بــــركــــــــــــــة مجالسة الصالحين
[frame="1 10"] تروى لنا كتب السيرة أن رسول الله كان يدخل المسجد ، فيجد مجالس متعددة ، فمنهم مجلس أهله يقرءون القرآن ومجلس أهله يذكرون الله فكان يقول كلاهما على خير ، وكان سيدنا عبد الله بن رواحة يهتم بمن يدخلون حديثاً في دين الله من الأغراب ويجمعهم في المسجد ويقول تعالوا نؤمن بالله ساعة ، يشرح لهم قواعد الإيمان وأركان الإيمان الصحيح الذي يؤدي إلى مقام المراقبة لحضرة الرحمن ، لأن الإيمان لن يصح إلا إذا وصل الإنسان لمقام المراقبة لحضرة الرقيب
أما إذا كان الإيمان في الكتب وانعدمت المراقبة في القلب يكون الإيمان هش وضعيف أما الإيمان القوي فهو {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} الرحمن46
كإيمان أصحاب رسول الله ، وكذلك الصالحون ، لوا على أنفسهم أن يسيروا على هذا المنهج فماذا يفعلون؟ قالوا نحب بعضنا في الله ، ومن يحبون بعضهم في الله لا بد أن يجلسوا مع بعضهم مجلس خير وبركة قد يكون مرة في الأسبوع أو مرتين في الأسبوع ونجعلها مواعيد ثابتة لكي نعين بعضنا على طلب الآخرة ، ماذا نفعل في هذه المجالس؟
إما أن نتلوا آيات من كتاب الله أو نستغفر الله أو نصلي على رسول الله أو نذكر الله أو نسمع العلم من عبد فتح عليه مولاه أو نروح النفوس ببعض الحكم الدينية التي أقرها الصالحون وكانت في عصر رسول الله وسمع مثلها رسول الله
وهذه هي المجالس التي وظفوها وجعلوها لكي يدخل الإنسان في قول الله {وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ} ولذلك سموها مجلس وبعض الناس يقولون عليها حضرة ولكنها ليست كذلك وإنما مجلس كما قال الله {للمتجالسين فيّ} وسيدنا رسول الله قالوا عنه وجد مجلساً للعلم ، إذاً فهي مجالس العلم أو مجالس القرآن أو مجالس الذكر وإذا كانت هذه المجالس تشمل كل ما سبق نقول عليها مجالس الإخوان
لكن الحضرة فإنها حضرة الله جل في علاه ولا نستطيع أن نصل لذلك ، لأن ذلك يستوجب حالة عالية وغالية من الصفاء والنقاء والإطلاع بعين القلب على عالم الطهر والجمال والبهاء والضياء ، فإذا لمع في قلوب الأصفياء نور حضرة البقاء ونظروا بعين البقاء إلى الباقي عز وجل كانوا في حضرة جلت عن الكلام وتعالت عن الحديث لأنها حضرة فيها حضور بين يدي المذكور عز وجل
وهذا ما جعل الصالحين يحافظون على هذه المجالس ، لماذا؟ لأنه لا بد للإنسان من جلسات يقوى فيها قلبه ، وينقي فيها نفسه ، ويصفي فيها صدره ، لكي يستطيع أن يواجه أعباء هذه الحياة ، لكن لو أن الإنسان كرس حياته من العمل ، إلى المشاكل ، للمتاعب ، للأحاديث التي تعكر البال وتكدر صفو القلب ، ما الذي سيحدث؟ ستنتابه الأمراض وتتوالى عليه الأعراض كما نرى خلق الله الآن والذين ابتعدوا عن نهج المصطفى عليه الصلاة والسلام
ولكن آباءنا والذين كانوا يسيرون على هذا النهج من منهم كان يذهب للدكتور؟ لا أحد لأنه كان يفرغ هذه الشحنات مرتين في الأسبوع ، يذهب إلى المجلس فيفرغ شحنات الدنيا والمشاكل والمشاغل إلى حضرة الله ، واللهكان يتولى ببركة هذه المجالس تفريج الكروب واستجابة الدعاء وتحقيق الرجاء
لكن الناس في هذا الزمان ولأنهم تعلموا العلوم الدنيوية هُيئ لكل واحد منهم أنه يستطيع أن يعمل بنفسه لنفسه كأن يستطيع أن يسعد نفسه أو يبني نفسه ويستطيع أن يؤمن أولاده فكان ما نحن فيه الآن ، فقد تجتهد إلى أن تجعل ابنك مهندساً أو طبيباً أو غيره ، وبعد ذلك أين يعمل وكيف ومن أين يتزوج؟ وأين يسكن؟ وذلك لأنك حملت نفسك الهم ، أما آباؤنا فقد تركوا الأمر على الله
ولذلك لم يتعب منهم أحد أبداً وقد كنا ماشين بالله وراضين عما يفعلوه معنا ولم يكن منا من يستطيع أن يتبرم أو يتضايق أو يطلب كذا أو كذا كما يفعل أبناؤنا الآن معنا ، وكانوا في راحة البال وعندما ينتهي إبنه من الدراسة يقول له تحمّل نفسك وأعطينا من دخلك ما يساعدنا على تربية إخوتك والله كان يعين الجميع لأنهم رموا الحمول على الله فتولى الأمور حضرة الله ، لكننا الآن أصبحنا شُطار {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} القصص78
