"شرف العائلة" شبحٌ يطارد حواء ويبعدها عن مهن نسائية جديدة
جدة: "مضيفة– ممرضة – إعلامية – مندوبة"، وغيرها من المهن التي ما زالت تلاقي رفضاً عند الكثير من أفراد المجتمع، ويعاني أصحابها النظرة الدونية، فهناك من رآها تساهم في الاختلاط بين الجنسين مما يستدعي رفضها من باب درء المفاسد، وهناك من يراها عادات قديمة وبالية صورت المرأة بالهشاشة والرجل بالجاهلية، بين ذاك وهؤلاء تفتح النقاش وتتعرف على طبيعة بعض المهن ونظرة المجتمع للعاملين فيها.
المهن الخدمية
"منى" تخرجت من كلية الهندسة جامعة القاهرة تعمل مضيفة طيران في الخطوط السعودية، قالت كل مهنة فيها الصالح والطالح، ومهنة المضيفة مثل أي مهنة أخرى بل هي تعدٍ من المهن الخدمية، وأضافت: هناك ضغوط كثيرة نمر بها يومياً، إلا أنه ينبغي علينا دائماً أن نبتسم في وجه المسافر ونلبي جميع طلباته.
ورداً عما إذا كانت هناك مضايقات من المسافرين قالت: في بعض الأحيان يحاول البعض أن يفتح حديثاً بأي شكلٍ ويضيع وقتنا، وكثيراً ما قد يترك البعض رقم التليفون قبل نزوله، وتابعت:
سلوك المضيفة يعتمد على أخلاقها من الدرجة الأولى فلا أحد ينكر وجود معاكسات وربما تحرش في بعض الأحيان، إلا أن هناك من يقبل ذلك وهناك من يرفضه، فلا صحة لما يشاع عن أن كل المضيفات بسمعة سيئة.
أما "لين" تعمل مضيفة فعبّرت عن استيائها الشديد من النظرة السيئة التي تراها في أعين المسافرين لمجرد كونها مضيفة طيران فهي مستباحة، وقالت: نمر بالكثير من المواقف إلا أنه لا يستطيع أحد أن يجبر فتاة على فعل الخطأ، مشيرة إلى أنها سمعت كثيراً عن مضيفات يقمن بليالٍ حمراء، مما أعطى خلفية سيئة عن المهنة، إلا أنها عادت وأكدت أن الفتاة تستطيع أن تجبر الجميع على احترامها والتعامل معها بكل رقي.
عقلية قديمة
أما الإعلامية "د. أ " تحتفظ باسمها قالت: للأسف لا تزال نظرة المجتمع للإعلامية على أنها امرأة متحررة أكثر من اللازم، وحكت عن موقف حدث معها أثناء عمل حديث صحفي مع أحد رجال الأعمال عبر التليفون، حيث عرض عليها جهاز آيفون مقابل موافقتها على الخروج معه، معربة عن استيائها الشديد من بعض الشخصيات التي ما زالت تعيش بعقلية قديمة.
ووافقتها في الرأي إحدى الإعلاميات وقالت: على الرغم من أن الإعلاميات الآن فرضن احترامهن على الجميع، إلا أنه في بعض الأحيان تضطرها المواقف إلى التعامل مع الرجل ولو من خلال التليفون، وهنا يظهر الجانب الآخر للرجل الذي يبذل كل الجهد للتقرب. وحكت عن محاولة أحد الدكاترة التحرش بها داخل المستشفى.
وأضافت: على الرغم من بعض العناء والمواقف الحرجة التي تقع فيها الإعلاميات إلا أنها استطاعت أن تفرض احترامها على فئة كبيرة من المجتمع.
أما إلهام الحكيم تعمل مندوبة تسويق قالت طبيعة عملي تفرض عليّ أن أتصل بالعملاء وأوضح لهم العروض التي تقدمها الشركة، وكثيراً ما تقابلني المشاكل بسبب طلب الشخص مقابلتي مقابل موافقته على العرض المقدم منه، وتابعت: ذات مرة دعاني أحد الرجال لشقته حتى يرى كل العروض المقدمة من الشركة مع الوعد بأنه سيوافق على كل شروطي.
وقالت: للأسف ما زال هناك الكثير ينظرون إلى مهنتي على أنها مهنة منحلة ومن يعملها فهو بالمواصفات نفسها وعليه أن يتقبل سلوكيات العميل أياً ما كانت.
