خرج لنا فكر سقيم يحمله لنا شباب صغيرة أسنانهم وأعمارهم.. قليلو علم.. بل إن لم أكن مبالغاً إذا قلت انه أصبحت عبارة التكفير والفرقة بين الأمة هي السائدة في أكثر المجتمعات الإسلامية.. والعياذ بالله.
فالمسألة جد خطيرة وفي غاية الأهمية للدراسة والتحليل والعلاج التربوي، يعتقدون أن قولهم هو الحق الأوحد، فهم يقومون بتوزيع الأحكام الإلهية فيدخلون الناس بمشيئتهم ورضاهم الجنة، ويدخلون من يشاؤون النار - على زعمهم - والعياذ بالله.
وهذا قدح في الفكر الإنساني القاصر الذي يحملونه، إذ إن للتكفير ضوابط وأصول لابد أن تعرف وتبين للجميع وذلك فيما يأتي:
أولاً: التكفير حكم شرعي لا مدخل للرأي المجرد فيه، لأنه من اعتقاد أو قول أو فعل أو شك أو ترك فلا يكفي الدليل الضعيف ولا مشكل الدلالة ولا عبرة بقول أحد كائناً من كان إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح.
ثانياً: يتعين التفريق بين التكفير المطلق وهو: التكفير على وجه العموم في حق من ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام وبين تكفير المعين، فان الاعتقاد أو القول أو الفعل أو الشك أو الترك إذا كان كفراً فانه يطلق القول بتكفير من فعل ذلك الفعل أو قال تلك المقالة وهكذا.. دون تحديد معين به.
أما المعين إذا قال هذه المقالة، أو فعل هذا الفعل الذي يكون كفراً. فينظر قبل الحكم بكفره، بتوفر الشروط، وانتفاء الموانع في حقه، فإذا توفرت الشروط، وانتفت الموانع، حكم بكفره وردته فيستتاب فإن تاب وإلا قتل شرعاً.
ثالثاً: الحق عدم تكفير كل مخالف لأهل السنة والجماعة لمخالفته، بل ينزل حكمه حسب مخالفته من كفر أو بدعة أو فسق أو معصية.
رابعاً: كما إن «الإيمان» شعب متعددة، ومراتبه متفاوتة فكذلك «الكفر» ذو شعب متعددة ومراتب متفاوتة وهناك كفر ومنه تسمية بعض المعاصي كفراً.
خامساً : إصدار الحكم بالتكفير لا يكون لكل احد من آحاد الناس أو جماعاتهم وإنما مرد الإصدار إلى العلماء الراسخين في العلم الشرعي المشهود لهم به.
سادساً: التحذير الشديد والنهي الأكيد عن سوء الظن بالمسلم فضلاً عن النيل منه، فكيف بتكفيره والحكم بردته، والتسرع في ذلك بلا حجة ولا برهان من كتاب ولا سنة.
وفي حديث ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله». رواه البخاري في صحيحه.
وهذه الحماية الكريمة والحصانة العظيمة للمسلمين في أعراضهم ودينهم من أصول الاعتقاد في ملة الإسلام.
فهؤلاء الناس جعلوا من أنفسهم أوصياء على عباد الله فصاروا يقيسون الأمور بأفهامهم وتوجهاتهم فالصحيح ما كانوا عليه والخطأ ما كان عليه غيرهم وإن كان أعلم منهم وفقه واتقى.
وفي صحيح البخاري: قال الرسول صلى الله عليه وسلم «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». أهـ.
* أصل هذه المقالة : مقالةكتبت في جريدة الجزيرة الجمعة بتاريخ : 20 ربيع الثاني 1424 هـ - العدد : 11222 ،،، وشكراً لكم جميعاً.