحل مكونة كثبان ساحلية، قامت الرياح بنقلها إلى حوض الربع الخالي. وتتميز هذه الرمال بأنها رمال بيضاء خشنة ملحية سهلة الحركة، ولذلك فهي أكثر رمال الربع الخالي حركة وزحفا، كما أنها قليلة الإنبات، وتتركز في الأجزاء الشمالية والشمالية الشرقية من الربع الخالي. وتمثل رمال الجافورة نموذجا لمصادر الرمال البحرية التي تغذي الربع الخالي.
ويتدرج انحدار رمال الربع الخالي نحو الشرق والشمال الشرقي باتجاه الخليج العربي بمعدل متر واحد لكل كيلو متر تقريبا، ويتراوح متوسط ارتفاع رماله عن مستوى سطح البحر في الغرب والجنوب الغربي منه بين 1000 و900م، وفي وسطه بين 500 و400م، وفي أطرافه الشمالية والشرقية بين 200 و100م.
ويتصل في الربع الخالي ذراعان من التجمعات الرملية الكبيرة في المملكة، يعدان من مصادر تغذيته بالرمال، أحدهما: نفود الدهناء، التي تمتد على هيئة قوس طويل، تربط النفود الكبير في شمالي المملكة بالربع الخالي في جنوبها، وتتصل بالربع الخالي في غربه الأوسط، عبر عروق بني حمران جنوب غربي ريدا، إلى الشرق من بلدة الحسي الجديدة، ويطلق على أطرافه الدهناء في تلك المنطقة: «الرملية»، وتنحصر نهاياتها الجنوبية بين البليدة من الشرق، والمدارة وقونسة ابن غضيان من الغرب. في حين أن الذراع الثاني المتصل بالربع الخالي هي رمال الجافورة، التي تمثل الجزء الجنوبي من منطقة رملية تمتد من المنطقة المقسومة السعودية الكويتية شمال شرقي المملكة باتجاه الجنوب بمحاذاة ساحل الخليج العربي، وتتصل بالربع الخالي من شماله عبر رمال السرة والسنام؛ جنوب مجرى وادي السهباء في المنطقة المحصورة بين الجيبان من الشرق، والجوب ومدركة من الغرب.
ويمكن تقسيم الربع الخالي من حيث أشكال الكثبان إلى خمسة أنواع رئيسة هي:
- الكثبان الهلالية: تتكون هذه الكثبان من أشكال هلالية مركبة ومتشابكة في بعض المناطق، وتفتح باتجاه الجنوب، وتتميز بضخامتها وارتفاعها ووعورتها وتشابكها، وتنحصر فيما بينها منخفضات (شقق) تغطي معظمها السباخ الملحية الرطبة، وتمتد بشكل عام من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، وينشأ هذا النوع من الكثبان في المناطق التي تهب عليها الرياح من اتجاهين، وتتركز معظمها في الأجزاء الشمالية الشرقية من الربع الخالي، وترتفع قمم بعض كثبانها عما حولها ما بين 100 - 200م، ومن تلك الكثبان: عروق الشيبة، والعروق المعترضة.
- الكثبان النجمية: تتكون على هيئة زبائر هرمية ذات قمم حادة تتفرع منها أذرعة، تشكل منفردة أو مركبة مع بعض الكثبان الهلالية المنفردة، وينشأ هذا النوع من الكثبان في المناطق التي تهب عليها الرياح من عدة اتجاهات، وتنتشر هذه الأنواع من الكثبان في الأجزاء الجنوبية الشرقية من الربع الخالي، جنوب شرقي عروق الشيبة، وشرق وجنوب شرقي العروق المعترضة، وترتفع قممها عما حولها إلى نحو 200م، ومن تلك الكثبان: القعد، وغنيم، وبعض أجواء رملتي السحمة والغافة.
- الكثبان القبابية: تكون على هيئة زبائر مرتفعة ومتداخلة قبابية الشكل، وقد نشأت نتيجة تصادم الرياح القادمة من الاتجاهات المتعاكسة، وتمثل مناطق تجمع والتقاء الكثبان الطولية القادمة من الاتجاهات المتعاكسة، وترتفع قممها عما حولها بأكثر من 100م، وتتركز في الأجزاء الوسطى من الربع الخالي، ومن تلك الكثبان: العروق المهلكة، والحباك، والحوايا، والقماعير.
- الكثبان الطولية: وهي العروق الطولية الممتدة بشكل متواز لمسافات طويلة، يصل أطوال بعضها إلى أكثر من 250كم، تمتد أغلبها من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، وتحصر في ما بينها شققا طويلة واسعة، وتنشأ الكثبان الطولية في المناطق التي تهب عليها رياح أحادية الجانب، وتتميز بالارتفاع؛ إذ يصل ارتفاع بعضها عما حولها إلى نحو 100م، وأفضل نموذج لهذه الكثبان تلك التي تغطي معظم النصف الغربي من الربع الخالي، التي شكلتها الرياح السائدة في تلك المناطق القادمة من الجنوب الغربي، ومنها عروق: مغدرات، والقعاميات، وأمهات مرو، والأوارك وبني معارض، وبني حمران، والمندفن.
