عـــــزة الأمــــة بين تقصيـــــرنا وتداعــــي الأكلــــة علينــــــا
كنت دوما أظن أن العزة خلق يتحلى به الفرد فيصبح المجتمع عزيزا كريما،
لكنني أدركت أني جانبت الصواب في هذه الفكرة،
ووجدت في واقع الحال ما يفند ذلك.
ربما كان ذلك صحيحا بالنسبة لمجتمع في أوج حضارته،
يعتبر فيه عدم التحلي بالعزة سلوكا فرديا ومشكلة فردية،
بينما المجتمع يكفل للجميع العزة ويرفل في حللها ولو ظاهريا.
أما إذا كان الأمر يتعلق بأمة تقهقرت من أوج حضارتها
وأصبحت قصعة تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها،
فإننا حين نطلب من الفرد أن يستشعر العزة،
فإننا حينئذ نكون قد ذكرناه بتكريم الله له،
وأن العزة يكتسبها من إيمانه مصداقا للآية الكريمة:
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }[سورة المنافقون الآية 8 ]
لكنه رغم إحساسه بذلك كفرد،
فإنه لا يجد ذلك واقعا ملموسا في مجتمعه فيحس أن عزة مجتمعه منقوصة.
كيف ذلك؟
هنا نعود لنتأمل حال القصعة كما جاء في الحديث النبوي:
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)
رواه أبو داود وصححه الألباني.
وكما لا يخفى عليكم، فإن القصعة مستباحة في كل حين للأكلة،
وبما أنهم أكلة فلهم أذواق في الأكل يجب مراعاتها،
ولمراعاتها يجب أن يطبخ لهم ما لذ وطاب بما يوافق هواهم.
وأين نحن من كل ذلك؟
ليس لنا حق الكلام فنحن القصعة وهل تتحدث القصعة أو تبدي رأيا؟
فأين هي عزة المجتمع إذن؟
لا شك أنها منقوصة، لأننا سنضطر أن نرضي الأكلة في منهاج حياتنا
ونجعله موافقا لهواهم حتى يستمروا في التداعي والأكل.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم سبب تداعي الأكلة إلى القصعة
ليس بقلة العدد ولكن بصفة مذمومة منافية للعزة، وهي الوهن.
وما الوهن؟ حب الدنيا وكراهية الموت.
ما معنى حب الدنيا هنا؟ ليس إعمار الأرض فقد خلقنا لإعمارها والاستخلاف فيها،
وإنما المذموم هو الركون إلى الدنيا وإلى ملذاتها وترك الواجبات واقتراف المحرمات.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)
رواه أبو داود وصححه الألباني.
وهنا لا بد من الإشارة أن المجتمع المسلم لكونه مسلما، ليس في منأى عن تداعي الأكلة،
إذا ما قصر ولو كان ذلك في فروض الكفايات.
ومعلوم أن فرض الكفاية، إذا لم يؤده أي فرد من المجتمع المسلم أثم الجميع.
فالواجبات الكفائيَّة المطالب بها مجموع أفراد الأمَّة،
بحيث إنَّ الأمَّة بمجموعها عليْها أن تعمل على أن يؤدّى الواجب الكفائي فيها،
فالقادر بنفسِه وماله على أداء الواجب الكفائي عليْه أن يقوم به،
وغير القادر على أدائِه بنفسِه عليْه أن يحثَّ القادر ويحمله على القيام به،
فإذَّا أدى الواجب سقط الإثْم عنهم جميعًا، وإذا أهمل أثِموا جميعًا.
فالقضية إذن قضية آثام متراكمة،
والمعاصي كما نعلم تنقص درجات الإيمان والعزة مرتبطة بالإيمان،
فإذا نقص الإيمان فتبعا للمعادلة تنقص العزة.
وتبعا لذلك فعزة أمتنا ترتبط بأدائنا لواجبات تركها الجميع،
فصارت آثاما معلقة في رقابنا جميعا،
إن تخلصنا منها ذهبت الأغلال والقيود، وصرنا أمة عزيزة كريمة كما كنا.
فهلا بحثنا عن التقصير في مختلف تفاصيل يومنا،
بما في ذلك فروض الكفايات،
ونحن جادون في إيجاد من يؤديها ويسقط عنا وزرها،
بدءا بما استطعنا بأنفسنا، ولا شك أن الأمة زاخرة بالطاقات.
وأخيرا إذا كان بعض الحراك في أمة الإسلام يبشر بخير،
فكيف لو تكاثفت الجهود وكف المتفرجون عن فرجتهم
وشمروا عن ساعد الجد كل من موقعه،
وقطعوا مع كل العادات والممارسات السابقة التي لم تجلب للأمة إلا مزيدا من الأكلة.
أسأل الله أن يهدينا لخير القول والعمل ويوفقنا لما فيه عزة أمتنا.
مع أطيب الدعوات - أسرة مشروع حراس الفضيلة -