[align=right]بسم الله الرحمن الرحيم
مـا الـمـراد بـالـرقـيــة
هي مجموعة من الآيات والتعويذات والادعية المأثورة عن النبي (صلىالله عليه وسلم ) يقرؤها المسلم على نفسه أو ولده أو أهله ، اما للتحصن والحفظ من أعين الإنس والجن والمس الشيطاني والسحر والمرض النفسي ، واما للعلاج والشفاء ممن وقع له أحد من هذه الامراض وغيرها من الامراض العضوية .
هذه هي الرقية الشرعية – وليس كما يتصور بعض الناس أنها شئ من السحر والشعوذة أو انها للعلاج ممن قد اصيب بتلك الأمراض الروحية فقط ، ولهذا لما ارتبط في أذهانهم معنى الرقية بتلك المفاهيم الخاطئة أو المحدودة فقد اهملوا الأخذ بها في حياتهم حتى اصابهم من الامراض الشئ الكثير .
• لماذا الرقية الشرعية ؟
أما لماذا الرقية الشرعية والدعوة الى الالتزام بها فنرجع الجواب الى الاسباب التالية :
1) أنها من السنة :-
لأن الأصل في مشروعيتها التحصن والحفظ من الاصابة بأي مرض روحي أو نفسي أو عضوي قبل وقوعه بإذن الله ومطلوب من المسلم والمسلمة أن يأخذ بها ليحفظ نفسه من تلك الامراض .
2) لكثرة إنتشار الحسد :-
فكثير من الناس مع الأسف الشديد يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، سواء كانت نعما معنوية كالصلاح والذكاء أو حسية كالصحة وكثرة المال والولد وذلك لأن اساس الاصابة بالعين هو ( استحسان مشوب بحسد أو اعجاب يحصل للمنظور ضرر بإذن الله تعالى وتقديره ) .
3) لقلة الذكر والتحصن بالأوراد :-
فالغالب على الناس اليوم – إلا من رحم الله – الغفلة عن ذكر الله وعن الادعية والتحصن بالأذكار سواء كانت أذكار الصباح والمساء أو الاحوال والمناسبات أو ما بعد الصلوات الخمس أو غيرها كتلاوة القرآن الكريم والدعاء والأستغفار ...الأمر الذي جعلهم بسبب هذا التفريط يصيب بعضهم بعضا – حتى لو كانوا أقرباء – بالعين من حيث لا يقصدون وذلك عن طريق إعجابهم بما يرون وبالذات عندما لا يذكر الله
4) لعلاج ما قد يوجد فينا من امراض :
إذ من المحتمل أن يكون الانسان أو أحد أولاده أو أقاربه مصابا بأحد الامراض الروحية وهو لا يدري خصوصا العين .
5) لتوفر أسباب تسلط الجن على الأنس :
ففي هذا العصر قد هيأ أكثرنا ظروفاً تتسبب في تسلط الجن على الأنس مثل المبالغة الشديدة والافراط في التعبير عن المشاعر كالخوف الشديد والمفاجئ والغضب الشديد في أي موقف أو الحزن الشديد والإنكباب على الشهوات والمعاصي والمنكرات وإيذاء الجن في اماكنهم والغفلة الشديدة عن ذكر الله وعدم التحصن بالادعية والاذكار المأثورة وغير ذلك .
6) أنها مع الاذكار خير علاج لكل الامراض النفسية :
كالقلق والاكتئاب والحزن وغيرها وهي خير سبب بعد الله يعين على العمل الصالح والثبات على الايمان ، فكم من انسان ثقلت عليه الطاعة وصعب عليه اداء الصلوات في اوقاتها ، وكم من انسان انحرف عن طريق الهداية وأسرف في المعاصي والآثام ولو أن هؤلاء اخذوا هذه الوصفة لأمكن بإذن الله تعالى علاجهم من كل الامراض النفسيه ، ولكانت لهم عونا على الطاعات واجتناب المحرمات .