- الفرشات الرملية: وهي سهول رملية واسعة، شبه مستوية ومتموجة، تتخللها بعض الكثبان الصغيرة والقمم الرملية المتنوعة، ويتركز معظمها في وسط الربع الخالي، ومنها: السنام، والدكاكة، والجلدة.
كان ينظر للربع الخالي على أنه منطقة طاردة غير ذات أهمية اقتصادية أو سكانية، نظرا لظروفه الطبيعية والمناخية والبيئية، وبقي مجهولا خلال العصور السابقة، حتى قرابة الثلث الأول من القرن العشرين الميلادي، حيث بدأ اهتمام الدول التي تقع أجزاء منه في أراضيها، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والجمهورية اليمنية، بالبحث والتنقيب عن الثروات الطبيعية فيه، وفي المناطق الواقعة على أطراف الربع الخالي الشمالية الشرقية في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما اكتشفت قرب أطرافه الشرقية والجنوبية الشرقية في سلطنة عمان.
وقد ازداد الاهتمام بالربع الخالي بعد توقيع اتفاقيات ومعاهدات الحدود وترسيمها بين المملكة والدول المجاورة لها، مما أدى إلى التوسع في إنشاء الطرق وإقامة التجمعات السكانية والمراكز الحدودية بالقرب من مسار خط الحدود بين المملكة وتلك الدول، كما نمت وتوسعت التجمعات السكانية المحيطة بالربع الخالي داخل المملكة، وهي تمثل بوابات الدخول للربع الخالي منذ القدم، وربط معظمها مع التجمعات والمراكز الواقعة داخل الربع الخالي بواسطة طرق معبدة ورحلات جوية، ومنها: الخرخير وشرورة في الجنوب، ونجران في الجنوب الغربي، والسليل في الغرب، ويبرين في الشمال الغربي، والأحساء في الشمال. وبدأت المملكة استغلال المخزون المائي في الربع الخالي عن طريق إقامة مشروع لجلب المياه من آبار عميقة حفرت في غربي الربع الخالي لتزويد مدينة نجران ومحافظات المنطقة بمياه الشرب.
ومما زاد من أهمية الربع الخالي وقوع أطرافه الشمالية بالقرب من الواجهة البحرية الجنوبية للمملكة المطلة على ساحل الخليج العربي، والواقعة بين دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة والممتدة من مدخل خور العديد إلى دوحة السميرة، التي لا يفصلها عنه سوى منطقة المجن، حيث لا تبعد الواجهة البحرية عن أطراف الربع الخالي بأكثر من 100كم، ويصل بينهما الطريق المعبد الذي يربط حقل الشيبة البترولي الواقع في شمالي الربع الخالي مع المنطقة الشرقية، عبر الطرق المعبدة التي تربط منافذ الحدود السعودية وهي: بطحاء (مع الإمارات) وسلوى (مع قطر). كما زاد من أهميته أيضا، وقوع أربعة منافذ حدودية للمملكة فيه، ثلاثة منها قائمة، هي: منفذ الخضراء ومنفذ الوديعة، الواقعان على حدود المملكة مع الجمهورية اليمنية، ويقعان في منقطة نجران، ومنفذ بطحاء الواقع على حدود المملكة مع الإمارات العربية المتحدة، ومنفذ جديد ينشأ حاليا بالقرب من مركز أم الزمول الواقع شمال مركز عودة، على حدود المملكة مع سلطان عمان، ويقع مع منفذ بطحاء في المنطقة الشرقية.
ومنذ القرن الثامن عشر الميلادي شدت الصحراء العربية - ومنها الربع الخالي - اهتمام الكثير من المستشرفين والرحالة الغربيين الذين جذبهم سحر الصحراء وتكويناتها الرملية، وغموضها، وقيم مجتمعاتها، وشغفهم بها وبالأساطير التي نسجت حولها - كونها موطنا لحضارات سابقة اندثرت ودفنتها الرمال - إلى أن يقطعوا قفارها وفيافيها، رغم الخطورة والمشاق، وعدم توفر الوسائل المساعدة، وصعوبة الأوضاع الأمنية والاجتماعية في ذلك الوقت، في محاولة لكشف أسرارها وخباياها، والبحث عن حضاراتها المفقودة. وقد ساعد تكوين الربع الخالي، ووعورته، وسعته، وقلة موارده، وظروفه المناخية، وأوضاعه الأمنية - منذ القدم - على جعل دخوله واجتيازه مغامرة صعبة، ومهمة ليست يسيرة، لذلك ظل هذا الجزء من شبه جزيرة العرب مجهولا، وظلت فكرة عبوره واستكشافه حلما يراود الكثير من المستشرقين والرحالة الغربيين الذين جاءوا إلى المنطقة لسبر أغواره وكشف أسراره. وقد كتب عنه الكثيرون من الرحالة الإنجليز الذين زاروا أطرافه، ومنهم: الرحالة فون ريد (1843م) الذي وصف الجزء الجنوبي الشرقي من الربع الخالي، وتحدث عن سبخة أم السميم والرمال المتحركة المحيطة بها وسماها «البحر الصافي». كما يعد الرحالة ر. ي. تشيزمان من أوائل الأوروبيين الذين زاروا واحة يبرين الواقعة على أطراف الربع الخالي الشمالية الغربية وذلك بين عامي 1923 - 1924م، وقام بوصفها في كتابه «في شبه الجزيرة العربية المجهولة»، وقد فتحت هذه الزيارة المجال أمام الرحالة لتحويل الخيال إلى واقع والحلم إلى حقيقة من خلال عبوره مع بعض الرحالة والمستشرقين الإنجليز، حيث عبر بعض أجزائه كل من: برترام توماس بين عامي 1930 - 1931م، ثم هاري سانت جون فيلبي (عبد الله فيلبي) في عام (1932م)، ثم ويلفرد تيجر (مبارك بن لندن) في رحلتين خلال عامي 1946 - 1947م، ورغم أنهم لم يغطوا كامل أراضي الربع الخالي، وحاولوا تجنب بعض مناطقه الوعرة، فإنه يسجل لهم الريادة والسبق في ذلك، نظرا للإمكانات المحدودة والظروف السائدة في ذلك الوقت، حيث كانت الدواب وسائل النقل، ومواد التموين تكاد تكون معدومة، إضافة إلى الأحوال السياسية والظروف الاجتماعية والأمنية الصعبة السائدة في هذه المنطقة ومحيطها، ومع ذلك عبروا الربع الخالي، وأجادوا في وصف معالمه الطبيعية وسكانه، وما يحويه من حياة نباتية وحيوانية، إضافة إلى وصف الحياة الاجتماعية السائدة في ذلك الوقت، وقد رسم «فيلبي» خلال رحلته خريطة مفصلة لأجزاء من الربع الخالي.
