قراقوش شخصية تاريخية حقيقية
اسمه قراقوش بن عبد الله الأسدي ولقبه بهاء الدين وكنيته أبو سعيد, أما اسمه فمعناه في التركية: النسر الأسود, أما كونه ابن عبد الله فلأنه لا يُعرف مَنْ أبوه, أما الأسديّ فنسبة إلى القائد أسد الدين شيركوه (ت 564هـ) عمّ صلاح الدين الأيوبي, وكان لأسد الدين مجموعة من الفتيان تسمّى الأسدية.
قراقوش أصله رومي, من آسيا الصغرى, كان عبداً, هرب من العبودية, وتقاذفته البلدان حتى إلى الشام, وهناك انضم إلى أسد الدين وهو شيركوه بن شاذي, كان من كبار القادة العسكريين في جيش نور الدين بدمشق, وأظهر قراقوش بطولة وهمةً عاليتين مما رفع من شأنه في نظر شيركوه.
بعد وفاة شيركوه انضمّ جنده وعساكره (الأسدية) إلى عسكر ابن أخيه الملك الناصر صلاح الدين, وكان من بينهم القائد قراقوش الذي ساهم في حفظ ثروة آخر خليفة فاطمي بعد وفاته وهو العاضد عام 567 هـ.
وقدّمها تامة إلى صلاح الدين, وكانت ذات أثر في تثبيت دعائم الدولة وبناء بعض تحصيناتها الهامة التي كُلّف قراقوش بتنفيذها.
بنى قراقوش قلعة القاهرة, وجلب أحجار البناء من بعض الإهرامات الصغيرة التي كانت في الجيزة, وسخّر الآلاف من الأسرى وغيرهم في بنائها, وقدّرهم المقريزي بنحو من خمسين ألفاً, وقد حفر فيها قراقوش بئراً عُدّت من العجائب, وهناك لوحة نقش عليها تاريخ وبناء القلعة, وهذا نص النقش:
"أمر بإنشاء هذه القلعة الباهرة المجاورة المحروسة القاهرة بالعرمة التي جمعت نفعاً وتحسناً, وسعة على مَنْ التجأ إلى ظلّ ملكه وتحصنا, مولانا الملك الناصر صلاح الدين والدنيا أبو المظفر يوسف بن أيوب محيي دولة أمير المؤمنين في نظر أخيه ووليّ عهده الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن خليل أمير المؤمنين, على يد أمير مملكته ومُعين دولته قراقوش بن عبد الله المالكي الناصري في سنة تسع وسبعين وخمسمائة" وحفر حول القلعة خندقاً عظيماً عدّه الرحالة ابن جبير من العجائب الباقية, كما بنى قراقوش سوراً حول القاهرة انتهى منه بعد وفاة صلاح الدين, كذلك قام بتحصين دمياط وبنى قلعة سيناء قرب عين صدر وقلعة فرعون في خليج العقبة, وهدم جامع المقس وبنى مكانه برجاً كبيراً عُرف ببرج قراقوش. وإضافة إلى هذه الأعمال العسكرية فإنه بنى قناطر الجيزة وهو مشروع زراعي عظيم, كما بنى رباطاً بالمقس وخان سبيل على باب الفتوح بظاهر القلعة للفقراء وأبناء السبيل, وكان هناك ميدان في القاهرة اسمه ميدان قراقوش خارج باب الفتوح.
بعد معركة حطين وفتح القدس خرج صلاح الدين إلى عكا وقرر تجديد أسوارها وتعلية أبراجها, وعمارة قصورها ودورها, لذلك أرسل صلاح الدين إلى قراقوش يستدعيه إلى عكا, فوصل إليها سنة 584 هـ ومعه معاونوه من العمال والمهندسين, ولم يكد يبدأ بناءه لعكا حتى بدأ حصار الصليبيين لها في رجب سنة 585هـ واستمروا في حصارها حتى سنة 586هـ وتكبدوا خسائر فادحة, لكنّ الإمدادات التي وصلتهم أدّت إلى سقوط عكا, وكان قراقوش بين الأسرى, وظل أسيراً حتى دخلت سنة 588هـ وفيها افتداه صلاح الدين بفدية عظيمة تراوح تقديرها ما بين عشرة آلاف وستين ألف دينار, واستقبله صلاح الدين بطبرية بالبِشْر والبر ثم صحبه معه إلى دمشق, ثم أرسله إلى مصر وكانت هذه أخرَ مرّة يرى فيها قراقوش صلاحَ الدين الذي توفى في صفر سنة 589هـ بدمشق.
ظل قراقوش مخلصاً لابن صلاح الدين وهو الملك العزيز ملك مصر وكان ساعده الأيمن في الملمات والكوارث وخصوصاً في سنة 591 ـ 592هـ عندما انخفض ماء النيل وانتشر الوباء وكثر الأموات في الطرقات...
وبعد وفاة العزيز أصبح قراقوش وصياً على العرش, وقام بذلك على أكمل وجه, لكنّ فتنة عاتية أطلّت برأسها, وانتهت بمصر إلى يد الملك العادل, ولم يكن أمام قراقوش إلا أن يعتزل الحياة العامة, فحبس نفسه في منزله عدة أشهر إلى أن وافاه الأجل في مستهل رجب سنة 597هـ ودفن في تربته المعروفة باسمه في سفح جبل المقطم
..لقد عمد الأسعد بن مماتي (ت 606هـ) الذي كان رئيساً على ديوان الجيش وديوان المال, وكان شاعراً أديباً إلى تشويه شخصية قراقوش الذي كان منافساً له في المنزلة لدى صلاح الدين, فصنّف كتاباً سماه "الفاشوش في حكم قراقوش" وقال في مقدمته أنه صنف هذا الكتاب لصلاح الدين ليريح المسلمين من حكم قراقوش... لم يؤثر هذا الكتاب في صلاح الدين, بل إن منزلة قراقوش كانت عالية جداً واستمرت كذلك, لكنّ حكايات الكتاب شاعت بين الناس وأصبح مثلَ "حكْم قراقوش" يضرب للطيش والبطش والجور والظلم, ثم قام جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) فأعاد تأليف كتاب الأسعد بن مماتي ذاكراً تلك الأخبار والأحكام التي تدل على الغفلة وضعف المحاكمة أو خبثها... وهذه الصفات كلها على خلاف, ما كان عليه قراقوش..
ولكم حبي ...