بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقال ابن القيم - رحمه الله - في كتاب طريق الهجرتين:
"إذا ابتلى اللهُ عبدَه بشيء من أنواع البلايا والمحن ،فإن رده ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه وجمعه عليه وطرحه ببابه ، فهو علامة سعادته وإرادة الخير به.
والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت ،فتقلع عنه حين تقلع وقد عوض منها أجل عوض ، وأفضله ، وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شاردا عنه ، وإقباله عليه بعد أن كان نائيا عنه ، وانطراحه على بابه بعد أن كان معرضا ، وللوقوف على أبواب غيره متعرضا ، وكانت البلية في هذا عين النعمة ، وإنساءته وكرهها طبعه ونفرت منها نفسه، فربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سببا ما مثله سبب ، وقوله تعالى في ذلك هو الشفاء والعصمة : { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لاتعلمون }. وإن لم يرده ذلك البلاء إليه ، بل شرد قلبه عنه ورده إلى الخلق ، وأنساه ذكر ربه ، والضراعة إليه ، والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه ، فهو علامة شقاوته وإرادته الشرَّ به ، فهذا إذا أقلع عنه البلاء رده إلى حكم طبيعته وسلطان شهوته ومرحه وفرحه ، فجاءت طبيعته عند القدرة بأنواع الأشر والبطر والإعراض عن شكرالمنعم عليه بالسراء ، كما أعرض عن ذكره والتضرع إليه في الضراء ، فبلية هذا وبالٌ عليه وعقوبةٌ ونقصٌ في حقه ؛ وبليةُ الأول تطهيرٌ له ورحمةٌ وتكميل" .
رحم الله العالم العلم القيم: "ابن القيم" وأسكنه فسيح جناته ونفعنا بعلومه.