المرأة شرف العائلة
رأى أستاذ علم الاجتماع في جامعة حائل الدكتور عبدالله الفوزان أن النظرة للمرأة في أي مجتمع تنطلق من منظومة القيم والعادات والتقاليد والقناعات السائدة فيه، فالمجتمع العربي بشكلٍ عام والسعودي بشكلٍ خاص يعد النظرة الغالبة للمرأة على أنها شرف العائلة، حيث يصبح أي تصرف خاطئ منها يمس هذا الشرف ولا يمكن التساهل معه بعكس الرجل، مشيراً إلى أن هذه النظرة متجذرة في العقلية العربية حتى قبل الإسلام، حيث كانت المرأة تتعرض للوأد خوفاً من العار ثم جاء الإسلام فأكرمها ومنحها حقها في الحياة.
وأفاد بأن قضية اختلاط المرأة بالرجل تحكمها الظروف الاقتصادية السائدة والفرص المتاحة والقيم والقناعات المرتبطة بكل مرحلة تاريخية يمر بها المجتمع، حيث يتسامح عندما يتدهور الوضع الاقتصادي تحت وطأة الحاجة، ثم ما يلبث أن يتشدد في هذه المسألة في حالة الازدهار الاقتصادي.
الممانعة المجتمعية
وأوضح أستاذ علم الاجتماع أنه في الوقت الراهن وفي ظل الوضع الاقتصادي الجيد في المجتمع السعودي والطرح الثقافي المكثّف عن مسألة خطورة الاختلاط أصبحت الذهنية الشعبية معبأة بخطورة الاختلاط على المرأة مما جعل الكثير من النساء وغالبية المجتمع يأنفون من العمل الذي يفضي إلى اختلاط المرأة بالرجل حتى لا تخدش سمعة العائلة بأي خطأ ترتكبه المرأة.
وأشار إلى من الصعب على المجتمع السعودي تقبل بعض المهن ومنها المضيفة لارتباطها بالسفر والتنقل والترحال المستمر وتعارضه مع المطلب الديني لوجود المحرم وما يتطلبه هذا الدور من احتكاك مباشر بالجمهور من الجنسين. وعن عمل المرأة في المجال الإعلامي قال الفوزان: أثبتت الدراسات التي أُجريت في هذا المجال أن هناك تقبلاً أكبر لعمل المرأة في المجال الصحفي تحديداً ثم الإذاعي، ولكن هذا التقبل ينحسر بصورة أكبر عند الحديث عن عملها في المجال التلفزيوني لارتباطه بالظهور المباشر أمام الجمهور على الشاشة وما يتطلبه من كشف الوجه وإن كانت الممانعة المجتمعية هي السائدة لعمل المرأة في المجال الإعلامي بشكلٍ عام.
وأنهى الفوزان حديثه قائلاً: ما زالت منظومة القيم السائدة والوضع الاقتصادي ومدى وعي المرأة وأسرتها تمثل محددات رئيسية في تحديد طبيعة الدور الذي تلعبه المرأة السعودية في مجتمعها، فكلما اقترب هذا الدور من الاختلاط بالرجل كلما قلت الرغبة المجتمعية في انخراط المرأة بهذا الدور، مما يفسر عزوف المرأة السعودية وقلة مشاركتها في العمل كمضيفة أو إعلامية أو حتى مندوبة تسويق!.
النظرة الدونية
من جهة أخرى رأت الدكتورة نوف الغامدي (مستشارة استراتيجية) أنه لا نستطيع أن نلوم المجتمع في نظرته لبعض المهن، حيث يرجع ذلك للصورة النمطية التي حكمت هذه المهن والنظرة السلبية التي عززتها تقاليد اجتماعية ودينية ترفض تغيّب الفتاة عن بيتها وسفرها وحيدة واختلاطها بالرجال.
وأضافت أن استغلال ظروف بعض المهن وممارستها بشكلٍ خاطئ كان السبب الأكبر في تكوين هذه الصورة وتكريسها في خلفيات المجتمع، موضحة أن المهن الجديدة للمرأة تواجه بالكثير من العوائق، أبرزها النظرة الاجتماعية الدونية لبعض الأعمال المهنية، ونظرة البعض أن هذه المهن قد تفتح باب المفاسد عبر الاختلاط بين الجنسين ويرون أنه من باب سد الذرائع ودرء المفاسد ألا تعمل في هذه المهن، إلا أن تلك النظرة بدأت تختلف مع تطور وعي المجتمع بطبيعة المهنة.