7) انها مضمونة النتائج بإذن الله تعالى :-
فكم نخسر من الاموال في علاج امراضنا العضوية والنفسية في المستشفيات والمستوصفات وغيرها .. ولو قيل لأحدنا أن علاجك في آخر الأرض لذهب إليه ! وأنه بالسعر الفلاني لاشتراه ! ومع ذلك لا يفكر أن يضيف سبباً آخر قد يكون فيه الشفاء الحقيقي ألا وهو ( الرقية الشرعية ) التي لا تحتاج من الانسان إلا يسيراً من الجهد وقليلاً من الوقت ……الخ .
مـشـروعـيــة الــرقـيــــة:
لقد ثبت أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر بالرقية وفعلها وأقر عليها والأدلة على ذلك كثيرة منها:
1- قول عائشة رضي الله عنها ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأ على نفسه وينفث ، فإذا اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيمينه رجاء بركتها ) .
2- وقوله صلىالله عليه وسلم ( لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً ) .
3- وقوله صلى الله عليه وسلم ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) .
4- وقوله صلى الله عليه وسلم للجارية التي كان في وجهها سفعة (1) ( استرقوا لها فإن بها النظرة (2) ) (3) .
5- وقول عائشة رضي الله عنها : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني أن استرقي من العين ) (4) .
6- ومنها رقية جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم عندما سحره اليهودي لبيد ابن الأعصم .
(1) هو سواد في الوجه أو لون يخالف لون الوجه .
(2) النظرة هي العين من نظر الإنس أو الجن .
(3) رواه البخاري .
(4) رواه مسلم .
هل الرقية خاصة بمرض معين :
قد يتبادر الى الذهن أن الرقية خاصة بعلاج أمراض السحر والعين والمس وليس لها نفع أو تأثير في الشفاء من الأمراض الاخرى كالعضوية والنفسية والقلبية !! وهذا غير صحيح ومفهوم خاطئ عن الرقية يجب أن نصححه حتى نستفيد منها في حياتنا الاستفادة المرجوة .
أما أدلة عموم نفع الرقية لجميع الأمراض وأنها لا تختص بمرض دون مرض فهي كثيرة ومنها :-
أ) ما جاء في القرآن الكريم :-
ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة ومنها :
1- قول الله تعالى " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء " ( فصلت : آية 44 ) .
2- وقوله تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " ( الإسراء : آية 82 ) .
( ومن – هنا لبيان الجنس وعلى هذا فإن القرآن كله شفاء كما في هذه الآية )
3- وقوله تعالى " يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين " .
ب) ما جاء في السنة النبوية :-
1- رقية جبريل ( عليه السلام ) عندما أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد اشتكيت؟ فقال : نعم ، قال : باسم الله ارقيك من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، باسم الله ارقيك ) . رواه مسلم .
2- ومن ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح بيمينه على من يشتكي منا ويقول : ( أذهب البأس رب الناس ، اشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما ) . رواه مسلم .
3- ومن ذلك أن عثمان بن أبي العاص الثقفي – رضي الله عنه – شكا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أن أسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ضع يدك على الذي تألم من جسدك ، وقل : بسم الله ثلاث ، وقل سبع مرات : أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) . رواه مسلم .
4- ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : ( أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت من الأنصار أن يرقوا من الحمة (1) والأذن (2) .
(1) أي ذوات السموم كالحية والعقرب .
(2) رواه البخاري .
وقد وردت أحاديث كثيرة لا نستطيع ذكرها في هذا المختصر . والرقية من بعض الأمراض العضوية قد نستغرب نحن في هذا العصر أن يكون لها رقية معينة أو أن الرقية تنفع ومنها :
رقية الحمى – والعقرب – واحتباس البول – والقرحة – والجرح – والصداع ، وغيرها. وهناك وقائع كثيرة حدثت لعدد من القراء الأخيار في العصر الحاضر الذين استطاعوا من خلال الرقية – بتوفيق من الله تعالى – علاج العديد من الأمراض النفسية والعضوية أو التي ظاهرها عضويا كالشلل والسرطان وانفصام الشخصية وغيرها من الأمراض المستعصية .