وفي السنوات الأخيرة قام بعض المهتمين والباحثين برحلات علمية وبحثية للربع الخالي منهم الشيخ عبد الله بن خميس في عام 1995م كما نظمت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية رحلة علمية لاستكشاف الربع الخالي في عام 2006م.
ومن أشهر الرحالة الذين عبروا الربع الخالي وكتبوا عنه:
- برترام توماس: يعتبر هذا الرحالة رائد مستكشفي الربع الخالي، وقد زار في البداية أطرافه الشمالية والغربية وواحة يبرين، ويعد أول من عبر الربع الخالي من الرحالة الغربيين، وقد اجتازه من الجنوب إلى الشمال، من صلالة في ظفار إلى الدوحة في قطر بين عامي 1930 - 1931م، وقد بدأ رحلته من صلالة باتجاه الشمال الغربي عبر رملة شعيت، ثم عروق ابن حمودة، عبر ثرب ابن يماني - الواقع في ما بين خور ابن حمودة وخور ضحية - مرورا بخور ابن حمودة، ثم خور أبا العشوش عبر الدكاكة، وصولا إلى بئر شنة في القماعير، ومن بئر شنة كان اتجاهه نحو الشمال الشرقي مرورا بأبي خشبة، ثم قصمان، ثم عبور السواحب وصولا إلى خور بينها - الواقع في ما بين الدكاكة والبوح - ثم عبور منطقة البوح إلى أم المليسة بمحاذاة القرائن عبر السنام وصولا إلى بئر فرجة، وقد أشار إلى موقع الحديدة وبئر أم الحديد، ومن بئر فرجة اتجه شمالا إلى آبار الدويرس وصولا إلى بئر بنيان في الجوب، ومنها اتجه إلى الدوحة عبر الجيبان، وقد ألف كتابه «العربية السعيدة» وضمنه وصف رحلاته ومشاهداته في الربع الخالي، وقد توفي هذا الرحالة عام 1950م.
- هاري سانت جون فيلبي (عبد الله فيلبي): أشهر من عبر الربع الخالي من الرحالة الغربيين، وقد أبدع في وصف رحلته في كتابه الذي ألفه بعد انتهاء الرحلة، وسماه «الربع الخالي»، ويعد من أفضل ما كتب في وصف معالم الربع الخالي وسكانه وبيئاته والحالة الاجتماعية السائدة فيه في ذلك الوقت؛ إذ أجاد في نقل مشاهداته وملاحظاته، وقد قطع خلال عبوره مناطق من الربع الخالي أوسع مما قطعها غيره، وقد ساعده في ذلك دعم الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - له في رحلته.
