تعتبر الثقافة الجنسية في أحد جوانبها جزءاً من الثقافة الصحية العامة .. وهي ترتبط بالثقافة الاجتماعية السائدة والقيم الفكرية والتربوية والدينية في المجتمع .
وإذا نظرنا إلى الثقافة الجنسية من منظار الثقافة الصحية العامة .. نجد أن البحث عن تنمية الوعي الصحي العام بما فيه الوعي النفسي لابد أن يتطرق إلى القضايا الجنسية والثقافة الجنسية الصحية .. نظراً للعديد من الارتباطات فيما بينها .
وقد مرت الثقافة الجنسية بمراحل وتطورات عديدة وفقاً لتركيبة المجتمع وظروفه وثقافته .. ولاتزال النظرة إلى موضوع الثقافة الجنسية مشوهة وخاطئة في مجتمعاتنا .. وفيها كثير من الخرافات والمعلومات الخاطئة .. والتي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في عدد من الاضطرابات الجنسية والنفسية والاجتماعية ..
ويعتقد البعض أن الثقافة الجنسية تتعارض مع الدين أو أنها تشجع الإباحية والتفلت الأخلاقي .. وهذا بالطبع غير صحيح .. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة كيف يأتون أهليهم وماذا يقولون عند الجماع .. والفقه الإسلامي يتناول القضايا الجنسية بصراحة ووضوح وبشكل منطقي وعملي وأخلاقي وتربوي .
ومن الناحية الطبية تعتبر المعلومات الجنسية الصحيحة ضرورية .. كي يعرف الإنسان نفسه ذكراً كان أم انثى .. والأعضاء الجنسية جزء من تكوين الجسم الإنساني وتشبه باقي أعضائه في وظائفها الطبيعية وفي أمراضها المتنوعة ..
والمعلومات الطبية والعلمية الصحيحة تساهم في معرفة الإنسان لنفسه ومكوناتها ورغباتها وبالتالي يسهل ذلك فهمها والسيطرة عليها والعمل على ضبطها .. ولاسيما في ظروف تربوية وأخلاقية ودينية مناسبة .
وكثيراً ما تواجه القضايا الجنسية في مختلف المناسبات العامة والاجتماعية والعلمية وحتى الطبية .. بستار ثقيل من الصمت أو الإحراج أو الجهل أو التجاهل .. أو بمزيج من ذلك جميعاً ..
وقد يختلف علماء النفس والتربية حول السن المناسبة لإبتداء الثقافة الجنسية العلمية .. وبعضهم يطرح تقديم هذه المعلومات في سن مبكرة .. وبعضهم يقترح سناً أكبر .. ولكن الجميع يتفقون على ضرورة إعطاء معلومات مبسطة وعلمية مناسبة وبلغة هادئة منطقية بعيدة عن الإثارة أو الابتذال ضمن إطار مايعرف باسم " حقائق الحياة " .
كما ينصح الأهل بضرورة إجابة تساؤلات أطفالهم حول الأمور الجنسية بشكل منطقي دون إسكاتهم أو إعطائهم معلومات مضللة خاطئة . مما يساعدهم على فهم أجسامهم دون قلق أو خوف مبالغ فيه .
ومما لاشك فيه أن درجة من الحرج والقلق قد تكون مصاحبة لعملية التثقيف الجنسي الصحي .. وهذا طبيعي ومقبول نظراً لحساسية الموضوع ودقته واحتمال سوء فهمه من الآخرين .. ولكن يستدعي ذلك مواجهة الموضوع بنضج ومسؤولية وثقافة علمية صحيحة دون الهروب منه أو إغفاله ..وأيضاً يستدعي البحث عن اللغة المناسبة والمعلومة المناسبة والمكان المناسب والظرف المناسب .. دون إفراط أو تفريط ..
كل ذلك يمكن أن ينعكس إيجابياً على الصحة النفسية والجنسية وعلى التخفيف من مشكلات كثيرة يساهم فيها الجهل والمعلومات الجنسية الخاطئة من مصادرها الخاطئة ..