• هل الطب النفسي يتعارض مع الرقية الشرعية ؟
لقد أوجد العصر الحاضر بمشكلاته وتعقيداته عددا من الأمراض النفسية ، كالقلق والاكتئاب والتوتر والعصاب ، وذلك بسبب اهتمام الحضارة المعاصرة بالجانب الجسدي للإنسان وإهمالها للجانب الإيماني فنشأ من ذلك أمراضاً عدة كأرتفاع الضغط ومرض السكر وقرحة المعدة ، والقولون العصبي ، وغيرها من الأمراض … ومن هنا انقسم الناس ازاء علاج هذه الأمراض الى فريقين -
* فريق يقول :
نأخذ بالطب النفسي والادوية المعاصرة فقط ، أما العلاج بما يسمونه الرقية الشرعية فلا نؤمن به ونشك في فائدته وثمرته .
• والفريق الآخر يقول عكسه :
إن علاج هذه الأمراض بالرقية الشرعية فقط ، ونحن لا نعترف بفعالية الطب النفسي ولا بغيره . وهؤلاء وأولئك – تطرفوا وأخذ كل فريق الوجه الذي يظنه هو الصواب وفي الحقيقة أن الطب الحديث والطب الروحي توأمان لا ينفصلان .
يقول الدكتور – عبدالله السبيعي – استاذ الطب النفسي في مجلة الدعوة العدد (1479) بتاريخ 10/9/1415 هـ :
( فالعين والسحر والجان من الاسباب الرئيسية للاضطرابات النفسية والعضوية ) .
لكن يبرز سؤال مهم هو : أيهما يقدم على الآخر ؟
والجــواب :
أن التداوي بالقرآن مقدم على الطب الحديث وذلك أن الطب الروحي أصله توحيد الخالق – سبحانه وتعالى – وقراءة القرآن ، والطهارة ، وإقامة الفرائض ، وكل ما يقوي صلة العبد بربه . والاستشفاء بالرقية وقراءة القرآن تقوي الجانب المعنوي لدى الانسان ، وإذا قوي الجانب المعنوي في الانسان استطاع أن يدفع كثيرا من الاسقام عن بدنه .
• مـتـى تـنـفـع الـرقـيـــة ؟
وهذا سؤال من المهم الاجابة عنه وذلك أن احدنا قد يرقي نفسه أو يرقي غيره ولكن لا يجد الأثر المتوقع ، أو الشفاء العاجل ، فحينئذ يحصل في نفسه شئ من الشك في نفع هذه الرقية – فيتسائل معترضاً :
أين من يزعم فائدة هذه الرقية وقد رقيت نفسي فما رأيت لمرضي شفاء ولا لحالتي تقدما ؟
وعن مثل هذا التساؤل يجيب ( ابـن الـقـيـم – رحمه الله ) فيقول : -
ولكن ها هنا أمر يجب التفطن له وهو أن الاذكار والآيات والدعوات والتعوذات التي يستشفى بها هي نفسها نافعة شافية ولكن تستدعي قبول وقوة الفاعل وتأثيره ، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي يمنع أن ينجع فيه الدواء فإن العلاج بالرقى يكون بأمرين :
أمر من جهة المريض وأمر من جهة المعالج – فالذي من جهة المريض يكون :-
• بقوة نفسه .
• وصدق توجهه الى الله تعالى .
• وإعتقاده الجازم بأن القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين .
• والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان فإن عمل الرقية نوع من المحاربة والمحارب لا يتم له الانتصار إلا بأمرين :-
1- أن يكون السلاح صحيحا في نفسه .
2- وأن يكون الساعد قوياً فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح فكيف إذا عدم الأمران جميعا يكون القلب خرابا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه ثم لا سلاح له أيضاً .
والأمر الثاني من جهة المعالج بالقرآن ( أن يكون فيه الأمران أيضاً ) .
= أنظر زاد المعاد لإبن القيم 4/68 – والجواب الكافي ص 21 =
• شــروط الـرقـيــــة :
- أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته أو بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم .
- أن تكون باللسان العربي الفصيح أو بما يعرف معناه .
- أن يعتقد الراقي أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى .
- ألا تكون الرقية بهيئة بدعية أو محرمة كأن تكون الرقية في الحمام أو في مقبرة أو يخصص الراقي وقتا معيناً للرقية أو عند النظر في النجوم والكواكب أو أن يكون الراقي جنباً أو يأمر المريض أن يكون جنباً .
- ألا تكون الرقية من ساحر أو كاهن أو عراف .
- ألا تشتمل الرقية على عبارات أو رموز محرمة لأن الله لم يجعل الدواء في المحرم .
• اعـراض ومـظاهـر المـرض الـروحي :
هذه اعراض أن وجدت كلها أو بعضها أو حتى عرض واحد منها في اليقضة أو المنام بشكل غير معتاد كأن يكون متكرراً أو واضحاً في قوته ، فهذا يدل على أن الشخص بحاجة الى الرقية الشرعية ، وذكرنا لهذه الاعراض ليس من باب القاء الوهم والشك في النفس بل القصد من ذلك غرضين :-
أولا : أن يشكر الانسان ربه إذا لم توجد هذه الاعراض ويحمده على ما أنعم عليه .
ثانيا : إن وجدت هذه الاعراض أو بعضها فعلاجها عن طريق الرقية الشرعية وليس عن طريق الشعوذة والسحر وغيرها من الأمور الشركيه ومن هذه الاعراض :
- الصدود عن ذكر الله وعن الطاعات وخاصة الصلاة .
- صداع دائم لا يكون له سبب عضوي .
- حالات الغضب الشديد وفقدان الانسان لإرادته ولسانه .
- الشرود الذهني ، كثرة النسيان بطريقة غير معتاده .
- خمول في أنحاء الجسد مع كسل شديد وفتور في القوى .
- حالات الأرق في الليل وعدم الخلود للنوم بسهوله .
- الشعور بالقلق والحزن بصفة دائمة ، الاحلام المفزعة والكوابيس .
- الخجل الزائد وحب العزلة عن الناس .
- أي مرض معين في عضو من اعضاء الجسم لم ينفع معه دواء ولا علاج .. الخ .
• الرقية لدفع البلاء قبل وقوعه :-
إن الاصل في الرقية هي لدفع البلاء قبل وقوعه ولذلك فهذه بعض الأذكار والأدعية والاعمال الصالحة التي متى أخذ بها المسلم فإنه سيكون في حصن حصين من المس والسحر والعين ومن كل الأمراض النفسية والقلبية بإذن الله تعالى ، وهذه أهمها :
1- القيام بجميع الواجبات خصوصا اداء الصلوات الخمس جماعة في المسجد .
2- الابتعاد عن المحرمات والمعاصي والتوبة منها كلها .
3- الإكثار من قراءة القرآن الكريم .
4- قراءة اذكار الصباح والمساء .
5- قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ( مائة مرة) .
6- المحافظة على أذكار الاحوال والمناسبات كأذكار دخول المنزل والخروج منه ودخول المسجد والخروج منه والنوم والاستيقاظ .. وغيرها .
7- التحصن بالدعوات المأثورة مثل :-
أ) ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيه [[ قل هو الله أحد ]] و [[ قل أعوذ برب الفلق ]] و [[ قل أعوذ برب الناس ]] ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما من رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات .
ب) قوله صلى الله عليه وسلم ( من قال في أول يومه أو أول ليلته – بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ) ثلاث مرات لم يضره شئ في ذلك اليوم أو في تلك الليلة .
ج) قوله صلى الله عليه وسلم : إذا نزل أحدكم منزلا فليقل ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، فإنه لا يضره شئ حتى يرتحل منه ) .
د) ولتحصين الأطفال ( خصوصاً ) تعويذة صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين بقوله ( أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ) . رواه البخاري .
أخر المسلم .. أختي المسلمة :
لنحرص على الأخذ بمثل هذه الاذكار والاعمال حتى نكون في منجى من الإصابة بتلك الأمراض الحسية والمعنوية بإذن الله تعالى .
المرجع :
لمزيد من المعلومات عن الرقية بعد الاصابة وغير ذلك يمكن الرجوع لكتيب( طريقك الى الصحة النفسية والعضوية ) .. عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالله
تقديم .. فضيلة الشيخ / عبدالله بن جبرين[/align]