وقد بدأ رحلته بداية عام 1932م بقافلة تتكون من 19 رجلا و32 راحلة، انطلاقا من مدينة الهفوف مرورا ببلدتي الجشة والطرف باتجاه الجنوب الشرقي عبر رملة الجافورة إلى آبار: الباعج وبعيج، ثم إلى بلدة سلوى، ومنها إلى قرن أبو وائل ثم السكك، ومنها إلى بلدة نباك، ثم اجتاز رمال الجافورة مرة أخرى باتجاه الغرب إلى واحة يبرين، حيث مر بقرى الخن، وأم أثلة، ويبرين، والحفاير، ومنها اتجه جنوبا إلى آبار: القصب، والعوج، وبئر مقينمة، ثم بئر فاضل، ومنها إلى شقة الخلفات، ثم شقة الرعلاء، وبئر النميلة، ثم آبار: الطويرفة، وفرجة، عبر رمال السنام وبني مكسر، ثم مر بالحديدة - ويعد أول من وقف على موقع الحديدة من الرحالة الغربيين - ثم اتجه منها إلى بئر أم الحديد، وآبار البريهمية، ثم خلة بني مشروع، ثم حاذ فارس، ثم منطقة بني جلاب، ثم حاد وآبار: عنسلة، وحدرج، إلى بئر نيفة، ومنها إلى بئر شنة مرورا ببئر الزكرت وبني جفنان وأبو خشبة. وكان يعتزم اجتياز الربع الخالي جنوبا باتجاه ظفار وحضرموت، إلا أن الظروف الأمنية السائدة في تلك المنطقة في ذلك الوقت لم تكن مواتية، فقرر العودة عبر مسار آخر باتجاه السليل لنيته مواصلة السير إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، فاتجه من بئر شنة غربا للوقوف على آبار: عرفجة وابن سويلم ومعمورة وزويرة وطويرة، ومنها الاتجاه نحو الشمال الغربي إلى السليل عبر السواحب وبعد مسيرة خمسة أيام، ومن منطقة الحوايا، اضطرت القافلة إلى العودة مرة أخرى باتجاه الجنوب الشرقي نحو بئر نيفة للتزود بالمياه، ومن بئر نيفة رأى تقليص حجم القافلة، نظرا لطول المسافة إلى السليل ووعورة الطريق وانعدام الموارد، وقرر أن يعود جزء من القافلة باتجاه الشمال إلى الرياض عبر الأحساء، على أن يستمر هو وبقية القافلة باتجاه الشمال الغربي قاصدين السليل، فاتجه هو ورفاقه من بئر نيفة عبر حاذ عنسلة وخلة عدرج، ثم حاذ بني زينان، ثم الشويكلة، والحوايا، ثم عروق الأوارك، ثم شقة السحماء، ثم عروق بني معارض، ثم أبو بحر، ثم الرملية، ثم القونس، ثم عرق الرماك، ثم الشيدية إلى السليل عبر الفرشة (وادي الغر). وقد استغرقت رحلته قرابة شهرين ونصف الشهر، وقد ألف بعدها كتابه «الربع الخالي» ورسم خريطة توضح أجزاء الربع الخالي، وقد توفي عام 1960م.
- ويلفرد تيجر (مبارك بن لندن): هو من أشهر الرحالة الذين عبروا الربع الخالي، حيث اجتازه في رحلتين، ومن منطقتين مختلفتين، ففي أواخر عام 1946م بدأ رحلته الأولى، حيث عبر الأطراف الشرقية للربع الخالي، بدءا من مدينة صلالة في ظفار إلى شصر، ثم جدة الحراسيس، مرورا بوادي مقشن، وخور ابن عتريت، وبئر الحليو في غنيم، ثم رملة الغافة، مرورا بالقعد، ثم عروق الشيبة إلى قرب واحة الجواء (اليواء)، ثم العودة إلى مدينة صلالة بمحاذاة الأطراف الشرقية والجنوبية الشرقية للربع الخالي عبر رملة الرباض، وأودية: العين وأسود والعميري، ثم الاتجاه جنوبا إلى بلدة الجويرة على ساحل بحر العرب، ومنها اتجه إلى بلدة صلالة وقد استغرقت رحلته قرابة شهرين.
وفي بداية عام 1947م قام برحلته الثانية من منوخ في اليمن، وقطع الأطراف الغربية للربع الخالي مبتدئا من بلدة منوخ في ريدة الصيعر جنوب الربع الخالي مرورا بعروق الزيزاء، ثم القعاميات، ثم عروق الأوراك، ثم الجلدة، ثم عروق بني معارض محاذيا حافة جبال طويق من الشرق إلى بئر الحسي عبر وادي الحنو، ثم إلى السليل، ومنها اتجه إلى دبي مرورا بالأفلاج، ومنها اتجه إلى واحة يبرين عبر نفوذ الدهناء، ثم مر ببئر الذيبي وسبخة مطي، ثم الأطراف الغربية لواحة الجواء (اليواء)، ومنها اتجه إلى أبوظبي، ثم البريمي، ومنها إلى الشارقة، ثم دبي، وقد قطع الربع الخالي من بلدة منوخ في الجنوب إلى بئر الحسي شمالا في نحو 16 يوما، كما استغرقت الرحلة الثانية بكاملها أكثر من شهرين، وقد ألف بعد ذلك كتابه: «الرمال العربية» وضمنه مشاهداته وملاحظاته خلال رحلتيه، وقد عاد إلى المنطقة مرة أخرى عام 1977م، حيث زار عمان والإمارات وبعض أجزاء الربع الخالي التي عبرها في رحلته السابقة، وقد لمس تغيرا في الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتطور الذي شهدته المنطقة، وقام باجتياز جزء من خط سيره السابق ورحلته الأولى باستخدام السيارات، وذلك لتوثيقها تلفزيونيا.
- رحلة الشيخ عبد الله بن خميس: قام الأديب والباحث الشيخ عبد الله بن خميس عام 1995م بصحبة مجموعة من المرافقين ومن ضمنهم بعض أبنائه برحلة عبروا خلالها أجزاء من أراضي الربع الخالي، وقفوا خلالها على بعض مظاهره الطبيعية وموارده المائية ومراكزه السكانية، وقد ألف بعدها الشيخ عبد الله بمشاركة ابنه طارق في عام 1998م كتاب: «رمال الجزيرة - الربع الخالي»، ضمناه نبذة تاريخية عن المنطقة، ووصفا لمسار رحلتهما ومشاهداتهما، ووصفا لأهم المظاهر الطبيعية، والموارد المائية، والنباتات والسكان والمسالك في الربع الخالي، وموجزا لرحلات بعض المستشرقين للمنطقة.
