حرفة الأدب
عندمايرغب الرجل أو المرأة في احتراف الأدب وأعنى به الشعر ، والكتابة فلابد أن يجعل أمام عينيه أهدافا ثلاثة ..
أولا : العقيدة التى ينتمي إليها الشاعر فالأدب يوجه عن طريق العقيدة ، فيكون خادما لها ومدافعا عنها وهي كل عقيدة ينتمى إليها
الشاعر أو الكاتب ويدخل في العقيدة أي مذهب فكري سواء كان سياسيا أواجتماعيا .
وابتداء من القبيلة أو الوطن فالشعر تقوى جذوته التعصب القبلى وكذلك الانتماء الوطنى .
ويقوّم ألأدب على هذا الأساس أضرب لك مثالا من شعر النابغة الذبيانى في قوله :
فلا والذي مسّحت كعبته ... وماهريق على الأنصاب من جسـد
فقال : تماشيا مع الدين العقدي الحق مسّحت كعبته ولم يقل كعبة الأصنام مع العلم أنّ الكعبة مليئة بالأصنام في ذلك الوقت فهم
لايؤمنون بالأصنام كآلهة وإنما كتقرب لله .. أوتزلفا وكقوله: في الاعتذار
حلفت ولم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
وزهير بن أبى سلمى بضم السين هو زعيم الشعر العقدى والذي كأنه يصدر من مشكاة النبوة ،
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالهاتخفى على الناس تعلم
ثانيا :أن يكون ولاؤه وانتماؤه لمجتمعه فهو يتفاعل مع أفراحهم وأحزانهم ويمثل لسان مقالهم في فخرهم ، وهزيمتهم ورقيهم
وتأخرهم ، ولهذا يقولون الشاعر ابن بيئته.. وأضرب مثالا . بشعر علي ابن الجهم في قوله يمدح الخليفة .. أنت كالكلب في حفاظك
للود ... وكالتيس في قراع الخطوب
فأراد حرس الخليفة الفتك به فقال دعوه هذه ثقافته وبيئته فلم يكذب الخليفة.
ثمّ حبسه فترة تحت ضيافته حتى تعلم ماطرأ من جديد الحضارة ورقّ طبعه فقال :
عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدن لي الشوق القديم ولم أكن سلوت ... ولكن زدن جمر على جمر
فاعقد مقارنة بين البيت الذي يحمل معنى شجاعة التيس وكرم الدلو .
وبين موسيقية هذه الأبيات المتأخرة وأنت تعرف تأثير البيئة على رقة الشعر وجزالته .
وهناك الكثير من الشعر الذي يصوّر طبيعة الشاعر وبيئته لأنه يصورها بحسب رؤيته وتعامله :
اسمع الشاعر امرأ القيس يقول :
وقد أغتدي والطير في وكناتها... بمنجردقيد الأوابد هيكل
من سرعة خيله تكون الطريدة في سرعتها كالواقفة
وقال : آخر في التعصب لقبيلته
وما أنا إلا من غزية إن غزت... غزوت وإن ترشد غزيّة أرشد
ثالثا : أن يكون الشاعر به شيئ من العاطفة والحس ، فهي أساس التصوير والإبداع ، وتكون ناجمة عن حب أوشوق لحبيب ، أوكره
فاسق ، وحب عادل ، والشاعر كالصحفى الناقد قد ينقم على الكثير من الأوضاع ولكن لايستطيع تغييرها وإنما يبدي رأيه فيما يراه
صوابا أوخطأ .
وقد يخدم مصالح الأمة كما يخدم مصالح الأفراد ولا أعني بذلك الشعر الثوري كما يراه أبو القاسم الشابي والمتنبي وغيرهم كثير
وإلى لقاء في موضوع آخرمن حرفة الأدب