فيقول أحدهم أنا شاطر وماهر وأعرف السوق وأعرف كذا وكذا وهذا موجود الآن ، إذاً اجتهد يا شاطر، ماذا تفعل يا شاطر؟ لكن لو توكلنا على الله ومشينا على النهج الذي وضعه لنا سيدنا رسول الله سندخل جميعاً في قول الله {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق
وحسبه يعني كافيه ويكفيه الله ، كانت هذه أحوالهم وكانت البركات تعم البلاد لأن رب العباد وخالق البلاد قال {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الأعراف96
البركة ستنزل من فوق وتخرج من تحت ، لكن ستأتي الخيرات بدون بركات ماذا تفعل؟ فلن تسد ولن تمد ، لذلك كان آباؤنا الأولين السائرين على نهج الصالحين مسرورين وكانت أحوالهم دائماً في رضى وفي تقى وفي عزة بسر اعتمادهم وتوكلهم على رب العالمين ، وكما قال الإمام علي وهذه روشتته
"من أراد غنىً بغير مال وعزاً بغير عشيرة وعلم بغير تعلم فعليه بتقوى الله عز وجل" وهذا هو السلاح الأقوى الذي نستطيع به أن نواجه ظلمات هذه الحياة
وكيف تأتي التقوى؟ من مجالسة الأتقياء ، ومن مجالسة العلماء ، ومن مجالسة الحكماء ، ومن مجالسة الأصفياء ، وهذه المجالسات تنزع من النفس فطرها وعواهنها وتجعل المرء مؤهلاً لأن يسير مع الله ومن سار مع اللهكفاه الله كل مؤنة ، وكانت أحوال البلاد في تحسن وكانت الأخلاق فيها محبة ومودة وألفة
لكن عندما قلت هذه المجالس ، رأينا الأضغان والأحقاد والأحساد وانتشرت الشرور بغير حد في كل ربوع البلاد ، حتى أن الإنسان الكريم الحليم ذو الخلق العظيم يحتار في قضاء مصالحه ، لأنه لن يجد من يقدر هذا الخلق ويقدر هذه المكارم لأن الناس الآن كأنهم في غابة ، وقد يكون لسكان الغابة بروتوكولات بينهم لكننا ليس مثلهم
فسلطان الغابة وهو الأسد علمه الله بسجيته وفطرته مكارم الأخلاق ، فإنه لا يأكل من صيد غيره فلا يأكل إلا من صيد نفسه وإذا وجد شيئاً صاده غيره تأبى عليه عزته أن يأكل منه ولا يأكل مما صاده إلا مرة واحدة ويترك باقي ما صاده للعجزة من الحيوانات التي حوله لكي يقتاتوا ، أين هذه الأخلاق حتى بين عظام البشر الآن؟ فحتى أخلاق أهل الغابة لم نصل إليها إلى الآن ، من أين يأتي مثل ذلك؟
فإن يوم الجمعة التى تكون فيه الموعظة ، لا يدخل أحد الجامع إلا عند إقامة الصلاة لكي لا يسمعوا الخطبة ، وإذا جاء حديث ديني في التليفزيون لا يسمعه أحد لأنهم يريدون المسلسل أو الفيلم ، ولا وقت عندهم للأحاديث الدينية مع إن الحديث دقائق معدودة ولكن لا يجد من لديه الوقت ليسمعه ، وإذا اشترى الصحف يكون كل همه في الكرة والتليفزيون والكلام الذي لا ينفع ولكنه قد يضر ، أين إذاً من يقرأ كتابه لكي يسير إلى الله ويحسن أخلاقه وأحواله مع عباد الله؟
ولم يعد الصغير يحترم الكبير ويسمع منه النصيحة ولا الكبير يستطيع أن يقدم النصيحة لأنه ربما يواجه بشتيمة وفضيحة فأصبحت الأمور لا مرد لها إلا بالرجوع إلى أحوال السلف الصالح وأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام العظام ، فلا بد أن تنتشر مجالس الهدى من جديد، مجالس الخير، مجالس النصيحة، مجالس البر، مجالس الذكر الذي يرقق القلب والفؤاد، مجالس الرحمة، مجالس المودة
وهذا هو السر في أن الله ، أمنا ووجه النبي صلى الله عليه وسلم النصائح والأحاديث المتتالية إلينا للمداومة على هذه المجالس والمداومة على سماع هذه النصائح لكي نجدد أحوالنا ونستغرق أوقاتنا في طاعة الله وننتشل أنفسنا من ظلمات ومشاكل ومتاعب وعناء هذه الحياة فنكمل المسيرة إلى الله فإذا خرجنا من الدنيا فرحنا وقلنا كما قال كتاب الله {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} فاطر34
[/frame]
آخر تعديل دانة الكون يوم 19-03-2014 في 12:43 AM.
|