- رحلة هيئة المساحة الجيولوجية السعودية: نظرا لما يمثله الربع الخالي في المملكة من أهمية بيئية واقتصادية واعدة، واستشعارا بأهمية التعريف به، وانطلاقا من مهامها المنوطة بها، وبالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، وبعد موافقة المقام السامي الكريم، نظمت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية عام 2006م رحلة علمية لاستكشاف منطقة الربع الخالي، بمشاركة نخبة من المتخصصين أكاديميا من داخل المملكة وخارجها، وقد هدفت الهيئة من هذه الرحلة إلى تغيير الصورة النمطية السائدة منذ القدم عن الربع الخالي من كونه منطقة رمال وعرة ومقفرة وموحشة.
تدل الأدوات الحجرية وأدوات الصيد التي عثر عليها قرب مواقع البحيرات الجافة في الربع الخالي على أن الإنسان قد عاش في هذه المنطقة قديما حول تلك البحيرات، حيث كان يعتمد على صيد الحيوانات التي تعيش قرب تلك البحيرات، إلا أنه لم يعثر أو يكتشف حتى الوقت الحاضر أي موقع استيطاني قديم داخل رمال الربع الخالي، عدا بعض الأدوات الحجرية التي كان يستخدمها الإنسان في صيد الحيوانات وغيرها حول مواقع البحيرات القديمة، مما يدل على أن الإنسان لم يستوطن الربع الخالي في تلك العصور، بل كان يصيد فيه ويعود إلى مراكز الاستيطان لبعض الممالك الواقعة على أطرافة، ويعضد ذلك اكتشاف بعض المواقع الاستيطانية القديمة في أطراف الربع الخالي وفي محيطه كالأخدود في نجران، وحمى، والفاو، ويبرين في المملكة العربية السعودية، ومأرب والأحقاف في اليمن، وشصر في عمان.
وفي العصور الحديثة كان معظم سكانه من البدو الرحل الذين يتوغلون فيه في فصلي الشتاء والربيع بحثا عن الكلأ لمواشيهم، ويغادرونه في فصل الصيف إلى المراكز الحضرية لقبائلهم في محيطه. ولم يعرف الاستيطان الحديث والتوطين في الربع الخالي إلا منذ منتصف القرن الميلادي العشرين، بعد قيام حكومات مركزية، وترسيم الحدود في ما بينها، واهتمامها بالتنقيب عن الثروات فيه، ويعود السبب في عدم قيام مراكز سكانية داخل الربع الخالي قبل هذا التاريخ إلى عوامل، منها: تحول الظروف المناخية التي نتج عنها توقف سقوط الأمطار وجفاف البحيرات وهلاك الحيوانات والتصحر، مما أدى إلى صعوبة ظروفه الطبيعية والمناخية، وانعدام مقومات الحياة فيه، إضافة إلى ضعف موارد الدول في ذلك الحين.
ويسكن في الربع الخالي وفي محيطه في الوقت الحاضر مجموعة من القبائل الكبيرة والمشهورة، التي كانت ترعى الكلأ في رماله، وترد مناهله خلال فصلي الشتاء والربيع، وأقامت لها في العقود الأخيرة مراكز سكنية على أطرافه، وتتوزع تلك القبائل بين الدول التي تقع فيها أجزاء من رمال الربع الخالي.
لم يعرف الاستيطان الحديث في الربع الخالي إلا منذ منتصف القرن الميلادي العشرين تقريبا، عندما اكتشف البترول والغاز في بعض الدول التي تقع فيها أجزاء من الربع الخالي، وتعيين الحدود وترسيمها بين تلك الدول، وذلك من خلال إقامة بعض المراكز الحدودية، وحفر الآبار التي كانت نواة لتوطين السكان الرحل في تجمعات سكانية جديدة، وقد نمت وتطورت بعض تلك التجمعات، وتحولت إلى مدن توافرت فيها وسائل الحياة الحديثة، نتيجة لربطها مع باقي المناطق بطرق معبدة، ووقوعها على مسارات الطرق وقرب منافذ الحدود.
وقد نشأت خلال العقود القليلة الماضية مجموعة من التجمعات السكانية في الربع الخالي وفي أطرافه في المملكة وفي الدول المجاورة لها، التي تقع فيها أجزاء من الربع الخالي، وهي: الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، والجمهورية اليمنية، كما يوجد حول الربع الخالي بعض التجمعات السكانية القديمة، التي كانت تمثل نقاط تموين وبوابات الدخول للسكان والرحالة عند دخولهم أو عبورهم الربع الخالي.
وتقع أراضي الربع الخالي داخل المملكة العربية السعودية ضمن نطاق إشراف ثلاث مناطق إدارية، هي: المنطقة الشرقية، ومنطقة نجران، ومنطقة الرياض، حيث تتبع إمارة المنطقة الشرقية نحو 70% من أراضيه داخل المملكة، وتشمل نصفه الشرقي ومعظم أجزائه الوسطى والشمالية الغربية. في حين تتبع إمارة منطقة نجران نحو 24% من أراضيه داخل المملكة، وتشمل أجزاءه الجنوبية الغربية، وأطرافه الجنوبية الوسطى. كما تتبع بعض أطرافه الغربية الوسطى إمارة منطقة الرياض، وتمثل نحو 6% من أراضيه.
