العظمة
ذكر ابن بطوطة في رحلته : أن واعظاً كرر قوله تعالى :
( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيئ عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سكارى وهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) فصاح أحد الحضور ثم وقع ميتاً .
إن عظمة الساعة من عظمة قدرها وصورها وقضاها جل في علاه .
وفي السير أن عبد الله بن وهب ـ العالم العابد ـ سمع قوله تعالى :
( وإذ يتحاجون في النار ) . فخر مغشياً عليه ومات بعد ثلاثة أيام .
( لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ).
وفي البداية ان عمر ـ رضي الله عنه ـ سمع القارئ يقرأ :
( وقفوهم إنهم مسئولون * ما لكم لا تناصرون ) فحُمِلَ إلى بيته , وبقي مريضاً شهراً كاملاً يعوده الناس .
إنه تعظيم الباري عز وجل , والخوف من مقامه , ومعرفة قدره وقهره , وإن عظمة القرآن من عظمة منزله جل في علاه ( ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعاً ) .
فسبحان سميع الدعاء سريع الإجابة , خفي اللطف , فارج الكرب , كاشف السوء , مجيب دعوة المضطر , فالق الإصباح , مزيل الهم .
يقول الله تعالى :
( إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ) .
العلماء ورثة الأنبياء والميراث وهو العلم , فقد حفظ الله هذا العلم بالعلماء, فما كان منهم إلا تجنيد النفس لتوصل كلمة التوحيد , امتداداً للمسيرة الخالدة , حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
ومن أجل هذه المهمة العقدية جند أهل العلم أقلامهم في تسطير معالم التوحيد عبر الأزمان وفي كل مكان .
ومن هذه الأقلام ـ قلم العظمة ـ ذاك القلم السلفي , الذي جعل مداده لا إله إلا الله , فخط محمداً رسول الله , وسطر كلمة التوحيد , فكانت ألفاظه سلفية , وطريقته أثرية , وندارة لغوية , وتراكيب بلاغية , وصوراً فنيه , وملحمة تعبيرية , وعظمة فكرية .
وقلم العظمة سلَّ ريشته العقدية , فأظهر مظاهر التوحيد في الحياة الكونية,
فطار في السماء , ومشى على الماء , وغزا الصحراء , وغاص في
البحار , وصعد الجبال , ودخل في باطن الأرض فأخرج منها آيات الرحمن , وكلم الجمادات والحيوان .
وقلم العظمة وعى القرآن , فأنطق سحر البيان , وحفظ السنة , فشحذ الهمة , وفهم آثار السلف , فكان خير خلف , وأدرك منهج الأئمة , فالتزم بقواعد أهل السنة , وعرف ما هية الإيمان , فجعل الكمال للرحمن .
وقلم العظمة أجمل التوحيد مبتعداً عن التعقيد , فاستخدم الإشارة , وأفصح
العبارة , وفن المهارة , فكانت العظمة , أسلوباً ماتعاً , وفهماً يانعاً , وعلماً ساطعاً .
والعظمة تبسيط لمجمل العقيدة , وما هية التوحيد , وحقيقة الإيمان ,
وضوابط الانقياد , من خلال جولة قلبية في الحياة الكونية ,
التي تُقرر الحقيقة الإلهية بالآيات الربانية .
مقصود العظمة وهدفها : زرع التوحيد الخالص لله في صور تطبيقية ,
وحفظ الأحكام الشرعية لا التراكيب المتنية , وإقامة الحجة على العقول
البشرية , للاعتراف بالصفات الإلهية .
والعظمة يصلح أن يكون عمدة في إقناع غير المسلمين بالإسلام , لأنه
يُخاطب الفطرة الإنسانية بما يوافق المنطق العقلي , ليُقنع الإنسان بتوحيد الرب جلّ وعلا .
فأقام الحجة على العقل بدلائل مرئية , وعبارات مركزة قوية , ولذلك ارى ـ والله أعلم ـ أن كتاب العظمة في هذا الشأن سوف يترك اثر كبيراً في دعوة غير المسلمين .
سائلا ربي أن يُقيَّد له من يترجمه إلى لغات مختلفة ليزداد نفعه ويعم خيره.
فالهدف هو العمل والتطبيق , وليس القراءة والإعجاب .
وأخيراً :
أسأل الله بأسمائه الحسنى , وصفاته العُلاَ أن يثبت قلم العظمة , وأن يثبتنا واياه على الحق المبين , وأن يحشرنا في زمرة المتقين , وأن يجمعنا بخاتم المرسلين . صلى الله عليه وسلم
والحمد لله رب العالمين
منقول