صاحب النظارة السوداء
يلمع نظارته السوداء يوميا بشيء من الكحل ( الأصلي )
ليضمن بقاء اللون القاتم فيها ،
وعدم وجود أي نقطة لم يطلها السواد ،
أو كانت نسبة تركيز اللون الأسود فيها أقل من 75% ،
ليبقي ربع النسبة تستطيع من خلالها عينه ( المحترمة )
الرؤية والتأمل ، وإلا أكمل البقية !!!
أخي الكريم ...
لا تذهب بعيدا ، فلست أعني مرتادي النظارات الزجاجية
أو البلاستيكية المعروفة ،
وما قصدت المتلصصين في وجوه فتيات الناس
فلأولئك حلقة أخرى قادمة بإذن الله ,,,
إنما عنيت ذلك الذي ألبس بصيرته تلك النظارة القاتمة ،
ينظر بها إلى كافة الناس نظرة حذر وتوجس وقلق ،
يدير عينه في الجميع ، وقد رسم لكل منهم صورة في مخيلته
أشبه ما تكون بوحش خطير أو سبع ضار .
هو لا يحب سوء الظن ، وإنما واقع الناس وحالهم كذلك ،
فكلهم شريرون وحساد وقلوبهم تكاد تنفجر عداوة وحقدا عليه !!!
كما أن صاحبنا لا يريد التجني والظلم والعداوات ،
وإنما يمارس شيئا من حقه ( المشروع )
من الحذر الذي لا بد منه وسط هذه الأجواء المتلبدة بغيوم العداوة ....
إن أسديت إليه جميلا ، فيجب أن يبحث عن ما تتطلع إليه
من تحت يديه ( الكريمتين ) من أطماع ،
وإن قام شخص بمشروع اجتماعي ،
فلا بد من الفحص الشامل و تحري الدقة
من سلامة نيته اجتماعيا ،
فاحتمال إرادة مصلحة شخصية وارد بنسبة عالية جدا ،
وإن تصدق متصدق على فقير فلحاجة في نفسه لا أكثر ...
كلامك معه ذو وجوه يجب – بناء على ما تمليه النظارة –
حمله على أسوأها ، فإن مدحته وأثنيت عليه فالتملق أردت ،
وإن تحدثت عن فلان بخير فالنفاق طلبت ،
وإن أحسنت الظن في فلان فالسذاجة أفضل حمل يمكن
أن يحمل عليه كلامك ، وإلا فليس من البعيد
أن لعابك يسيل إلى مصلحة من وراء يد ذلك الشخص ...
إذا سألته عن زيادة وفرح فما غرضك إلا الحسد ،
وإن استفسرت عن مصيبة أو مرض فما أردت إلا الشماتة ،
وإن اعتذرت عن عمل طلبه منك وحالت دون فعله ظروف
أو عوائق فديدنك الأنانية ، وتقديم المصلحة الشخصية ،
وإن غفلت عن إعلامه بخبر جديد جد في حياتك ،
فأنت الشاك في نواياه ، المتعدي في ظنونك وتوقعاتك !!!
يقيم علاقاته على الحذر والتوجس ،
فأي فعل يصدر من أصحابه وزملاءه يتجه فكره مباشرة
إلى أسوأ الاحتمالات وأخبث الظنون فيه وفي قصده ،
ويرى أن الجميع أعداءه ، يخططون ليل نهار للنيل
منه والإطاحة به من ( علياءه ) !!!
فيا سبحان الله ....
أنى لراحة وطمأنينة أن تسكن مثل هذا القلب المريض ،
بل أي علاقة يمكن أن تستمر وتقوى صلاتها
وقد بنيت على أساس من الحذر المبالغ فيه ،
ورصت لبناتها بأقبح الظنون وأسوأها ،
بل تصبغ بنقد صارخ مباشر بين الفينة والأخرى ؟؟!!!
أراهن أن أمثال هذا استقى هذه الفكرة السوداء المقيتة للمجتمع
من تربية خاطئة غريبة من نوعها ،
حيث غرس في قلبه منذ نعومة أظافره
أن الناس كلهم له أعداء ،
وأن الجميع لا يحب له أي خير ،
ولكل فعل يصدر من الكل نية سيئة ،
أو قصد مصلحة ذاتية فحسب ،
فبئس التربية تلك التي يتسنم نتائجها
قبل الآخرين من رباه على تلك الظنون ،
وغرس في قلبه تلك الأوهام الفارغة ،
التي جعلته في شغل شاغل ،
وأبعدته عن المجتمع أيما إبعاد ،
فهم يكتبون شقاءه النفسي والاجتماعي بأناملهما ،
ويرسمان درب التعب والمشقة له بيدين
ربما أرادت الحذر والإشفاق فأخطأته !!
فإلى كل من ابتلي بذلك ....
اخلع نظارتك السوداء ، وانظر بعينين صافيتين ،
وأحسن الظن في الناس ففيهم الخير الكثير ،
واحمل أفعال من حولك على المحمل الحسن ،
من غير سذاجة وغفلة وبلاهة ،
فإن الأفاعي موجودة بلا شك ،
ولكنها لا تفرض علينا أن نسيء الظن
في كل من حولنا ،
فنتعب ونتعب غيرنا معنا ،
ونعيش معزولين منبوذين بسبب فكرة سوداء
عششت في عقولنا ،
فباضت وفرخت عنتا ومشقا وإثما وخزيا