بدأ اهتمام المملكة بإقامة مراكز لتوطين السكان في الربع الخالي منذ توحيدها، وبدء التنقيب عن الثروات الطبيعية فيه، وترسيم الحدود مع الدول المجاورة، وكان ذلك منذ منتصف القرن الميلادي العشرين تقريبا، وكانت شرورة أول هذه المراكز نشأة، حيث أقامت الحكومة مركزا للإمارة نواته عبارة عن مخيم أقيم على «قلمة شرورة» عام 1955م تقريبا.
وبعد تعيين الحدود الدولية بين المملكة والدول المجاورة لها، من خلال توقيع اتفاقيات ومعاهدات الحدود مع تلك الدول، وترسيمها على الطبيعة، نشأت بعض المراكز الحدودية التي تحولت بعضها إلى تجمعات سكانية قرب تلك الحدود، ومنها: عردة، والسمحة، وذعبلوتن، والخرخير، والوديعة، والأخاشيم، كما قامت داخل الربع الخالي بعض التجمعات السكانية الموسمية حول بعض موارد المياه، حيث يسكنها الرعاة في فصلي الشتاء والربيع، ويغادرونها خلال فصل الصيف، ومنها ما قام حول آبار: الشلفاء، وحمراء نثيل، كما أقيمت مراكز حكومية داخل الربع الخالي: منها: خجيم، وأم غوير، ومجة، وأم البرميل، ومنادي، والقراين، والحرجة، وغيرها، كما أقيمت بعض المراكز الحدودية منها: شبيطة، وأم الزمول، والخيران، والمعاطيف، وأم غارب، وأم الملح.
يبلغ عدد السكان في التجمعات السكانية التابعة للمملكة داخل الربع الخالي نحو 90 ألف نسمة حسب التعداد العام للسكان في المملكة الذي قامت به مصلحة الإحصاءات العامة في عام 1425هـ.
دلت الأحافير الحيوانية والنباتية التي عثر عليها في أجزاء مختلفة من الربع الخالي على أن أنواعا من الحيوانات، مثل فرس النهر والوعول والماعز والغزلان والأبقار والإبل، كانت تعيش منذ القدم في هذه المنطقة، وكانت ترد البحيرات التي نشأت هناك خلال الفترات المطيرة، وكانت تتغذى على الأشجار والشجيرات والحشائش التي كانت تنمو على ضفاف تلك البحيرات، وقد انقرضت معظم تلك الحيوانات بعد التحولات المناخية في المنطقة وجفاف البحيرات، عدا أنواع منها قاومت التغيرات واستطاعت التكيف مع الواقع الجديد.
ويسود الربع الخالي في الوقت الحاضر مناخ قاري جاف، شديد البرودة في فصل الشتاء، شديد الحرارة في فصل الصيف؛ إذ تصل درجة الحرارة في الصيف إلى نحو 50 درجة مئوية في الظل، كما تصل درجة حرارة الرمال إلى نحو 80 درجة مئوية، في حين تنخفض درجة الحرارة في فصل الشتاء إلى قرب الصفر المئوي، ويعد الربع الخالي حاليا من أقل مناطق المملكة في معدلات هطول الأمطار؛ إذ لا يتجاوز المعدل السنوي للأمطار فيه 20ملم، كما أنها غير منتظمة، إذ قد تمر سنوات عدة دون هطول أمطار عامة عليه، ولكنه يتميز بعد هطول الأمطار بطيب المرعى وتنوعه وغناه، وقد يستمر المرعى لسنوات عدة دون الحاجة إلى الأمطار.
وتمتاز بعض مناطق الربع الخالي - رغم ندرة أمطارها وتذبذبها - بغطاء نباتي متنوع وكثيف من النباتات المعمرة والحولية، ساعد على نموها وكثافتها الندى أو الضباب الذي يسود تلك المناطق في الصباح والمساء، كما يساعد احتفاظ الرمال بمياه الأمطار على استفادة النباتات منها، وهذا ما يفسر غنى المناطق الرملية بالنباتات المعمرة، وتتميز بعض النباتات فيه بصفات تجعلها تقاوم الجفاف، الذي قد يصل إلى سنوات عدة، وتتكيف مع الظروف المناخية السائدة في بيئتها، ومن تلك الصفات: وجود جذور عميقة ومتفرعة تمتد لمسافات طويلة بحثا عن مناطق الرطوبة، وانعدام الأوراق العريضة، ووجود طبقة عازلة تغطي سطح النباتات لمنع تبخر الماء، وجفاف فروعها الطرفية في فصل الجفاف، وتحول فروع وأطراف بعضها إلى أشواك في فصل الجفاف.