وأوضحت نوف أن عمل المرأة لم يعد يشكّل لأغلب الرجال محط تساؤل كبير، بيد أنه يظل دائماً هناك علامة استفهام حول أي المهن التي يجب أن تختارها وأي المهن التي يجب أن تعزف عنها وتترفع عنها..؟ لا لأنها مهن سيئة أو مُشينة أو قد تحط من قدرها.. بل لأن المجتمع قد لا يرضاها لها أو قد لا يتقبلها، وقالت: الرجل هو الذي يحدد المسموح من المهن للمرأة، وهو الذي يقرر المرفوض منها للمرأة... !
مهن مقاس الرجل
وقالت: هناك مهن كثيرة لا يفضلها الأغلبية، وتضع المرأة في رحى المجتمع، فالبعض يرفض المضيفة لأن عملها يتطلب سفراً كثيراً ومخاطر والبعض يرفض الإعلامية والصحافية لتعاملها مع الذكور والآخر يرفض الممرضة لدواماتها الليلية والتكشف على الرجل، وعلى الرغم من ذلك تحظى الممرضة والطبيبة بتقدير المجتمع واحترامه لطبيعة عملها حتى وإن اضطرت إلى الخروج منتصف الليل، فيما تعاني الإعلامية أو المضيفة على سبيل المثال من ضغط المجتمع ورفضه للأمر أو تقبله على مضض.
وأكدت الغامدي ضرورة أن يقدر ويحترم كل امرأة تعمل بشرف في أي مهنة كانت للمساعدة في إعالة أسرتها وتأمين سبل الحياة الكريمة لها، بيد أنه من المضحك أن نجد البعض لا يقبل مهنة على ابنته أو زوجته أو أخته لكنه يشجع بها للآخرين، موضحة أن ظروف المجتمع تجعل من بعض المهن ملائمة أكثر من غيرها للنساء، كالتعليم والطب.. والهندسة.. والصحافة.. والقانون.. والمهن الإدارية في مقابل رفض أو عدم تقبل مهن أخرى فصّلها المجتمع على مقاس الرجل فقط.
عقلية الماضي
فيما رأى الكاتب الدكتور حمود أبو طالب أن الرفض الدائم لعمل المرأة في بعض المجالات، يعود إلى الحساسية المفرطة في مسألة الاختلاط، مشيراً إلى أن هناك إساءة بالغة للرجل والمرأة معاً، حيث يصور الفتيات بأنهن في منتهى الهشاشة والقابلية للخطأ والرجال بأنهم في غاية الهمجية والبدائية وضحالة القيم والأخلاق.
وقال: كتبت مقالاً ذات يوم تساءلت لماذا لا تعمل المرأة كمضيفة في الرحلات الداخلية للخطوط الجوية، فقد كنت على يقين بأننا سنوفر آلاف الوظائف، وأن هذه الوظيفة لا تشكّل خطراً على المرأة أو إساءة لها، كما أننا لو تطرقنا إلى وظائف أخرى في هذا القطاع فقط لعرفنا أنه بالإمكان شطب نسبة كبيرة من بطالة الفتاة السعودية.
وأوضح أنه لو أحصينا المجالات الأخرى التي تستطيع المرأة العمل فيها بجدارة لكنه محجور عليها، لاستنتجنا أن البطالة لدينا هي نتيجة الإصرار على التفكير بعقلية الماضي البعيد المحمّلة بكثيرٍ من القناعات التي لم تعد قابلة للتعايش مع الحاضر، مؤكداً أن ما يريده المجتمع هو عدم وضع عقبات أفرزها الماضي أمام تمكين المرأة من العمل وعدم تقديم آراء مبالغة في الغلو، وعدم ربط إصدار القرارات وتنفيذها بالنسبة لعمل المرأة بمزاج فئة لا تمثل كل المجتمع، ولا تفكر جيداً في النتائج الوخيمة لتعطيل المرأة وبطالتها..
أما الإعلامية أمل السراج فرأت أن لكل مهنة جانبين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فالإيجابي هو ما تعطيه المرأة العاملة من صورة مشرّفة لمهنتها واحترامها لرسالتها المهنية، أما السلبي فهو ما تعطيه الإعلامية من انطباع سيئ عن مهنتها، حيث نجد البعض يظهرن في المؤتمرات والملتقيات بكامل زينتهن، وأحياناً من دون حجاب ويتحدثن مع الرجال بطريقة مثيرة للغاية، مما يساعد على تشويه المهنة.
ورأت أن المجتمع لديه نظرة سلبية وحكم مسبق على مهنة الإعلامية، وعلى الإعلامية دور في تأكيد هذه النظرة أو دحضها بسلوكياتها الجيدة أو السيئة