رفع اليدين في الدعاء
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء في جميع الأحوال؟
كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في مواضع محدودة وعند الدعاء العارض، وهناك مواضع يدعو فيها ولم يرفع يديه عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت أنه رفع يديه في الاستسقاء، لما استسقى للمسلمين يوم الجمعة في الخطبة رفع يديه، وهكذا لما خرج إلى الصحراء وصلى ركعتين وخطب الناس ودعا، رفع يديه عليه الصلاة والسلام، وكذلك إذا دعا لأحد رفع يديه عليه الصلاة والسلام، وثبت هذا في أحاديث كثيرة رفع اليدين وهو من السنة، ومن أسباب الاستجابة ومن ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ[1] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا[2] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك))[3] فذكر عليه الصلاة والسلام أن من أسباب الاستجابة مد اليدين إلى السماء. ولكن لما أن الداعي تلبس بالحرام من وجوه كثيرة استبعد عليه الصلاة والسلام أن يستجاب له بسبب تعاطيه الحرام، فعلم بهذا أن رفع اليدين من أسباب الاستجابة، وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً))[4] أي: خاليتين، فهذا يدل على شرعية رفع اليدين في الدعاء وأنه من أسباب الاستجابة، لكن ثبت في مواضع أخرى أنه لم يرفع فيها عليه الصلاة والسلام يديه مثل الدعاء بين السجدتين، والدعاء في آخر الصلاة قبل السلام، هكذا الدعاء بعد الفرائض الخمس "الظهر - والعصر - والمغرب - والعشاء - والفجر" ما كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه بعد شيء منها، فالسنة في مثل هذا ألا ترفع الأيدي بل الرفع في هذا بدعة؛ لأنه لم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه عليه الصلاة والسلام.
لكن إذا قنت في النوازل شرع له رفع اليدين بعد الركوع في الركعة الأخيرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لما دعا على القبائل التي اعتدت على المسلمين من القراء؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا بعد الركوع من الركعة الأخيرة على كفار قريش قبل الفتح، وهكذا رفع اليدين في قنوت الوتر، والله ولي التوفيق.