وذكرت بعض المصادر أنه قد رصد في الربع الخالي نحو 37 نوعا من النباتات المعمرة والحولية، منها نحو 20 نوعا تنمو على الكثبان الرملية، في حين تنمو الأنواع الباقية على سفوح الكثبان وفي المنخفضات، وتمثل الأنواع المعمرة نحو 90% من هذه الأنواع، في حين تمثل الأنواع الحولية منها نحو 10%، وتكاد تنعدم النباتات في مناطق السباخ الرطبة ومواقع زحف الرمال، وتعد هذه الأنواع من النباتات قليلة العدد مقارنة مع مساحة الربع الخالي، ويعود ذلك للظروف البيئية والمناخية القاسية التي تسود الربع الخالي، والتي منها الجفاف الشديد، والحرارة المرتفعة، والرمال المتحركة. وتعد نباتات: العبل (الأرطى)، والحاذ، والهرم، والغضى، والعلقاء، والزهر، والبركان، أهم النباتات المعمرة الرئيسية السائدة في الربع الخالي، في حين تمثل نباتات العراد، والرمرام، والنصي، والإشنان، والعندب (الثداء)، والقصباء، والرمث، والثمام، أهم النباتات الحولية السائدة فيه. ولا تكاد تخلو منطقة من مناطقه من تلك النباتات الرئيسة. ويختلف حجم النباتات وأنواعها وكثافتها وارتفاعها من منطقة إلى أخرى، ويعتمد ذلك على مواقع نمو تلك النباتات ما بين ظهور الكثبان وسفوحها والمنخفضات المحصورة في ما بينها. وبالإضافة إلى تلك النباتات الرئيسية، تنمو في نهايات الأودية التي تصب في أطراف الربع الخالي الجنوبية والغربية أنواع أخرى من النباتات مثل الغاف، كما في نهايات وادي مقشن، والسرح والسمر والعضاة والرمث، كما في نهايات أودية: نجران وحبونا والشعاب المنحدرة من ظهرة حافة جبال طويق، ومن مرتفعات بني خطمة.
وتتميز بعض مناطق الربع الخالي بنوع رئيسي واحد من النباتات يسودها بكثافة ملحوظة، بحيث يغلب على الأنواع الأخرى المصاحبة، وقد تعرف أسماء تلك المناطق بإضافة اسم النبات الذي يسودها إليها، مثل: حاذ الشويكلة، وعبل غمغيمة، وغضى الضبيعة.
ولمحاولة الحفاظ على ما تبقى من البيئة الحيوية من الانقراض، أصدرت وزارة الداخلية قرارا يمنع الصيد في الربع الخالي إلا لأنواع محدودة وفي مواسم محددة يعلن عنها. كما أقامت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، محمية طبيعية في عروق بني معارض بهدف إعادة توطين بعض الحيوانات البرية التي كانت تعيش في تلك المنطقة قبل انقراضها، مثل: المها العربي، وغزلان الريم، والأدمة، والنعام، إضافة إلى حماية بعض أنواع النباتات المحلية من الانقراض، وقد جرى إطلاق أول مجموعة من المها العربي في المحمية عام 1995م.
وتقع المحمية في الطريق الغربي الأوسط من الربع الخالي، شرق حافة جبال طويق جنوب مدينة السليل، وتنحصر بين سلسلة جبال طويق من الغرب، ونهاية عروق: بني معارض والمجاري من الشرق، ومن فج الفاو ومجرى وادي الحنو من الشمال، إلى ثلمة أبو سمرة (من جبال طويق) والسحماء من الجنوب، وقد أُحسن اختيار موقع المحمية، حيث تمثل حافة جبال طويق ذات الانحدار الشديد من الغرب حاجزا طبيعيا وحدا غربيا لحماية المحمية، إضافة إلى وعورة وارتفاع كثبان عروق بني معارض التي تقع وسط المحمية، والتي تمثل أطرافها حدودا طبيعية للمحمية من الجهات الأخرى، وتبلغ مساحة المحمية نحو 12 ألف كيلومتر، ويتكون سطحها من ثلاث بيئات، هي: الجبال، والشعاب، والكثبان الرملية؛ فبيئة الجبال، تمثلها سلسلة جبال طويق الممتدة من الشمال إلى الجنوب تقريبا، والتي تمثل حافة شديدة الانحدار نحو الغرب، في حين تنحدر انحدارا تدريجيا نحو الشرق، وتليها بيئة الشعاب، وهي مجموعة شعاب تنحدر من الحافة باتجاه الشرق وتنتهي سيولها في بعض الشقق المحصورة بين الكثبان الرملية، ثم بيئة الكثبان الرملية، وتمثلها كثبان رملية طويلة (عروق بني معارض) شبه متعامدة على امتداد سلسلة جبال طويق، وهي كثبان وعرة وعالية الارتفاع، تمتد من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، وتحصر في ما بينها شققا ومنخفضات تحمل بعضها أسماء الكثبان، ويصل أطوال بعض الكثبان والشقق إلى أكثر من 100كم، وتحوي بعض الشقق بقايا آثار البحيرات التي تكونت في الزمن الرابع خلال عصر البلايستوسين والهولوسين، كما تنكشف في بعض تلك الشقق صخور متكون جبال طويق. ويختلف الغطاء النباتي في المحمية باختلاف البيئات، حيث تسود نباتات: الثمام، والنصي، والعلقي، وبعض الحشائش والأعشاب بيئة الجبال، في حين يسود السمر والطلع والسرح والمرخ والغضى والرمث والحرمل والعرفج والعوسج ضفاف الشعاب، كما يسود العبل (الأرطى) الكثبان الرملية العالية ذات الرمال المنبتة، ويسود الغضى الكثبان الرملية المنخفضة.