وتبين الدراسات الخاصة بالاضطرابات الجنسية نفسية المنشأ .. أن علاج هذه الاضطرابات يعتمد في جزء كبير منه على التثقيف الجنسي وإعطاء معلومات طبية وعلمية حول الوظائف الجنسية الطبيعية للإنسان ، وأيضاً على تعديل أفكار المريض عن مفهوم الأداء الجنسي وعن عدد من الأساطير الشائعة المرتبطة بالجنس وذلك بشكل جلسات علاجية تثقيفية .. حيث تساهم هذه المعلومات بتخفيف القلق الجنسي والشعور بعدم الاطمئنان أثناء العمل الجنسي .
والموضوعات التي يمكن طرحها ضمن التثقيف الجنسي الصحي متعددة وأبسطها موضوع " الجوانب التشريحية لجسم الإنسان وللإعضاء الجنسية " وموضوع " البلوغ ومظاهره " وموضوع الحمل والولادة " وموضوع " الأمراض الجنسية بما فيها الإنحرافات والشذوذ " وموضوعات " النظافة والطهارة والقضايا الفقهية المتعلقة بالجنس " وغير ذلك ..
وهناك موضوعات أكثر صعوبة مثل " موضوع الإيذاء الجنسي للأطفال " من قبل الأهل أو المعارف أو الأصدقاء ، وموضوع " الإثارة الجنسية ومراحلها " وغير ذلك .. ولاتعني صعوبة تناول بعض الموضوعات الهروب منها بل تعني تقديم العون والمعلومات والمشورة قدر الإمكان بما يتناسب مع سن المتلقي وقدراته على الفهم والاستيعاب .. وأيضاً بما يتناسب مع أسئلته والنقاط التي يطرحها هو .. وليس مفيداً إعطاء كل المعلومات دفعة واحدة .. ويمكن التدرج في ذلك وتقسيم المعلومات المتوفرة .
ولابد من الإشارة إلى أن المكتبة العربية أصبحت غنية بمؤلفات جادة تثقيفية في القضايا الجنسية .. وكثير من المؤلفين هم من الأطباء الاختصاصيين أو العامين .. وربما يكون من الرواد الأوائل الدكتور صبري القباني بمؤلفاته العديدة مثل " أطفال تحت الطلب " و" حياتنا الجنسية " و" مجلة طبيبك " منذ خمسين عاماً .. كما أصبح لدينا عدد من المجلات المفيدة في السنوات الأخيرة مثل مجلة " الفرحة " ومجلة " ولدي " وغيرها .. والتي تتناول المواضيع الجنسية وغيرها من منظور إسلامي تربوي .
وفي واقعنا الحالي نجد ان مصادر الثقافة الجنسية الشائعة تعتمد بشكل واضح على الأفلام والصورالإباحية أو نصف الإباحية من خلال أفلام السينما والفيديو والأقراص المدمجة والانترنت .. وغيرها من القصص والمجلات الخليعة التي تهدف أساساً إلى الإثارة والربح والميوعة .. وهي تنمي الخيالات المتطرفة والشاذة أو غير الأخلاقية .. وهي ممنوعة بنسب متفاوتة في معظم المجتمعات .. ولكنها تبقى مصدراً خطراً للثقافة الجنسية ..
وتلعب الممارسات الخاطئة والمحرمة بمختلف أشكالها .. دورها في تثبيت معلومات جنسية مرضية وسلوك جنسي مرفوض .. وكذلك الصدمات الجنسية المبكرة التي يتعرض لها الأطفال من الجنسين والتي يمتد تأثيرها إلى مراحل العمر اللاحقة في كثير من الحالات .. مما يطرح أهمية الوعي بها وتنمية وسائل الوقاية والحد منها ..
ومن خلال ما سبق .. يمكننا القول أن الحاجة إلى الثقافة الجنسية الصحية تبقى ضرورة لاغنى عنها .. ولابد من تطويرها وإغنائها من قبل المختصين والتربويين والمهتمين .. بما يضمن الحد من الجهل وشروره وعواقبه من جهة .. ومن الفساد والميوعة والإباحية من جهة أخرى