التوكل و ما أدراك ما التوكل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أسعد الخلق أعظمهم عبودية لله, وكل ما كان العبد أذل لله وأعظم افتقاراً إليه كان أقرب إليه وأعظم قدراً عنده وعند خلقه، والعبد عاجزٌ عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره، محتاجٌ إلى الاستعانة بخالقه، والله سبحانه هو الصمد الغني عما سواه, وكل ما سواه فقيرٌ إليه.وذنوب العباد كثيرة ولا نجاة لهم منها إلا بمعونة الله وعفوه، وكثير من الكبائر القلبية من الرياء والكفر والحسد وترك التوكل قد يقع فيها المرء وهو لا يشعر بها، وقد يتورع عن بعض الصغائر الظاهرة وهو في غفلة عن هذه العظائم.والأسباب المجردة تخذل المرء عن تحقيق ما يريد، وقد يطرق باباً يظن أن فيه نفعه فإذا هو ضرر محض، ولا ينجي من ذلك إلا التوكل على العزيز الرحيم؛ لذا عظم الله من شأن التوكل وجعله منزلة من منازل الدين, وقرنه بالعبادة في قوله: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود:123]، وجعله سبباً لنيل محبته إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكّلِينَ [آل عمران:159]، وجعله شرطاً لحصول الإيمان به وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة:29].مقام جليل القدر عظيم الأثر، فريضة من رب العالمين، به رضا الرحمن, وفيه منعة من الشيطان، منزلته أوسع المنازل وأجمعها، أقوى السبل عند الله وأحبها، أمر الله به رسوله عليه الصلاة والسلام في قوله: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً [الأحزاب:3].والرسل أئمة المتوكلين وقدوتهم، قال تعالى عن نوحٍ عليه السلام أنه قال لقومه: إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى وَ تَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ [يونس:71]، وقال الخليل عليه السلام: رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة:4]، وقال هودٌ عليه السلام: إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبّى وَرَبّكُمْ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا [هود:56]، وقال يعقوب عليه السلام: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكّلُونَ [يوسف:67]، وقال شعيبٌ عليه السلام: وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88]، وقال رسل الله لأقوامهم: وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا [إبراهيم:12]، وقال مؤمن آل فرعون: وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44].