وقد أقامت سلطنة عمان على الأطراف الجنوبية الشرقية للربع الخالي محمية «جدة الحراسيس» لإعادة توطين المها، كما أقيمت في كل من الإمارات وقطر محميات ومزارع لتوطين وإكثار بعض الحيوانات البرية التي كانت تعيش في الربع الخالي.
بدأت الدول التي تقع أجزاء من الربع الخالي بأراضيها في البحث والتنقيب عن الثروات الطبيعية فيه، خاصة بعد ترسيم الحدود في ما بينها، فاكتشف البترول والغاز في أجزائه الشرقية من أطرافه الشمالية الواقعة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن أهم الحقول المكتشفة هناك: شاه، وقسيورة، والمشاش، وعصب، وأبو حصى، وسهل، وباب، والمنادر. كما اكتشف البترول والغاز قرب أطرافه الشمالية الشرقية والشرقية والجنوبية الشرقية الواقعة في سلطنة عمان، ومن حقولها: الخوير، ودليل، وجبال، ونهود، والخويضة، ورول، ومهجور، والسحمة، وحصيرة، والزولية. وقامت شركة «أرامكو السعودية» بالمسح والتنقيب فيه، وغطته بخرائط جيولوجية وجغرافية، وحفرت في أنحائه - خلال عمليات التنقيب - عددا كبيرا من الآبار الاستكشافية (القلمات)، وقد أثمرت عمليات المسح والتنقيب عن اكتشاف عدد من حقول البترول والغاز في شمال وشمال شرقي الربع الخالي خلال عام 1968م، ومنها حقول: الشيبة، وكحلاء والرملة، وشطفة، والكدن، والسهول، والمغرب، وعمود، ومرزوق، والجوب، واللغفة، كما يمتد إلى قرب أطراف الربع الخالي الشمالية الغربية حقل الغوار البترولي العملاق، الذي يعد أكبر حقول البترول على اليابسة في العالم، ويعد حقل الشيبة الذي اكتشفته شركة «أرامكو» عام 1968م أكبر حقول البترول السعودية في الربع الخالي، وفي عام 1995م بدأت شركة «أرامكو السعودية» الإنتاج من الحقل بعد تطويره وإنشاء مرافقه، وقد مدت الشركة أنبوبا يبلغ طوله نحو 630كم لنقل المنتجات من الحقل إلى معاملها في بقيق، كما أنشأت طريقا معبدا محاذيا للأنبوب يخدم أعمال الشركة، ويربط موقع الحقل ومنشآتها مع مرافق الشركة ومنشآتها في بقيق، ويصل إنتاج الحقل من البترول إلى نحو 750 ألف برميل يوميا من البترول العربي الخفيف.
وتنفيذا لسياسة الدولة في جذب الاستثمارات الأجنبية لأسواق المملكة، وتشجيع شركات الطاقة العالمية للاستثمار في قطاع الغاز الطبيعي وتنميته، وتطوير صناعات متكاملة للغاز في جميع مراحلها، بما يحقق دعم وتعزيز الاقتصاد الوطني ونقل التقنية مما سيسهم في تنويع مصادر الدخل في الدولة، طرحت المملكة في عام 2003م مشاريع الاستكشاف والتنقيب وإنتاج الغاز غير المصاحب في منافسة عالمية أمام كبريات شركات الطاقة العالمية في أجزاء من منطقة الربع الخالي، تبلغ مساحاتها نحو 300 ألف كم مربع، وقد قسمت وزارة البترول والثروة المعدنية المناطق المطروحة للتنقيب وإنتاج الغاز الطبيعي غير المصاحب في الربع الخالي إلى مناطق محددة، وقد وقعت الوزارة اتفاقيات مع بعض الشركات العالمية بمشاركة شركة «أرامكو السعودية»، حيث فازت في تلك العقود «شركة جنوب الربع الخالي المحدودة»، في منطقة تقع شمالي الربع الخالي وأخرى جنوبه، وشركات: «لوكويل العربية السعودية للطاقة المحدودة»، و«ساينو السعودية للغاز المحدودة»، و«انيربسا للغاز المحدودة»، في ثلاث مناطق تقع شمال الربع الخالي.
وبخصوص المياه، فإن الربع الخالي يمثل حوضا رسوبيا تحيط به المرتفعات من معظم الاتجاهات، وقد انعكس على انحدار الكثير من مجاري المياه من تلك المرتفعات باتجاه حوضه، مما أسهم في تغذية الطبقات الحاملة للمياه الواقعة تحت رماله خلال الفترات الجيولوجية المطيرة، وأدى إلى تكوين ثروة مائية كبيرة تحت رماله، ويؤكد ذلك الانتشار الكثيف للآبار اليدوية بأنواعها، خاصة في شرقه، بسبب قرب المياه من سطحه لانحداره العام نحو الشمال الشرقي، إضافة إلى القلمات (الآبار الارتوازية) المنتشرة في معظم أنحائه، كما يعضد ذلك أيضا انتشار مصايد المياه بأنواعها: السباخ في شرقه، والقيعان في غربه.